الإخوان المسلمون في سوريا المستقبل: بين واقع الحساسية وأفق الانفتاح
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
تمضي سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد، في مرحلة دقيقة وتاريخية، يراقبها السوريون والأشقاء في العالم العربي والإسلامي بعيون مترقبة وآمال مشروعة، كما يراقبها الشرق والغرب. ومع قيادة جديدة تسعى بجهد واتزان، ممثلة في الحكومة السورية بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع نلمس بوادر تحول هادئ لكنه عميق، نحو بناء سوريا على أسس جديدة قوامها العدالة، والمواطنة، والتعددية السياسية.
وقد أشار الرئيس أحمد الشرع في أكثر من مناسبة إلى رغبة حقيقية في ترسيخ مبدأ التعددية السياسية، وهو توجه يُحسب للحكومة الجديدة، ويُشكل ركيزة أساسية في مسار أي نهضة وطنية حقيقية. وفي هذا السياق، تُطرح أسئلة حساسة ومصيرية لكنها ضرورية ومنها:
1- ما موقع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا المستقبل؟
2- ما هو الموقف الذي ستتخذه الدولة السورية -الحالية أو القادمة- من هذا المكون، الذي له جذور عميقة وتاريخ ممتد في الحياة الوطنية السورية؟
3- هل لدى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا شروط أو خطوط حمراء لا تقبل التنازل عنها؟
لا أنكر أن وجود الجماعة في المشهد السوري يثير حساسية حقيقية، خاصة على المستويين العربي والدولي. كثير من المواقف المتشنجة تجاه الجماعة، سواء من جهات داخلية أو أطراف إقليمية، لم تكن ناتجة عن أخطاء حقيقية ارتكبتها أو تقييم موضوعي لتجربتها أو لأفكارها، بل كانت ثمرة تحريض سياسي أو تراكم تاريخي مشوَّه
بين الواقع والحساسية: قراءة أولية
جماعة الإخوان المسلمين في سوريا كانت -ولسنوات طويلة- محورا لجدل داخلي وخارجي، كما أنني لا أنكر أن وجود الجماعة في المشهد السوري يثير حساسية حقيقية، خاصة على المستويين العربي والدولي. كثير من المواقف المتشنجة تجاه الجماعة، سواء من جهات داخلية أو أطراف إقليمية، لم تكن ناتجة عن أخطاء حقيقية ارتكبتها أو تقييم موضوعي لتجربتها أو لأفكارها، بل كانت ثمرة تحريض سياسي أو تراكم تاريخي مشوَّه. لقد وقفت الجماعة في وجه محاولات التطبيع، ورفضت التبعية الاقتصادية والسياسية لأي قوى خارجية، وهو ما جعل بعض الجهات تعتبرها عقبة أمام مشاريع الهيمنة والنفوذ مما جلب لها العديد من الأعداء.
الإخوان المسلمون في سوريا: شريك وطني بجذور تاريخية
منذ تأسيسها عام 1945، كانت جماعة الإخوان المسلمين حاضرة بقوة في الحياة السياسية السورية، وقدمت عبر عقود من الزمن نموذجا سياسيا وفكريا يعكس روح الانخراط الوطني، والتمسك بقضايا الأمة والهوية. ومن أبرز ملامح هذا المسار:
- منذ نشأتها، أبدت الجماعة مواقف قومية ووطنية واضحة، من أبرزها دعم القضية الفلسطينية سياسيا وعسكريا، ورفضها للمشاريع الأجنبية مثل حلف بغداد، ومساندتها للثورات العربية ضد الاستعمار.
- شاركت الجماعة في الحياة البرلمانية منذ عام 1947، وأسهمت في صياغة دستور 1950، وكان لها تمثيل فاعل في مجلس النواب، بما يعكس إيمانا عميقا بالديمقراطية والتعددية السياسية.
- عند قيام الوحدة السورية-المصرية عام 1958، حلت الجماعة نفسها طوعا دعما للمصلحة القومية، ورفضت التوقيع لاحقا على وثيقة الانفصال، خلافا للعديد من القوى الحزبية الأخرى. وهذا يثبت تغليبها المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية.
- أصدرت الجماعة مجلات وصحفا سياسية وفكرية، وشاركت في مؤتمرات الحوار الإسلامي-المسيحي، وسعت إلى ترسيخ خطاب إسلامي وسطي ومنفتح يخاطب الداخل والخارج بالحجة لا بالقطيعة.
- تحالفت الجماعة مع قوى وطنية مختلفة على قاعدة أهداف مشتركة، مثل التحالف الوطني لتحرير سوريا، وإعلان دمشق، وجبهة الخلاص، والمجلس الوطني السوري، وشاركت في هيئات وطنية بعد الثورة في 2011.
- كانت الجماعة من أوائل من وقفوا في وجه حافظ الأسد، وتعرضت نتيجة لذلك للاعتقال والنفي. ومع ذلك، حافظت على توازن في خطابها، يجمع بين المعارضة والمصلحة الوطنية.
ما نحتاجه اليوم هو حوار وطني شجاع، يستند إلى الحقائق لا الأوهام، وإلى التجربة لا الأدلجة. وفي هذا الإطار، فإن التفاهم مع جماعة الإخوان المسلمين -كما مع غيرها من القوى الوطنية- هو ضرورة وطنية، ومسار حتمي من أجل سوريا مستقرة، موحدة، وآمنة لكل أبنائها
- في عام 2001، أصدرت الجماعة "ميثاق شرف وطني للعمل السياسي"، وتبعه في 2004 "المشروع السياسي لسوريا المستقبل"، كما أصدرت في بداية الثورة "ميثاق الرؤية الوطنية" الداعي لعقد اجتماعي جديد يجمع مكونات الشعب السوري على أرضية المواطنة والحرية والكرامة.
- أعلنت تأييدها لإسقاط نظام بشار الأسد، ودعمت التغيير السلمي، وأبدت انفتاحا على التعاون مع القيادة الجديدة، وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع.
لقد حرصتُ هنا على تسليط الضوء على أبرز ملامح المسار الوطني والفكري لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، مركّزا على الأدوار الإيجابية التي قامت بها تاريخيا، دون الخوض في الأخطاء أو العثرات، والتي أعلم أن بعضها لا يخفى على المتابعين.
تخفيف الحساسية: عبر خطاب وطني ومبادرات مشتركة
إن حساسية بعض الدول العربية والغربية تجاه جماعة الإخوان المسلمين لا ينبغي أن تُشكل مبررا لإقصاء هذا التيار الوطني الأصيل من المشهد السوري. فكما استطاع الرئيس أحمد الشرع أن يتجاوز العقوبات والضغوط الدولية المفروضة عليه وعلى تياره بحكمة واتزان، فإن التنسيق مع الجماعة، على قاعدة وطنية مسؤولة، يمكن أن يُسهم في إدارة المواقف المتشنجة تجاهها، وتحويل هذه التحديات إلى فرص تُعزز من استقلال القرار السوري وتماسكه الداخلي.
نحو حوار مفتوح لا يُقصي أحدا
إن مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى بإلغاء أي طرف وطني، أو بإعادة إنتاج عقلية الإقصاء والتخوين. ما نحتاجه اليوم هو حوار وطني شجاع، يستند إلى الحقائق لا الأوهام، وإلى التجربة لا الأدلجة. وفي هذا الإطار، فإن التفاهم مع جماعة الإخوان المسلمين -كما مع غيرها من القوى الوطنية- هو ضرورة وطنية، ومسار حتمي من أجل سوريا مستقرة، موحدة، وآمنة لكل أبنائها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء سوريا الشرع الإخوان سوريا الإخوان حرية الشرع مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أحمد الشرع الجماعة فی
إقرأ أيضاً:
مستقبل إخوان اليمن في ظل التحركات الأميركية لتصنيف الجماعة إرهابية
تتصاعد في واشنطن مؤخرًا الجهود التشريعية والإجرائية الهادفة إلى تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية عالمية، في خطوة تعكس تحوّلًا ملحوظًا في مقاربة الولايات المتحدة لملف الإسلام السياسي.
هذه التحركات، التي تتبناها دوائر نافذة في الكونغرس بدعم من شخصيات بارزة في الإدارة، لا تأتي في فراغ سياسي، بل في سياق عالمي أوسع يشهد تضييق الخناق على الجماعات ذات الامتدادات العابرة للحدود، خاصة تلك التي تتهمها واشنطن وحلفاؤها بتوفير بيئات حاضنة للتطرف أو دعم أنشطة مسلحة بشكل مباشر أو غير مباشر.
وإذا ما تم اعتماد هذا التصنيف رسميًا، فمن المرجح أن تمتد تداعياته العميقة إلى أفرع الجماعة في المنطقة، بما في ذلك تنظيم الإخوان في اليمن المتمثل في حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يعد أحد أكبر وأقدم الأحزاب السياسية في البلاد، وواحدًا من أبرز القوى المؤثرة في معادلة الصراع اليمني منذ اندلاع الحرب.
وعلى الرغم من أن الحزب يحرص في خطابه السياسي على تقديم نفسه ككيان وطني يمني، إلا أنه ظل على مدى عقود في مرمى الاتهامات – من قبل خصومه المحليين والإقليميين – بالارتباط الوثيق بالأيديولوجيا الإخوانية العابرة للحدود، سواء من حيث البنية الفكرية أو شبكات الدعم السياسي والمالي.
هذا الوضع يجعل موقف الحزب حساسًا للغاية أمام أي قرار أميركي من هذا النوع، إذ إن التصنيف – في حال إقراره – لن يكون مجرد خطوة رمزية، بل قد يفتح الباب أمام سلسلة من الإجراءات العقابية التي تمس قدراته التنظيمية، وتمويله، وتحركات قياداته، فضلًا عن التأثير على شبكة تحالفاته الداخلية والخارجية.
وفي بيئة سياسية وأمنية معقدة كاليمن، حيث تتداخل الولاءات وتتشابك المصالح بين أطراف الصراع، قد يشكل هذا التصعيد الأميركي عامل ضغط إضافيًا على الحزب، يفرض عليه إعادة تقييم استراتيجي لموقعه وأدواته في المشهد الوطني والإقليمي.
السياق الأميركي والدوافع وراء التحرك
وتأتي التحركات الأميركية وسط دفع قوي من الكونغرس، يقوده السيناتور الجمهوري تيد كروز، نحو إقرار "قانون تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية لعام 2025"، الذي يمنح وزارة الخارجية الأميركية صلاحيات واسعة لإدراج فروع الجماعة على قوائم الإرهاب خلال فترة لا تتجاوز 90 يومًا من دخول القانون حيز التنفيذ. ويرى المشرعون الداعمون للمشروع أن جماعة الإخوان تشكّل بيئة حاضنة للتطرف، وأن التصنيف المرتقب سيؤدي إلى تجفيف مواردها المالية وقطع قنوات الدعم اللوجستي التي تعتمد عليها في أنشطتها العابرة للحدود.
ويعكس التوجه الجديد تحوّلًا جوهريًا في مقاربة واشنطن لهذا الملف، من حالة الانفتاح الحذر التي ميّزت إدارات سابقة – خاصة خلال مرحلة ما بعد الربيع العربي – إلى مسار أكثر تشددًا يربط الجماعة بشكل مباشر بشبكات دعم وتمويل الإرهاب. وقد كشف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في مقابلة إذاعية، أن الإدارة "تجري مراجعة داخلية" تمهيدًا للتصنيف، موضحًا أن التحدي يكمن في وجود "فروع متعددة" للجماعة في دول مختلفة، وهو ما يستلزم إدراجًا مستقلًا لكل فرع ضمن قوائم الإرهاب.
روبيو أشار كذلك إلى تعقيدات قانونية قد تواجه القرار، إذ يمكن لأي كيان أن يطعن قضائيًا مدعيًا أنه "ليس منظمة إرهابية"، وهو ما يفرض على الحكومة الأميركية تقديم ملف إثبات قوي ومكتمل لتثبيت التصنيف أمام المحاكم. كما نبه إلى أن الإدارة تواجه مئات الدعاوى القضائية في مجالات مختلفة، وأن أي حكم فيدرالي واحد قد يعرقل تنفيذ القرار على المستوى الوطني، ما يفرض "حذرًا شديدًا" في الصياغة والإجراءات.
ورغم هذه التعقيدات، فإن الزخم السياسي داخل الكونغرس يتزايد، مدفوعًا بمبادرة كروز التي وضعت ثلاثة مسارات متكاملة للتصنيف: إقرار من الكونغرس بموجب "قانون مكافحة الإرهاب" لعام 1987، ثم تصنيف وزارة الخارجية كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، وأخيرًا إدراج على قائمة "الإرهاب العالمي"، وهو ما يعني تجميد الأصول المالية وحظر أي تعاملات مع الكيانات المصنّفة.
ويرى محللون أن هذه الخطوة، إذا اكتملت، قد تعيد فتح ملفات حساسة في السياسة الخارجية الأميركية، خاصة الموقف من جماعات الإسلام السياسي، وتخلق تداعيات إقليمية واسعة في دول تتبنى مواقف متباينة من الإخوان، بين الحظر الكامل والدعم السياسي الضمني.
خلفية تاريخية
تأسس حزب التجمع اليمني للإصلاح في عام 1990 عقب الوحدة اليمنية، جامعًا بين التيار الإسلامي المرتبط فكريًا بجماعة الإخوان المسلمين، وبعض زعامات القبائل النافذة، ورجال الأعمال المؤثرين الذين رأوا في الحزب منصة سياسية لتعزيز حضورهم في النظام السياسي الجديد. ومنذ نشأته، تبنّى الحزب خطابًا يجمع بين الدعوة إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي، والتأكيد على قيم المشاركة المدنية والالتزام بالمبادئ الإسلامية، ما منحه قاعدة شعبية واسعة بين المحافظين والقطاعات الريفية والحضرية في شمال ووسط اليمن.
على الصعيد السياسي، لعب الحزب دورًا محوريًا خلال عقدي التسعينيات والألفية الجديدة، وكان شريكًا أساسيًا في العديد من التحالفات الحكومية، قبل أن يتحول إلى المعارضة السياسية في فترات لاحقة، مطالبًا بإصلاحات دستورية وإدارية، ومحذرًا من الاستحواذ الأحادي للسلطة. وقد ساهم هذا المزيج من المشاركة في الحكومة والمعارضة في ترسيخ صورة الإصلاح كقوة سياسية فاعلة، قادرة على التأثير في صنع القرار، ولكن أيضًا معرضة للانتقادات والاتهامات بالانحياز إلى أيديولوجية إخوانية عابرة للحدود.
ومع اندلاع الصراع اليمني في 2014، وجد الحزب نفسه في موقع متداخل بين العمل السياسي والمشاركة في المواجهة المسلحة ضد الحوثيين، مستفيدًا من علاقاته الإقليمية وخاصة مع بعض دول الخليج، التي وفرت له دعمًا سياسيًا ولوجستيًا محدودًا، ما عزز حضوره في مناطق واسعة من الشمال والوسط اليمني. كما لعب الحزب دورًا في تنظيم قوات محلية، مع التركيز على مناطق نفوذه التقليدية، وهو ما أعطاه حضورًا أمنيًا ملموسًا إلى جانب تأثيره السياسي.
تجعل هذه الخلفية المركبة، التي تجمع بين البنية الفكرية للإخوان المسلمين، والتحالفات القبلية، والدور السياسي والعسكري، حزب التجمع اليمني للإصلاح نقطة حساسة في أي تصنيف دولي لجماعة الإخوان المسلمين. إذ إن أي خطوة أميركية لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية قد تمتد تأثيراتها إلى الحزب، ليس فقط على صعيد التمويل والدعم اللوجستي، بل أيضًا على مستوى تحالفاته المحلية وقدرته على ممارسة أنشطته داخل اليمن.
تداعيات محتملة
في حال مضت واشنطن نحو تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية، فإن حزب التجمع اليمني للإصلاح قد يواجه سلسلة من القيود والتحديات غير المسبوقة التي قد تعيد رسم دوره السياسي والعسكري في اليمن. على الصعيد الخارجي، من المرجح أن تشمل التداعيات فرض قيود على التمويل الخارجي والتحركات الدبلوماسية للحزب، مع إمكانية إدراج شخصيات قيادية وكيانات مرتبطة به على قوائم العقوبات الأميركية، ما سيحد بشكل مباشر من قدرته على التواصل مع شركاء دوليين أو الحصول على دعم سياسي واقتصادي، لا سيما من المؤسسات المالية والبنوك الأجنبية.
داخليًا، قد يجد الحزب نفسه تحت ضغط مضاعف من خصومه المحليين، خصوصًا القوى المناهضة للإسلام السياسي، التي قد تستغل القرار الأميركي كذريعة لإضعاف نفوذه في المناطق ذات النفوذ المشترك، وإعادة ترتيب التحالفات المحلية بما يخدم مصالحها. ومن شأن هذه الديناميات أن تزيد من هشاشة الحزب في مواجهة الجماعات المنافسة على الأرض، وتحد من قدرته على حشد قواعده الشعبية في الشمال والوسط اليمني.
على المستوى الإقليمي، قد يضع التصنيف بعض الدول التي تتعامل مع الحزب أو تمنحه غطاءً سياسيًا أمام مأزق استراتيجي، حيث ستضطر للاختيار بين الاستمرار في دعمه وتحمل التبعات القانونية والدبلوماسية، أو التخلي عنه لتجنب أي عقوبات ثانوية قد تؤثر على مصالحها الدولية. هذا الواقع قد يعقد من إمكانية الإصلاح الحفاظ على شبكة علاقاته الإقليمية التي دعمت حضوره السياسي والعسكري طوال السنوات الماضية، ويضع قيادته أمام تحديات كبيرة في الحفاظ على دوره كقوة فاعلة داخل المشهد اليمني.
في المجمل سيصبح حزب الإصلاح أكثر انكفاءً على أرض الواقع، محاطًا بقيود دولية وضغوط محلية متصاعدة، ما يفرض على قيادته إعادة تقييم استراتيجياتها السياسية، وتحركاتها العسكرية والدبلوماسية، ضمن سياق جديد من التحديات المتشابكة بين الداخل والخارج.
السيناريوهات الثلاثة لمستقبل حزب الإصلاح
سيناريو التراجع والانكماش: في هذا السيناريو، سيكون تأثير التصنيف الأميركي على حزب الإصلاح مباشرًا وحاسمًا، خصوصًا على صعيد التمويل الخارجي والتحركات الدبلوماسية. القيود المالية وفرض العقوبات على قياداته قد يحدان من قدرته على إدارة أنشطته السياسية والعسكرية، مما يؤدي إلى انكماش دوره خارج مناطقه التقليدية، والاكتفاء بالعمل السياسي المحدود داخل المحافظات التي يحظى فيها بدعم شعبي واضح. هذا الانكماش قد يخلق حالة من العزلة النسبية للحزب، ويقلص إمكاناته في المنافسة على النفوذ الوطني، مما يجعله في مرحلة حماية الذات أكثر من الانخراط في الصراع السياسي على المستوى الوطني.
سيناريو إعادة التموضع السياسي: يمكن أن يلجأ الحزب إلى استراتيجية إعادة التموضع السياسي لمواجهة الضغوط الأميركية المحتملة. ويعتمد هذا المسار على محاولة فك الارتباط العلني أو التنظيمي مع جماعة الإخوان المسلمين، من خلال تبني خطاب جديد يركز على الهوية الوطنية اليمنية، وإظهار الالتزام بالقوانين الدولية ومكافحة الإرهاب. هذه الخطوة قد تساعد الحزب على تفادي العقوبات، والحفاظ على شرعيته السياسية داخليًا وخارجيًا. كما قد يصاحب هذا التحول بناء تحالفات جديدة مع قوى يمنية أخرى، بما يملأ الفراغ الناتج عن تراجع الدعم الخارجي، ويعزز قدرته على التأثير ضمن المشهد السياسي المتشابك في البلاد، خصوصًا في مناطق النفوذ المختلط بين الإصلاح وأطراف أخرى في الحكومة الشرعية.
سيناريو المواجهة والتصعيد: في حالة اختيار الحزب تحدي التصنيف الأميركي واعتباره استهدافًا سياسيًا، قد يلجأ إلى تعزيز علاقاته مع أطراف إقليمية ودولية معارضة لسياسات واشنطن، وربما يعزز تحالفاته مع حركات الإسلام السياسي في المنطقة. هذا المسار قد يتيح له مصادر دعم بديلة، سواء على صعيد التمويل أو الحماية السياسية، لكنه في الوقت نفسه سيعرض الحزب لعزلة أكبر على الساحة المحلية، وزيادة الضغوط الداخلية من القوى المناهضة للإسلام السياسي. علاوة على ذلك، قد يتسبب هذا التصعيد في مزيد من التصادم مع الجهات الأمنية والقوى المتنافسة في اليمن، ما يضع الحزب أمام معضلة الحفاظ على وجوده السياسي مقابل المخاطر الأمنية المتنامية.
ضمان البقاء
ويرى المحلل السياسي في حضرموت، محمد الشماسي، أن حزب التجمع اليمني للإصلاح، في حال مضت الإدارة الأميركية قدمًا في تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية، سيجد نفسه أمام مفترق طرق حاد قد يدفعه إلى إعادة صياغة تحالفاته التقليدية على نحو غير مسبوق. مضيفًا: "إن الضغط الأميركي المباشر على الحزب، سواء عبر العقوبات المالية أو قيود التحركات الدولية، قد يخلق لدى قياداته شعورًا بالإحباط وإجبارًا على البحث عن غطاء سياسي وأمني بديل لضمان بقائه".
وأضاف: أن السيناريو الأكثر تشددًا، والذي قد يعتمد عليه حزب الإصلاح، يتمثل في الانفتاح على تحالفات غير تقليدية، تشمل ربما القوى المسلحة المحلية المعارضة للقرار الأميركي، بما في ذلك ميليشيات الحوثي في شمال اليمن وإيران، أو حتى التنسيق المؤقت مع تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش في إطار مواجهة مشتركة ضد ما يعتبره الحزب "استهدافًا خارجيًا". الهدف من هذا التحرك، بحسب الناشط الشماسي ليس بالضرورة تبني الأيديولوجيات المتطرفة لهذه التنظيمات، وإنما خلق شبكة حماية استراتيجية تسمح له بمواصلة نشاطه السياسي واللوجستي على الأرض، مع تأمين موارد موازية بعد تجميد الأصول الخارجية وقطع قنوات الدعم التقليدية.
ومع ذلك، يشير المحللون إلى أن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر جسيمة. فالتقارب مع ميليشيات الحوثي أو الجماعات المتطرفة قد يفاقم الانقسامات الداخلية، ويضعف شرعية الحزب لدى قواعده التقليدية، ويعزز العزلة الدبلوماسية على المستوى الإقليمي والدولي. كما أن أي تعاون من هذا النوع قد يُفسر على أنه تحالف مع قوى إرهابية، ما يزيد من احتمالية فرض مزيد من العقوبات على قياداته وشبكاته، ويزيد من الصعوبات أمام أي مساعي مستقبلية لإعادة الدمج في العملية السياسية الوطنية.
ويظل هذا السيناريو مؤشراً على درجة الضغط الاستثنائي الذي قد يواجهه حزب الإصلاح، ويعكس تحديًا استراتيجياً يتطلب توازنًا دقيقًا بين البقاء السياسي، والتحالفات التكتيكية، والحفاظ على الحد الأدنى من الشرعية الداخلية والخارجية، في ظل بيئة يمنية وإقليمية متفجرة ومعقدة.
مستقبل تحت الضغوط
ويبقى مصير حزب التجمع اليمني للإصلاح رهنًا بالمسار الذي ستتخذه الإدارة الأميركية في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، وبمدى قدرة الحزب على التكيف مع المتغيرات المحتملة على الصعيدين الدولي والمحلي. فكل قرار أميركي بشأن تصنيف جماعة"الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية سيترتب عليه انعكاسات مباشرة على الحزب، سواء من حيث تمويله الخارجي، أو قدرته على ممارسة أنشطته السياسية والدبلوماسية، أو حتى على مستوى التحالفات الإقليمية التي يعتمد عليها في دعم وجوده العسكري والسياسي.
وبين سيناريوهات الانكماش، وإعادة التموضع، أو المواجهة، سيحدد توازن القوى الداخلي والإقليمي المسار الذي سيسلكه الحزب، مع الأخذ في الاعتبار الضغوط المحلية من خصومه السياسيين الذين قد يستغلون أي قرار أميركي لتعزيز مواقعهم في مناطق النفوذ المشتركة، وكذلك المواقف الإقليمية المتباينة من دوره، بين دعم ضمني أو انتقاد صريح قد يؤدي إلى عزلة إضافية.
علاوة على ذلك، فإن قدرة الحزب على ابتكار استراتيجيات جديدة لمواءمة مصالحه الوطنية مع الضغوط الخارجية ستكون حاسمة في تحديد استمراره كلاعب رئيسي في المشهد اليمني. من هنا، يبدو أن السنوات المقبلة قد تشكل اختبارًا مصيريًا لقدرة حزب الإصلاح على الصمود أو التكيف أو إعادة تعريف هويته في ظل تحديات تتجاوز حدود اليمن إلى المستوى الإقليمي والدولي.