تجارب طلابية ومؤسسية تكشف تحديات التدريب الإلزامي للجامعيين
تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT
يمثل التدريب الجامعي الإلزامي إحدى الركائز الأساسية في بناء الكفاءات الشابة، وصقل قدراتهم، وتأهيلهم بشكلٍ فعّال لسوق العمل. ولا تقتصر أهمية هذه التجربة على ربط الجانب النظري بالجانب العملي التطبيقي فحسب، بل تمتد إلى تنمية المهارات الشخصية، وبناء الشبكات المهنية، وزيادة فرص التوظيف بعد التخرج، وتعزيز المهارات المهنية لدى الخريجين.
إلا أن هذه التجربة على الرغم من أهميتها الكبيرة لا تخلو من التحديات عند التطبيق، بدءا من صعوبة توفير فرص تدريبية، مروراً باختلاف جودة البرامج التدريبية بين المؤسسات، ووصولاً إلى التنسيق غير الكافي بين الجامعات وأماكن التدريب.
هذه العقبات كشفتها آراء طلاب عانوا من الفجوةٍ بين ما تعلّموه وما طُلب منهم عملياً، وأكاديميين يرون أن بعض البرامج لا ترقى إلى مستوى الطموحات، ومؤسسات تدريبية تشير إلى نقص الإمكانيات أو الدعم اللازم.
التدريب بوابة سوق العمل
أكد عدد من الطلاب الذين خاضوا التجربة على قيمتها الكبيرة في صقل مهاراتهم، وزيادة ثقتهم بأنفسهم، وقال تركي بن سالم العجمي الدارس في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية: "التدريب منحني رؤية واضحة لمتطلبات سوق العمل، وساعدني في تطبيق ما تعلمته نظرياً على أرض الواقع".
من جانبها قالت رؤيا بنت عمران العبرية طالبة في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية: "المهام الحقيقية التي كُلِّفتُ بها خلال التدريب جعلتني أكثر استعداداً للتحديات المهنية".
وأشار عمران بن صالح البلوشي من مؤسسة "بوليغيوت" للتدريب إلى أن بعض الطلاب أظهروا تفاعلاً لافتاً؛ حيث تم تكليفهم بمهام عملية كتقديم حلقة عمل، والتعامل مع معدات تقنية، ما يعكس أهمية التدريب في بناء كفاءات قادرة على الإنتاج منذ اليوم الأول للتوظيف.
وأوضح البلوشي أن الطلاب يخضعون لتقييم شامل يشمل المهام النظرية والعملية، مثل اختبارات لغوية، وتطبيقات عملية في الورش التدريبية، ما يضمن اكتسابهم مهارات متنوعة.
ومن جانب آخر يرى أحمد بن محمد نور الشيزاوي الرئيس التنفيذي لمركز "روابط ميديا" أن تجارب الطلاب تتفاوت حسب حجم المؤسسة؛ حيث تمنح الشركات الصغيرة فرصاً أوسع للممارسة العملية مقارنة بالشركات الكبيرة، التي غالباً ما تقيد المتدربين بمهام محدودة، وهو ما يتفق مع توجيهات بعض الخبراء الذين يشجعون الطلاب على اختيار مؤسسات صغيرة لتحقيق استفادة أكبر.
آليات المتابعة
تؤكد المؤسسات والجامعات أهمية وجود آليات متابعة وتقييم دقيقة؛ لضمان نجاح تجربة التدريب. ويقول عمار بن محمود الرميمي من مركز التدريب والتوجيه الوظيفي بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية: "نقوم بمتابعة الطلاب من خلال تقارير يومية، وتقييمات من الجهات المستضيفة، مع وجود آلية واضحة للتعامل مع الشكاوى؛ حيث يتم التواصل مع المؤسسة المعنية، وفي بعض الحالات يُنقل الطالب إلى مكان تدريب آخر".
ومن جهته وضح عمران البلوشي آلية تقييم المتدربين: "يتم تقييم الطلاب من خلال مهام نظرية وعملية، مثل الاختبارات اللغوية، وتطبيقات في البرامج التدريبية، مع وجود زيارات ميدانية دورية من الجامعات للتقييم والمتابعة". وأشار الشيزاوي الى جانب آخر من المتابعة: "نقوم بتسليم استمارة للمتدرب لتحديد مهاراته واحتياجاته منذ اليوم الأول، ونقدم مكافآت مالية للطلاب المتميزين كنوع من التحفيز والتقييم العملي لأدائهم".
