ارتفع معدل الفقر في فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود، وفقاً لتقرير صادر عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE)، أشار إلى أن نحو 10 ملايين شخص باتوا يعيشون تحت خط الفقر النقدي، ما يعادل 15.4% من السكان.

وسجّل التقرير، المعتمد على بيانات عام 2023، زيادة بمقدار 700 ألف شخص خلال عام واحد فقط، مع تزايد الهوة بين أعلى 20% من أصحاب الدخل وأدناهم إلى مستويات لم تُسجل منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي.

المعهد الذي يرصد الفقر وعدم المساواة منذ عام 1996، أوضح أن خط الفقر حُدد عند 60% من متوسط الدخل الشهري، أي ما يعادل 1288 يورو للفرد. وأكد أن هذه الأرقام تمثل ذروة تاريخية في قياس الفقر على الأراضي الفرنسية.

انتقادات لاذعة للنهج الاقتصادي

المحلل الاقتصادي ماهر نيقولا الفرزلي، المدير التنفيذي للمركز الأوروبي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية، اعتبر في تصريحات لـ”الشرق” أن “هذا الانهيار الاجتماعي هو نتيجة مباشرة لثلاثة عقود من السياسات الاقتصادية المحافظة الجديدة”، مضيفاً أن “التحالفات الليبرالية والوسطية، من الحزب الاشتراكي إلى اليمين الجمهوري، مسؤولون مجتمعياً عن هذا التدهور”.

وأشار الفرزلي إلى أن النخب السياسية الفرنسية تخلّت منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي عن النموذج الصناعي الفرنسي المعروف بـ”الكولبيرتية”، واستبدلته بنهج ليبرالي متوافق مع السياسات التي روجت لها المؤسسات الأوروبية والولايات المتحدة.

ووصف هذه السياسات بأنها “خيانة للنموذج الفرنسي الأصيل” الذي كان يزاوج بين الابتكار والاستثمار في البنية التحتية والسيادة الاقتصادية.

وأضاف أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في فرنسا تراجع إلى مستويات تقل بنسبة تصل إلى 60% عن نظيريه في الولايات المتحدة وأيرلندا، معتبراً ذلك “دليلاً دامغاً على فشل النموذج الاقتصادي الحالي”.

فئات جديدة في دائرة الفقر

في الميدان الاجتماعي، لاحظت منظمات الإغاثة تصاعداً في الطلب على المساعدات، لا سيما من فئات لم تكن تصنف سابقاً ضمن الطبقات الفقيرة.

وقالت سارة سميا، المسؤولة في جمعية “سوكور”، إنهم يشهدون طلباً متزايداً على المواد الأساسية، مثل الحليب، والحفاضات، والملابس، من عائلات عاملة لا تكفيها أجورها لتأمين الضروريات.

وأضافت أن “تجمّد الأجور وتفاقم التضخم ساهما في انهيار القدرة الشرائية”، محذّرة من تداعيات اجتماعية خطيرة تشمل التسرب المدرسي، والاستغلال، وانتشار المخدرات بين القُصّر.

ولفتت إلى أن الأزمة لم تعد محصورة بين صفوف المهاجرين واللاجئين، بل طالت أيضاً شرائح من المواطنين الفرنسيين، في مؤشر على توسع دائرة الفقر داخل المجتمع.

سياق سياسي واجتماعي مشحون

يأتي هذا التدهور في خضم تحضيرات فرنسا لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية في صيف 2024، في ظل عمليات إخلاء لمخيمات المشردين في العاصمة باريس، ما أثار انتقادات من منظمات حقوقية اعتبرت الإجراءات محاولة لإخفاء مظاهر الفقر قبيل الحدث العالمي.

ويرى مراقبون أن ارتفاع معدلات الفقر قد يعزز الاتجاهات الشعبوية في الانتخابات المقبلة، في ظل تآكل ثقة الرأي العام بالنخب السياسية والاقتصادية التي قادت البلاد خلال العقود الماضية.

