الإخوان المسلمون في سوريا المستقبل: بين واقع الحساسية وأفق الانفتاح
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
تمضي سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد، في مرحلة دقيقة وتاريخية، يراقبها السوريون والأشقاء في العالم العربي والإسلامي بعيون مترقبة وآمال مشروعة، كما يراقبها الشرق والغرب. ومع قيادة جديدة تسعى بجهد واتزان، ممثلة في الحكومة السورية بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع نلمس بوادر تحول هادئ لكنه عميق، نحو بناء سوريا على أسس جديدة قوامها العدالة، والمواطنة، والتعددية السياسية.
وقد أشار الرئيس أحمد الشرع في أكثر من مناسبة إلى رغبة حقيقية في ترسيخ مبدأ التعددية السياسية، وهو توجه يُحسب للحكومة الجديدة، ويُشكل ركيزة أساسية في مسار أي نهضة وطنية حقيقية. وفي هذا السياق، تُطرح أسئلة حساسة ومصيرية لكنها ضرورية ومنها:
1- ما موقع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا المستقبل؟
2- ما هو الموقف الذي ستتخذه الدولة السورية -الحالية أو القادمة- من هذا المكون، الذي له جذور عميقة وتاريخ ممتد في الحياة الوطنية السورية؟
3- هل لدى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا شروط أو خطوط حمراء لا تقبل التنازل عنها؟
لا أنكر أن وجود الجماعة في المشهد السوري يثير حساسية حقيقية، خاصة على المستويين العربي والدولي. كثير من المواقف المتشنجة تجاه الجماعة، سواء من جهات داخلية أو أطراف إقليمية، لم تكن ناتجة عن أخطاء حقيقية ارتكبتها أو تقييم موضوعي لتجربتها أو لأفكارها، بل كانت ثمرة تحريض سياسي أو تراكم تاريخي مشوَّه
بين الواقع والحساسية: قراءة أولية
جماعة الإخوان المسلمين في سوريا كانت -ولسنوات طويلة- محورا لجدل داخلي وخارجي، كما أنني لا أنكر أن وجود الجماعة في المشهد السوري يثير حساسية حقيقية، خاصة على المستويين العربي والدولي. كثير من المواقف المتشنجة تجاه الجماعة، سواء من جهات داخلية أو أطراف إقليمية، لم تكن ناتجة عن أخطاء حقيقية ارتكبتها أو تقييم موضوعي لتجربتها أو لأفكارها، بل كانت ثمرة تحريض سياسي أو تراكم تاريخي مشوَّه. لقد وقفت الجماعة في وجه محاولات التطبيع، ورفضت التبعية الاقتصادية والسياسية لأي قوى خارجية، وهو ما جعل بعض الجهات تعتبرها عقبة أمام مشاريع الهيمنة والنفوذ مما جلب لها العديد من الأعداء.
الإخوان المسلمون في سوريا: شريك وطني بجذور تاريخية
منذ تأسيسها عام 1945، كانت جماعة الإخوان المسلمين حاضرة بقوة في الحياة السياسية السورية، وقدمت عبر عقود من الزمن نموذجا سياسيا وفكريا يعكس روح الانخراط الوطني، والتمسك بقضايا الأمة والهوية. ومن أبرز ملامح هذا المسار:
- منذ نشأتها، أبدت الجماعة مواقف قومية ووطنية واضحة، من أبرزها دعم القضية الفلسطينية سياسيا وعسكريا، ورفضها للمشاريع الأجنبية مثل حلف بغداد، ومساندتها للثورات العربية ضد الاستعمار.
- شاركت الجماعة في الحياة البرلمانية منذ عام 1947، وأسهمت في صياغة دستور 1950، وكان لها تمثيل فاعل في مجلس النواب، بما يعكس إيمانا عميقا بالديمقراطية والتعددية السياسية.
