حادثة عيش السرايا.. حرب الحلوى كما رواها حمور زيادة!
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
أصعب ما يواجه أي كاتب يستدعي السياسة في روايته، أو يستلهم منها قماشة حبكته وتصرُّفات أبطاله وأمكنته، أنها صاخبة، ومباشرة، وتحتاج إلى كاتب خبير، ليسيطر عليها، ويفلت من كمائنها، ويحولها إلى حالة فنية. ربما لهذا السبب يتأخر كثير من الكتَّاب عن ملاحقة الأحداث السياسية الكبرى، كالثورات، فالكتابة عن حدث آني ساخن قد تتسبب في "شياط" الطبخة، لكن الكاتب السوداني حمور زيادة، يخوض عبر روايته الأخيرة "حادثة عيش السرايا وما يتعلق بها من وقائع مسلية" تحدي الكتابة عن واقعة لا تزال تبعاتها ماثلة حتى الآن، وأقصد توقيع اتفاق الشراكة بين الجيش وقوى الحرية والتغيير، في السودان، عام 2019.
تصدى حمور لكتابة الرواية بروح الفنان، لا بروح الثائر، صاحب الموقف المعروف للجميع، أي أنه لم يكتب بغرض تصفية الحسابات، أو الانتقام من طرف، أو الانتصار لطرف آخر، بل إنه تبنَّى فنيًّا صوت الفلول، وهو صوت الراوي الرئيسي، الذي كان مسؤولًا في مكتب أحد الوزراء، قبل أن يتعرض الإسلاميون في السودان إلى هزة عنيفة ويُسحَبُ البساط من تحت أقدامهم.
يعود ذلك الراوي إلى الخرطوم بعد أحداث 25 أكتوبر 2021، بصحبة سائق، ويخبره بأنه سيحكي له ما واجهه بعد ثورة ديسمبر، ومن خلال الحكي المتدفق، يصبح بإمكاننا أن نرى حياة الراوي بوضوح، خلال أيام الخوف، حيث وجد نفسه ينزل عنوة من برجه العاجي إلى الواقع الكابوسي. يترك العاصمة ويعود إلى مدينته (لا يسمِّيها)، فيتعرض فيها لتحرشات "أتباع الشيطان والماركسية" كما يُطلِق عليهم. إنهم شبان وشابات لا يقيمون وزنًا للكبير، بل إن هذا الكبير صار عدوهم الأول، وامتهانه واجب لمرمغة رأس الحكومة.
لم يكن الأعداء في الشارع فقط بالنسبة للراوي، ولا في المسجد حيث سيطر إبليس (أحد أعدائه) على المنبر، وإنما في البيت، إذ إن ابن شقيقه كان أحد هؤلاء الشبان الذين غُرِّر بهم. هذا الشاب تعامل معه بعداء شديد، واستمر في لومه على ماضيه المشين، واشتبك معه في مناوشات غاضبة، كأنه مسؤول عن أي نكسة وكل نكسة في السودان.
يجد الراوي نفسه وحيدًا في هذا المجتمع. زوجته وأبناؤه، والوزير نفسه، هربوا إلى تركيا، ولم يبل أحدهم ريقه بكلمة واحدة. الزوجة الأنانية ترسل إليه صورها في الأماكن السياحية بتركيا، والأولاد لا يكترثون بحاله، والوزير يرد عليه بالصمت الطويل.
يستعيد الراوي أيام المجد، حينما كانت السلطة في يده، يأمر فيُجاب، لكنه في عوداته المتكررة إلى الماضي، يرينا، دون أن يدري، سقطات النظام، فحين يتحدث مثلًا عن ابن شقيقه ومظاهرة في الشارع، لا يجد حرجًا في أن يقول لو جرى ذلك قديمًا لما كان أحدٌ قادرًا على معرفة مَن طعنه بالسكين، وحينما يتحدث عن المواجهة المسلحة، بين الطرفين، يقول إن النظام كان يخزِّن الأسلحة في المساجد باستمرار تحسبًا لمجيء المواجهة، وها هي قد جاءت.
إنه لا يجد أي حرج أيضًا أن يحكي للسائق كيف كانوا يعذبون المختلفين، وينتزعون منهم المعلومات بخلع الأظافر، أو الإخفاء القسري، كما أنه يلوم الإسلاميين -وهو أحدهم- على تفريطهم في الدين وسماحهم بالحريات، فالنتيجة أن البنات السافرات قليلات التربية والحياء يخرجن في مظاهرات تطالب بإسقاط النظام!
من العنوان يحيلنا حمور إلى حادثة بعينها، هي حادثة عيش السرايا، كما يعدنا بوقائع مسلية، ويصدق في وعده، فهو يترك الأحداث الكبرى، كالكر والفر وضرب النار والقتلى، ويبدأ في سرد وقائع صغيرة في منتهى الإدهاش، نابشًا في أكوام السياسة عن الضحك، وينجح فيه. يعطيك مثلًا إشارات ساخرة إلى أن مدينته كانت مهد الحضارة حيث التقى آدم بحواء بعد هبوطهما من الجنة، ووُلد أول عميد لكلية الهندسة بجامعة أم درمان الإسلامية. كذلك يسرد قصة ذلك المجنون الذي يظهر في المسجد مدعيًا أنه الإله، وقصة تلك المرأة القوية التي فضحت ذكورة زوج أختها.
تتدفق القصص، كل واحدة تسحب الأخرى، في تواتر ممتع، لا تشعر معه بخلل في البناء، فنحن القراء شهود على تلك الرحلة الطويلة من مدينة الراوي إلى الخرطوم، ويهمنا مثلما يهم السائق أن نستمتع بالحكي، وإذا كان الراوي يفضِّل الدخول في حارات جانبية فإنه لا ينسى أبدًا الخط الرئيسي ويعود إليه ونحن معه. وقد برع الحكاء الماهر حمور زيادة في إبقائنا مشدودين صفحة بعد أخرى حتى وصلنا إلى بيت القصيد، وهو انتقال المواجهة بين الطرفين من الأسلحة إلى الحلوى!
وكما برع حمور في الحكي، برع في التهكم والسخرية وتجسيد العبث، وقد ربط كل شيء أو فسَّره بالماضي ومنه واقعة الأختين التوأم. إنهما امرأتان متماثلتان كأنهما سمكتا بلطي، في ألوان الفساتين، وقَصَّة الشعر، وفي الملامح طبعًا، لكنهما مع ذلك تكرهان بعضهما حتى إن إحداهما حُسِبت على الثوار وهي "التومة" والثانية حُسِبت على الفلول وهي "الحاجَّة". لقد مر الرئيس السابق عمر البشير في التسعينيات بهذه المدينة، وإحداهما قدمت له حلوى عيش السرايا، ففُتِن بها، والآن تحاول كل واحدة أن تثبت أنها بطلة الحكاية القديمة، وقد دخل حزبا الأختين في صراع جديد ليثبت كلٌ منهما صحة موقف سمكته!
لم يكن أمام الجميع إلا الذهاب لقرية مجاورة تقطنها عمة التوأم التي يطلقون عليها اسم "خطيبة ديلون"، فما حكاية العمة مع الممثل الفرنسي آلان ديلون؟! إنها حكاية مدهشة أخرى عن امرأة أقنعها "فكي" (فقي) وأقنع معها قريتها بالكامل، بأن الممثل الفرنسي سيأتي يومًا ما لطلب يدها من والدها المزارع، ولمَّا كان من غير المعقول أن يأكل ذلك الرجل ذهبي الشعر، الويكة الخضراء واللوبيا والملوحة، راحت تسأل عما يأكل الخواجات حتى عثرت على كتاب طبخ مصري، صحيح أن أباها أضرم فيه النيران مع أوراق أخرى، إلا أنها حفظت بعض الوصفات ومنها وصفة حلوى عيش السرايا!
ليست تلك هي النهاية بالتأكيد، لكن الموقف كله تغيَّر، والراوي المطارد لم يعد مطاردًا، والأحداث سارت في مصلحة الإسلاميين، والوزير عاد ليهاتفه بما يعني أن الأمور على ما يرام، لكن يحق لك كقارئ أن تتصور الحياة الجديدة التي سيجد الراوي نفسه فيها، وقد عادت إليه القوة، وهل يحقق انتقامه سواء ممن يسميه "عديقه"، أو من كل الثوار بعد أن سخروا منه وأهانوه؟!
إنها واحدة من الروايات التي تمنيت ألا تنتهي من فرط جمالها، وأسلوب كاتبها الساحر، وقدرته الفذة على مزج الوقائع بالخيال، وكذلك مزج الضحك بالمعارك الطاحنة، والمراوحة بين بناء يسير في خط رأسي، لكنه يسمح بنقلات عبر الزمان والمكان بغابة حكايات كثيفة. هذه الرواية تقدم درسًا للكتَّاب الذين يقولون إن عليهم أن يصبروا قرنًا حتى يكتبوا عن ثورة. لقد كتب حمور زيادة عن الثورة، لكنه لم يغادر أرض الفن، ولم ينسَ أن الكاتب مثل المغني، عليه أن يمسك طبقة، ولا يحيد عنها صعودًا أو هبوطًا، إلا بفهم ودراية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
محافظ الطائف يوجه بسرعة رفع نتائج تحقيقات حادثة سقوط اللعبة
الطائف
ترأس الأمير سعود بن نهار بن سعود بن عبدالعزيز محافظ الطائف، اجتماعًا طارئًا بحضور الجهات الحكومية المعنية، لمتابعة مستجدات حادثة سقوط إحدى الألعاب في أحد المنتجعات الترفيهية بالمحافظة.
واطمأن سموه خلال الاجتماع على الحالة الصحية للمصابين، ووجه بسرعة رفع نتائج التحقيقات بشكل عاجل، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة الزوار.
وكان الحادث وقع أثناء تشغيل اللعبة في مرحلة الحركة، حيث سقطت الرافعة بشكل مفاجئ نحو الأرض، مما تسبب في سقوط المقصورات وإصابة عدد من الزوار.
وكانت الجهات المختصة قد باشرت الحادث فور وقوعه، حيث أُغلق الموقع بالكامل كإجراء احترازي، وقدمت الإسعافات الأولية للمصابين في الموقع، كما تم نقل بعض الحالات إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية اللازمة. ولم تسجل أي حالات وفاة حتى الآن.
اقرأ أيضاً
محافظ الطائف يوجه بإغلاق منتجع حادثة الملاهي وفتح تحقيق عاجل