هل يصمد القرار الهش بـ «وقف النار» بين إيران وإسرائيل؟
تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT
بعد 12 يومًا من اشتعال الحرب بين إسرائيل وإيران، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان وقف النار بين الجهتين، وذلك يعني أننا أمام نهاية الصراع الذي أراه أكثر دراماتيكية بشكل مباشر بين إيران وإسرائيل منذ عقود من العداء.
واتفق الاثنان على الالتزام بقرار وقف إطلاق النار، مع ذلك تعهدا بأنهما سيردان على الآخر في حال حدوث أي خرق في القرار، وسيكون الرد حازمًا وقويًا.
إذا حظي قرار وقف إطلاق النار بالصمود، وهو أمر أعتقد أنه غير مؤكد إلى حد كبير، فإننا أمام سؤال رئيسي: هل يعني ذلك أن السلام الدائم بين الجهتين قد حل، أم أنه قرار قصير المدى ويمكن للصراع أن يتجدد مرة أخرى؟
ومن خلال متابعة الدراسات المعاصرة في الشأن السياسي، يتضح أن السلام الدائم بين الأطراف المتنازعة يحل مع أحد أمرين؛ الأمر الأول هزيمة كاملة لأحد الطرفين، والأمر الآخر وجود قوتين متكافئتين للردع، وهذا يعني توقف الطرفين عن البدء في العداء، لأن التكاليف المتوقعة للردع سوف تفوق بشكل كبير أي مكاسب متوقعة. إن الحرب التي أعلن التوقف عنها بين إيران وإسرائيل قد شكّلت نقطة تحول لإسرائيل تحديدًا في ظل عدائها طويل الأمد مع إيران، فلأول مرة تقوم إسرائيل بخوض معركة كبيرة في الأراضي الإيرانية، وهنا تحوّل الصراع بين إسرائيل من حرب على «وكلاء إيران» إلى صراع مباشر معها.
وربما مهّد لهذا الأمر أن إسرائيل واجهت وكلاء إيران منذ عقود معتقدة أنها أضعفت من قوتهم، وبشكل خاص في لبنان بحربها ضد حزب الله، وكذلك الجماعات الموالية لإيران في سوريا، وهذا ما مهّد الأمر لضرب إيران واغتيال عدد كبير من قيادتها العسكرية وعلمائها المتخصصين في المجال النووي، إضافة إلى أن ذلك كلف إيران خسائر كبيرة في أرواح المدنيين.
وإلى جانب ذلك، كسبت إسرائيل طرفًا مؤثرًا في صراعها، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي دخلت بشكل مباشر في هذه الحرب، وقد شنّت هجمات مباشرة على 3 منشآت نووية إيرانية «فوردو» و«نطنز» و«أصفهان».
وعلى الرغم من التدخل الأمريكي، لم تنجح إسرائيل في تحقيق كافة أهدافها التي أعلنت عنها، ومن أبرز ذلك ادعاء نتنياهو بتغيير النظام الإيراني، كما حاولت حكومته إثارة الفوضى في الداخل الإيراني للخروج في مظاهرات إيرانية ضد المرشد الأعلى خامنئي، وهذه الخطة باءت بالفشل. كما أن من أهداف إسرائيل القضاء التام على برنامج الصواريخ الإيراني، فإيران واصلت ضرباتها حتى اللحظة الأخيرة قبل سريان قرار وقف إطلاق النار، وكذلك لم تستجب إيران لمطالب ترامب بإنهاء تخصيب اليورانيوم.
على الرغم من أن إيران قد تفاجأت بهجمات إسرائيل، خاصةً وأنها كانت منخرطة في مفاوضات نووية مع الولايات المتحدة، فإنها ردّت بإطلاق مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل، ورغم أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية تمكنت من اعتراض عدد كبير من تلك الصواريخ، فإن بعضها تمكن من اختراق الدفاعات، وألحق دمارًا واسعًا في عدد من المدن الكبرى، ما أسفر عن عشرات القتلى ومئات الجرحى. وبذلك أظهرت إيران قدرتها على الرد، رغم أن إسرائيل نجحت في تدمير جزء كبير من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، وعدد من منصات إطلاق الصواريخ الباليستية، إلى جانب عدد من المنشآت الحيوية في قطاع الطاقة.
ومنذ بدء الهجوم، كانت هناك مطالب بوقف النار ومواصلة المفاوضات، ومع تصاعد الضغوط العسكرية والسياسية، بدا واضحًا حجم الخسائر المتزايدة من الطرفين، واحتمال نفاد المخزون العسكري إذا استمر القتال.
وتُظهر نظريات الحسم في الحروب أن النصر لا يُقاس فقط بحجم الدمار الذي يُلحق بالعدو، بل بتحقيق الأهداف الاستراتيجية الأساسية، وإضعاف قدرة الخصم على الصمود والاستمرار في المقاومة.
ورغم أن إسرائيل ادّعت أنها حققت معظم أهدافها، إلا أن حجم الضرر الحقيقي الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني لا يزال غير معروف، كما أن قدرة طهران على مواصلة تخصيب اليورانيوم لم تتضح بعد.
ومن المرجّح أن يبقى الطرفان في حالة من الترقب والتوتر بشأن الملف النووي الإيراني، ما يفتح الباب لاحتمالات اندلاع جولة جديدة من الصراع، في حال شعرت أي من الجهتين بوجود فرصة استراتيجية سانحة.
وستواجه إيران تحديات أكبر في المرحلة المقبلة، فمع الخسائر الجسيمة التي لحقت بقياداتها وبنيتها التحتية النووية، ستضع طهران على رأس أولوياتها إعادة بناء قدرة الردع الخاصة بها، وقد يشمل ذلك السعي للحصول على أنظمة دفاع جوي متقدمة، ربما من الصين، إلى جانب إصلاح مكونات أساسية في برامجها الصاروخية والنووية.
ويشير بعض المحللين إلى أن إيران امتنعت عمدًا عن استخدام أقوى صواريخها خلال الحرب، بهدف الاحتفاظ بها كأداة ردع مستقبلية.
كما أن المسؤولين الإيرانيين أكدوا أنهم تمكنوا من حماية أكثر من 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% قبل الهجمات، وهي كمية يمكن نظريًا تحويلها إلى 9 أو 10 رؤوس نووية في حال جرى تخصيبها بنسبة 90%.
ورغم تصريح ترامب بأن «القدرة النووية الإيرانية تم القضاء عليها بالكامل»، فإن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، قال إن الأضرار التي لحقت بالمنشآت الإيرانية كانت «كبيرة للغاية».
ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن إيران لا تزال تحتفظ بقاعدة معرفية وتقنية تراكمت على مدى عقود، ما يعني أنه - اعتمادًا على مدى تضرر منشآتها تحت الأرض - قد تكون قادرة على استعادة برنامجها النووي بل وتسريعه خلال فترة زمنية قصيرة. أما احتمالات استئناف المفاوضات حول برنامج إيران النووي، فتبدو أضعف من أي وقت مضى. لقد أعادت هذه الحرب تشكيل مفاهيم الردع لدى كل من إيران وإسرائيل، وكذلك الطريقة التي يفكر بها كل طرف في حماية أمنه القومي.
وبالنسبة لإيران، عزز الصراع قناعتها بأن بقاء النظام الحاكم على المحك، خصوصًا في ظل حديث علني عن «تغيير النظام» خلال فترة الحرب، وهو ما زاد من تمسّك قادتها بفكرة أن الردع الحقيقي يقوم على ركيزتين: الأولى القدرة على امتلاك سلاح نووي، والثانية تعزيز التحالفات الاستراتيجية مع الصين وروسيا.
وبناءً على ذلك، من المتوقع أن تتحرك إيران بسرعة لاستعادة وتطوير برنامجها النووي، وربما تتجه نحو خيار التسلّح النووي، وهو خيار تجنّبته رسميًا طوال السنوات الماضية.
وفي الوقت نفسه، يُرجّح أن تسرّع طهران من تعاونها العسكري والاقتصادي مع بكين وموسكو، لتأمين نفسها من أي عزلة مستقبلية، وقد أكّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال زيارته إلى موسكو، على أهمية هذا التعاون، لا سيما في الملف النووي. أما إسرائيل، فهي ترى أن الحفاظ على الردع يتطلب اليقظة الدائمة وامتلاك قدرة دائمة على توجيه الضربات، وفي ظل غياب اختراق دبلوماسي حقيقي، قد تعتمد إسرائيل سياسة «الضربات الوقائية المباشرة» ضد المنشآت الإيرانية أو قادتها البارزين، في حال رصدت أي تصعيد جديد، خصوصًا ما يتعلق بالملف النووي.
وفي هذا السياق، يبدو وقف إطلاق النار الحالي ضعيفًا للغاية، فدون مفاوضات شاملة تتناول جذور الخلاف، وعلى رأسها القدرات النووية الإيرانية، فقد تكون هذه الهدنة مجرد استراحة قصيرة في طريق صراع طويل. الردع المتبادل قد يمنع حربًا شاملة في الوقت الراهن، لكن التوازن القائم هشّ وقد ينهار في أية لحظة.
علي المعموري باحث في دراسات الشرق الأوسط بجامعة ديكين بأستراليا.
نقلا عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وقف إطلاق النار إیران وإسرائیل فی حال
إقرأ أيضاً:
روسيا: إسرائيل عادت للتركيز على غزة بعد وقف إطلاق النار مع إيران
قال ممثل روسيا في مجلس الأمن الدولي فاسيلي نيبينزيا، اليوم الاثنين أن إسرائيل عادت للتركيز على قطاع غزة بعد وقف الحرب الإيرانية الإسرائيلية.
وأضاف المندوب الروسي خلال جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع في الشرق الأوسط بما فيها القضية الفلسطينية أنه "للأسف لا يمكننا أن ننتظر أن يتوقف فزعنا قريبا، فالجيش الإسرائيلي عاد للتركيز على قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار مع إيران".
وأكد ممثل روسيا، أن إسرائيل تتصرف بتجاهل للآثار الإنسانية الكارثية في قطاع غزة، فحوالي 55 ألف فلسطيني ماتوا و120 ألف أصيبوا، إضافة إلى أن قطاع غزة تدمر بالكامل تقريبا و80% من أرضه أصبحت محظورة على الفلسطينيين، و470 عاملا إنسانيا قتلوا منهم 320 من موظفي الأمم المتحدة.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 ما تسبب في استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين.