في مشهد سياسي وعسكري متصاعد، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحات نارية، مؤكدًا عزمه على "السيطرة الكاملة على قطاع غزة والقضاء على حماس"، لكنه في الوقت ذاته شدد على أن إسرائيل لا تخطط للبقاء في القطاع كقوة حاكمة. جاءت هذه التصريحات في مقابلة مع قناة "فوكس" الأمريكية، لتفتح بابًا جديدًا في فصول المواجهة الممتدة منذ عقود، بينما تصر حماس على رفض التخلي عن سلاحها إلا بعد قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة.

التصريحات الإسرائيلية، إلى جانب التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية، تضع الحركة أمام ضغوط غير مسبوقة، في وقت تتناقص فيه خياراتها العسكرية والسياسية وسط واقع إنساني مأساوي يعيشه سكان القطاع.

ضغط إقليمي ودولي لخنق حماس

تصريحات نتنياهو جاءت في سياق يتزامن مع حراك دبلوماسي مكثف، أبرز ملامحه مؤتمر دولي عُقد في يوليو الماضي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، برعاية السعودية وفرنسا، وانتهى بإعلان مشترك حمل توقيع 17 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
الإعلان، الذي ضم 42 مادة، لم يكتفِ بالتأكيد على ضرورة التوصل إلى حل الدولتين، بل خصص المادة 11 منه لدعوة حماس إلى التخلي عن حكم غزة وتسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، باعتبار أن "الحكم الرشيد وإنفاذ القانون يجب أن يكون من اختصاص السلطة وحدها".

ولعل اللافت أن دولًا اعتادت لعب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل، مثل مصر وقطر، وقّعت على الإعلان، بينما غابت إسرائيل والولايات المتحدة عن المشاركة والتوقيع، ما يترك مساحة من الغموض حول فرص تطبيقه الفعلي.

السلاح هو القضية

على الجانب الآخر، جاءت ردود حماس حاسمة. ففي مقابلة مع قناة "الجزيرة مباشر"، قال القيادي غازي حمد إن الحركة لن تتخلى "حتى عن الطلقات الفارغة"، معتبرًا أن السلاح هو جوهر القضية الفلسطينية وأداة الدفاع عن الحقوق الوطنية.
ويعكس هذا الموقف تمسك الحركة بخيار المقاومة المسلحة، في مواجهة الضغوط التي تطالبها بالتحول إلى العمل السياسي تحت سقف السلطة الفلسطينية.

بين نصوص نيويورك وتفسيرها

يرى الأكاديمي حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، أن التركيز الإعلامي على المادة 11 من إعلان نيويورك يتجاهل وجود مواد أخرى تدعو لإقامة دولة فلسطينية وضمان الأمن والتعايش. ويقول: "إذا طُبّقت المواد الأخرى، فالمادة 11 ستكون تحصيل حاصل".
لكن على الأرض، تبدو هذه النصوص أقرب إلى الأمنيات، في ظل تصلب الموقف الإسرائيلي وغياب أي مؤشرات على قرب التوصل إلى اتفاق شامل.

واقع عسكري وسياسي هش

منذ هجمات 7 أكتوبر 2023 وما تبعها من حملة عسكرية إسرائيلية واسعة، تراجعت قوة حماس بشكل ملحوظ، رغم استمرارها في إدارة شؤون غزة عبر هياكلها الإدارية ووحدتها الأمنية الجديدة "سهم"، التي تقول إنها تعمل على حفظ النظام ومنع نهب المساعدات.
ومع ذلك، تفيد مصادر محلية بأن مخزون الحركة من الذخيرة يتناقص، وأن مقاتليها يعيدون استخدام بقايا القنابل غير المنفجرة لاستخراج المتفجرات منها.

غضب داخلي وقمع احتجاجات

إلى جانب الضغوط العسكرية، تواجه حماس انتقادات من داخل غزة. ففي مايو الماضي، نددت منظمة العفو الدولية بما وصفته بـ"القمع والترهيب" الذي مارسته الحركة ضد متظاهرين خرجوا احتجاجًا على الأوضاع المعيشية.
ويعكس ذلك تراجعًا في الشعبية التي لطالما شكلت أحد أهم ركائز قوة الحركة منذ سيطرتها على القطاع عام 2007.