وحول ذلك تقول رؤيا العبرية: "كان هناك دعم واضح من الجامعة والمشرف الأكاديمي، خاصة في المتابعة والتوجيه، ما ساعدني على تجاوز التحديات، بينما تعلق نورة بنت حديد الغيلانية الطالبة في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية: "الدعم كان موجوداً لكنه محدود؛ حيث افتقدنا التوجيه الدقيق، أو الزيارات المنتظمة من المشرفين".
هذه الآليات المتنوعة من تقارير يومية، وتقييمات مؤسسية إلى زيارات ميدانية، وأنظمة تحفيز تهدف إلى تحقيق توازن بين متطلبات الجامعة، واحتياجات سوق العمل، مع الحرص على توفير تجربة تدريبية عادلة ومفيدة لكل طالب؛ حيث يقول زكريا بن محمد الشيادي من المركز الإعلامي: "نحرص على توزيع الطلاب على فترات متعددة خلال السنة وليس فقط في الصيف؛ لضمان استفادة أكبر وتقييم أشمل"، ما يعكس حرص المؤسسات على تطوير هذه الآليات باستمرار.
تحديات وحلول
على الرغم من الفوائد الكبيرة للتدريب الجامعي الإلزامي؛ إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الطلاب والمؤسسات على حد سواء. فمن ناحية يعاني الطلاب من صعوبة العثور على فرص تدريبية مناسبة، خاصة في التخصصات النادرة؛ حيث تقول نورة الغيلانية: "واجهت صعوبة في الحصول على فرصة تدريب؛ بسبب قلة المؤسسات المتخصصة في مجال دراستي" كما أن بطء الردود من المؤسسات يشكل عائقاً كبيراً. وتشير الطالبة إلى أن "أكبر صعوبة كانت أن المؤسسات لا ترد، واستغرق وقتاً طويلاً حصولي على فرصة مناسبة". ومن ناحية أخرى تواجه المؤسسات التدريبية تحديات خاصة بها كما يوضح البلوشي: "التحديات التي نواجهها تتعلق باللياقة الصحية للطلاب، مثل مشكلات النظر، أو الحساسية التنفسية، والتي قد تعيق مشاركتهم في المهام العملية". بالإضافة إلى ذلك؛ يشير الشيزاوي إلى فجوة الثقة بين الشركات والخريجين، قائلاً: "للأسف هناك أزمة ثقة بين الشركات والخريجين؛ بسبب جودة مخرجات التعليم، وعدم صبر الخريجين على التدرج الوظيفي".
أما على صعيد التنسيق بين الجامعات والمؤسسات فتظهر مشكلات واضحة؛ حيث يذكر الشيزاوي أن: "القوائم التي تزودنا بها الجامعات غالباً ما تكون غير محدثة، وكثير من الطلاب يرفضون التدريب بدون أجر". كما يلاحظ تفاوت جودة التدريب بين المؤسسات؛ حيث تقول الطالبة نورة: "بعض التدريبات تكون مجرد حضور دون استفادة حقيقية"، بينما تشير أخرى إلى أن بعض المؤسسات الكبيرة "لا تسمح للمتدربين بالاطلاع على تفاصيل العمل الحقيقية".
هذه التحديات المتشابكة تتطلب حلولاً شاملة تعالج جذور المشكلة بدءاً من تحسين التنسيق بين الجامعات وسوق العمل، مروراً بتطوير آليات اختيار وتوزيع الطلاب، ووصولاً إلى توفير حوافز للمؤسسات التدريبية لاستقبال متدربين جدد. كما تؤكد العبرية الحاجة إلى "تقييم واضح، ومتابعة دورية من الجهة الجامعية، مع توفير فرص تدريب متنوعة أكثر"، وهو ما يتفق مع رؤية العديد من الخبراء الذين يدعون إلى إصلاحات جذرية في نظام التدريب الحالي.
رؤى للتطوير
تتجه الرؤى التطويرية للتدريب إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجامعات وسوق العمل؛ حيث يقترح عمران ضرورة "تكثيف الورش التفاعلية وتحديث الموارد التدريبية لمواكبة متطلبات السوق". وتؤكد العبرية أهمية "توفير فرص تدريب متنوعة تتناسب مع احتياجات الطلاب ومتطلبات التخصصات المختلفة"، بينما يرى الشيزاوي أن: "إدماج نظام المكافآت التشجيعية للمتدربين المتميزين يمكن أن يحفز الإنجاز، ويضمن استفادة عملية أكبر".
