بينما تتهاوى مكانة إسرائيل الدولية بشكل غير مسبوق، وتجد نفسها مرفوضة ومنبوذة في العديد من الساحات السياسية والشعبية، لا تزال الحكومة اليمينية تواصل تجاهل العالم، بل وترسم أحلاما استعمارية حول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، كما لو أن شيئا لم يتغير.

هذا هو الواقع الذي يحاول وزير شؤون الشتات الإسرائيلي السابق والمتحدث العسكري الأسبق نحمان شاي، تسليط الضوء عليه في مقاله المنشور بصحيفة معاريف، محذرًا من أن إسرائيل تتجه نحو "منبوذية عالمية"، بسبب المجاعة والمعاناة التي تفرضها على قطاع غزة.

عزلة عالمية

في مقدمة مقاله المنشور يستعرض شاي، الذي يتقلد أيضا منصب عميد كلية الاتحاد العبري في معهد الدراسات اليهودية في القدس، حادثة مثيرة وقعت مؤخرا لركاب سفينة الرحلات البحرية الإسرائيلية " كراون آيرس" (Crown Iris)، التي رست قبالة السواحل اليونانية قبل بضعة أيام، حيث منعت السلطات ركابها من النزول إلى الشاطئ بسبب مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين أغلق خلالها المتظاهرون الميناء. ويصف شاي هذا المشهد بأنه "لحظة مضحكة ومؤلمة"، تذكّر بسفن اللاجئين اليهود التي طردتها سلطات الاستعمار البريطاني قبل أكثر من 80 عاما. ويضيف بمرارة: "نحن اليوم لا نُرغب، لا نريد إسرائيليين".

وتجاهل الكاتب أن الانتداب البريطاني على فلسطين هو الذي فتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين بموجب وعد بلفور (1917).

لكن حادثة هذه السفينة، برأيه، ليست سوى واحدة من سلسلة أحداث تعكس تحولًا عالميًّا في النظرة لإسرائيل، بالتوازي مع تصاعد الصور المروعة من قطاع غزة، حيث يُظهر الإعلام الدولي -وأخيرًا الإعلام الإسرائيلي- مئات الآلاف من الفلسطينيين وهم يتدافعون للحصول على لقمة العيش من مراكز الإغاثة، معتبرا أنه لم يعد بالإمكان إنكار أن ما يجري هو "كارثة إنسانية واسعة النطاق"، وأن العالم بدأ بالفعل في التحرك أو التهديد بالتحرك ضد إسرائيل.

إعلان "الصهيونية الدينية"

في المقابل، يسخر الكاتب من اجتماع انعقد في الكنيست لأعضاء حزب "الصهيونية الدينية"، تحدثوا فيه بحماسة عن "غزة الجديدة"، حيث يحلمون بإقامة مدينة سياحية على طراز "الريفييرا"، مزوّدة بمراسي يخوت ومراكز أكاديمية، وكأن قطاع غزة منطقة خالية من السكان الفلسطينيين.

ويشير شاي إلى أن وزيرة الاستخبارات وعضوة الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود غيلا غمليئيل قدمت خطة متضمنة فيلما من إنتاج الذكاء الاصطناعي يروّج لغزة المستقبل كجنة على الأرض، بشرط أن تكون دون فلسطينيين!

ويعلق على ذلك بالقول "هذه ليست رؤية، بل كارثة"، يقول شاي، إن الإسرائيليين على متن السفينة في اليونان بدؤوا يفهمون للمرة الأولى ما معنى أن تكون محاصَرًا ومرفوضًا، بينما يستمر السياسيون المتدينون القوميون في نسج خيالاتهم الاستعمارية.

صفعة دبلوماسية

في اليوم نفسه، وصلت صفعة دبلوماسية قوية من المجتمع الدولي، إذ وجّهت 25 دولة -من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وسويسرا- رسالة مباشرة إلى الحكومة الإسرائيلية، تطالب بوقف القتال وترفض صراحة فكرة "المدينة الإنسانية" في رفح، التي روجت لها الحكومة الإسرائيلية. كما حمّلت تلك الدول تل أبيب المسؤولية عن معاناة المدنيين في غزة، رغم تأكيدها على ضرورة إطلاق سراح الأسرى.

