القدس المحتلة- في تطور لافت على جبهة التصعيد بين إسرائيل وإيران، بدأت تل أبيب تبدي إشارات علنية إلى رغبتها بإنهاء الحرب الدائرة، وذلك بعد الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت مواقع نووية إيرانية.

وأظهرت تصريحات مسؤولين إسرائيليين نقلتها هيئة البث الرسمية أن الحكومة مستعدة لوقف إطلاق النار "حتى غدا" إذا أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي استعداده لذلك، في رسالة بدت للكثير من المراقبين كمحاولة لفتح باب للتهدئة من دون الاعتراف المباشر بالحاجة الملحة إليها.

هذه الرسائل، التي صدرت بعد أيام من التصعيد، لم تمر من دون انتباه في أوساط المحللين العرب، الذين رأوا فيها مؤشرا على حجم الضغط الذي تتعرض له إسرائيل داخليا، خصوصا في ظل الشلل الذي أصاب الحركة في المدن الإسرائيلية للأسبوع الثاني على التوالي، والتقارير المتزايدة عن تآكل المخزون الدفاعي، خاصة فيما يتعلق بالصواريخ الاعتراضية.

وأجمع المحللون على أن هذا الخطاب الإسرائيلي الجديد لا يعكس إنجازا عسكريا حاسما، بل اعترافا غير مباشر بالثمن الباهظ الذي تدفعه إسرائيل نتيجة الرد الإيراني، لا سيما مع عدم قدرة الضربات الأميركية، التي دفع بها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- على تدمير المشروع النووي الإيراني بشكل كامل.

وعلى الرغم من "الضرر الهائل" الذي تدعي تل أبيب أنها ألحقته بالبرنامج، فإن المؤشرات الميدانية تؤكد أن إيران نجحت في إنقاذ بعض مكونات منشآتها الحساسة، مما يترك الباب مفتوحا أمام مواصلة المشروع لاحقا.

قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في مقر غرفة العلميات لمراقبة الهجمات الجوية الإسرائيلية في إيران بعد الضربة الأميركية
(الجيش الإسرائيلي) القلق الإسرائيلي

في خلفية هذا المشهد، يبرز القلق الإسرائيلي العميق من سيناريو حرب استنزاف طويلة، تستنزف القدرات العسكرية والاقتصادية وتضعف الجبهة الداخلية، كما فعلت إيران سابقا مع العراق في حرب السنوات الثمانية.

إعلان

وبالنظر إلى تلك التجربة، يخشى الإسرائيليون من تكرار مسار لا يملكون فيه القدرة على الحسم ولا التوقيت لإنهائه. من هنا، يُقرأ الانفتاح الإسرائيلي على وقف الحرب على أنه محاولة لتفادي الغرق في مستنقع إقليمي مفتوح، أكثر منه تعبيرا عن ثقة ميدانية أو تفوق إستراتيجي.

ويرى محللون وباحثون في الشأن الإسرائيلي أن إيران، على الأرجح، ستتجنب الرد المباشر على الولايات المتحدة، رغم الضربة الأخيرة التي استهدفت منشآتها النووية.

هذا الامتناع، بحسب تقديراتهم، لا ينبع من ضعف، بل من حسابات إستراتيجية دقيقة، تهدف إلى تفادي الانجرار إلى مواجهة مفتوحة مع واشنطن، قد تكون أكثر قسوة وأشد تكلفة.

في المقابل، تفضل طهران التركيز على استنزاف إسرائيل، عبر هجمات صاروخية دقيقة وعنيفة، تتسبب بأضرار جسيمة، سواء في البنية التحتية أو في الجبهة الداخلية، دون أن تفتح الباب أمام حرب إقليمية شاملة.

مسار الاستنزاف

وفي معرض تعليقه على ما إذا كانت التلميحات الإسرائيلية حول الاستعداد لوقف الحرب تعكس اعترافا ضمنيا بتأثير الهجمات الإيرانية، يقول الباحث أنطوان شلحت إن إسرائيل لن تقر بذلك علنا، بل تستمر في تسويق رواية مفادها أنها "دمرت البرنامج النووي الإيراني"، رغم معرفتها الدقيقة بأن هذا الادعاء لا يستند إلى واقع.

ويضيف شلحت للجزيرة نت أن الخطاب الإسرائيلي الرسمي يحاول الحفاظ على صورة "الإنجاز"، في وقت تدرك فيه القيادات الأمنية، بل وتقر ضمنيا، بأن أقصى ما يمكن تحقيقه عسكريا هو تأخير البرنامج النووي الإيراني، لا تدميره.

وأوضح شلحت أيضا أن هذا التباين في الخطاب بين المستوى السياسي والأمني ليس جديدا. فبينما يروج الساسة، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، لفكرة القدرة على القضاء على المشروع النووي الإيراني، تتحدث المؤسسة العسكرية والأمنية بلغة أكثر واقعية ومهنية، وتقر صراحة أن مثل هذا الهدف غير ممكن دون إسقاط النظام الإيراني نفسه.

وبناء على هذا، يرى شلحت أن نتنياهو، الذي بنى عقيدته الأمنية طوال سنوات على "الخطر الإيراني"، كان بحاجة ماسة إلى عمل عسكري يظهر من خلاله إنجازا ما، لذلك سعى إلى جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع إيران، يخرج من خلالها بمكاسب سياسية وأمنية.

ويعتقد شلحت أن حجم الدمار الذي تسببت به الصواريخ الإيرانية داخل إسرائيل، سواء ما كشف عنه أو ما لا يزال طي الكتمان، لعب دورا محوريا في دفع صناع القرار الإسرائيليين للتفكير الجدي بوقف الحرب.

ولفت إلى أن الخسائر الجسيمة في البنى التحتية، والممتلكات، والحالة النفسية للجبهة الداخلية، شكلت ضغطا مضاعفا على القيادة السياسية، التي بدأت تدرك أن استمرار المعركة قد يفقد إسرائيل ما تبقى من إنجازاتها، ويزج بها في مسار استنزاف طويل الأمد، لا قدرة لها على تحمله.

هجوم إيراني واسع بالصواريخ على إسرائيل، ومسؤولون إسرائيليون يقولون إنهم يأملون في إنهاء المعركة مع #إيران خلال أيام
الخبر في قصة بـ #إيحاز pic.twitter.com/9EDu1Km9Am

— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 23, 2025

 غياب الإستراتيجية

في قراءة مكملة لما ذهب إليه شلحت، يرى المؤرخ الفلسطيني الدكتور جوني منصور أن التخبط الظاهر في التصريحات الإسرائيلية، سواء من قبل المسؤولين السياسيين أو العسكريين، يعكس حالة من الإرباك العميق في التعامل مع مسار الحرب المتصاعدة مع إيران.

إعلان

وأشار منصور للجزيرة نت إلى أن هذا التناقض في الخطاب الإسرائيلي لا يعكس فقط غياب إستراتيجية واضحة، بل يكشف أيضا عن قلق من تحول المواجهة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق قد تخرج عن السيطرة.

وفي تعليقه على التصريحات التي تلمح إلى استعداد إسرائيل لوقف الحرب، يرى منصور أن الهدف الحقيقي منها ليس السعي لتهدئة أو تسوية، بل محاولة التفرد بإيران في لحظة ينظر إليها في تل أبيب على أنها لحظة ضعف مؤقتة، بما يتيح فرض اتفاق استسلام عليها.

هذا الاتفاق، حسب الرؤية الإسرائيلية، يجب أن يتضمن تعهدا إيرانيا بوقف مشروعها النووي والتخلي عن ترسانتها الصاروخية الدقيقة والباليستية، وذلك بدعم من واشنطن وحلفائها الأوروبيين.

أما ما يروج له إسرائيليا بشأن "اقتراب استكمال بنك الأهداف" والاستعداد لوقف الحرب بعد تحقيق الإنجازات المطلوبة، فيصفه منصور بأنه "مجرد هرطقات سياسية"، متهما نتنياهو بالمراوغة، إذ يواصل الحرب على أكثر من جبهة من دون جدول زمني حقيقي أو حدود واضحة، معتبرا أن مستقبل المعركة مع إيران لا تحدده إسرائيل بل طهران وحدها.