ومع دخول فرنسا مرحلة حرجة اقتصادياً واجتماعياً، يلوح في الأفق تساؤل محوري: هل تستطيع باريس إعادة إحياء نموذجها الاقتصادي التاريخي، أم أن الفقر سيبقى عنوان المرحلة المقبلة؟

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الاقتصاد الفرنسي الرئيس الفرنسي الفقر فرنسا فرنسا معدل الفقر في فرنسا معدلات الفقر

إقرأ أيضاً:

النائب أحمد عشا الدوايمة يدعو الحكومة إلى الاستثمار ومكافحة الفقر والبطالة

صراحة نيوز-أكد النائب أحمد عشا الدوايمة على ضرورة تحويل الشعارات الحكومية المتعلقة بالنمو والإصلاح والتنمية إلى مشاريع واستثمارات فعلية، مع التركيز على مكافحة الفقر والبطالة.

وشدد الدوايمة خلال حديثه على أن الموازنة القادمة يجب أن تبتعد عن أعباء المواطن، مؤكداً ضرورة تحويل الاقتصاد من اقتصاد ريعي يعتمد على الجباية إلى اقتصاد منتج وريادي. وأضاف: “يكفي دراسات ولجان وخطط، نريد بداية مرحلة جديدة في استخراج الغاز والنفط واستغلال موارد الأرض والصحراء والصخور والرمال وخيرات البحر الميت والملح”.

ودعا النائب الحكومة إلى التفكير خارج الصندوق وتشجيع الريادة والابتكار، مشيراً إلى بعض المبادرات الإيجابية مثل توجيه وزير التعليم نحو التعليم المنزلي الذي ساهم في تخفيف الازدحام الأكاديمي، وتخفيف عبء المواعيد والإجراءات الطبية.

كما طالب الدوايمة بالإلغاء أو الدمج والترشيق الحكومي للوحدات غير الفاعلة، وتسريع استخراج النفط والغاز واستغلال مصادر الطاقة، وفتح فرص للشباب لاستثمار أراضي الدولة في الزراعة والمشاريع الإنتاجية، خصوصاً زراعة القمح لضمان الأمن الغذائي.

وأشار النائب إلى ضرورة حل مشاكل الأطباء الحاصلين على شهادات عليا، وتطوير التمريض المشارك والمساعد، مشدداً على أن إنقاذ الأردن ليس خياراً بل واجباً تاريخياً.

كما أكد على تحسين البنية التحتية في عمان الثانية والمحافظات والقرى والمخيمات، بما يشمل المدارس، القاعات، الصرف الصحي، المنح والقروض، وإتاحة التقاعد المبكر مع السماح للمتقاعدين المبكرين بالعمل.

مقالات مشابهة

  • تزايد معدلات العنف.. ما الحل؟
  • الذهب يرتفع لأعلى مستوى أسبوعي
  • أوهام الازدهار العالمي.. تفكيك أسباب الفقر في عالمٍ يزداد غنى .. كتاب جديد
  • بوتين يحدد هدفا جديدا: خفض معدل الفقر في روسيا إلى أقل من 5% بحلول 2036
  • لافروف: الدول الغربية فشلت في إلحاق خسائر استراتيجية بالاقتصاد الروسي
  • أسعار الذهب ترتفع والفضة تسجل مستوى قياسيا جديدا بعد قرار الفيدرالي الأمريكي
  • وزير التجارة الخارجية الفرنسي يؤكد عزم بلاده توسيع الشراكة الاقتصادية مع سلطنة عمان
  • التضخم الاستهلاكي بالصين يقفز لأعلى مستوى
  • العتوم تؤكد ضرورة الاستثمار في التعليم لمواجهة الفقر وتحسين إدارة الموارد
  • النائب أحمد عشا الدوايمة يدعو الحكومة إلى الاستثمار ومكافحة الفقر والبطالة