- عند قيام الوحدة السورية-المصرية عام 1958، حلت الجماعة نفسها طوعا دعما للمصلحة القومية، ورفضت التوقيع لاحقا على وثيقة الانفصال، خلافا للعديد من القوى الحزبية الأخرى. وهذا يثبت تغليبها المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية.
- أصدرت الجماعة مجلات وصحفا سياسية وفكرية، وشاركت في مؤتمرات الحوار الإسلامي-المسيحي، وسعت إلى ترسيخ خطاب إسلامي وسطي ومنفتح يخاطب الداخل والخارج بالحجة لا بالقطيعة.
- تحالفت الجماعة مع قوى وطنية مختلفة على قاعدة أهداف مشتركة، مثل التحالف الوطني لتحرير سوريا، وإعلان دمشق، وجبهة الخلاص، والمجلس الوطني السوري، وشاركت في هيئات وطنية بعد الثورة في 2011.
- كانت الجماعة من أوائل من وقفوا في وجه حافظ الأسد، وتعرضت نتيجة لذلك للاعتقال والنفي. ومع ذلك، حافظت على توازن في خطابها، يجمع بين المعارضة والمصلحة الوطنية.
ما نحتاجه اليوم هو حوار وطني شجاع، يستند إلى الحقائق لا الأوهام، وإلى التجربة لا الأدلجة. وفي هذا الإطار، فإن التفاهم مع جماعة الإخوان المسلمين -كما مع غيرها من القوى الوطنية- هو ضرورة وطنية، ومسار حتمي من أجل سوريا مستقرة، موحدة، وآمنة لكل أبنائها
- في عام 2001، أصدرت الجماعة "ميثاق شرف وطني للعمل السياسي"، وتبعه في 2004 "المشروع السياسي لسوريا المستقبل"، كما أصدرت في بداية الثورة "ميثاق الرؤية الوطنية" الداعي لعقد اجتماعي جديد يجمع مكونات الشعب السوري على أرضية المواطنة والحرية والكرامة.
- أعلنت تأييدها لإسقاط نظام بشار الأسد، ودعمت التغيير السلمي، وأبدت انفتاحا على التعاون مع القيادة الجديدة، وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع.
لقد حرصتُ هنا على تسليط الضوء على أبرز ملامح المسار الوطني والفكري لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، مركّزا على الأدوار الإيجابية التي قامت بها تاريخيا، دون الخوض في الأخطاء أو العثرات، والتي أعلم أن بعضها لا يخفى على المتابعين.
تخفيف الحساسية: عبر خطاب وطني ومبادرات مشتركة
إن حساسية بعض الدول العربية والغربية تجاه جماعة الإخوان المسلمين لا ينبغي أن تُشكل مبررا لإقصاء هذا التيار الوطني الأصيل من المشهد السوري. فكما استطاع الرئيس أحمد الشرع أن يتجاوز العقوبات والضغوط الدولية المفروضة عليه وعلى تياره بحكمة واتزان، فإن التنسيق مع الجماعة، على قاعدة وطنية مسؤولة، يمكن أن يُسهم في إدارة المواقف المتشنجة تجاهها، وتحويل هذه التحديات إلى فرص تُعزز من استقلال القرار السوري وتماسكه الداخلي.
نحو حوار مفتوح لا يُقصي أحدا
إن مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى بإلغاء أي طرف وطني، أو بإعادة إنتاج عقلية الإقصاء والتخوين. ما نحتاجه اليوم هو حوار وطني شجاع، يستند إلى الحقائق لا الأوهام، وإلى التجربة لا الأدلجة. وفي هذا الإطار، فإن التفاهم مع جماعة الإخوان المسلمين -كما مع غيرها من القوى الوطنية- هو ضرورة وطنية، ومسار حتمي من أجل سوريا مستقرة، موحدة، وآمنة لكل أبنائها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء سوريا الشرع الإخوان سوريا الإخوان حرية الشرع مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أحمد الشرع الجماعة فی
إقرأ أيضاً:
جماعة كولومبية مسلحة تفرض حظر تجول ردا على تهديدات ترامب
أعلنت جماعة "جيش التحرير الوطني" الكولومبية التي تسيطر على مناطق إنتاج للكوكايين، أمس الجمعة، فرض حظر تجول 3 أيام على سكان هذه المناطق ابتداء من الأحد، مبررة ذلك "بتهديدات التدخل الإمبريالي" التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسط سخرية الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو من الأمر.
وقالت الجماعة -في بيان- إنها ستجري "مناورات عسكرية للدفاع عن البلاد" وستفرض بموجبها حظر تجول ابتداء من الأحد الساعة 11 صباحا بتوقيت غرينتش حتى الأربعاء في التوقيت نفسه، "منعا لوقوع حوادث" بين المدنيين والعسكريين.
وأضافت الجماعة المسلحة اليسارية، التي نشأت عام 1964 مستلهمة نشاطها من القائد الثوري الأرجنتيني إرنستو تشي غيفارا، "نحن، القوات الشعبية الكولومبية، نعارض تهديدات التدخل الإمبريالي في بلادنا، وهي مرحلة جديدة من خطة ترامب الاستعمارية التي تهدف إلى تكثيف نهب الموارد الطبيعية".
وتنشط هذه الجماعة التي تضم نحو 5800 عضو في أكثر من 20% من بلديات كولومبيا التي يزيد عددها على 1100، وفق مركز أبحاث "إنسايت كرايم".
وكان الرئيس الأميركي حذر من أن دولا منتجة للكوكايين في أميركا اللاتينية قد "تتعرض للهجوم"، مستهدفا كولومبيا التي قال إنها "تصنع الكوكايين وتبيعه لنا".
كما نشر ترامب قوات عسكرية كبيرة في البحر الكاريبي قبالة سواحل فنزويلا التي يرأسها نيكولاس مادورو ويتهمها ترامب بالضلوع في تهريب المخدرات.
بيترو يسخرمن جهته، سخر الرئيس الكولومبي من بيان جماعة "جيش التحرير الوطني". وكتب على منصة إكس: "الاحتجاج على أي أحد لا يكون بقتل القرويين وسلب حريتهم"، مضيفا "يا سادة جيش التحرير الوطني، أنتم تدعون إلى إضراب مسلح ليس ضد ترامب، بل خدمة لتجار المخدرات الذين يسيطرون عليكم".
وكان بيترو طالب نظيره الأميركي في أوائل الشهر الجاري باحترام "سيادة" بلاده، في حين صعّد الرئيس الأميركي من تهديداته لكولومبيا.
إعلانبدوره، ندد وزير دفاعه بيدرو سانشيز أيضا بالخطوة واصفا إياها بأنها "إكراه إجرامي"، وحذر من أن القوات الأمنية الكولومبية "ستكون حاضرة في كل مكان".
وتعد منطقة كاتاتومبو الواقعة على الحدود مع فنزويلا أحد معاقل جماعة "جيش التحرير الوطني" التي تسيطر على إنتاج الكوكايين في هذه المنطقة التي تضم أكبر كميات من محاصيل أوراق الكوكا في العالم.
من "جيش التحرير الوطني"؟يُعتبر "جيش التحرير الوطني" آخر جماعة مسلحة كولومبية منذ نزع سلاح القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) وتحولها إلى حزب سياسي عقب اتفاقية السلام الموقعة عام 2016.
ولا تزال جماعات منشقة أخرى عن فارك، لم توقع على اتفاقية السلام، تمارس نفوذا في هذا البلد الشاسع.
وقد تفاوض "جيش التحرير الوطني" مع حكومة بيترو لمدة عامين، لكن المحادثات انهارت في يناير/كانون الثاني بسبب القتال الدائر، وأعادت بوغوتا إصدار مذكرات توقيف بحق كبار قادة "جيش التحرير الوطني".
وتموّل هذه الجماعة نفسها من خلال تهريب الكوكايين، وأنشطة التعدين غير القانوني، وسرقة النفط، وعمليات الخطف بغرض الابتزاز المالي.