من جانبهم يدعو الأكاديميون إلى تطوير المنصات الإلكترونية لتصبح أكثر تفاعلية؛ حيث يشير الرميمي إلى أن "تحديث موقع التدريب الإلكتروني، وتحسين آليات التقييم سيسهمان في رفع جودة المتابعة". كما تبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة للتعامل مع التحديات الصحية؛ حيث تقترح بعض المؤسسات "توفير بدائل رقمية للطلاب الذين يعانون من ظروف صحية خاصة". وتجمع هذه الرؤى إلى ضرورة إقامة شراكات طويلة الأمد بين الجامعات والمؤسسات التدريبية، كما يؤكد الشيادي أن: "الشراكات المستدامة تمكننا من تصميم برامج متكاملة تركز على الجانب التطبيقي، وتواكب التطورات المهنية".
وتشكل هذه المقترحات خارطة لطريق تحويل التدريب من مجرد متطلب أكاديمي إلى تجربة نوعية تثري المعرفة العملية، وتؤسس جيلا من الخريجين القادرين على قيادة مسارات التنمية بثقة وكفاءة.
أصوات الطلاب
يعبر الطلاب عن آراء مختلفة حول تجربة التدريب الإلزامي رغم اتفاقهم على أهميتها كجسر للتوظيف. فمن جانب يصف العجمي تجربته بأنها "أضافت له بعداً عملياً للمعرفة النظرية"، بينما تؤكد العبرية أنها "اكتشفت خلال التدريب تفاصيل في تخصصها لم تكن منتبهة لها أثناء الدراسة". إلا أن بعض الطلاب يعبرون عن خيبة أمل، كما تقول إحدى الطالبات: "كان التدريب مجرد حضور دون مهام حقيقية". وتتفق الأصوات الطلابية على التحديات المشتركة، خاصة صعوبة العثور على فرص تدريبية مناسبة. تصف الغيلانية معاناتها بقولها: "استغرق وقتاً طويلاً حتى حصلت على فرصة مناسبة؛ بسبب عدم ردود المؤسسات"، بينما تشير أخرى إلى "قلة المؤسسات المتخصصة في مجالات دراستهم". في المقابل يثمن بعض الطلاب الدعم الجامعي؛ حيث تقول الطالبة الزهراء بنت سليمان البلوشية من جامعة ظفار: "قاموا بالبحث عن مكان مناسب للتدريب". وتنعكس هذه التجارب المتباينة في رؤى الطلاب للتطوير، حيث تطالب العبرية بـ "تقييم واضح ومتابعة دورية"، بينما يقترح تركي العجمي "تخصيص مهام لكل طالب حسب تخصصه". وتجمع الأصوات على أهمية المرونة، حيث تؤيد الغيلانية "إمكانية التدريب عن بُعد عند الضرورة". فهذه الآراء تعكس تطلع جيل الشباب إلى تحويل التدريب من متطلب أكاديمي إلى تجربة تحضيرية حقيقية لسوق العمل.
ورغم التحديات، يظل التدريب الجامعي الإلزامي خطوة حيوية في إعداد جيل من الخريجين المؤهلين، لكن نجاحه يتطلب تعاوناً أكبر بين الجامعات وقطاعات العمل، بالإضافة إلى مرونة في التطبيق تتناسب مع احتياجات جميع التخصصات. فبينما يراه البعض تجربة غنية، ويعتبره آخرون مجرد إجراء شكلي، مما يؤكد الحاجة إلى تطوير مستمر لضمان أن يكون التدريب جسراً للتوظيف، وليس مجرد متطلب أكاديمي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جامعة التقنیة والعلوم التطبیقیة بین الجامعات فرص تدریب على فرص أن بعض إلى أن
إقرأ أيضاً:
إطلاق نسخة المجتمع من سجل المخاطر الوطنية لتعزيز الجاهزية أمام التحديات المحتملة
العُمانية: أُطلق سجلّ المخاطر الوطنية اليوم نسخة المجتمع، التي تتضمّن عددًا من المخاطر المحتملة في الجوانب الطبيعية والخدمات والصحة والحوادث الكبرى، وتُبرز الأدوار الحكومية والجوانب التوعوية للأفراد والمجتمع، وذلك تحت رعاية معالي الدكتور هلال بن علي السبتي وزير الصحة، بالأكاديمية السُّلطانية للإدارة بمسقط.
