علي العايل
في خضم تقلبات السياسة وتغيّر الأحوال، يبقى الوطن هو الثابت الذي لا يتغير، ولا تتأثر قدسيته بتغيُّر الحكومات؛ فالوطن ليس مجرد رقعة جغرافية؛ بل هو المعنى العميق للهوية والانتماء والذاكرة الجمعية، التي يُفترض أن تكون فوق كل الولاءات العابرة والمصالح الضيقة.
إن الخلط بين الوطن والحكومة هو الخلل الأكبر في وعي الأفراد والجماعات، وهو ما يؤدي إلى تزييف مفهوم الانتماء الحقيقي؛ فحين يُختزل الوطن في المسؤولين والمنظومة الحكومية، تُفرَّغ الوطنية من معناها، وتُحوَّل إلى أداة طيعة بيد المُستفيدين، الذين يجعلون من الولاء للسُلطة معيارًا وحيدًا للمواطنة؛ فينقلب المُخلِص عدوًا، والمنافق بطلًا، ويُصبح النفاق فضيلة، والنقد خيانة!
الانتماء الصادق للوطن لا يُقاس بعدد كلمات المدح، ولا بمستوى القرب من دوائر النفوذ؛ بل يُترجم في الإخلاص للعمل، والحرص على المصلحة العامة، والجرأة في قول الحقيقة، والوقوف إلى جانب الناس في وجعهم وأحلامهم.
وفي هذا السياق، على كل مسؤول، في أي مكان، أن يعي أن النقد البنّاء، والتوجيه المسؤول، سواء جاء من كاتب أو شاعر أو مثقف أو أي مواطن عادي، هو في حقيقته محاولة صادقة لتقويم اعوجاج، وتصحيح مسار إداري أو تنظيمي انحرف عن موضعه الصحيح. لا سيما حين يكون النقد موجَّهًا إلى فساد إداري أو استغلال نفوذ من قبل ممن يُفترض بهم أن يخدموا الناس ويراعوا مصالحهم. والنقد في مثل هذه الحالات لا يُعد خصومة؛ بل هو ممارسة وطنية ناضجة تصب في الصالح العام، وتُسهم في خدمة المواطن والسلطة معًا، عبر تصحيح الأداة وإعادة الاعتبار للدور الحقيقي للمؤسسات؛ فالولاء الحقيقي لا يُطلب ولا يُفرض؛ بل يُغرس في النفوس بفعل العدالة والحرية والمشاركة. وحرمة الأوطان تُستمد من كرامة الإنسان، من سيادة القانون، من احترام الرأي، من تكافؤ الفرص، وليس نتيجة نفوذ سلطوي؛ فالمجتمع الذي يُقدِّم المسؤول على الوطن، ويجعل الولاء له ولسلطته بديلًا عن الولاء للأرض، هو مجتمع فَقَدَ بوصلته، وفتح الباب واسعًا أمام التزلُف، وأغلقه في وجه الإصلاح.
إن الأوطان لا تنهض بالشعارات ولا بالمظاهر؛ بل بتكريس كل الطاقات والكفاءات في سبيل بناء الوطن وخدمته، وهذا لن يتحقق إلّا إذا جعلت الجهات المسؤولة -بوصفها أداة إدارة لا كيانًا مقدسًا- من رفاهية الشعب وكرامته وحقه في الحياة الكريمة أولى أولوياتها، ووضعت نصب أعينها أن وجودها مرتبط بمدى وفائها لهذا الوطن، لا بمقدار ما يُقال عنها أو يُكتب لها.
وفي منظومة الحياة، تتغير السُلطات، وتتبدل الوجوه، وتبقى الأوطان شاهدة على من أخلص لها، ومن خدمها، ومن استغلها؛ لذلك، فإن كل ولاء لا يُبنى على مصلحة الوطن، هو ولاء ناقص أو زائف، وكل كلمة لا تُقال دفاعًا عن حق الناس، فهي خيانة صامتة؛ فلتكن البوصلة دائمًا للوطن ثم كل ما عداه.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جامعة أسيوط التكنولوجية تُنظم زيارات ميدانية للمناطق العسكرية لتعزيز قيم الولاء والانتماء لدى الطلاب
نظّمت جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية زيارة ميدانية إلى عدد من المناطق والوحدات العسكرية، وذلك بالتنسيق مع إدارة الدفاع الشعبي والعسكري بالقوات المسلحة وتأتي هذه الزيارة تنفيذًا لتوجهيات الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بنتظيم زيارات ميدانية لطلاب الجامعات لشبه جزيرة سيناء، وتحت رعاية الدكتور جمال تاج عبدالجابر رئيس الجامعة، وإشراف الدكتور علي يوسف نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، والدكتور عصام محمود منسق عام الأنشطة الطلابية بالجامعة.
وتهدف هذه الزيارات إلى تعريف الطلاب بالدور الوطني الذي تقوم به القوات المسلحة في حماية أمن الوطن واستقراره، وتعزيز قيم الانتماء والولاء في نفوس الشباب، من خلال الاطلاع المباشر على طبيعة العمل العسكري، والانضباط، والتجهيزات الدفاعية الحديثة.
وقد شملت الزيارات جولات ميدانية داخل عدد من المنشآت العسكرية، حيث استمع الطلاب إلى عروض تعريفية حول تاريخ القوات المسلحة، ومهامها في حماية الأمن القومي، ودورها في دعم جهود التنمية الشاملة، وعرض تقديمي حول المتحف الحربي ومحتوياته ومراحل إنشاء الجيش الثالث الميداني، وعرض المعارك التي خاضها الجيش منذ إنشاؤه.
كما تضمنت الزيارة تفقد بعض المناطق في قيادة الجيش الثالث الميداني، وفوج تأمين المجري الملاحي بقناة السويس، زيارة مزارع موسي بمحافظة سيناء، بالإضافة إلي المتحف الحربي لقناة السويس.
وأكد الدكتور جمال تاج، رئيس الجامعة، أن هذه المبادرة تعكس مدي إيمان الجامعة الكامل بدورها الوطني والاستراتيجي المتميز تجاه أبناءها الطلاب، لغرس القيم الوطنية في نفوسهم، وتنمية شعورهم بالمسؤولية تجاه الوطن، مشيرًا إلى أن الجامعة تسعى إلى بناء شخصية متكاملة للطالب تجمع بين التميز الأكاديمي والوعي المجتمعي.
كما أكد رئيس الجامعة على أهمية مشاهدة طلاب الجامعة عن قرب لجهود رجال القوات المسلحة المتميز في تأمين الوطن، والمجري الملاحي، والإطلاع علي أهم المواقع العسكرية التي تمنحهم فهمًا أعمق لدور القوات المسلحة المصرية في تحقيق الأمن والاستقرار للبلاد.
وأعرب الدكتور جمال تاج، عن اعتزازه وتقديره بالتعاون المستمر بين الجامعة، وقوات الدفاع الشعبي العسكري التي قامت بتوفر فرص تعليمية وتثقيفية للطلاب لرفع مستوي الوعي الوطني والاستراتيجي لديهم.
وقال الدكتور علي يوسف أن هذه الزيارة تأتي ضمن رؤية وخطة الجامعة لتعزيز الإنتماء الوطني الاستراتيجي، وتنمية مهارات الطلاب المعرفية، والثقافية بإنجازات القوات المسلحة المصرية ودورها المتميز والمرموق من خلال الإطلاع علي أهم المواقع العسكرية والتاريخية في مصر، والتي تمثل جزءًا مهما من تاريخ مصر ودورها الاستراتيجي المتميز.
وأضاف نائب رئيس الجامعة أن الجامعة مستمرة في تنظيم زيارات وأنشطة توعوية تهدف إلي ربط الطلاب بوطنهم وتعزيز انتمائهم للبلاد، وبث روح الاعتزاز والفخر لأبطالنا الجيش المصري.
وقد لاقت الزيارات تفاعلًا كبيرًا من الطلاب، الذين أعربوا عن فخرهم واعتزازهم بما شاهدوه من كفاءة واستعداد داخل صفوف القوات المسلحة، مؤكدين أن هذه التجربة تركت أثرًا إيجابيًا عميقًا في نفوسهم.
وجدير بالذكر رافق الطلاب أثناء زياراتهم إشراف أكاديمي وإداي ضم كلِّ من؛ م. إيمان صلاح، وشذى محمود، وبسمة أحمد، أعضاء هيئة معاونة من كلية تكنولوجيا الصناعة والطاقة وكلية العلوم الصحية التطبيقية، ومحمد سمير مسئول بإدارة رعاية الطلاب بالجامعة.