ويشير الكاتب إلى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية سارعت إلى رفض هذه المواقف، رغم أنها صادرة عن "أفضل أصدقائنا"، ويقول إن "هذه هي الدول التي لطالما أردنا أن ننتمي إليها، لكنها الآن تدير ظهرها لنا".

علامات فتور

ويرى الكاتب أن إسرائيل تتذرع بمعاداة السامية لتبرير الانتقادات، لكنه يرد بوضوح: "هذا تراجع حقيقي في مكانتنا الدولية، لا علاقة له بكراهية اليهود، بل بواقع سياستنا على الأرض". ويحذر من أن هذا التدهور في السمعة الدولية يترافق مع أزمة أعمق بكثير، وهي فقدان التأييد الأميركي، الحليف الأهم لإسرائيل تاريخيا.

ويشير شاي إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه، المعروف بعلاقته الخاصة مع إسرائيل، بدأ يُظهر علامات فتور. ويقول إن البيت الأبيض وصف نتنياهو مؤخرًا بـ"المجنون"، واعتبر أنه يعطل السياسات الأميركية في سوريا، بل ونُسب إليه أيضا مسؤولية قصف كنيسة كاثوليكية في غزة، رغم زعم الجيش الإسرائيلي أن القصف "كان عن طريق الخطأ".

ويلفت الكاتب إلى أن ترامب "فهم التلميح"، وبدأ يعيد تموضعه بناءً على المزاج الشعبي الأميركي.

ويستند شاي أيضا إلى استطلاع جديد نشرته شبكة "سي إن إن" (CNN)، يُظهر أن 23% فقط من الأميركيين يعتبرون أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مبررة، بانخفاض 27 نقطة مئوية عن استطلاع مماثل أجري بعد هجوم 7 أكتوبر". ويضيف أن التراجع طال المعسكرين السياسيين، لكنه كان أشد حدة في صفوف الديمقراطيين، حيث تراجعت نسبة الدعم من 38% إلى 7% فقط.

أما الجمهوريون، الذين ظنّت الحكومة الإسرائيلية أنهم "في جيبها"، فتراجع الدعم بينهم من 68% إلى 52%. الأخطر من كل ذلك، حسب شاي، هو تراجع الدعم بين الأجيال الشابة: "واحد فقط من كل 10 أميركيين تحت سن 35 يبررون الحرب، كما أن معظمهم يعارضون استمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل".

إعلان

هذه المعطيات، برأي شاي، كفيلة بأن تثير الذعر في أي نظام سياسي مسؤول، لأنها تنذر بمستقبل لا تستطيع فيه إسرائيل أن تخوض الحروب، أو أن تبقى اقتصاديا، أو أن تتجنب العقوبات الدولية.

ويختتم الوزير السابق مقاله بالقول: "دون شرعية دولية، لا تستطيع إسرائيل شنّ الحروب. ودون علاقات تجارية مع أوروبا وأميركا، لن تبقى واقفة. ومن دون إعادة التفكير بسياساتنا، سنُدفع إلى الزاوية أكثر فأكثر".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات قطاع غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

وزير سوري سابق يكشف لـ عربي21: هل تتأثر العلاقة مع أمريكا بعد هجوم تدمر؟

وصف وزير الإسكان السوري السابق والأكاديمي والمحلل السياسي ياسر النجار ما حدث في منطقة تدمر بالبادية السورية، من هجوم مسلح استهدف قوة أمريكية ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجنود الأمريكيين، وسط ترجيحات أولية بوقوف عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة خلف العملية، بـ "بالغ التعقيد".

وقال النجار في لقاء خاص لـ " عربي21” إن المشهد السوري الراهن بالغ التعقيد، مؤكدًا أن الدولة السورية الجديدة تواجه إرثا ثقيلا خلفه نظام بشار الأسد على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، انعكس بشكل مباشر على واقع المؤسسات والبنى التحتية.

وأضاف أن ما حدث لم يؤثر على العلاقة بين سوريا الجديدة وبين الولايات المتحدة خاصة مع التهديدات الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأن خطابة موجها للشارع الأمريكي.

رأى النجار أن لهجة التهديد كانت موجهة بالأساس للاستهلاك الداخلي الأمريكي، مؤكدًا أن الحدث قد يدفع باتجاه تعزيز التفاهمات الأمنية بدل تقويضها، لا سيما أن القضاء على داعش لم يتحقق رغم عشر سنوات من وجود التحالف الدولي.

وأكد الوزير السوري السابق أن الدولة السورية الجديدة تحتاج إلى وقت ودعم حقيقي لتحقيق الاستقرار، معتبرا أن العمليات الفردية لا تعكس ضعف الدولة بقدر ما تعكس طبيعة المرحلة الانتقالية والتحديات المتراكمة.


ومن ناحية أخري أوضح النجار أن التهديد الأكبر لا يقتصر على الواقع الداخلي، بل يتمثل في وجود تنظيمات مسلحة متعددة الأهداف، منها ما يعمل بدوافع أيديولوجية، ومنها ما يسعى لتقسيم سوريا، إضافة إلى تنظيمات قال إنها تتحرك بتوجيهات إسرائيلية بهدف فرض كيانات منفصلة داخل الجغرافيا السورية.

وتوقف النجار عند التطورات الأخيرة في المنطقة الشرقية من البلاد، موضحا أنها منطقة شاسعة تقدر مساحتها بنحو 40 ألف كيلومتر مربع، وتتميز بكونها شبه خالية من السكان والموارد، وكانت خاضعة لسيطرة قوات التحالف الدولي منذ أكثر من سبع سنوات بحجة محاربة تنظيم داعش، مع تولي التحالف الجوانب الأمنية واللوجستية فيها.

وبين أن هذه المنطقة، وبعد تحرير سوريا من جديد، أصبحت اسميًا ضمن المركزية السورية، إلا أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وتدمير القدرات العسكرية السورية جعلا من الصعب تأمين المناطق غير المأهولة بشكل كامل، ما استدعى تشكيل قوات أمن البادية التابعة لوزارة الداخلية لضبط الوضع الأمني.

وكشف النجار أن اجتماعا أمنيا تكتيكيا كان قد عقد مؤخرًا لتنسيق العمل في تلك المنطقة، وسط تحذيرات مسبقة من تهديدات محتملة، إلا أن المخاوف لم تؤخذ بالجدية اللازمة، ما أفضى إلى هجوم نفذه عنصر يعتقد أنه ينتمي لتنظيم داعش، استهدف جنودا أمريكيين في محيط الحماية، وأسفر عن إصابة ثلاثة جنود، قبل أن تتمكن قوات الأمن الداخلي من تحييده.

واعتبر النجار أن العملية تحمل طابعا فرديا، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن بقاء بؤر نشطة للتنظيم، مشددًا على أن ذلك يفرض تسريع التعاون الأمني بين سوريا وقوات التحالف، خاصة في ظل امتلاك التحالف إمكانات تقنية واستخباراتية، مقابل خبرة سورية ميدانية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية التركي يحذر من مخطط إسرائيلي لإفراغ قطاع غزة من سكانه
  • وزير سوري سابق يكشف لـ عربي21: هل تتأثر العلاقة مع أمريكا بعد هجوم تدمر؟
  • ضابط لبناني سابق يكشف عن صفقات سرية بين إسرائيل وسوريا!
  • رائد سعد.. واضع خطة سور أريحا التي هزمت فرقة غزة الإسرائيلية
  • حماس في ذكرى انطلاقتها: طوفان الأقصى معلم راسخ لبداية زوال الاحتلال وفشل العدوان الأميركي
  • وزير المياه يلتقي السفير الأميركي لمناقشة التحديات المائية ومشاريع الاستدامة
  • “وثائق إبستين”.. رئيس وزراء إسرائيلي سابق ضمن مجموعة صور نشرها الديمقراطيون / صورة
  • فلسطين ترد على السفير الأميركي في إسرائيل: الاستيطان جميعه غير شرعي
  • الرئاسة الفلسطينية ترد على تصريحات السفير الأميركي لدى إسرائيل
  • ضحاياها عرب .. كارثة إنسانية قُرب شواطئ اليونان