وقال سعادة محمد بن سعيد البلوشي وكيل وزارة الإعلام، رئيس القطاع الإعلامي بسجلّ المخاطر الوطنية، في كلمة له: إنّ منظومة إدارة المخاطر تُشكّل اليوم ركيزة أساسية في استدامة التنمية وحماية المكتسبات، لذلك أدركت دولُ العالم أنّ إدارة المخاطر لم تَعُد خيارًا تكميليًّا، بل أصبحت نهجًا استراتيجيًّا تتبنّاه الدول والمؤسسات لتعزيز جاهزيتها أمام التحدّيات المتغيّرة، وأنّ التجارب العالمية أثبتت أنّ وجود منظومة متكاملة لإدارة المخاطر يُسهم في رفع كفاءة المؤسسات، ويحدّ من تأثير الأزمات، ويُعزّز الثقة في قدرة الدول على الصمود والتكيّف مع هذه التحدّيات.
وأضاف سعادته: إنّ سلطنة عُمان تبنّت مفهوم إدارة المخاطر منذ سبعينيات القرن الماضي، وظهر ذلك جليًّا في الخطط التنموية آنذاك، ومع تطوّر الاقتصاد وانفتاح سلطنة عُمان على الأسواق العالمية، في ظلّ المتغيّرات المتسارعة التي فرضها العصر الحديث، من تغيّر المناخ والأزمات الاقتصادية العالمية إلى تصاعد التهديدات في مجال الأمن السيبراني وغيرها، أولت اهتمامًا كبيرًا بمنظومة إدارة المخاطر ضمن توجّهاتها الوطنية، وتجلّى ذلك من خلال إنشاء كيانات متخصّصة لإدارة المخاطر، فضلًا عن تطوير آليات رصد دقيقة وتخطيط استراتيجي فعّال يضمن استدامة الأمن والاستقرار الوطني في مواجهة مختلف المخاطر.
كما عملت على إعداد "سجلّ المخاطر الوطنية" الذي تأسس على منهجية علمية دقيقة بوصفه خطوةً استراتيجيةً تسعى إلى تعزيز منظومة إدارة المخاطر والحالات الطارئة في البلاد، وذلك من خلال تقديم أداة وطنية شاملة تُمكّن الجهات المختصة من فهم طبيعة المخاطر التي قد تواجه البلاد في المستقبل والتأهّب لها بفعالية.
وأشار سعادته إلى أنّ سلطنة عُمان لا تكتفي بجاهزية مؤسساتها فحسب، بل تسعى إلى أن يكون أبناؤها والمقيمون على أرضها أكثر وعيًا واستعدادًا وإدراكًا لمسؤوليتهم المشتركة في صون مكتسبات الوطن وحماية ركائز أمنه واستقراره، حيث إنّ إطلاق نسخة المجتمع من سجلّ المخاطر الوطنية يُعدّ محطةً جديدة تُضاف إلى مسار البناء والتقدّم الوطني، ويأتي متزامنًا مع اليوم العالمي للحدّ من مخاطر الكوارث، الذي يوافق الثالث عشر من أكتوبر من كل عام.
وأكّد سعادته، أنّ نسخة المجتمع من سجلّ المخاطر الوطنية ثمرةُ رؤيةٍ واعيةٍ وتخطيطٍ وطنيٍّ رصينٍ، تهدف إلى تزويد أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين بالمعلومات الأساسية حول طبيعة المخاطر التي قد تواجه الوطن، وتعزيز مشاركتهم في منظومة الوقاية والاستعداد لهذه المخاطر، بما يُسهم في ترسيخ ثقافة الوعي بها وبناء مجتمع مرن أكثر جاهزية وقدرة على التكيّف مع مختلف التحدّيات.
وبيّن سعادته، أنّ إطلاق هذه النسخة من السجلّ يعكس التزام سلطنة عُمان بالتخطيط المُسبق والاستعداد الاستباقي، انسجامًا مع توجهات رؤية "عُمان 2040"، التي تؤكّد على الحوكمة الفعّالة، واستدامة التنمية، وتعزيز الجاهزية الوطنية في مواجهة التحدّيات، كما يُعدُّ تأكيدًا على ترسيخ مفهوم المشاركة المجتمعية باعتبار المجتمع هو خطّ الدفاع الأول.
