أنماط طرائق التفكير السوداني «5»

عوض الكريم فضل المولى وحسن عبد الرضي

التفكير المتطرف في السودان: بين العاطفة والمنطق

في مجتمعاتنا السودانية، تتجلى ظاهرة التفكير المتطرف بشكل واضح، حيث يعتمد الكثيرون على العاطفة والمشاعر كمرتكز رئيسي للتفكير بدلاً من استخدام التحليل العقلاني والمنطقي. هذه الظاهرة ليست مجرد نمط فكري فردي، بل تمتد لتشمل مؤسسات وأيديولوجيات سياسية تتبنى رؤى متطرفة تعتمد على استماتة في التمسك بالإيدولوجيا، حتى لو كان ذلك على حساب الواقع.

فلنأخذ اليسار السوداني، وطليعته الاشتزاكية كمثال واضح لهذه الظاهرة. فعلى الرغم من التحولات العميقة التي مرت بها البلاد والمجتمع، لا تزال تلك الكيانات متمسكًة بإيدولوجيا قائمة على مفاهيم تجاوزها زمن الحداثة في كثير من الحالات. يبدو أن هذا التمسك بالإيدولوجيا يأتي على حساب استيعاب الواقع السوداني المتغير، مما يعكس تفكيرًا يعتمد على العاطفة والحنين إلى رؤى نظرية أكثر من التعامل الواقعي مع مشكلات البلاد المجتمعية والثقافية والاقتصادية وليست السياسة بمعزل عنها.

من جهة أخرى، نجد نموذجًا آخر في الاحزاب العروبية أو الافريقانية او الاثنية ذات الطابع الاثني، التي تعتمد في خطابها وأيديولوجيتها على فكرة الانتماء إلى القومية المعينة، متجاهلة الواقع الديموغرافي والثقافي للسودان. فالسودان بلد متعدد الأعراق والثقافات، وسكان ليسوا كلهم مسلمين فهنالك العديد من معنتقي الديانات الأخرى في السودان، كما ان السودانيون لا يتحدثون العربية وحدها إذ هناك لغات محلية ولهجات عديدة، تعكس التنوع الذي يتمتع به السودانيون. ومع أن معظم السودانيين لا ينتمون إلى الأصل العربي وحده، بشكل مباشر، نرى أن النهج والنمط الفكري يتجاهل تلك الحقائق التاريخية والاجتماعية، ولا يعكس كل ذلك تبنيًا لأفكار تتسق مع الهوية السودانية المتنوعة، التي إن استطعنا ان ندير تنوعها لأكسبنا انماط التفكير عندنا عمقا وتأصيلا يثري الساحة الادبية والفكرية والفنية ويفجر ابداعا متفردا.

كما أن تبني كثير من السودانيين لأفكار عنصرية متطرفة كأن يظهرون تمسكًا قويًا بالانتماء إلى الجامعة العربية أو الإتحاد الافريقي، وهي مؤسسات تفتقر إلى فعالية مؤثرة في معالجة قضايا السودان. هذا التمسك ينبع من ارتباط عاطفي بفكرة العروبة أو الافرقانية، التي لا تتناسب في كثير من الأحيان مع الحقائق الاجتماعية والثقافية للسودانيين. والتفكير المنطقي هنا يقتضي إعادة النظر في هذا التوجه، وإعادة تقييم الهوية السودانية من منظور أوسع، يركز على العمق الأفريقي والعربي السودانوي للبلاد بدلاً من التمسك بهوية مستوردة.

المنطق يدعو السودانيين إلى التركيز على جذورهم السودانوية وتطوير هويتهم الوطنية بشكل يعكس هذا العمق. التوجه نحو الأفريقانية لا يعني التخلي عن القيم الإسلامية أو اللغة العربية، بل يعني تعزيز الروابط مع دول القارة الأفريقية والاستفادة من هذا الامتداد الجغرافي والثقافي لتحقيق التنمية والتكامل.

