لجريدة عمان:
2025-07-05@13:39:04 GMT

المحرضون على أذية الناس..«كفى»!

تاريخ النشر: 4th, July 2025 GMT

المحرضون على أذية الناس..«كفى»!

يتصدر المشهد أمامنا أشخاص نعرفهم «عز المعرفة»، نعيش معهم في مكان واحد أو أماكن متباعدة، تجمعنا بهم روابط إنسانية، فيها شيء من التجانس البشري والتآلف، والاتفاق والاختلاف في الرأي أحيانا، لكن قافلة الود تسير دون حياد عن مسارها لوقت زمني غير محدد.

أحيانًا نعرف بعضنا البعض بصفتنا زملاء في بيئة العمل، وربما رحلة المعرفة بيننا قد قطعت شوطا طويلا من أعمارنا النازفة، إلا أن ثمة اهتزازات مفاجئة لتلك العلاقات الوطيدة تشكل حدثا «غير سار»، تقلبات تحدث دون أي مسوغات حقيقية تفسر لنا هذا الاختلال في التوازن، أصبحوا ينقلبون علينا بشكل غير متوقع، يتحولون إلى أشخاص غير الذين كنا نعرفهم، تصرفاتهم غريبة، حديثهم أصبح حادا للغاية، طريقة معاملتهم عبارة عن صوت نشاز نسمعه، أشياء أخرى لا مسوغ لها!

وهنا تثور إلى أذهاننا تساؤلات تبحث عن أسباب هذا التحول في الطباع والسلوك وطريقة المعاملة.

رحلة البحث لا تكون سهلة؛ فهي تستغرق وقتًا وجهدًا، ومن خلال مراقبة ردود الفعل، وتتبّع المسوّغات، واستقراء قائمة الاتهامات، تنكشف الحقيقة شيئًا فشيئًا، لندرك في النهاية أنهم كانوا ضحية للتغرير، بعد أن دسّ لهم البعض «السم في العسل» فتذوقوه دون أن يشعروا.

في هذا الزمن يكثر «الوشاة والمحرضون» على الآخرين، فهم صناع البغضاء والعداوات، ينصّبون أنفسهم أوصياء على الآخرين، من لا يعجبهم يحاولون أذيته من خلال أقرب الناس إليه، الأطراف الآمنة لا تتيقن من الأمور التي نقلت إليهم من جيش الفاسدين والمغرضين، بل يتعجلون في إصدار حكمهم النهائي بسرعة الصوت، وعليه يتخذون موقفا حازما وتغيرا مفاجئا، وبذلك يظلمون أنفسهم أولا ثم يظلمون الآخرين معهم، وكم من عداوات نشأت من لا شيء!، وكم من قطيعة دامت لسنوات طويلة لأسباب واهية وغير منطقية!.

نصاب بالحزن أكثر عندما نجد أنفسنا متهمين في جرائم لم نرتكبها أو فعل لم تصنعه أيدينا أو ذنب لم نقترفه، وكل ما في الأمر هو مجرد اتهام باطل وتزوير للحقائق ومحاولة من الغير لبث روح البغضاء وتأجيج الضمائر.

«عندما يكون لديك القدرة على ظلم الناس تذكر قدرة الله عليك»، وكما نعلم أن «الظلم ظلمات يوم القيامة»، والإنسان الذي يسعى بين الناس بالنميمة لا يكون في الواجهة، بل ينأى بنفسه بعيدا عن أرض المعركة بعد إشعالها، يتفرج ويفرح كلما زادت حدة الشقاق واحتدم النزاع!.

هؤلاء المحرضون يتكاثرون في المجتمعات لدرجة أنهم أصبحوا مثل الحشائش الضارة التي تفسد الزرع، ومن الغريب جدا، أنه مهما حاولنا الابتعاد عنهم نجدهم في أماكن شتى ينتشرون كالجراد، فمثلا في بيئة العمل تجدهم، وفي الحي الذي تسكن فيه أيضا موجودون، وحتى في محيط العائلات والصداقات يعملون على تفرقة القلوب.

لدى بعض الناس قابلية التحول من شخص إلى آخر «بالفطرة»، فالكلمة التي تصله من شخص حاقد تتضخم لتصبح ككرة الثلج كلما تدحرجت زادت في الحجم وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.

لماذا يسبب الظلم التعب للإنسان؟

عندما يقع عليك الظلم، تأكد أن أول عضو جسدي يتأثر هو القلب وسبب ذلك هو الإحساس بحالة الحزن والانكسار الداخلي، ثم ينتقل إلى العقل الذي لا يكف عن طرح الأسئلة، ورسم علامات التعجب، والصعوبة تكمن في كثير من الأحيان في عدم المقدرة على دفع الظلم الذي وقع عليك، وهذا هو الشطر المخيف الذي يتعب الإنسان ويجعله محاصرا في زاوية ضيقة مخيفة، وكم من أشخاص ظلموا في حياتهم وانتهى بهم المطاف إلى نهايات حزينة!.

إذن نحن أمام فئة من المجتمع تخصصت في «أذية الناس، وتقليب القلوب على بعضها البعض»، لا تريد للطرفين الخير، بل تريد مصلحتها الأولى والأخيرة، ومن المؤسف له أن مثل هؤلاء البشر يجدون من يستمع اليهم وإلى حديثهم المنمق المقنع.

هناك حكمة مصرية قديمة تقول: «أسمع كلامك أصدقك... أشوف أمورك أستعجب» وهي عصارة فكر حقيقي، مختصر مغزاها أن التناقض والنفاق بين القول والفعل مثار استغراب أو استهجان».

المحرضون على الإثم والعدوان لديهم من أساليب الإقناع لدى الغير ما يؤهلهم للقيام بمهامهم الشيطانية على أكمل وجه، وبالتالي اتقاء مثل هذه النوعية من البشر أمز ضروري ومهم لحياة هادئة مريحة، والاقتراب منهم كمن يلقي بنفسه في التهلكة؛ لأنه بصريح العبارة يتعامل مع أشخاص لا ذمة لهم ولا ضمير، ومن السهل عليهم جعله أداة حادة في أيديهم يجرح الآخرين ويظلمهم وينال منهم دون وجه حق.

عندما تعود إلى نفسك ذات يوم فستدرك متأخرا جدا أنك قد ظلمت أشخاصا سواء بقول أو فعل، وربما لن تجد الفرصة من أجل طلب العفو، لذا كن فطنًا، وابتعد عن كل ما تسوله نفسك من أذية الآخرين.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الحرب تلتهم الأرواح!

«الخوف.. ليس تهديدًا أعمى، وإنما يعرف وجهته إلى أرواحنا ويتسلل إليها بسهولة مطلقة».. استوقفتني هذه المقولة كثيرا وأنا أحاول أن أطرد الخوف الذي يعتريني كلما لاحت في الأفق صور الدمار التي تخلفها الحروب في العالم.

وكم أدركت يوما بأن هذا الخوف لا يأتي في كل مرة على شاكلة واحدة أو من منبع واحد، بل تتعدد فيه المخارج والصور، وأغلب الخوف ينجح كثيرا في الوصول إلى هدفه كصاروخ قطع أميالًا طويلة ليصل إلى مبتغاه بدقة متناهية.

الخوف هذا القلق الدائم الذي ينبعث كدخان أسود يملأ السماء التي نراها والأرض التي نمشي عليها، لذا يزداد الخوف أكثر عندما نشعر بأننا قريبا سوف نختنق تدريجيا مما نتخيل الوصول إليه، وعليه لا أحد منا يعلم ما الذي يختمر في الأفق بعد أن تلبدت السماء بغيوم الخوف والرهبة من القادم.

من يتابع بشغف تام، وتعمق متقد لما يدور في العالم من احتدام للنزاع المسلح، ويكشف عن النوايا السيئة التي تحاك في جنح الظلام لغزة والأقوياء لمدن العالم الآخر، يقرأ سيناريو الواقع قبل وقوعه، فمن لحظة إلى أخرى، يبدأ الاقتتال المستميت، كل شيء يتهاوى في غضون دقائق معدودة، والنجاة أو الموت لا تحتاج إلى وقت طويل للكشف عن الأرواح بين أنقاض المباني والساحات.

ألم تلاحظ أنك عندما تتحدث عن تجربة مؤلمة مر بها الجنس البشري لا تجد فيها أي معنى يختبرك عن القيم الإنسانية التي ينادي بها البشر منذ زمن طويل، بل تقابلها أفعال ترتكب بمنتهى الوحشية، لذا نتفق مع كل الذين يرون بأن ضعفنا الإنساني يأتي من قراراتنا وليس من أقوالنا!

من المفاجآت أننا نسكن جغرافيا بعيدة عن موطن النزاعات إلا أن هذه الصراعات تصل إلينا بأي حال من الأحوال، وبالطريقة نفسها، سواء أردنا ذلك أو لم نُرِد، فنحن لا نسعى في كثير من الأحيان إلى معرفة الكثير عن البعض ولا الجهل على الإطلاق بما يحدث للآخرين، لكننا كجنس بشري يتأثر بما يدور حوله، هكذا خُلقنا، وهكذا نظل حتى النهاية.

يقول الكاتب الألماني جورج لوفيش في مقال ترجمته عن الألمانية شيرين ماهر بعنوان «ماذا تفعل بنا الحروب..؟!» وتم نشره في مجلة الفلق قبل ثلاثة أعوام تقريبا: «(الحرب تلتهم الأرواح) هكذا يرى الناجون من براثنها، عندما يُقصفون كيف ظلوا أمدًا يرتجفون ويصرخون في أحلامهم بعد أن فشلوا في التحرر من حرائق الذكرى. وهناك أيضًا من التزموا الصمت، ولم يستطيعوا حتى التعبير عن خوفهم الكامن أسفل جلودهم.. لقد حان الوقت الذي يجب أن نحمي فيه أرواحنا من جحافل الخوف المطبِقة. فالتاريخ يقص لنا الكثير عن مآسي الشعوب تحت وطأة الحروب.. ودروس الماضي لا يمحوها الزمان ولا تَسقُط بالتقادُم، بل على العكس، يضاعِف من أهميتها وضرورة الأخذ بها، خاصة عندما يعيد التاريخ نفسه بصور جديدة، كالتي يعيشها العالم الآن.. لقد صار من الأجدر بنا أن ندثر أرواحنا أولًا، قبل أجسادنا، من بطش الحروب. فهي تنال من أرواحنا، عن بعد، وتتركنا أشباحًا قبل الموت».

وفي السياق ذاته، عندما نتعمق في رؤية الواقع وبكل تفاصيله المؤلمة نكتشف أن ثمة حقائق مخفية لم تصل إلى درجة العلن بل تتوارى خلف الستار لتظل شيئا مجهولا بالنسبة لنا، ومن بين تلك الحقائق: من هم الذين يدفعون فاتورة الحروب في العالم؟

قد ترى بأن الأوطان هي من تدمر منشآتها وبناها التحتية ومرافقها المتعددة، لكن الواقع أن الشعوب هي من تتضرر أكثر من المنشآت والمباني، فكم يموت من البشر سنويا في العالم نتيجة النزاعات المسلحة التي تشعل فتيل الحرب ما بين دول وجماعات متفرقة!

إن ما يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلي بغزة وأهلها من جرائم حرب وإبادة جماعية يجعلنا أمام واقع مؤلم وحرب ظالمة وقدر زاحف بكل ما فيه من قسوة ومشاهد العذاب اليومية، المعاناة هي جزء من قصة كفاح شعب وحرية وطن مغتصب، عندما نتابع كأفراد طبيعيين نشعر بالغضب لدرجة أننا نظن أنه يجب أن يتذوق مجرمو الحروب نفس الكأس الذي أذاقوه للأبرياء، لكن عدل الأرض لا ينصف الضعفاء والمستضعفين في كل مرة، ولكن في الأفق ثمة عدل منتظر سينزل من السماء ذات يوم «إن غدًا لناظره قريب».

حرفيا الحرب تحركنا دائما نحو أعماق البحار، وتوقظ بداخلنا شيئًا مخفيًّا غير ملموس.. تُرى ما الذي تطلقه الحرب في بهو أرواحنا من مشاعر تختلج برائحة الموت والدم؟ بالطبع، الواقع بحسب ما تم الاتفاق عليه دوليا يقول: «الحروب هي تهديد واضح وصريح لأرواحنا حتى وإن كانت على بعد مسافات طويلة منا، فهذا ليس بالشيء الجديد، ولذا ستظل الحروب وإن اشتعلت وانطفأت هي رمز للدمار والخراب على الإنسانية».

يقول أحد الأدباء: «دائما ما ينشأ التعاطف مع كل الحروب. وهذا يعتمد على مدى الدمار الذي تخلفه وما نراه على الشاشات، ونسأل أنفسنا كيف يعيش الناس في بلد تحت وطأة القصف؟ وكذلك يزاد خوفنا كلما اقتربت الحرب من المحيط الذي نعيش فيه».

ربما لم نعِش الحرب على أرض الواقع -الحمد لله-، ولكن وصلتنا سمعيا ومرئيا فقط. ومن ثم، لا يصح لنا أن نتحدث عنها كما لو أننا عشنا أجواءها القاسية، ولكن ربما هناك إدراك نفسي وحسي يدفعنا نحو القول بقناعة تامة بأن «الحرب بدرجاتها وشدتها رمز للوحشية»، وهذا القول قد يؤثر على الأشخاص الذين لم يتأثروا -فعليا- بالحروب بصورة مباشرة.

في المطلق العام، البشرية تظل تنظر «للحرب» بشيء من الخوف والجزع والصدمة جراء ما يرونه من صور قاتمة تنتهي فيها مظاهر الحياة اليومية الطبيعية، لذا قد ينهار الشغف والدافع عندما تتلبد السماء بغيوم الحرب، وتنهار الحياة تدريجيا بالنسبة للبعض الذين يقتنعون بأن الحرب ستقضي على الأخضر واليابس!

مقالات مشابهة

  • عندما يُصنَّف الغناء مقاومة.. .ويتحوّل المغني إلى "إرهابي"
  • عاشوراء ذكرى صوت الحق في وجه الطغاة:الثورة الحسينية أسست منهجا ثوريا للمظلومين يتجدد في كل زمان
  • الزلال: الهلال واجه الظلم وخرج مرفوع الرأس
  • أباعود: الهلال صنع مجدًا رغم الظلم التحكيمي
  • عندما تضحك الدموع
  • الإرتزاق المشروع والآخر الممنوع
  • وزير الخارجية: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين، وما نحتاجه اليوم روحٌ وطنية تلملم ما تناثر من الهوية السورية
  • الحرب تلتهم الأرواح!
  • ناقد رياضي: الهلال دائمًا ما يسبق الآخرين بخطوة