تبدل في لهجة العواصم العربية

الموقف العربي أيضًا يشهد تحولًا لافتًا. فجامعة الدول العربية، التي تضم في عضويتها دولًا داعمة تقليديًا لحماس مثل قطر، وقعت على إعلان نيويورك الداعي لنزع سلاح الحركة.
ويعتقد البروفيسور يوسي ميكلبيرغ أن الضغوط الإقليمية قد تترك حماس "معزولة تمامًا"، خاصة في ظل تراجع قدرة حلفائها مثل إيران وحزب الله على تقديم الدعم السابق، نتيجة الحروب والخسائر البشرية والقيادية التي تعرضوا لها.

ورقة الأسرى.. سلاح تفاوضي باقٍ

رغم تراجع قوتها، لا تزال حماس تحتفظ بورقة الأسرى الإسرائيليين الذين اختطفتهم خلال هجمات 7 أكتوبر 2023، حين أسرت 251 شخصًا. وتشير التقديرات الأمريكية إلى أن 20 أسيرًا على الأقل لا يزالون على قيد الحياة في غزة.
وفي مطلع أغسطس، بثت الحركة مقطع فيديو لأحد الأسرى في حالة صحية سيئة، في رسالة واضحة بأن ملف الأسرى سيظل ورقة تفاوضية حتى اللحظة الأخيرة.

اغتيالات تهز البنية القيادية

منذ أكتوبر 2023، شنت إسرائيل سلسلة اغتيالات استهدفت كبار قادة حماس، من بينهم إسماعيل هنية في طهران ويحيى السنوار في غزة، مما شكل ضربة قوية للبنية القيادية للحركة.
ويرى مراقبون أن هذه الخسائر دفعت القيادة المتبقية في غزة إلى البحث عن مخرج يحفظ ما تبقى من نفوذها، وسط إدراك بأن خياراتها تتضاءل يومًا بعد يوم.

معادلة معقدة لمستقبل الحركة

يرى محللون أن حماس قد تجد في المستقبل فرصة لإعادة تشكيل نفسها كقوة سياسية، حتى إذا اضطرت للتخلي عن السلاح، لكن ذلك يتوقف على عاملين رئيسيين.. الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية، وقدرة الحركة على استعادة ثقة الشارع الغزي بعد المعاناة التي خلفتها الحرب.

النفوذ الراسخ رغم العواصف

يرى اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، أن حماس، منذ سيطرتها على القطاع عام 2007، استطاعت بناء شبكة متينة من التحالفات الداخلية وإحكام السيطرة الأمنية، مما مكنها من الصمود في وجه أزمات متتالية. لكن هذا الصمود له ثمن؛ فالحصار الإسرائيلي الممتد، والانكماش الاقتصادي، قلصا من مساحة المناورة أمام قيادة الحركة.

بوصلتها الإقليمية والتحالفات الخارجية

بحسب السيد، فإن مستقبل حماس لا يتحدد فقط بقدرتها العسكرية أو الشعبية، بل أيضًا بمدى صلابة علاقاتها مع القوى الإقليمية الداعمة. فأي تغير في مواقف هذه الأطراف سواء كان بدافع الضغط الدولي أو تبدل الأولويات قد يقلب موازين القوى في غزة، ويفتح الباب أمام ترتيبات جديدة قد تضعف قبضة الحركة على القطاع.

شارع متقلب بين الولاء والسخط

رغم شدة التحديات، لا تزال حماس تحظى بقاعدة جماهيرية معتبرة، مستندة إلى خطاب المقاومة وبرامج الدعم الاجتماعي. لكن هذه الشعبية ليست محصنة؛ إذ تضعف مع تردي الظروف المعيشية، وارتفاع نسب البطالة والفقر، مما يخلق موجات من السخط قد تتحول إلى ضغط داخلي متزايد على قيادة الحركة.

البقاء رهن التكيف

يختتم السيد إلى أن حماس ستظل لاعبًا أساسيًا في غزة على المدى القريب، مدعومة بقدراتها العسكرية وعلاقاتها الإقليمية. لكن البقاء على المدى البعيد يتطلب مراجعة استراتيجية عميقة، توازن بين مشروع المقاومة ومتطلبات حياة الناس. وحتى إن تخلت الحركة عن السلاح، فإن تاريخها ومخزونها الشعبي قد يتيحان لها العودة كلاعب سياسي قوي، لكن ذلك يبقى رهين تغيّر المعادلة الإسرائيلية وهو أمر يبدو بعيدًا في ظل سياسات حكومة نتنياهو.

 حماس بين المطرقة والسندان

اليوم، تبدو حماس في مواجهة أشد اختبار منذ نشأتها.. ضغوط عسكرية إسرائيلية، عزلة إقليمية متزايدة، وأزمة إنسانية خانقة في غزة. ورغم امتلاكها أوراقًا مثل ملف الأسرى وشبكة تحالفات ممتدة، إلا أن بقائها لاعبًا رئيسيًا على المدى البعيد مرهون بقدرتها على التكيف مع متغيرات الداخل والخارج.
وفي حين يرفع نتنياهو شعار "السيطرة الكاملة على غزة"، ترد حماس بشعار "السلاح هو القضية"، لتظل المواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات، من التصعيد الشامل إلى التسوية السياسية، مرورًا بسنوات طويلة من الاستنزاف المتبادل.

طباعة شارك نتنياهو إسرائيل غزة الأمم المتحدة نيويورك السعودية حماس

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: نتنياهو إسرائيل غزة الأمم المتحدة نيويورك السعودية حماس فی غزة

إقرأ أيضاً:

إيران تعلن دعمها لحزب الله في مواجهة نزع السلاح

أعلنت الخارجية الإيرانية دعم البلاد لحليفها "حزب الله" في قراراته، مؤكدةً أن أي قرار يتعلق بسلاح الحزب يعود إليه وحده، وذلك في ظل تصاعد الجدل حول خطة الحكومة اللبنانية لنزع سلاح الحزب.

وأوضح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في مقابلة متلفزة بُثّت مساء الأربعاء، أن إيران تدعم "حزب الله" من دون التدخل في قراراته الداخلية، مضيفاً أن الحزب أعاد بناء قدراته العسكرية بعد المواجهات التي خاضها مع الاحتلال الإسرائيلي العام الماضي.

وأشار إلى أن محاولات نزع سلاح الحزب ليست جديدة، معتبراً أن السبب الرئيسي وراء هذه المحاولات هو "قوة سلاح المقاومة"، بحسب تعبيره.

وعلّق عراقجي على موقف نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، الشيخ نعيم قاسم، واصفاً إياه بـ"الحازم"، لافتاً إلى أن حركة "أمل" ورئيس مجلس النواب نبيه بري أبديا دعماً واضحاً لموقف الحزب، ما يعكس تمسك الحزب وحلفائه برفض خطة نزع السلاح.

وتأتي هذه التصريحات في ظل خطوات اتخذتها الحكومة اللبنانية، حيث أعلن رئيس الوزراء نواف سلام تكليف الجيش بإعداد خطة تنفيذية لحصر السلاح بيد الدولة، على أن تُعرض الخطة على مجلس الوزراء نهاية الشهر الجاري للنقاش والمصادقة.

وفي سياق متصل، ألقى الرئيس اللبناني، جوزيف عون، خطاباً وصف بـ"غير المسبوق"، دعا فيه إلى سحب السلاح من جميع القوى المسلحة، بما في ذلك "حزب الله"، وتسليمه إلى الجيش اللبناني، في خطوة تشير إلى تحول لافت في الخطاب الرسمي حيال ملف السلاح خارج سلطة الدولة.
 


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند إيران تعلن دعمها لحزب الله في مواجهة نزع السلاح أسعار العملات المشفرة مقابل الدولار اليوم بمساعدة من كلوب..ليفربول يقترب من صفقة إيزاك التاريخية أطعمة مثالية للعرسان لمنح الطاقة والحفاظ على الهدوء من التجديد إلى التمرّد..كيف تحولت علاقة برشلونة وتير شتيغن إلى حرب مفتوحة؟ Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • غزة على صفيح ساخن.. خبير يكشف سيناريوهات مستقبل حماس في القطاع
  • خطة إسرائيلية للسيطرة على غزة.. نتنياهو واليمين المتطرف يخططان لابتلاع القطاع (فيديو)
  • حماس: مخطط احتلال غزة وإجلاء سكانها جريمة إبادة.. وواشنطن شريكة بالدم
  • الكابينت الإسرائيلي يقر خطة نتنياهو لاحتلال غزة بالكامل
  • السفير الأميركي في إسرائيل: “لا مستقبل لحماس في قطاع غزة”
  • نتنياهو: نريد تسليم غزة لقوات عربية لا تهددنا.. والجيش يحذر من فخ الاحتلال (شاهد)
  • الكابينيت الإسرائيلي يبحث مستقبل غزة وسط إعلان نتنياهو نية السيطرة دون الإدارة
  • نتنياهو: لا ننوي البقاء في غزة وقوات عربية ستدير القطاع
  • إيران تعلن دعمها لحزب الله في مواجهة نزع السلاح