ويخلص منصور إلى أن العامل الحاسم في الموقف الإسرائيلي ليس الإنجاز العسكري، بل الضغط الناتج عن الصواريخ الإيرانية التي طالت العمق الإسرائيلي. هذه الصواريخ، بحسب تقييمه، أصابت الجبهة الداخلية بالشلل، وعطّلت المرافق الاقتصادية والتجارية، وأثرت على الحياة اليومية بشكل كبير، كما كشفت محدودية قدرة الدفاعات الجوية الإسرائيلية على التصدي الكامل لها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات النووی الإیرانی أن هذا

إقرأ أيضاً:

تحليل لـCNN.. ما وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي لا ترضي أحدًا

تحليل بقلم تال شاليف مراسل شبكة CNN في تل أبيب

(CNN)-- بعد مرور ما يقرب من عامين على حرب غزة، صوّت مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على توسع عسكري جديد، حيث مقترح خطة السيطرة على مدينة غزة. هذه الخطة، التي بادر بها ودفع بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، تكشف، بلا شك، عن مناوراته السياسية الداخلية أكثر مما تكشف عن أي استراتيجية عسكرية مدروسة جيدًا.

تم اعتماد الخطة رغم الاعتراض الشديد من القيادة العسكرية الإسرائيلية والتحذيرات الخطيرة من أنها قد تُفاقم الأزمة الإنسانية وتُعرّض الخمسين رهينة المتبقين في غزة للخطر. يأتي هذا التوسع الكبير في الحرب أيضًا على خلفية تراجع كبير في الدعم العالمي لإسرائيل، وتراجع في التأييد الشعبي الداخلي لاستمرار الحرب.

ومع ذلك، دفع نتنياهو بخطته قدمًا، لما لها من فائدة واحدة على الأقل غير مُعلنة: إنها تمنحه وقتًا للكفاح من أجل بقائه السياسي. ومع شركائه الحاليين في الائتلاف اليميني المتطرف، فإن هذا يعني إطالة أمد الحرب. مرارًا وتكرارًا، أحبط حلفاء نتنياهو، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار وأجهضوه، مهددين بانهيار حكومته إذا انتهت الحرب.

في الواقع، لا ترقى خطة نتنياهو لمحاصرة مدينة غزة إلى مستوى مطالب شركائه في الائتلاف: إذ يدفع بن غفير وسموتريتش باتجاه احتلال كامل للقطاع المحاصر كخطوة أولى لإعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة، وفي نهاية المطاف ضمها. كما أنها أقل مما روّج له نتنياهو نفسه قبل الاجتماع.

مقالات مشابهة

  • تحليل لـCNN.. ما وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي لا ترضي أحدًا
  • يسرائيل هيوم تكشف تفاصيل جديدة عن العمليات الاستخبارية الإسرائيلية في إيران
  • إيران تعلن القبض على 20 عميلا لـالموساد الإسرائيلي خلال الشهور الماضية
  • إيران تعلن اعتقال 20 مشتبها بالتجسس لصالح الموساد الإسرائيلي
  • الرئيس الإيراني: لاعتداءات التي تعرضت لها إيران لم تكن هجمات صهيونية
  • عاطف حسن: العين بصيرة.. والليد قصيرة: قراءة بين الإعسار المشروع والوفاء الممكن
  • وزير الخارجية ونظيره الإيراني يبحثان خطط إسرائيل بشأن احتلال غزة
  • اعترفت بقتل 11 زوجا لها خلال مسيرتها الزوجية وعقدت على 18 زوجا بالمتعة.. الإيرانية كلثوم أكبري الزوجة الحنونة التي هزت إيران
  • معلومات خطيرة تكشف تفاصيل الخيارات الإسرائيلية التي يجري التحضير لها في غزة
  • الزوجة القاتلة التي أنهت حياة 11 رجلاً.. قصة كلثوم أكبري التي هزت المجتمع الإيراني