وأعرب سعادة محمد بن سعيد البلوشي، في ختام كلمته، عن شُكره لجميع المؤسسات الحكومية والخبراء الذين أسهموا في إعداد هذا السجلّ وتطويره، ولمؤسسات الإعلام التي تواكب هذا الحدث الوطني وتنقل رسالته إلى المجتمع بموضوعية ووعي.
وأشارت جليلة بنت حمد الأخزمية، مديرة مركز البحوث والدراسات بوزارة الإعلام، مساعدة منسق القطاع الإعلامي بالسجلّ الوطني، في كلمتها إلى أنّ سجلّ المخاطر الوطنية -نسخة المجتمع- تمت صياغته برؤية عُمانية راسخة تُعلي قيمة الوقاية والاستعداد، وتكرّس مبدأ الشراكة المتكاملة بين مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع في مواجهة المخاطر وتعزيز الجاهزية، بالتزامن مع اليوم العالمي للحدّ من مخاطر الكوارث الذي يوافق الثالث عشر من أكتوبر من كل عام.
وقالت: إنّه انطلاقًا من مبدأ تكامل الأدوار بين الحكومة والمجتمع، ومن إيمان الدولة بأهمية الوعي المجتمعي في زيادة المرونة الوطنية، تمّ إعداد نسخة المجتمع من سجلّ المخاطر الوطنية لرفع الوعي بالمخاطر، وتعزيز ثقافة الوقاية، وبناء ثقة المواطن بالممكنات الحكومية، وزيادة المرونة المجتمعية، مشيرةً إلى أنّ النسخة الموجّهة لجميع فئات المجتمع من مواطنين ومقيمين تتكوّن من "13" خطرًا رئيسًا موزعة على أربع مجموعات: المخاطر الطبيعية، واضطراب الخدمات، والمخاطر الصحية، والحوادث الكبرى.
وأضافت: إنّ إطلاق السجلّ يأتي على أرضية متينة من التجربة الوطنية الضاربة في القدم، منها استجابة الإمام الصلت بن مالك للسيول الجارفة التي عمّت البلاد في العام 865 ميلادية، والإجراءات الاستباقية التي اتخذها السُّلطان فيصل بن تركي تجاه الأوبئة العابرة إلى السواحل العُمانية عام 1897م، وأحدثها إعصار مصيرة عام 1977م الذي شكّلت تأثيراته نواة منظومة العمل المؤسسي الوطني في الاستجابة للحالات الطارئة.
وأفادت بأنّه في يومنا هذا نقف بثقة وثبات أمام منظومة مكتملة ومتكاملة لإدارة الحالات الطارئة على المستوى الوطني، وتقوم اللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة بدور محوري عبر قيادة جهود الاستعداد والاستجابة، بما يعكس إيمان الدولة الراسخ بأنّ الجاهزية لا تُبنى بردّ الفعل، وإنّما بالتخطيط المسبق والوعي المجتمعي.
وأكّدت أنّ منظومة سجلّ المخاطر الوطنية جاءت برؤية استراتيجية تُعلي مبدأ العمل الوطني المشترك، وتستند إلى مجموعة من القطاعات التي تمّ إنشاؤها وتسميتها بناءً على الاختصاص في المهام والوضوح في المسؤوليات، قادرة على فهم حجم الخطر ومواجهته بالتناسب مع القدرات دون تهوين أو مبالغة وبيّنت أنّ هذه المنظومة تهدف إلى توفير بيانات ورؤى لمتخذي القرار عن المخاطر المحتملة، وتحديد الفجوات لبناء القدرات، وتحسين منظومة الإنذار المبكر والجاهزية لمواجهة المخاطر التي تؤثر على الخطط الوطنية في مختلف المجالات بما فيها الاقتصادية والاجتماعية، للتوجيه الأمثل للقدرات البشرية والمادية بما يتلاءم مع الأولويات الوطنية، علاوة على ترسيخ ثقافة إدارة المخاطر على المستوى الوطني والمؤسسي والفردي.
ووضّحت أنّ المنهجية التي قام عليها سجلّ المخاطر الوطنية محورها "الوقاية"، التي تؤكّد أنّ مواجهة الخطر تبدأ بالاستثمار في الحدّ منه قبل وقوعه، الأمر الذي من شأنه تعزيز كفاءة الإنفاق وحفظ المال العام، ولعلّ تجارب الدول في هذا الشأن خير برهان، إذ تشير الدراسات إلى أنّ متوسط إنفاق دولار واحد في جهود الحدّ من المخاطر يُجنّب الدول والمجتمعات "15" دولارًا كانت ستُنفق على أعمال التعافي وإعادة البناء بعد وقوع الخطر، فضلًا عن خسائر الأرواح التي لا تُقدّر بثمن.
ولفتت إلى أنّ سجلّ المخاطر الوطنية يُعدّ أداة مساهمة في ضمان تحقيق رؤية "عُمان 2040"، من خلال توفير قاعدة استشرافية ومعرفية دقيقة تُساعد على فهم المخاطر المستقبلية الناشئة واتجاهاتها ومحركاتها خلال العشرين سنة القادمة.
من جانبه أكّد الرائد مختار بن جمعة العلوي مساعد رئيس المركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة أنّ نسخة المجتمع من سجلّ المخاطر الوطنية تُعدُّ من النسخ المهمة التي تُسهم في التخفيف من المخاطر المحتملة على أفراد المجتمع بشكل عام، وعلى ممتلكات الدولة بشكل خاص، مشيرًا إلى أنّ السجلّ يُسهم في تعريف المجتمع بالسُبل والطرق الرئيسة التي يمكن اتباعها أثناء الحالات الطارئة، بما يسهم في الحدّ من المخاطر المحتملة.
وقال سيف بن علي اليعربي، مدير تحرير وكالة الأنباء العُمانية منسّق القطاع الإعلامي بسجلّ المخاطر الوطنية: إنّ إطلاق نسخة المجتمع من سجلّ المخاطر الوطنية يأتي متزامنًا مع اليوم العالمي للحدّ من مخاطر الكوارث الذي يوافق 13 أكتوبر من كل عام، مشيرًا إلى أنّ منظومة إدارة المخاطر في سلطنة عُمان قدّمت فهمًا واضحًا واستشرافًا لمجموعة من المخاطر، مما أسهم في تعزيز التكاملية بين المؤسسات الحكومية والقطاعات المعنية.
وأضاف: إنّ نسخة المجتمع تأتي امتدادًا لهذا التوجّه، فهي تمضي في مسارٍ يهدف إلى تعزيز وترسيخ ثقافة إدارة المخاطر لدى الأفراد والمجتمع، ورفع الوعي المجتمعي، إلى جانب تعزيز المرونة من خلال تبنّي أفضل الإجراءات الاحترازية.
وأشار إلى أنّ نسخة المجتمع صُمِّمت بشكلٍ مبسّطٍ وجاذب بهدف الوصول إلى جميع فئات المجتمع، وهي متاحة عبر البوابة الإعلامية لوزارة الإعلام، إضافةً إلى حسابات مركز التواصل الحكومي، وعُمان مستعدة في منصات التواصل الاجتماعي.
وتضمَّن حفل الإطلاق تقديم عرضٍ مرئيٍّ حول منظومة سجلّ المخاطر الوطنية، واستعراض جهود التكامل المؤسسي في دعم منظومة الإنذار المبكر.
ويمكن الاطلاع على نسخة المجتمع بسجلّ المخاطر الوطنية عبر البوابة الإعلامية لوزارة الإعلام من خلال الرابط: ." https://www.omaninfo.om/ar/library/74/show/12021 "
حضر حفل الإطلاق، الذي أُقيم بالأكاديمية السُّلطانية للإدارة، عدد من أصحاب المعالي والسعادة وكبار الضباط رؤساء القطاعات في سجلّ المخاطر الوطنية، وعدد من المسؤولين والمختصين والمهتمين في مجالات إدارة المخاطر.
يُذكر أنّ نسخة المجتمع من سجل المخاطر الوطنية تُعدُّ أحد المرتكزات الأساسية التي تعكس التزام سلطنة عُمان الراسخ بنهج استباقي وشامل في إدارة المخاطر، قائم على العلم والمعرفة والمشاركة المجتمعية، كما تمثّل هذه النسخة توجّهًا استراتيجيًّا نحو إشراك المجتمع بكل فئاته في منظومة الحماية الوطنية، انطلاقًا من قناعة راسخة أن الوعي هو الخطوة الأولى نحو الوقاية، وأنّ الجاهزية مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن.