يمثل التدريب الجامعي الإلزامي إحدى الركائز الأساسية في بناء الكفاءات الشابة، وصقل قدراتهم، وتأهيلهم بشكلٍ فعّال لسوق العمل. ولا تقتصر أهمية هذه التجربة على ربط الجانب النظري بالجانب العملي التطبيقي فحسب، بل تمتد إلى تنمية المهارات الشخصية، وبناء الشبكات المهنية، وزيادة فرص التوظيف بعد التخرج، وتعزيز المهارات المهنية لدى الخريجين.

إلا أن هذه التجربة على الرغم من أهميتها الكبيرة لا تخلو من التحديات عند التطبيق، بدءا من صعوبة توفير فرص تدريبية، مروراً باختلاف جودة البرامج التدريبية بين المؤسسات، ووصولاً إلى التنسيق غير الكافي بين الجامعات وأماكن التدريب.

هذه العقبات كشفتها آراء طلاب عانوا من الفجوةٍ بين ما تعلّموه وما طُلب منهم عملياً، وأكاديميين يرون أن بعض البرامج لا ترقى إلى مستوى الطموحات، ومؤسسات تدريبية تشير إلى نقص الإمكانيات أو الدعم اللازم.

التدريب بوابة سوق العمل

أكد عدد من الطلاب الذين خاضوا التجربة على قيمتها الكبيرة في صقل مهاراتهم، وزيادة ثقتهم بأنفسهم، وقال تركي بن سالم العجمي الدارس في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية: "التدريب منحني رؤية واضحة لمتطلبات سوق العمل، وساعدني في تطبيق ما تعلمته نظرياً على أرض الواقع".

من جانبها قالت رؤيا بنت عمران العبرية طالبة في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية: "المهام الحقيقية التي كُلِّفتُ بها خلال التدريب جعلتني أكثر استعداداً للتحديات المهنية".

وأشار عمران بن صالح البلوشي من مؤسسة "بوليغيوت" للتدريب إلى أن بعض الطلاب أظهروا تفاعلاً لافتاً؛ حيث تم تكليفهم بمهام عملية كتقديم حلقة عمل، والتعامل مع معدات تقنية، ما يعكس أهمية التدريب في بناء كفاءات قادرة على الإنتاج منذ اليوم الأول للتوظيف.

وأوضح البلوشي أن الطلاب يخضعون لتقييم شامل يشمل المهام النظرية والعملية، مثل اختبارات لغوية، وتطبيقات عملية في الورش التدريبية، ما يضمن اكتسابهم مهارات متنوعة.

ومن جانب آخر يرى أحمد بن محمد نور الشيزاوي الرئيس التنفيذي لمركز "روابط ميديا" أن تجارب الطلاب تتفاوت حسب حجم المؤسسة؛ حيث تمنح الشركات الصغيرة فرصاً أوسع للممارسة العملية مقارنة بالشركات الكبيرة، التي غالباً ما تقيد المتدربين بمهام محدودة، وهو ما يتفق مع توجيهات بعض الخبراء الذين يشجعون الطلاب على اختيار مؤسسات صغيرة لتحقيق استفادة أكبر.

آليات المتابعة

تؤكد المؤسسات والجامعات أهمية وجود آليات متابعة وتقييم دقيقة؛ لضمان نجاح تجربة التدريب. ويقول عمار بن محمود الرميمي من مركز التدريب والتوجيه الوظيفي بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية: "نقوم بمتابعة الطلاب من خلال تقارير يومية، وتقييمات من الجهات المستضيفة، مع وجود آلية واضحة للتعامل مع الشكاوى؛ حيث يتم التواصل مع المؤسسة المعنية، وفي بعض الحالات يُنقل الطالب إلى مكان تدريب آخر".

ومن جهته وضح عمران البلوشي آلية تقييم المتدربين: "يتم تقييم الطلاب من خلال مهام نظرية وعملية، مثل الاختبارات اللغوية، وتطبيقات في البرامج التدريبية، مع وجود زيارات ميدانية دورية من الجامعات للتقييم والمتابعة". وأشار الشيزاوي الى جانب آخر من المتابعة: "نقوم بتسليم استمارة للمتدرب لتحديد مهاراته واحتياجاته منذ اليوم الأول، ونقدم مكافآت مالية للطلاب المتميزين كنوع من التحفيز والتقييم العملي لأدائهم".

وحول ذلك تقول رؤيا العبرية: "كان هناك دعم واضح من الجامعة والمشرف الأكاديمي، خاصة في المتابعة والتوجيه، ما ساعدني على تجاوز التحديات، بينما تعلق نورة بنت حديد الغيلانية الطالبة في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية: "الدعم كان موجوداً لكنه محدود؛ حيث افتقدنا التوجيه الدقيق، أو الزيارات المنتظمة من المشرفين".

هذه الآليات المتنوعة من تقارير يومية، وتقييمات مؤسسية إلى زيارات ميدانية، وأنظمة تحفيز تهدف إلى تحقيق توازن بين متطلبات الجامعة، واحتياجات سوق العمل، مع الحرص على توفير تجربة تدريبية عادلة ومفيدة لكل طالب؛ حيث يقول زكريا بن محمد الشيادي من المركز الإعلامي: "نحرص على توزيع الطلاب على فترات متعددة خلال السنة وليس فقط في الصيف؛ لضمان استفادة أكبر وتقييم أشمل"، ما يعكس حرص المؤسسات على تطوير هذه الآليات باستمرار.

تحديات وحلول

على الرغم من الفوائد الكبيرة للتدريب الجامعي الإلزامي؛ إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الطلاب والمؤسسات على حد سواء. فمن ناحية يعاني الطلاب من صعوبة العثور على فرص تدريبية مناسبة، خاصة في التخصصات النادرة؛ حيث تقول نورة الغيلانية: "واجهت صعوبة في الحصول على فرصة تدريب؛ بسبب قلة المؤسسات المتخصصة في مجال دراستي" كما أن بطء الردود من المؤسسات يشكل عائقاً كبيراً. وتشير الطالبة إلى أن "أكبر صعوبة كانت أن المؤسسات لا ترد، واستغرق وقتاً طويلاً حصولي على فرصة مناسبة". ومن ناحية أخرى تواجه المؤسسات التدريبية تحديات خاصة بها كما يوضح البلوشي: "التحديات التي نواجهها تتعلق باللياقة الصحية للطلاب، مثل مشكلات النظر، أو الحساسية التنفسية، والتي قد تعيق مشاركتهم في المهام العملية". بالإضافة إلى ذلك؛ يشير الشيزاوي إلى فجوة الثقة بين الشركات والخريجين، قائلاً: "للأسف هناك أزمة ثقة بين الشركات والخريجين؛ بسبب جودة مخرجات التعليم، وعدم صبر الخريجين على التدرج الوظيفي".

أما على صعيد التنسيق بين الجامعات والمؤسسات فتظهر مشكلات واضحة؛ حيث يذكر الشيزاوي أن: "القوائم التي تزودنا بها الجامعات غالباً ما تكون غير محدثة، وكثير من الطلاب يرفضون التدريب بدون أجر". كما يلاحظ تفاوت جودة التدريب بين المؤسسات؛ حيث تقول الطالبة نورة: "بعض التدريبات تكون مجرد حضور دون استفادة حقيقية"، بينما تشير أخرى إلى أن بعض المؤسسات الكبيرة "لا تسمح للمتدربين بالاطلاع على تفاصيل العمل الحقيقية".

هذه التحديات المتشابكة تتطلب حلولاً شاملة تعالج جذور المشكلة بدءاً من تحسين التنسيق بين الجامعات وسوق العمل، مروراً بتطوير آليات اختيار وتوزيع الطلاب، ووصولاً إلى توفير حوافز للمؤسسات التدريبية لاستقبال متدربين جدد. كما تؤكد العبرية الحاجة إلى "تقييم واضح، ومتابعة دورية من الجهة الجامعية، مع توفير فرص تدريب متنوعة أكثر"، وهو ما يتفق مع رؤية العديد من الخبراء الذين يدعون إلى إصلاحات جذرية في نظام التدريب الحالي.

رؤى للتطوير

تتجه الرؤى التطويرية للتدريب إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجامعات وسوق العمل؛ حيث يقترح عمران ضرورة "تكثيف الورش التفاعلية وتحديث الموارد التدريبية لمواكبة متطلبات السوق". وتؤكد العبرية أهمية "توفير فرص تدريب متنوعة تتناسب مع احتياجات الطلاب ومتطلبات التخصصات المختلفة"، بينما يرى الشيزاوي أن: "إدماج نظام المكافآت التشجيعية للمتدربين المتميزين يمكن أن يحفز الإنجاز، ويضمن استفادة عملية أكبر".

من جانبهم يدعو الأكاديميون إلى تطوير المنصات الإلكترونية لتصبح أكثر تفاعلية؛ حيث يشير الرميمي إلى أن "تحديث موقع التدريب الإلكتروني، وتحسين آليات التقييم سيسهمان في رفع جودة المتابعة". كما تبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة للتعامل مع التحديات الصحية؛ حيث تقترح بعض المؤسسات "توفير بدائل رقمية للطلاب الذين يعانون من ظروف صحية خاصة". وتجمع هذه الرؤى إلى ضرورة إقامة شراكات طويلة الأمد بين الجامعات والمؤسسات التدريبية، كما يؤكد الشيادي أن: "الشراكات المستدامة تمكننا من تصميم برامج متكاملة تركز على الجانب التطبيقي، وتواكب التطورات المهنية".

وتشكل هذه المقترحات خارطة لطريق تحويل التدريب من مجرد متطلب أكاديمي إلى تجربة نوعية تثري المعرفة العملية، وتؤسس جيلا من الخريجين القادرين على قيادة مسارات التنمية بثقة وكفاءة.

أصوات الطلاب

يعبر الطلاب عن آراء مختلفة حول تجربة التدريب الإلزامي رغم اتفاقهم على أهميتها كجسر للتوظيف. فمن جانب يصف العجمي تجربته بأنها "أضافت له بعداً عملياً للمعرفة النظرية"، بينما تؤكد العبرية أنها "اكتشفت خلال التدريب تفاصيل في تخصصها لم تكن منتبهة لها أثناء الدراسة". إلا أن بعض الطلاب يعبرون عن خيبة أمل، كما تقول إحدى الطالبات: "كان التدريب مجرد حضور دون مهام حقيقية". وتتفق الأصوات الطلابية على التحديات المشتركة، خاصة صعوبة العثور على فرص تدريبية مناسبة. تصف الغيلانية معاناتها بقولها: "استغرق وقتاً طويلاً حتى حصلت على فرصة مناسبة؛ بسبب عدم ردود المؤسسات"، بينما تشير أخرى إلى "قلة المؤسسات المتخصصة في مجالات دراستهم". في المقابل يثمن بعض الطلاب الدعم الجامعي؛ حيث تقول الطالبة الزهراء بنت سليمان البلوشية من جامعة ظفار: "قاموا بالبحث عن مكان مناسب للتدريب". وتنعكس هذه التجارب المتباينة في رؤى الطلاب للتطوير، حيث تطالب العبرية بـ "تقييم واضح ومتابعة دورية"، بينما يقترح تركي العجمي "تخصيص مهام لكل طالب حسب تخصصه". وتجمع الأصوات على أهمية المرونة، حيث تؤيد الغيلانية "إمكانية التدريب عن بُعد عند الضرورة". فهذه الآراء تعكس تطلع جيل الشباب إلى تحويل التدريب من متطلب أكاديمي إلى تجربة تحضيرية حقيقية لسوق العمل.

ورغم التحديات، يظل التدريب الجامعي الإلزامي خطوة حيوية في إعداد جيل من الخريجين المؤهلين، لكن نجاحه يتطلب تعاوناً أكبر بين الجامعات وقطاعات العمل، بالإضافة إلى مرونة في التطبيق تتناسب مع احتياجات جميع التخصصات. فبينما يراه البعض تجربة غنية، ويعتبره آخرون مجرد إجراء شكلي، مما يؤكد الحاجة إلى تطوير مستمر لضمان أن يكون التدريب جسراً للتوظيف، وليس مجرد متطلب أكاديمي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جامعة التقنیة والعلوم التطبیقیة بین الجامعات فرص تدریب على فرص أن بعض إلى أن

إقرأ أيضاً:

التخطيط تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025

أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات لعام 2025، وذلك بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وتستمر فعاليات البرنامج في الفترة من 23 يونيو وتستمر حتى 28 أغسطس 2025، حيث يركز البرنامج على تمكين الشباب وتدريبهم على الحياة العملية، بالإضافة إلى تعريفهم بدور عمل الوزارة في تطوير السياسات الاقتصادية، وصقلهم بالمهارات المختلفة التي تُعزز فرص انضمامهم لسوق العمل، ويضم البرنامج مجموعة من الطلبة من مختلف الجامعات الحكومية والخاصة، بتخصصات الاقتصاد والسياسة، والإحصاء، والإعلام، والهندسة، والتجارة، والحقوق، والحاسبات والمعلومات. 

كيف أسس النبي الدولة الإسلامية بعد الهجرة؟..دروس في التخطيط والقيادةميمي عبد الرازق رئيسًا للجنة التخطيط بـ المصريأستاذ بمعهد التخطيط : إسرائيل فشلت في تحقيق أهداف الحرب ضد ايرانمحافظ القاهرة: جاري إعادة تخطيط ميدان رمسيس

وأكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن هذا البرنامج يأتي في إطار جهود الوزارة من أجل تعريف الطلبات بآليات عمل الوزارة من خلال إطار الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية، وآليات إعداد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال الأدوات التخطيطية الحديثة، وكذلك إطار الدبلوماسية الاقتصادية لتنمية العلاقات مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، وأدوات تمكين القطاع الخاص من خلال التفاوض وإتاحة الآليات التمويلية المختلفة من شركاء التنمية للقطاع الخاص، وكذلك الدور الذي تقوم به الوزارة ضمن برنامج عمل الحكومة لدفع النمو الاقتصادي المستدام وتحقيق التنمية الاقتصادية 

ويُشارك الطلاب في مختلف إدارات وقطاعات الوزارة للتعرف على آليات إعداد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتفاوض مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين حول برامج التعاون الإنمائي لدعم أولويات التنمية الوطنية، وذلك من خلال اكتساب الخبرات في مختلف إدارات وقطاعات الوزارة من بينها قطاعات إعداد الخطة المختلفة سواء التنمية البشرية، أو البنية التحتية وغيرها، وكذلك وحدة تمكين القطاع الخاص والابتكار، وإدارات التعاون مع شركاء التنمية في آسيا وأوروبا واللجان المُشتركة، والمتابعة والتقييم، وتنظيم الفعاليات، ونظم المعلومات والتحول الرقمي. وعلى مدار السنوات الأربعة الماضية، ساهم برنامج التدريب الصيفي لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في تدريب نحو 400 من الطلاب والخريجين.

وتعمل وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، على تنفيذ إطار الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية، بهدف تحقيق نمو اقتصادي نوعي ومستدام وشامل، وذلك من خلال ثلاث ركائز رئيسية، صياغة سياسة التنمية الاقتصادية المبنية على البيانات والأدلة، وبناء اقتصاد مرن وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، وحشد التمويلات المحلية والخارجية من خلال إطار وطني مُتكامل للتمويل يُعزز تخصيص الموارد للقطاعات ذات الأولوية. كما تعمل الوزارة على تعزيز كفاءة وحوكمة الإنفاق الاستثماري العام، بالإضافة إلى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تعتبر أعمدة أساسية لضمان الاستقرار الاقتصادي الكلي؛ ودعم زيادة مشاركة القطاع الخاص في تحقيق التنمية الاقتصادية.

طباعة شارك وزارة التخطيط العاصمة الإدارية الجديدة الدكتورة رانيا المشاط تنمية العلاقات التنمية الاقتصادية وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي

مقالات مشابهة

  • التطبيق الإلزامي لخدمة تصريح التوصيل المنزلي.. الثلاثاء
  • بمشاركة طلابية كبيرة.. انطلاق برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي 2025 بجامعة الملك عبدالعزيز
  • التطبيق الإلزامي خلال أيام.. خطوات إصدار تصريح التوصيل المنزلي عبر منصة بلدي
  • بدء التطبيق الإلزامي لخدمة «تصريح التوصيل المنزلي».. الثلاثاء
  • مشاريع طلابية متميزة في مجالات الميكاترونكس بجامعة حلوان التكنولوجية
  • التخطيط تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025
  • بلها: الاتفاق الأمني خطوة مهمة لكنه يواجه تحديات قانونية
  • امتحانات الشهادة المؤجلة 2024 تحديات مؤسسات الدولة وتأكيد إرادة السودانيين
  • نقيب المحامين يؤكد أهمية التدريب لرفع مهارات وقدرات المحامين