الطفولة التي بدأت بمجرد "شخابيط" لم تكن تدرك أنها سبيل لموهبة حقيقية، كان الشغف هو اللون والفرشاة للفنانة التشكيلية "حفصة التميمية"، أخذتها التيارات يمينا وشمالا، خطت جماليات الطبيعة بتمكن، ولم تروي عطشها الفني، وخلصت لتكون تعابير الوجوه وملامحها متجسدة على هيئة لوحات "بورتريه"، فحلقت بها عاليا في فضاءات الفن، لتنهمر كالمطر في عوالم خفية وقصص تعبيرية تعيش في مخيلتها، وتلامس واقع كل جماهيرها.

حديث فني، وقصص واقعية وخيالية مثرية كان نتاجها الحوار الذي ينقل الصورة الحقيقة للفنانة "حفصة التميمية".

متى اكتشفت شغفك بالرسم؟

من الطفولة منذ كان عمري ست سنوات. والآن كبرت وأصبحت حريصة على تعليم طلابي ذوي الست سنوات، لأننا في هذا العمر نظن أن مانفعله ليس أكثر من مجرد "شخابيط"، ولكن هذا العمر هو الذي يمكن أن يكشف عن الموهبة وما إذا كان الطفل شغوف بالرسم.

في طفولتي كنت مقيمة في المملكة العربية السعودية، وكانت الحياة مختلفة عنها في الوطن، فقد كنت أقضي أوقات طويلة داخل البيت، وكان وقت فراغي أمارس فيه شغفي بالرسم وكنت أشعر بالمتعة ومعظم رسمي كان شخصيات كرتونية، وأقدر أنقلها بطريقة تصويرية، ولأن والدتي كانت معلمة فنون تشكيلية فكنت أنجذب لها وهي ترسم، وأتأمل أعمال ورسومات طلابها، وأي شي ترسمه كنت أنقله، حتى بدأت أشعر بالحب لهذا المجال، وأقضي معظم وقتي بالرسم.

متى بدأت تظهر حفصة للساحة الثقافية الفنية؟

بعد تخرجي من المدرسة وأنا أحمل في قلبي شغف الرسم، إلا أنني توجهت للقاهرة للدراسة الجامعية دون أن يكون توجهي لدراسة الرسم، لعدم اقتناع والدي بذلك وقررت دراسة علم إجتماع، وفور انتهائي وعودتي للوطن بالشهادة الجامعية، توجهت للجمعية العمانية للفنون التشكيلية، وأخذت أول عضوية في غضون 3 أسابيع تقريبا، وذلك لأن لجنة من دولة الإمارات الشقيقة كانت تبحث عن فنانات في أعمار لا تتعدى الثانية والعشرين، للمشاركة في مسابقة، وكنت وقتها أرسم لوحة عن صلالة في وقت الخريف والصدفة أني شاركت وفزت بالمركز الأول على مستوى الخليج، وهنا كان مهد العمل على الجانب الفني، بعد تكريمي في دولة الإمارات الشقيقة، واقتناع والدي بموهبتي، وبدأت أشق طريقي في هذا المجال، ومشاركتي في المسابقات والمعارض سنة بعد الأخرى، وأحصل على جوائز، وبدأت أحب العمل الفني أكثر وأشعر بتطوري، فقد بدأت برسم المناظر الطبيعية في سلطنة عمان، وكنت مولعة بالطبيعة، ولكن مع الوقت اكتشفت أني أميل لرسم البروتريه، وبدأت الملامح تشدني، التي طالما كانت محفورة في ذاكرتي، فأنا أستطيع حفظ الملامح ولا أنساها، رغم نسياني الدائم للأسماء.

حدثيني أكثر عن رسم الوجوه "البورتريه".

منذ أن كنت صغيرة، وأذهب لأداء العمرة مع أهلي، كانت تشدني الوجوه المختلفة والمتباينة هناك، ألتقي بوجوه كثيرة، وأتساءل بيني وبين نفسي، لما كل هذه الوجوه تختلف، ولكن جميعهم لهم أعين وأنوف، أي أن العناصر كلها نفسها، ولكنها مختلفة بشكل أو بآخر، حيث تدرك من هذا الاختلاف أن هذا شخص غير الآخر، أي أن الملامح هي ما تميز الأشخاص واختلافاتهم، هكذا كان الحال وأنا طفلة، فأدركت حين بدأت أرسم الوجوه بصورة تعبيرية أن لديّ مخزون كبير من الوجوه، وأني مهووسة بالملامح.

