السماء تشتعل والطائرات تفر.. كيف غيرت الحرب على إيران مسار الطيران؟
تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن القوات الأميركية نفذت هجوما وصفه بـ"الناجح جدا" على ثلاثة مواقع نووية إيرانية: فوردو، نطنز، وأصفهان.
وأشار ترامب إلى أن الغارة الأميركية استهدفت منشأة فوردو بحمولة كاملة من القنابل، مؤكدا أن الموقع أصبح غير قابل للتشغيل. بينما أكدت إيران أنه تم تقليص عدد العاملين في المنشأة بشكل كبير في الأيام التي سبقت الهجوم.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية الإيرانية في 13 من الشهر الجاري، وفي مشهد يعكس تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، باتت أجواء المنطقة شبه خالية من الطائرات المدنية، بعدما تحولت السماء إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين واشنطن وطهران وإسرائيل.
الضربات الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية اليوم، والرد الصاروخي الإيراني الذي تبعها على إسرائيل، دفعتا شركات الطيران الكبرى إلى تأكيد تجنب الطيران فوق منطقة الشرق الأوسط فورا التي باتت تصنف "نقاط خطر حمراء" في عالم الطيران.
ولأول مرة منذ سنوات، تشهد خريطة الملاحة الجوية العالمية تحولات مفاجئة ومكلفة، مع تغييرات في المسارات الجوية وزيادة في زمن الرحلات وتكاليف التشغيل، ما يلقي بظلاله على شركات الطيران والمسافرين معا. فكيف أثّرت هذه التطورات العسكرية على حركة النقل الجوي؟ وما الذي ينتظر قطاع الطيران إذا استمر التصعيد؟
تداعيات خطيرة على حركة الملاحة الجوية
كان للهجوم الأميركي الأخير على المواقع النووية الإيرانية تداعيات بالغة على قطاع الطيران العالمي، حيث اضطرت كبرى شركات الطيران حول العالم إلى إعادة توجيه رحلاتها بعيدا عن مساحات واسعة من المجال الجوي في الشرق الأوسط، تفاديا لمخاطر التصعيد العسكري وتبادل الصواريخ المستمر في المنطقة، وفقا لصحيفة الإندبندت البريطانية.
وبحسب بيانات من موقع تتبع الرحلات الجوية "فلايت رادار24" (FlightRadar24)، كان التجنب المستمر لهذه الممرات الجوية الرئيسية واضحا يوم الأحد.
إعلانوأكد الموقع الوضع على منصة التواصل الاجتماعي X، قائلا: "في أعقاب الهجمات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، تعمل حركة المرور التجارية في المنطقة كما كانت منذ فرض قيود جديدة على المجال الجوي الأسبوع الماضي" وفقا لوكالة رويترز.
مسارات بديلة وتكلفة باهظةوقالت منظمة "المجال الجوي الآمن" (safe airspace) وهي موقع إلكتروني قائم على العضوية تديره مجموعة "أو بي إس غروب" إن الهجمات الأميركية على إيران قد تزيد المخاطر على المشغلين في المنطقة.
وبحسب موقع "فلايت رادار24″، فإن طائرات شركات الطيران مثل "يونايتد إير لاينز" (United Airlines) و"أميركان إيرلاينز" (American Airlines) تتجنب المناطق عالية الخطورة، بما في ذلك إيران والعراق وسوريا وإسرائيل.
وأظهرت بيانات التتبع المباشر للموقع الإلكتروني (فلايت رادار24) غيابا واضحا للرحلات الجوية التجارية فوق إيران والعراق وسوريا ولبنان وإسرائيل والكويت والأردن، وعوضا عن ذلك، اختارت شركات الطيران مسارات بديلة، إما شمالا عبر بحر قزوين أو جنوبا عبر مصر والسعودية.
ورغم ضمان هذه التحويلات للسلامة، إلا أنها تأتي بتكلفة باهظة، إذ تؤدي إلى:
ارتفاع تكاليف الوقود. زيادة تكاليف الطاقم. صعود تكلفة التأمين على الرحلات. إطالة أوقات رحلات الركاب والبضائع.
الخطر قد يمتد لدول أخرى بالمنطقة
أكد موقع "فلايت رادار24" أن شركات الطيران تتعامل حاليا مع المجال الجوي فوق عدة دول في الشرق الأوسط على أنه محظور، بما في ذلك دول غير متورطة بشكل مباشر في الصراع الأخير. ويجري حاليا إعادة توجيه المسارات بشكل نشط، مما يؤثر على الرحلات الطويلة التي تربط أوروبا وآسيا وأفريقيا.
وحذرت منظمة "المجال الجوي الآمن" (safe airspace) من أن التهديدات المحتملة قد تمتد الآن إلى دول الخليج، بما في ذلك البحرين وعمان والإمارات.
