صراع دموي بين فصائل الانتقالي في أبين يكشف عمق الانقسامات داخل أدوات الاحتلال
تاريخ النشر: 3rd, July 2025 GMT
يمانيون |
اندلعت مواجهات مسلّحة عنيفة، خلال الساعات الماضية، بين فصائل تابعة لما يُعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، في محافظة أبين جنوب اليمن، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، في مشهد يُجسّد الفوضى والانقسام الذي ينهش أدوات الاحتلال في الجنوب.
ووفقاً لمصادر محلية، فقد اندلعت الاشتباكات بين عناصر مسلحة تابعة لمدير المالية في مليشيا ما يُسمى “الحزام الأمني”، بقيادة مصطفى لشقم، ومسلحين من وحدة حماية مدينة الخليج التابعة لما يُعرف بـ”اللواء الثاني دعم وإسناد”، بقيادة عبد الرحمن الفقيه، وذلك نتيجة خلافات سابقة تفجّرت من جديد بعد أشهر من التوتر المكتوم.
وتعود جذور الخلاف، بحسب المصادر، إلى حادثة وقعت في نوفمبر الماضي، حين احتجزت عناصر الحزام الأمني شقيق القيادي عبد الرحمن الفقيه في نقطة العريش بتهمة حيازة الخمور والنساء، وهي الاتهامات التي نفاها لاحقاً الفقيه واعتبرها محاولة لتشويه سمعته وتصفية حسابات شخصية.
وتسببت المواجهات الأخيرة في مقتل ثلاثة من عناصر الطرفين، بينهم شقيق القيادي الفقيه إبراهيم الفقيه، وإصابة عبد الرحمن الفقيه بجروح خطيرة، كما أُصيب شقيق المسؤول المالي جلال لشقم، بالإضافة إلى إصابات في صفوف المسلحين، وسط تكتم على العدد الكامل للخسائر البشرية والمادية.
وتأتي هذه التطورات وسط تصاعد التناحر الداخلي بين الفصائل الموالية للاحتلال السعودي الإماراتي في مناطق سيطرتهما جنوب البلاد، ما يعكس هشاشة هذه الكيانات المصطنعة، وافتقارها لأي مشروع وطني جامع سوى خدمة أجندات خارجية تغذّي الانقسام والاحتراب الأهلي.
ويرى مراقبون أن استمرار مثل هذه الصراعات يؤكد أن المجلس الانتقالي وأذرعه العسكرية باتوا رهائن لصراعات النفوذ والمال والولاءات الشخصية، في ظل غياب الدولة وغياب الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والعسكري في المحافظات الواقعة تحت سلطة الاحتلال وأدواته.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
صناعة القرار الاستراتيجي واختبار العقل القيادي
في اللحظات التي لا تحتمل التأجيل، يقف القائد أمام خريطة معقدة للوضع الميداني.. تبدو الخيارات أمامه محدودة، والمعلومات متضاربة، والوقت يضغط بثقل اللحظة ولا يمنح ترف التريث. في هذا المشهد تبدأ صناعة القرار الحقيقي، حيث لا مجال للخطأ ولا للحدس غير المدعوم بالمعرفة.
ولهذا ترتبط فكرة القيادة الفعالة بالقدرة على صنع القرار في اللحظات الملتبسة، حين تتقاطع المعطيات وتتزاحم الأحداث ويبدو المنطق أبعد ما يكون عن منطقه. من هذا المنطلق يكتسب التمرين الوطني السنوي «صنع القرار» الذي تنظمه كلية الدفاع الوطني في أكاديمية الدراسات الاستراتيجية والدفاعية في ختام دورة «الدفاع الوطني» السنوية، أهميته بوصفه تجربة معرفية وتدريبية تستبطن سؤالًا محوريًا في الفكر السياسي والعسكري المعاصر وهو: كيف يتعلم القادة اتخاذ القرار في زمن الارتباك العالمي؟ ناقشت نظريات العلاقات الدولية والعلوم السياسية السياقات التي تؤثر في متخذ القرار: من البنية المؤسسية إلى القيم الفردية، ومن الضغوط الداخلية إلى التفاعلات الخارجية. لكن تلك الدراسات، رغم عمقها، ظلت في أغلبها تنظر إلى القرار من الخارج، فيما تُدرك المؤسسات الاستراتيجية الجادة اليوم أن القرار لا يُفهم إلا من الداخل، من خلال التمرين الممنهج الذي يضع القادة في مواجهة حقيقية مع الأزمة، بظروفها وتشابكاتها ومفاجآتها. وهذا بالضبط ما تقوم به كلية الدفاع الوطني عندما تحوّل المعرفة إلى ممارسة. فالقرار ليس مجرد نتاج للذكاء أو للمعطيات المتاحة، بل هو فعل مركب يتطلب بناء قدرة على التوازن بين ما هو ممكن وما هو مأمول، بين الانفعالات والوقائع، وبين التكتيك والغاية.
بهذا المعنى تأتي أهمية تمرين «صنع القرار» سواء في اختبار الكفاءات، أم -وهذا هو الأهم- في تشكيلها، عبر بيئة افتراضية واقعية تُمكّن المشاركين من تجريب الأدوار، وتوسيع المدارك، وفهم التفاعلات المحلية والإقليمية والدولية التي تُطوّق القرار وتُوجهه.
وتمرين «صنع القرار» هو تتويج لعام من الدراسة المكثفة التي تتجاوز المحاضرات النظرية، وتمتد إلى التحليل العملي والاشتباك المباشر مع القضايا الحقيقية، بما يعكس الفهم العميق لأهمية «القرار» كأداة سيادية لا يجوز أن تُتخذ بارتجال. وبلغة أخرى، يدرب القادة في كلية الدفاع الوطني خلال عامٍ أكاديمي على مبدأ أن كل قرار - مهما صغر أو كبر - هو جزء من بناء استراتيجي متكامل، وأن قراءة المشهد لا تتم من خلال الحدس فقط، بل عبر أدوات منهجية تراعي الزمن والبيئة والمعنى العام للأحداث.
وأثبتت تجارب الدول الكبرى أن صناعة القرار لا يمكن أن تُترك للمصادفة أو الحظ أو الموهبة الفطرية وحدها، بل يجب أن تكون ثمرة إعداد وتدريب وتجريب طويل المدى. وفي هذا السياق الذي تبدو فيه الأحداث العالمية شديدة التسارع والتشابك الأمر الذي لا يملك فيه القادة مساحة الوقت المفتوحة فإن مؤسسات الدراسات الاستراتيجية تعتبر شديدة الأهمية بما تملكه من معارف وتجارب وخبرات تستطيع بها جميعًا إعداد من سيصوغ قرارات الغد.
إن المعارف والتجارب التي يوضع المتدربون على محكها تمنحهم قيم المسؤولية والقدرة على التفكير المنظومي، والشجاعة في مواجهة المجهول.. وكلها صفات لا غنى عنها لمن سيقودون المؤسسات في اللحظات التي يكون فيها القرار هو كل شيء.