من هنا يتحقق الأثر
تاريخ النشر: 29th, August 2023 GMT
مدرين المكتومية
الحياة مليئة بالعقبات والتحديات؛ بل إنَّ الحياة في أحد أوصافها هي المصاعب، هي المشقة، هي الجد والعمل، أما الرفاهية والعيش الرغيد والراحة، فهذه من ثمار المُثابرة في الحياة، ومن نتائج تحمُّلنا لما قد نواجه من عثرات وخيبات أمل عديدة، خاصة إذا جاءت من أشخاص نُبدي لهم التقدير والاحترام، ورغم ذلك نسعى ونحاول أن نترك أثرًا طيبًا.
الكثيرون في هذه الحياة يزعمون أنهم يدركون حقيقتها، أو أنهم على دراية بما يجب القيام به، غير أنهم عادةً ما يقعون في الخطأ، وربما الخطيئة، خطيئة الأنا، خطيئة النرجسية، خطيئة العجرفة والتَّعالي وممارسة الفوقية مع الجميع، أمثال هؤلاء لن يبقى لهم أثر، ولن يذكرهم أحد، بعد رحيلهم، والرحيل هنا ليس بالضرورة خروج الروح إلى بارئها؛ بل الرحيل من المشهد، والمحو من الذاكرة، فهناك أشخاص نظل محافظين على أن يبقوا في ذاكرتنا، وربما نتعمد استذكار مواقفهم وعلاقاتنا معهم حتى لا يذهبوا في غيابات الذاكرة، ويصيروا طيّ النسيان.
ولذلك أجدني أحرص دائمًا على إبقاء علاقاتي بالآخرين في المنطقة الدافئة؛ حيث الاحترام المُتبادل والتقدير والشكر على أي جهد يُبذل، ويكفي أن يجد المرء مِنّا نفسه محط اهتمام الآخرين، فقط لأنه بادلهم هذا الاحترام في مواقف كثيرة. لكن الأزمة الحقيقية، تكمن في التعامل مع النوع الآخر من البشر، هؤلاء الذين يلهثون في هذه الحياة وراء كل مكسب، ولا يرون الحياة سوى "لُعبة" كبيرة عليه أن يظل يلعب بالورقة الرابحة حتى آخر نفس، مهما كلفته هذه الورقة من خسارة أُناس، أو تعرض للإحراج وسوء الفهم والتقدير، وربما حتى الانتقاص من الكرامة وحفظ ماء الوجه. رغم ما قد يُثير أمثال هؤلاء في نفسي من مشاعر سلبية تجاههم، إلّا أني أشعر بالشفقة عليهم، فالحياة أسهل مما نتخيل، وأصغر مما نحارب من أجله، فما سُمِّيَت الدنيا بهذا الاسم إلّا لأنها أدنى من كل شيء حولنا، فما وزن الدنيا إذا خسرنا كرامتنا، وما قيمة الدنيا إذا أخفقنا في إسعاد المُقربين، وما أهمية الدنيا إذا ما فقدنا الأحبة والأصدقاء لأنهم لم يعودوا يرون فينا ذلك الشخص الشهم صاحب القيم النبيلة والأخلاق السامية.
ولعل من أروع الأمثلة التي أضربها في هذا السياق، آية كريمة في القرآن العظيم أتوقف عندها دائمًا، تتحدث عن أهمية بناء علاقات إيجابية وطيبة مع الجميع، حتى مع أولئك الذين يختلفون معنا ولو كانوا أعداءنا. الآية وردت في سورة الشعراء على لسان نبي الله إبراهيم، عليه السلام، عندما خاطب ربه قائلًا: "وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ"، أي إنه ناجى الله سبحانه وتعالى لكي يجعل له أثرًا طيبًا بعد مماته، ويظل يذكره النَّاس من بعده بالخير؛ ليأتي رد المولى- جلّ في عُلاه- والاستجابة الربانية لدعاء النبي إبراهيم في سورة الصافات في قوله تعالى "وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.. سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ.. كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ". لقد وصف الله من يحرصون على أن يتركوا أثرًا بعد رحيلهم، بأنهم من المُحسنين، وما أعظمها من صفة، فالإحسان خلق عظيم إذا ما تمسكّنا به تحققت سعادتنا في الدنيا والآخرة. لذلك علينا جميعًا أن نُحسِن في علاقاتنا مع الآخرين، مهما كانت ردة فعلهم.. نعم أعلم يقينًا أننا لسنا أنبياء، لكن هم القدوة والمثل لنا، ونبي الله إبراهيم مارس الإحسان مع قومه، رغم اختلافهم معه ومحاربتهم له حتى إنهم ألقوه في النار عقابًا له على مخالفته لعقيدتهم التي وجدوا عليها آباءهم.
اتركوا أثرًا من روائكم، حافظوا على علاقات ودودة وطيبة مع الجميع، ابتعدوا عن كل ما يُثير الضغينة والحقد والحسد والتنافس المذموم، واركنوا إلى الأخلاق الحميدة وانتهجوا مسارات الخير والتآلف والتسامح، لتفوزوا وتنعموا بحياة مليئة بالاستقرار النفسي، والسكينة الروحية..
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مشاهد من الحياة في بورتسودان عقب هجوم المسيرات
بورتسودان- بعد مرور أكثر من أسبوع على استهداف طائرات مسيّرة لعدد من المواقع الحيوية في مدينة بورتسودان شرقي السودان، تتصاعد تداعيات الهجوم على الحياة اليومية في المدينة، وسط مخاوف من أزمة وقود وغاز طهي وانعكاسات مباشرة على أسعار السلع والخدمات.
ففي الساعات الأولى من صباح الأحد قبل الماضي، شنت طائرات مسيرة هجمات على مستودع الوقود الإستراتيجي في المدينة، وهو ما أدى إلى اشتعال النيران وتصاعد أعمدة الدخان لأكثر من 3 أيام متتالية، بحسب ما أفادت به مصادر محلية وشهود عيان.
وأفاد وزير الطاقة والنفط السوداني محيي الدين نعيم، في تصريحات سابقة لوسائل إعلام محلية، بأن المستودع كان يضم أكثر من باخرة من "الجازولين" مما ضاعف من حجم الخسائر، ولم تمر 24 ساعة حتى استهدف هجوم مماثل مستودعًا آخر للوقود في الميناء الجنوبي لبورتسودان، مما زاد من مخاوف نقص وشيك في الوقود وغاز الطهي.
في اليوم التالي للهجمات، شهدت مراكز توزيع غاز الطهي ومحطات الوقود ازدحاما لافتا، واصطفت المركبات والمواطنون في طوابير طويلة، رغم تطمينات السلطات المحلية التي قامت بزيارة تفقدية لمحطات الوقود للوقوف على الوضع الميداني.
لكن آثار الاستهداف لم تتوقف عند ذلك الحد، إذ سرعان ما انعكست على أسعار السلع والخدمات، ويقول المواطن نصر الدين عثمان الذي يعول أسرة صغيرة في بورتسودان إن "الزيادات غير مبررة وبلغت نحو 100%" مشيرًا إلى أن سعر عبوتي مياه سعة 20 لترا ارتفع من 600 جنيه إلى 1500 جنيه (الدولار يساوي 600 جنيه سوداني) بينما قفز سعر لوح الثلج من 10 آلاف جنيه إلى 50 ألفا، وارتفع كيلو السكر من 2400 إلى 3 آلاف جنيه.
وأوضح المواطن أن أسعار السلع الاستهلاكية التي تعتمد على النقل شهدت زيادات حادة بسبب "أزمة الوقود المفتعلة" رغم أن تعريفة المواصلات العامة لم تتغير، لكن النقص في عدد المركبات المتاحة كان ملحوظا نتيجة اصطفافها لساعات طويلة أمام محطات الوقود.
الحرب الدائرة في السودان، والتي دخلت عامها الثالث، تركت آثارا عميقة على مختلف القطاعات، خاصة قطاع الطاقة، إذ تشير تقديرات أولية إلى أن خسائر قطاع النفط تجاوزت 20 مليار دولار، بينما قدرت الخسائر الاقتصادية العامة بنحو 600 مليار دولار.
إعلانوفي سوق بورتسودان، يقول محمد أحمد، وهو سائق مركبة "ركشة" إن "أسعار الرحلات لم تتغير لأن سعر الوقود في المحطات لم يزد" موضحا أن الاختلاف الوحيد يتمثل في الزمن الطويل الذي يستغرقه الحصول على الوقود، مما يقلص عدد ساعات العمل اليومي.
وأضاف محمد في حديثه للجزيرة نت "في كثير من الأحيان أترك تقدير التعرفة للركاب أنفسهم، ولم أرفع السعر رغم زيادة الضغط" لكنه أشار إلى أن ندرة عربات النقل العام تعود إلى وقوفها في صفوف الوقود، مما زاد صعوبة الحصول على وسيلة مواصلات خارج المواقف العامة.
ومن جانبه، قال المواطن بابكر محمد عثمان، وهو نازح من ولاية الجزيرة يعمل في سوق بورتسودان، إن "الحياة طبيعية إلى حد كبير، وحركة السوق لم تتأثر كثيرا" مضيفا أن الإقبال على الأسواق لا يزال جيدا، وأن المواطنين يتأقلمون مع الظروف الراهنة.
أما أحمد يوسف، فقد رأى أن الاستهداف أثر بالفعل على بعض جوانب الحياة اليومية، لكنه عبر عن ثقته في قدرة المواطنين على "امتصاص الصدمة والتغلب على تداعياتها" معتبرا أن "الشعب السوداني قادر على الانتصار".
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، أكد أحمد الطريفي رئيس الغرفة القومية لأصحاب الباصات السفرية (حافلات النقل) أن عدد الرحلات من بورتسودان إلى المدن الأخرى شهد زيادة طفيفة بنسبة 10%، إلا أن أسعار التذاكر لم تتغير.
وأضاف الطريفي أن الأزمة كانت ظاهرة فقط في اليوم الأول بعد الهجمات، حيث سجل شح في الجازولين، لكن الوضع عاد إلى طبيعته في اليوم التالي، مشيرا إلى توفر الوقود في كل محطات ولاية البحر الأحمر، مع زيادة طفيفة في سعر اللتر بلغت نحو 85 جنيها فقط.
وختم حديثه بالتأكيد على أن الإمدادات البترولية منتظمة في معظم الولايات الآمنة، وأن المخزون النفطي لم يتأثر بشكل حرج رغم الهجمات.
إعلان