نخلص إلى أن التفكير المتطرف الذي يعتمد على العاطفة والمشاعر بدلاً من المنطق والتحليل العقلاني هو عائق رئيسي أمام تطور السودان. إن نبني تفكير عقلاني واقعي يأخذ في الاعتبار الحقائق التاريخية والاجتماعية والاقتصادية للسودان قد يكون المفتاح لتجاوز هذه التحديات، وبناء مستقبل يقوم على الانسجام بين الهوية المتعددة والانتماء العربي والأفريقي.

إن الطرح الذي نقدمه في بساطة واختصار، نرجو الا يكون مخلا، يعكس تعقيد الأوضاع السياسية والاجتماعية في السودان، حيث تلعب الانتماءات الأيديولوجية والعاطفية دوراً محورياً في تشكيل آراء الأفراد والجماعات، حتى في ظل المعاناة المباشرة من نتائج تلك السياسات. يمكن تحليل أنماط تفكير هؤلاء من عدة زوايا. يأتي الولاء الأيديولوجي في مقدمتها. إذ أن كثيرا من الأفراد والجماعات الموالية للنظام السابق أو للجيش، على سبيل المثال، في ظاهرة الغلو والتطرف، يعتمدون على ولاء تاريخي أو أيديولوجي يعميهم عن رؤية الحقائق على الأرض. فهم يعتبرون دعمهم للجيش أو المؤتمر الوطني جزءاً من هويتهم السياسية والدينية، حتى لو كان ذلك على حساب معاناتهم الشخصية.

وكل ذلك ينبع من الخوف من التفكير في البديل. فالبعض قد يفضل استمرار الوضع الراهن، رغم مساوئه، خوفاً من المجهول أو من بديل يرونه غير متوافق مع مصالحهم أو قيمهم. هذا التفكير يرتكز على فكرة أن أي تغيير قد يؤدي إلى فوضى أكبر، مما يجعلهم يتوهمون ان البديل خصما على الايدلوجا أو العواطف الموروثة فيبدا عندهم الخوف والشك اللا عقلاني واللا منطقي.

والتفكير العاطفي، كما أشرنا، يجعل هؤلاء يعتمدون، في كثير من الأحيان على المشاعر والخطابات العاطفية التي تثير فيهم شعور الانتماء أو الوطنية أو الدفاع عن “الدين والقيم”، مما يعطل قدرتهم على التفكير النقدي والبنيوي أو التحليل الموضوعي.

مما ينعكس في استسهال التطبع مع القمع. فمع استمرار القمع والانتهاكات لفترة طويلة، قد يعتاد بعض الأفراد على قبول هذه الأفعال كجزء من الحياة اليومية، فالضرب بالسياط عند الأفراح والشلوخ المؤلمة أو ختان الاناث وشرب الدم عند الظار وغيرها من العادات والتقاليد. بل وحتى تبريرها باعتبارها “ضرورة” للحفاظ على الأمن والثقافة المجتمعية. وذالك قد اسهم في هشاشة بعض الأحزاب المجتمعية والايدلوجية والحركات المسلحة والاجسام المطلبية أو استقرار البلاد.

ثم ان نمط التفكير السائد عندنا يساهم بقدر كبير في تشويه الوعي وتغبيشه. مثالا لذلك الإعلام الموالي للجيش أو لـ”الكيزان” والذي يلعب دوراً كبيراً في تشويه الوعي العام ونشر روايات مضللة عن الصراع، مما يجعل بعض الناس غير قادرين على رؤية الصورة الكاملة أو إدراك خطورة الانتهاكات.

والنتيجة الحتمية هي التعايش مع الصراعات الداخلية. فقد يشعر البعض بتناقض داخلي بين معاناتهم الشخصية وانتمائهم السياسي، لكنهم يختارون إنكار الواقع أو تبريره بسبب الضغوط الاجتماعية أو الخوف من فقدان الدعم الجماعي أو الوصمة كما تفعل حكامات الدعم السريع، على سبيل المثال.

يمكن أن تُفسر هذه الأنماط على أنها نتيجة تراكمات من سنوات طويلة من القمع، التجهيل، والاستقطاب السياسي والمجتمعي الحاد. والحل يبدأ بتشجيع التفكير النقدي والموضوعي أو البنيوي من خلال التعليم والإعلام الحر، وتوفير مساحات للنقاش والحوار المستقل..
ونواصل في الحراك الفكري.

الوسومأنماط طرائق التفكير السوداني التفكير المتطرف الحركة الإسلامية السودانية السودان اليسار السوداني حسن عبد الرضي الشيخ عوض الكريم فضل المولى

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أنماط طرائق التفكير السوداني التفكير المتطرف الحركة الإسلامية السودانية السودان اليسار السوداني کثیر من

إقرأ أيضاً:

ضاحي خلفان: التفكير والعمل الجماعي يبنيان جيلاً رقمياً متمكناً

دبي: «الخليج»


أجرى الفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، رئيس «جمعية توعية ورعاية الأحداث»، صباح أمس، جولة تفقدية في مركز «لوتاه التقني»، اطّلع خلالها على الورش التدريبية والمسارات المعرفية التي يتضمنها البرنامج الصيفي السنوي للجمعية، وانطلقت فعالياته بمشاركة 100 طالب وطالبة، ويستمر أربعة أسابيع.
أشاد بحرص الطلبة على الانخراط في أنشطة نوعية تنمّي وعيهم، وتعزز لديهم قيم الانضباط الذاتي والمسؤولية المجتمعية. مؤكداً أن البرنامج يأتي في إطار حرص الجمعية على استثمار طاقات الشباب، خلال الإجازة الصيفية، في بيئة متوازنة تجمع بين التعلّم والترفيه.
وقال الفريق ضاحي خلفان: إن برنامج هذا العام يعتمد خطة تدريبية متكاملة، تضم ستة مسارات صمّمت بعناية لتحاكي المهارات الحياتية الأساسية، وتزويد المشاركين بأدوات المستقبل في تقنية متقدمة مثل البرمجة، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي.
وأضاف أن البرنامج يوفّر بيئة تعليمية محفزة، تجمع بين النظري والتطبيقي، بورش تفاعلية يشرف عليها مدربون متخصصون، لتعزيز التفكير النقدي، والعمل الجماعي، وروح الابتكار، بما يواكب توجهات دولة الإمارات نحو بناء جيل رقمي متمكن.
وأوضح الدكتور محمد مراد، الأمين العام للجمعية، أن الجمعية ارتأت هذا العام أن تركز على تمكين المشاركين بالمهارات الحياتية والمهنية التي تنسجم مع توجهات الدولة نحو اقتصاد المعرفة. والبرامج الستة اختيرت بعناية لتلبي احتياجات الجيل الجديد وتنوع اهتماماته.
وبيّن أن الأنشطة تتوزع بين الجانب التقني والمجتمعي، وتشمل: فن الخياطة والأزياء، وتصميم الحلي والمجوهرات، وأنظمة الكهرباء المنزلية، وأساسيات الطبخ، وبرمجة وتصميم الروبوتات، وحرفة النجارة. وهذا التنوع يتيح للطلبة تجربة متكاملة تصقل قدراتهم وتعزز استعدادهم للمستقبل.
وأكد أن الجمعية حرصت على أن تكون البرامج المقدمة هذا الصيف أكثر قرباً من الواقع، وتحاكي الحياة اليومية والمهارات التي يحتاج إليها الشباب في مسيرتهم التعليمية والمهنية. وتفاعل الطلبة الإيجابي يعكس مدى استجابتهم للتحديات الجديدة وشغفهم بالتعلم التطبيقي.

مقالات مشابهة

  • برج الأسد حظك اليوم السبت 12 يوليو 2025: التفكير الجيد يضمن لك مصلحة أكبر
  • ضاحي خلفان: التفكير والعمل الجماعي يبنيان جيلاً رقمياً متمكناً
  • إثيوبيا تنفي حشدها أرتالا عسكرية مع الحدود السودانية
  • د. جمال شعبان يحذر: السرطان يهدد الشباب بسبب أنماط الحياة الخاطئة
  • رئيس الوزراء السوداني يجتمع مع سفير دولة قطر
  • بالفيديو.. ظهور نادر لزرافة يعيد الأمل في محمية الردوم السودانية
  • مراد: التمسك بالعروبة وتطبيق الطائف هو الطريق إلى إنقاذ الوطن