رسم الوجوه هو تعبير فني يجيده الإنسان حين يكون الرسم مجرد نقل لإحساسه، لا نقلا للواقع، فالواقع هو أن ترسم الطبيعة والأشياء من حولك، لكن أن تقف أنت واللوحة وتترجم الإحساس بداخلك، الذي يزينه الخيال فهذا صورة أخرى من صور الجمال الفني، ورغم أن الرسم الواقعي هو الأكثر اقبالا من الجمهور، إلا أني أميل أكثر لرسم البورتريه.

يمثل لي رسم البورتيه صدق الإحساس والشعور، فأنا حين أرسم ملامح وجه ما فهذا يعكس لي صورة حقيقية لإحساس ذلك الشخص وشعوره الداخلي، الملامح يمكنها أن تعكس الحزن والفرح دون الحاجة للشخص أن ينطق ذلك، وربما أهم جزء في ملامح الوجه هي العين، التي يمكن القول أنها مرآة لوجدان الإنسان، ويمكن من خلالها أن تقرأ الإحساس الداخلي.

والدي دعمني فيما بعد في مجال الرسم، واستطعت أن أثبت له أن دراستي لم تذهب هباء، فالرسم التعبيري يحتاج لمعرفة أكبر بالأشخاص، وعلم الاجتماع أو علم النفس يساهم في التعرف على خبايا كثيرة حول ما يشعر به الإنسان، وهو ما أسهر في زيادة قدرتي على الرسم التعبيري أو الرسم التجريدي.

المرأة موجودة وحاضرة بقوة في أعمالك، فمن هي المرأة في لوحاتك؟

المرأة هي المتسيدة في معظم لوحاتي، المرأة بإحساسها، بقصصها، بمشاعرها، بملامحها، فالمرأة التي تعيش في ذهني سواء بقصة معينة سمعتها، أو موقف حدث أمامي وتأثرت به، فهي كلها مصدر إلهام لي في لوحاتي.

ماذا عن المرأة الأم بصفة خاصة؟

معرضي الأخير كان عن الأم، فأنا دائما أرسم المرأة بأشكالها وصفاتها المختلفة، وأحببت هذه المرة أن تكون الأم هي بطلة معرضي، أن أخرج الأم بداخلي وأرى ملامحها في لوحاتي، والبداية كانت بطلب من ابنتي حيث أرادت أن يكون لديها لوحة لغرفتها، شرط أن اللوحة يكون فيها أنا وأنتي وأختي، وبالفعل رسمت لوحة ربما لا تشبهنا بالشكل ولكن تشبهنا كصفات، وبعد رسمي لها تحركت كثيرا في داخلي مشاعر الأمومة، وفكرت لماذا لا أقوم بعمل معرض عن الأم وفعلا هذا ما حصل.

دعينا نخوض حديثا أقرب عن معرضك الشخصي الأخير "شخوص أمي".

أهم ما يمكنني قوله عن معرضي الأخير أني لامست مشاعر الجمهور وأحاسيسهم، واللوحات كانت أشبه بصورة من الذاكرة التي تعود بالإنسان للحظة معينة مرتبطة بالأم، ولاحظت أن ارتباط الرجال بأمهاتهم كبير جدا، ومعظم تلك المشاعر الدفينة في دواخلهم لامسوها من خلال لوحاتي في المعرض.

الأم هي مجموعة من الوجوه والأحساسيس والشخصيات مجتمعة في شخص واحد، لهذا كل لوحة كانت تعبر عن معاني مختلفة ومشاعر كثيرة.

بعيدا عن الملامح.. هناك قصص أخرى حول الأجساد، والأزياء واضحة في أعمالك.