وردا على عدم الاستقرار المتزايد، علقت شركة "أميركان إيرلاينز" (AA) خدماتها إلى قطر، بينما أوقفت شركة "يونايتد إير لاينز" (UA) رحلاتها إلى دبي وفقا لمنصة "أفييشن 2زد" (Aviationa2z).
ورغم عدم وقوع أي هجمات مباشرة على الطائرات المدنية، لا يزال مشهد التهديدات متقلبا. وتراقب شركات الطيران والحكومات على حد سواء تطورات الوضع عن كثب.
الرحلات الجوية عبر السعودية تتضاعف إلى 1400 رحلة يومياوفي أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران ارتفعت الرحلات الجوية فوق السعودية من متوسط 700 رحلة يوميا في منتصف مايو/أيار إلى 1400 رحلة يوميا منذ إغلاق المجال الجوي الإيراني والعراقي في 13 يونيو/حزيران وفقا لموقع "فلايت رادار24".
كما ارتفعت حركة الطيران فوق أفغانستان من متوسط 50 رحلة يوميا في مايو/أيار إلى 280 رحلة يوميا منذ 13 يونيو/حزيران. وتأتي هذه الزيادة في حركة الطيران بالتزامن مع إصدار منطقة كابول الجوية إشعارا بالهبوط (NOTAM) يُبلغ الرحلات الجوية باحتمالية توقفها أثناء الرحلة نظرا لضرورة توفير تباعد بين الطائرات وفقا للمصدر السابق.
شركات الطيران العربية الأكثر تضرراتضررت شركات الطيران العالمية التي تسير رحلات منتظمة إلى المنطقة بشكل كبير، ولكن الضرر الأكبر وقع على شركات الطيران المحلية العربية العاملة في المنطقة، وعلى سبيل المثال عادة ما تمر الغالبية العظمى من رحلات قطر إلى أوروبا وأميركا الشمالية عبر العراق، بينما تمر رحلات طيران الإمارات عبر العراق وإيران، وقد تعطل هذا المساران حاليا.
إعلانوقد أدى فقدان شركة "فلاي دبي" لإمكانية عبور المجال الجوي الإيراني إلى زيادة أوقات رحلاتها، إذ يتعين عليها الآن التوجه شرقا عبر باكستان وأفغانستان للوصول إلى دبي. على سبيل المثال، زادت مدة رحلات الشركة من دبي إلى موسكو من حوالي خمس ساعات إلى ما يقرب من سبع ساعات.
وحتى قبل الحرب الأخيرة، كانت خيارات شركات الطيران للسفر بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا محدودة إذ يمر مسار الدائرة الكبرى (أو أقصر مسار في العالم) بين أوروبا وآسيا عادة عبر أوكرانيا أو روسيا، وهو مجال جوي غير متاح حاليا لجميع شركات الطيران (في حالة أوكرانيا) وجميع شركات الطيران الغربية (في حالة روسيا).
وقد أدى ذلك إلى تضييق نطاق حركة المرور في مساحة محدودة فوق البحر الأسود شمالا وعبر السعودية جنوبا، ومع اتساع الصراع في الشرق الأوسط وإغلاق مسارات جوية إضافية، فقد تكون الآثار على الطيران التجاري وخيمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی الشرق الأوسط الرحلات الجویة شرکات الطیران المجال الجوی فی المنطقة رحلة یومیا
إقرأ أيضاً:
لماذا انقلب نتنياهو على مسار المفاوضات وأين يتجه في غزة؟
غزة- بينما كانت الأنظار تتجه نحو انفراجة محتملة في ملف تبادل الأسرى بعد أسابيع من المفاوضات المكثفة، فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية– الوسطاء بتراجعه في اللحظة الأخيرة، رافعا سقف التصعيد بالحديث عن احتلال قطاع غزة مجددا.
خطوة رآها مراقبون جزءا من سياسة المناورة المستمرة التي ينتهجها نتنياهو للهروب من الاستحقاقات الداخلية والضغط لتحصيل مزيد من التنازلات.
ورغم ترقّب اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) مساء الخميس، فإن أغلب التقديرات ترجّح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يوظف الموقف التفاوضي لخدمة أهداف سياسية داخلية، مرتبطة بمصالحه الشخصية والانتخابية، ويستخدمها للمناورة حتى اللحظة الأخيرة عله يستطيع أن ينتزع المزيد من التنازلات من حركة حماس.
الهروب من المفاوضاتمن جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة -في حديثه للجزيرة نت- أن تراجع نتنياهو عن مفاوضات الصفقة التي قادها الوسطاء خلال الأسابيع الأخيرة يعود لجملة أسباب تتمثل في:
اعتبارات سياسية داخلية، تحقق لنتنياهو الهروب من المحاسبة لأنه يدرك أن إتمام صفقة قد يعيد المشهد إلى مربع طرح "ما بعد الحرب"، وهو ما يفتح عليه أبواب التحقيق ولجان الفشل، خصوصا في ظل تعاظم النقد الداخلي. الحفاظ على تماسك الائتلاف، لأن أي صفقة تُفسّر أنها تنازل لحماس قد تُفجّر الحكومة بفعل ضغط اليمين المتطرف، لذا فالتصعيد أسهل وأقل تكلفة سياسيا. تأجيل الاستحقاقات السياسية، لأن بقاء الحرب من دون حل يجمّد الدعوات لانتخابات مبكرة ويمنح نتنياهو الوقت لخلط الأوراق مجددا. اعتبارات أمنية وعسكرية، حيث يعتقد نتنياهو أن أي صفقة من دون إنجاز ميداني ملموس يحقق فيه "صورة نصر" تتمثل بإسقاط حكم حماس تُعد هزيمة، لذا يُفضّل الإبقاء على التصعيد بحثا عن ورقة قوة تُستخدم في التفاوض لاحقا. اعتبارات إستراتيجية وتكتيكية تشمل استخدام المفاوضات كغطاء، حيث كان نتنياهو يستخدمها أداة ضغط لتحصيل تنازلات، وما إن وصلت حماس إلى موقف ثابت من دون تراجع إضافي، توقف نتنياهو. ضرب الزخم الإيجابي بعدما شعر نتنياهو أن الوسطاء بدؤوا يتقاربون مع مقاربة فلسطينية قابلة للحياة، فانسحب حتى لا يُفرض عليه مسار تفاوضي جديد يُنهي الحرب تدريجيا. المناورة أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويندرج تحتها محاولة نتنياهو استثمار الدعم الأميركي الكبير له لتكريس وقائع ميدانية قبل أي تسوية مفروضة لاحقا من المجتمع الدولي. الضغط على حماس عبر التصعيد، لأن الهدف قد لا يكون الحرب الشاملة، بل جولة تضغط على الحركة وتعيدها إلى طاولة التفاوض بشروط إسرائيلية.من جانبه، يعتقد الباحث في الشأن الأمني والعسكري رامي أبو زبيدة -في حديث للجزيرة نت- أنه إذا أصرت حكومة الاحتلال على الذهاب نحو توسيع العمل العسكري في قطاع غزة فإن هناك 3 سيناريوهات متوقعة:
إعلان تقسيم القطاع وفرض واقع تهجيري من خلال فصل مدينة غزة وشمالها عن باقي المناطق بإنشاء "منطقة عازلة" ومخيمات نزوح بدعم أميركي غير معلن، مع تصعيد الضغوط الجوية لتشجيع النزوح جنوبا، مقابل تسهيلات إنسانية في الجنوب. اجتياح بري لمركز قطاع غزة يركّز على مدينة غزة والمخيمات الوسطى بهدف البحث عن الأسرى، لكنه يحمل مخاطر كبيرة على الجنود الإسرائيليين واحتمال وقوعهم في كمائن ومعارك استنزاف في بيئة معقدة. إستراتيجية التآكل البطيء عبر ضربات جوية متواصلة، وإنزالات ميدانية محدودة، وضغوط إنسانية وسياسية متزامنة تهدف إلى إنهاك المقاومة، من دون الانجرار إلى مواجهة واسعة.
ثقة الإسرائيليين تتآكل
وفي خضم التهديدات الإسرائيلية، استطلع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي آراء الجمهور الإسرائيلي حول الأداء الأمني والسياسي في الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، حيث أظهر أن 61% منهم لا يعتقدون أن العمليات العسكرية في غزة ستعيد الأسرى، في حين يرى 25% من الجمهور فقط أن العمليات ستؤدي إلى هزيمة حماس وإعادة الأسرى، بينما يرى 52% منهم أن حكومة نتنياهو تعرقل التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى.
ونشرت منصة شؤون عسكرية قراءة لنتائج الاستطلاع قالت فيها إن مؤشرات الاستطلاع تنسف جوهر العقيدة العسكرية الإسرائيلية المبنية على فرض الوقائع بالقوة واستعادة الأسرى من دون تنازلات، كما أن المقاومة نجحت في تثبيت معادلة استنزاف فاعلة، تجعل أي حسم مستحيلا، وتعزّز من مركزية خيار المقاومة لدى الفلسطينيين.
وبحسب المنصة الإسرائيلية، فإن أي عملية عسكرية قادمة في غزة أو أي جبهة ستُقابل بسقف منخفض من التوقعات الشعبية، مما يقلّص حرية المناورة لدى الجيش، ويجعله عُرضة للضغط الشعبي والإعلامي في حال تكبّده خسائر من دون نتائج ملموسة.
وتشير المنصة إلى أن الجيش يفقد تدريجيا مكانته "المقدسة" في الوعي الإسرائيلي، وهذا يعيد النقاش حول قدرته على الحسم، ويعزز مناخا متزايدا من فقدان الثقة بالمنظومة الأمنية برمّتها، وسيتحول الانقسام الداخلي الإسرائيلي، والتشظي المجتمعي، إلى ساحة جديدة للصراع، وهو ما تراهن عليه المقاومة وتراكم عليه نتائج حرب الاستنزاف.