لجريدة عمان:
2025-12-13@09:49:12 GMT

تنامي معاداة الساميّة بين هتلر ونتنياهو

تاريخ النشر: 22nd, July 2025 GMT

في القرن التّاسع عشر الميلاديّ في أوروبا ظهر الاهتمام بموضوع السّاميّة مع مورتس شتاين شنايدر وويلهيام مار، وقد كان موضوع السّاميّة قديما موضوعا تأريخيّا مرتبطا بالبعد اللّاهوتيّ، في الأصالة ارتبط بالعهد القديم في سفر التّكوين من حيث أبناء نوح، وارتباطهم بابنه سام، بيد أنّه لم يكن محصورا في بني إسرائيل، ولا عند السّامريين واليهود، عرقيّا يشمل العرب والآشوريين والبابليين والآراميين بما فيهم الفلسطينيّون ذاتهم، كما أنّه لا علاقة له بالدّين السّامريّ أو اليهوديّ، فيدخل فيه - حسب العرق - جميع الأديان الّتي ارتبطت بهذا العرق، وخصوصا المسيحيّة الشّرقيّة والإسلام والصّابئة المندائيّة، وفي الدّراسات الأكاديميّة الغربيّة ما بعد القرن الثّامن عشر الميلاديّ ارتبط مصطلح السّاميّة باللّغات القديمة باسم اللّسان أو العائلة السّاميّة، وهذا ليس محصورا في العِبريّة (بكسر العين) فيدخل فيه العَربيّة (بفتح العين) والآراميّة والسّريانيّة وغيرها من اللّغات القديمة وفق العائلة السّاميّة.

بعضهم يرجع العداء ضدّ السّاميّة إلى البعد الدّينيّ في الجانب المسيحيّ - اليهوديّ، خصوصا بعد اعتناق بولس للمسيحيّة، فأصبحت عالميّة بعدما كان التّكوّن المسيحيّ الأول في ذات الدّائرة السّاميّة اليهوديّة، بيد أنّ اليهوديّة ذاتها مع كونها ديانة عرقيّة إلّا أنّ العديد من الأعراق الأخرى انفتحت على هذه الدّيانة، ولم تعد محصورة في الجانب السّاميّ الإسرائيليّ، والصّراع اليهوديّ - المسيحيّ صراع لاهوتيّ أكثر منه صراعا عرقيّا، واشتدّ ظهور البعد العرقيّ في المسيحيّة قديما بسبب اعتناق الرّومان للمسيحيّة بعد قسطنطين الأكبر 313م، والرّومان لهم تعصبهم العرقيّ ضدّ الأعراق الأخرى، والّذين يرجعون إلى الهيلينيين القدامى في اليونان، هذا الأمر ذاته ظهر في أوروبا من حيث العائلات اللّغويّة المباينة للسّاميّة، ومن حيث الأعراق الأوروبيّة ذاتها، والّتي أظهرت تعاليا على غيرها من الأعراق، على رأسها العرق الآريّ والّذي ظهر في ألمانيا النّازيّة وارتباطها بهتلر (ت: 1945م).

إذا السّاميّة حتّى ما بعد القرن التّاسع عشر الميلاديّ لا علاقة حصريّة لها باليهود دينا، ولا ببني إسرائيل عرقا، ولا بالعِبريّة لغة، وارتباطها بشكل كبير في أوروبا بعد ما أثير من قضيّة الهولوكوست، أو الإبادة النّازيّة لليهود، وبعد تبلور فكرة المظلوميّة اليهوديّة، وتأسيس الصّهيونيّة العالميّة، سنّت القوانين المجرّمة لمعاداة السّاميّة، وأصبح من الصّعوبة محاولة مراجعة حقيقة الهولوكوست، والّذي ضخمّ إعلاميّا وسياسيّا وفنّيّا، وتمّ توظيفه معرفيّا وأكاديميّا، وربط باليهود، حتّى أصبح العقل الجمعيّ الغربيّ خصوصا لا يستطيع فصل مصطلح السّاميّة عن اليهود، لتوظيف هذه الفكرة سياسيّا بإقامة دولة إسرائيل في فلسطين، وتوظيفها سياسيّا ودينيّا وإعلاميّا، وإن كانت السّاميّة بهذا التّخصيص فكرة ساذجة لا قيمة معرفيّة لها، ولا تنبني على أصول تأريخيّة معرفيّة، ولا حتّى لاهوتيّة أو عرقيّة لغويّة.

على أنّ توظيفها في الصّراع العربيّ - الإسرائيليّ، ومخاطبة العقل الجمعيّ الغربيّ وفق هذه الصّورة المتكرّرة لم تعد مجدية اليوم، فما أشار إليه نتنياهو مثلا في خطابه أمام الكونجرس الأمريكيّ 2024م يدل على تراجع جدوى استخدامها، ومن كلامه: «وتماما كما تمّ لصق أكاذيب خبيثة بالشّعب اليهوديّ على مدار مئات السّنين، فإنّه يتمّ لصق أكاذيب خبيثة بالدّولة اليهوديّة هذه الأيام، وتهدف كلمات التّشهير السّخيفة الّتي تسعى لطرح إسرائيل بمظهر الدّولة العنصريّة والدّمويّة إلى نزع شرعيّة إسرائيل، وشيطنة الدّولة اليهوديّة واليهود مهما كانوا، ولا مفاجأة فيما نشهده من تصاعد مفزع لمعاداة السّاميّة في الولايات المتحدة وحول العالم» -النّصّ منقول من ديوان رئيس مجلس الوزراء الإسرائيليّ بالعربيّة-.

يشير إسرائيل شاحاك في كتابه «الأصوليّة اليهوديّة في إسرائيل» بالتّعاون مع نورتون ميزفينسكي إلى تحكّم إسرائيل بما ينشر دوليّا، «وهذه الحقائق - أي تطرّف الأصوليّة اليهوديّة في إسرائيل- نادرا ما تذكر أو توصف بدقة في التّغطية الإعلاميّة الهائلة لإسرائيل في الولايات المتحدة، وفي أماكن أخرى»، فكان العقل الصّهيونيّ هو المتحكّم دوليّا في الإعلام الغربيّ فيما يتعلّق بالشّأن الإسرائيليّ، ومحاولة اقتراب العقل الغربيّ من تفنيد هذا الإعلام الممنهج يقودهم إلى متاهات «معاداة السّاميّة»، هذا اليوم مع الإعلام الجديد لم يعد مجديا، وظهر بشكل كبير بعد أحداث 7 أكتوبر 2023م، وما يحدث حاليا من تجويع ممنهج في غزّة، وما تعمله إسرائيل من خرق القوانين الدّوليّة المتعلّقة بحقوق الإنسان، يزيد من هشاشة فكرة معاداة السّاميّة.

فمقارنة بسيطة بين ما قام به هتلر - بعيدا عن التّضخيم الإعلاميّ- ضدّ اليهود، وبين ما قامت به الأصوليّة اليمينيّة المتعصّبة في إسرائيل، وما يقوم به نتنياهو حاليا ضدّ الفلسطينيين بأطيافهم، والجميع ساميّون - كما أسلفنا -، عرقا ودينا ولغة، فالّذي يعادي السّاميّة اليوم، ويسعى إلى نشر خطاب الكراهيّة وتمدّدها؛ هي إسرائيل ذاتها، ويفوق ما نسب إلى هتلر بمئات المرات، بل لا مقارنة بينهما.

إن كان هناك - تأريخيّا - صراع دمويّ في أوروبا بسبب ما بثته الكنيسة الكاثوليكيّة خصوصا ضدّ اليهود بسبب الخلاف اللّاهوتيّ القديم في قضيّة المسيح وصلبه، أو بسبب التّعصّب العرقيّ الأوروبيّ ضدّ الأعراق الأخرى؛ هذا لا علاقة له بالشّرق عموما، ولا بالعرب خصوصا، إذا ما استثنينا الأحداث الأولى في الإسلام المبكّر في المدينة المنورة حسب الرّوايات التّأريخيّة وقرأناها بعيدا عن ظرفيّتها؛ فقلّ ما يذكر التّأريخ صراعا بين العرب كانوا مسلمين أم مسيحيين أم غيرهم مع اليهود لأسباب لاهوتيّة أو عرقيّة، بل كان لليهود حواضرهم، ولهم حضورهم المعرفيّ والأدبيّ في الحضارة العربيّة والإسلاميّة، وكما اقتبست في أكثر من مقالة مقولة الكاتب اليهوديّ المعاصر أوري أفنيري (ت: 2018م): «كلّ يهوديّ مستقيم، يعرف تاريخ شعبه، لا يمكنه إلا أن يشعر بالعرفان تجاه الإسلام، الّذي حمى اليهود طيلة خمسين جيلا، في الوقت الّذي كان العالم المسيحيّ فيه يلاحقهم، وحاول في العديد من المرات إجبارهم على تغيير دينهم بالسّيف» يثبت ذلك تماما، فمعادة السّاميّة واقعا وإعلاميّا من يقودها اليوم إسرائيل ذاتها، ورميها التّهمة على الآخر من باب «رمتني بدائها وانسلّت».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة الیهودی ة فی أوروبا الس امی ة ة الیهود

إقرأ أيضاً:

سوريا ترخص أول منظمة معنية بالإرث اليهودي.. ومساع لإعادة الممتلكات المصادرة

أعلنت الحكومة السورية، الأربعاء، منح ترخيص رسمي لأول منظمة تعنى بالحفاظ على التراث اليهودي في البلاد، في خطوة تعكس تبدلا واضحا في سياسة دمشق تجاه هذه الطائفة التي امتدت جذورها في سوريا لقرون قبل الميلاد، وشهد وجودها تراجعا حادا خلال العقود الماضية وصولا إلى شبه الاختفاء.

وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية، هند قبوات، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، إن السلطات منحت الموافقة على "إشهار منظمة التراث السوري اليهودي"، مؤكدة أن "هذه رسالة قوية من الدولة السورية أننا لا نميز بين دين وآخر"، مشددة على أن "سوريا تساعد جميع السوريين والسوريات من كل الديانات والطوائف الذين يريدون أن يبنوا دولتنا الجديدة".

مساع لإعادة الممتلكات
وتكشف الخطوة الحكومية عن توجه جديد يسعى إلى إعادة إحياء الحضور اليهودي في سوريا بعد أكثر من عام على وصول السلطة الانتقالية الحالية. ووفق أحد مؤسسي المنظمة هنري حمرا، نجل آخر حاخام غادر سوريا يوسف حمرا، فإن المنظمة "ستعمل على إحصاء الأملاك اليهودية وإعادة المصادر منها خلال فترة النظام السابق"، إضافة إلى "حماية المقدسات ورعايتها وإعادة ترميمها لتكون متاحة للزيارة لكل اليهود في العالم".

وأشار حمرا، المقيم في الولايات المتحدة، إلى أنه شارك مطلع شباط/ فبراير الماضي في أول زيارة لوفد يهدي إلى سوريا منذ عقود، برفقة والده، قبل أن تتوالى زيارات أخرى لوفود من اليهود السوريين إلى دمشق. كما التقى الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وفودا يهودية ناقشت ملفات تتعلق بالتراث والعودة والممتلكات.


ممتلكات صودرت في عهد الأسد
وفي السياق نفسه، كشف المدير التنفيذي لـ"منظمة السورية للطوارئ"، معاذ مصطفى، الذي رافق الوفد الزائر، أن المنظمة أحصت حتى الآن "عشرات البيوت من ممتلكات اليهود التي سلبت منهم من قبل نظام بشار الأسد"، في إشارة إلى سياسة المصادرة والتضييق التي طالت الطائفة خلال العقود الماضية.

وكان وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قد رحب مطلع العام الحالي بـ"عودة بعض اليهود السوريين إلى بلدهم لأول مرة بعد سقوط النظام، وتفقدهم لمعابدهم"، معتبرًا أن عودتهم "جزء من استعادة سوريا لدورها الطبيعي وفضائها الاجتماعي المتعدد".

وعلى الرغم من عمق الجذور التاريخية للطائفة اليهودية في سوريا، فإن وجودها تقلص بشكل دراماتيكي. فقد كان عدد اليهود في البلاد قبل نحو ثلاثة عقود يقدّر بخمسة آلاف نسمة، بينما لا يتجاوز اليوم عشرة أفراد فقط، يقيم معظمهم في الأحياء القديمة بدمشق، وفق تقديرات منظمات محلية.

وخلال حكم عائلة الأسد، تمتع اليهود بحرية ممارسة شعائرهم الدينية وعلاقات اجتماعية طبيعية مع جيرانهم، لكن نظام حافظ الأسد فرض قيودا صارمة على حركتهم ومنعهم من السفر حتى عام 1992، الأمر الذي دفع أعدادا كبيرة منهم إلى الهجرة. وقد تراجعت أعدادهم بشكل أكبر بعد حرب 1967، التي ألقى الصراع العربي الإسرائيلي بظلاله الثقيلة على أوضاع الطائفة في سوريا والمنطقة.

ومع سقوط نظام البعث في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، بدأ العديد من اليهود السوريين في الخارج بالتطلع لزيارة وطنهم الأم. وكان الحاخام يوسف حمرا قد عاد بالفعل إلى دمشق في 18 شباط/ فبراير الماضي بعد غياب دام 33 عاما، ليشكل عودته حدثا رمزيا يعكس بداية مرحلة جديدة في علاقة الدولة السورية مع الجاليات اليهودية المنحدرة منها.

مقالات مشابهة

  • مخاوف إسرائيلية من لقاء مصيري يجمع ترامب ونتنياهو نهاية الشهر
  • عمرو أديب: انزعاج إسرائيلي من تنامي القدرات العسكرية المصرية
  • الرئيس العراقي السابق يتولى منصب المفوض السامي لشئون اللاجئين
  • ماذا ينتظر الأقصى خلال عيد الأنوار اليهودي الوشيك؟
  • رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك بلقاء دور ورسالة النشر المسيحي في العصر الرقمي
  • الرئيس عون لمجلس كنائس الشرق الأوسط: رسالتكم هي توطيد الحضور المسيحي في الشرق ليكون ثابتا في خدمة قضية الإنسان
  • اعتداء على مسجدين في هانوفر وسط تصاعد جرائم معاداة الإسلام في ألمانيا
  • سوريا تمنح ترخيصا لمنظمة تهتم بالحفاظ على التراث اليهودي
  • سوريا ترخص أول منظمة معنية بالإرث اليهودي.. ومساع لإعادة الممتلكات المصادرة
  • واشنطن تسعى لعقد قمة ثلاثية بين ترامب ونتنياهو والسيسي