كنت أركز على الملامح فقط في رسم البورتريه، ولكني بعدها صرت أركز على تفاصيل أخرى، على سبيل المثال جسد المرأة الذي يحتاج لجرأة في رسمه، فالمجتمع لدينا لا يتقبل ذلك كثيرا، ولكني استطعت رسم ذلك بأسلوب مليء بالإحساس دون أن أقابل ذلك باتقاد، واستطعت إيصال ما كنت أود إيصاله، وانطلقت برسم الفيجر، ولم أواجه تحديات ولله الحمد، وعلى العكس تماما فقد تواصلت معي وزارة التربية والتعليم، لأخذ رسوماتي لتكون ضمن المنهج المدرسي لتكون ضمن المدرسة التعبيرية، وأنا فعلا كنت أسعى أن تصل مشاعر وقصص المرأة من خلال رسمي التعبيري.

رغم كثرة الوجوه اللي رسمتيها، هل وجه حفصة موجود؟

في لوحة واحدة فقط، أما باقي اللوحات أنا غير موجودة فيها، ربما أنا أفضل أن أهرب من نفسي ولا أفضل أن أجد ملامحي في لوحاتي، إلا لوحة لوحة واحدة فقط، رسمتها وقلت إن هذه اللوحة هي الوحيدة التي تعبر عن حفصة وعن مرحلة من المراحل التي عشتها، ولكن كل اللوحات التي أرسمها أكون جزء منها، تحوي مشاعري وأحاسيسي، ولكنها ليست قصصي، لا سيما لوحات معرضي الأخير كانت مليئة بمشاعري، وهي مشاعر الأم، ولكنها ليست أنا.

ماذا عن تلاميذك في المرسم، هل وجدتي روحك الفنية في أحدهم؟

تلاميذي أنا كثير متعلقة فيهم، وأمهاتهم أو أولياء أمورهم يشعروا بذلك، بعض التلاميذ يأتي في فترة الصيف لتعلم الرسم، وبعضهم لا يكون يمتلك المهارة الكافية، ولكن يلتحق بالمرسم لأنه والديه يريدانه أن يتعلم بعض المهارات الفنية، ولكن مع ممارسته للرسم وتعلمه الأساسيات تنمو ثقة في داخله، ويبدأ يشعر بمقدرته على الرسم، ومن خلال تنمية شعور الثقة والدعم الكافي للطفل يمكن أن تنمو المهارة الكافية لديه لعمل لوحات والمشاركة بهان وهذا ما قدمته في معرض "مسقط آرت" حيث شارك في المعرض ثلاثة من تلاميذي في المعرض بلوحاتهم، أي أنك تجد لوحة لطفل إلى جانب لوحة للفنان أنور سونيا في ذات المعرض، فهذا يكسب الطفل ثقة وتشجيع كبير لمواصلة تطوير مهاراته، وهذا ما كنا جميعا بحاجة له، الاحتكاك بالكبار، وتعلم أساسيات فنية بسيطة تدعم الموهبة هو هذا ما يسهم في تقديم الفنان المتحقق في الساحة الفنية.

تحديات الفنان التشكيلي كثيرة، لا سيما في مجال البورتريه، فالجميع يعلم أن هذا المجال ليس له جمهور كبير، ألا يؤثر ذلك عليك؟

بالطبع.. وأنا دائما عندي مقولة أقولها لابنتي أقولها "أنا أمشي عكس التيار"، يمكن للجميع المشي مع التيار، وهذا سهل ومتاح، لكن أن تمشي عكس التيار، من خلال أن تثبت للناس أنك تعمل على أمر ما لديك شغف حقيقي فيه، وربما ليس كل الناس تتقبله، ولكنك تصر عليه شغفا وحبا به.

ما هي التحديات الأخرى التي تواجهك. هل المرسم أحد التحديات؟

ليس فتح المرسم كان هو التحدي، بقدر ما أن الاستمرار بالعمل فيه هو التحدي الأكبر، الكل لديه أفكار قد تكون متهورة أو فلنقل جنونية، ويتبع فيها قلبه، ولكن السؤال هل تلك الفكرة يتبقى وتستمر؟ هل لديك القدرة على المواصلة في الأمر دون توقف أو استسلام؟ فالمرسم يمكنه البقاء لو أن أفكاري فيه مستمرة وباقية ومتجددة.

هناك كثير من الفنانين يشكو من أن أعماله ضاعت ولا يحتفظ بنسخ لها، لهذا ليس لديه إرشيف لأعماله، ولكنك تمتلكي موقع إلكتروني على أقل تقدير يحوي معظم أعمالك وأشعر أن هذه خطوة ممتازة لحفظ الأعمال.

أنا دائما أقول "من سيعرف نفسك غير نفسك؟ " بمعنى أن ما تقدمه من عمل وإنجاز لن يشعر بقيمته سواك، أنت من يجب عليه حفظ جهدك وماقدمته بأي شكل كان، فالموقع الآن يحفظ إرشيفي، والسوشيال ميديا يعرف الجمهور بي، هناك وسائل وتقنيات متطورة متاحة وسهلة للاحتفاظ بجهد الفنان وتعريفه للمجتمع والساحة الفنية.

حصول الفنان على جوائز محلية أو عالمية أليست تضع على عاتقه مسؤولية كبيرة ليواصل الخطى نحو نفس المسار؟

بالطبع.. أن حصلت على أول جائزة في عمر صغير، جائزة على مستوى الخليج، وأنا كنت خريجة في تلك الفترة، هذا أعطاني أول شعور بالمسؤولية، فأنا كنت أشعر فقط أنها مجرد هواية، ولكني بعد الجائزة قلت لابد أن أثقل الموضوع، وأدرس أكثر، وأأسس نفسي بشكل سليم، كذلك حين انتقلت من رسم الطبيعة لرسم الوجوه، كتب لي أحد الفنانين المعروفين: "أرجو ألا تكوني مجرد فقاعة"، وهذا كان تحدي بالنسبة لي، وأعطاني أيضا مسؤولية بالاستمرار.

حضور الفنانة التشكيلية العمانية في الساحة الفنية يؤكد على أنها لاقت اهتماما وحظيت بالتقدير، فهل تتفقي مع هذا القول؟

المرأة في سلطنة عمان تكرم بشكل خاص في كل المجالات، وفي المجال الفنية لم نشعر يوما بأي شكل من أشكال التفرقة بينها وبين الرجل، سواء في الفرص أو في المعارض أو في الملتقيات الفنية، والمرأة بإمكانها أن تعبر عن نفسها من خلال أعمالها ومشاركاتها، والتحدي الوحيد الذي يواجه الفنانين رجالا ونساء على حد سواء هو ثقافة اقتناء الأعمال.

ماهي رسالتك التي توجهيها للفنانين الذي يشقون طريقهم في بداية المشوار؟

أقول شيئين للجيل الجديد، أنتم تملكون مصادر قوة أكثر من جيلنا، معظمهم يكون دارس ومتأسس بشكل ممتاز، وهم محظوظون بذلك، ورغم أننا كنا أور حظا من ناحية الدعم لأن الساحة لم تكن تحوي على عدد كبير من الفنانين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رسم الوجوه من خلال هذا ما

إقرأ أيضاً:

تعلن المؤسسة الاقتصادية اليمنية عن فقدان لوحة سيارة

تعلن المؤسسة الاقتصادية اليمنية عن فقدان لوحة سيارة

مقالات مشابهة

  • الجبل الأخضر.. وجهة سياحية ولكن!
  • حفظ ماء الوجوه … بين الأقوياء
  • مشيرب: ثورة فبراير كشفت الجهوية النتنة والقبلية العفنة والعنصرية البغيضة
  • تعلن المؤسسة الاقتصادية اليمنية عن فقدان لوحة سيارة
  • رضوى الشربيني: «أنا لا أهاجم الرجال.. ولكن أشباههم»
  • كيف كشفت النيابة العامة تفاصيل حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية؟
  • رونالدو: أنا برتغالي ولكنّي أنتمي للمملكة العربية (فيديو)
  • مؤكد أن عبد الماجد يحتفظ بمخزون غير منطقي ولا موضوعي من الكراهية للدكتور كامل إدريس
  • مقررة الأمم المتحدة: تقدم الإمارات في مجال حقوق المرأة كبير و«استثنائي»