جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-09@20:51:20 GMT

رسالة كونية في حمامة

تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT

رسالة كونية في حمامة

أنيسة الهوتية

 

فجأة شعرت بأنني لا أشعر بشيء!!!

لا خوف، لا قلق، لا توتر!!!

حتى لا جوع ولا عطش ولا نعاس!! ولا رغبة في الخروج من البيت، أو المكوث فيه!!!

ماذا أصابني؟! هل تبلدت مشاعري؟! أم أنها جلطة عاطفية، وربما سكتة مشاعرية؟!

كنت أسقي عروقي العطشى حين تصرخ مستنجدة مخافة الموت بالقهوة المرة السادة، فقد كانت النكهة الوحيدة التي تقبلتها وحدتي الممتلئة بالضجيج.

بصمت وهدوء أجلس ليلًا أمام مدخل البيت، وحيدة على كرسيي الهزاز الخشبي، الذي أنينه يخدش هدوء الليل بينما يهودني… وأنا أغرق في ضجيج الأصوات والمشاهد الذهنية، وما ربط على قلبي سوى الأذكار والدعاء والعبادات. وبين كل لحظة ولحظة أدعو الله أن يدمر الظالمين، ويشفي صدور المظلومين ويعوضهم..

لم يتجرأ أحد على مداهمة وحدتي، مخافة ردة فعلٍ مجنونة من شخصٍ لطيف. أو لعدم علمهم بحالتي… باستثناء تلك الحمامة البرية "الحقمة" التي قررت في ليلة وضحاها بناء عشها فوق مصباح مدخل البيت، حيث أجلس وأحتسي القهوة، وتمامًا على رأسي.

انزعجت من ذلك، ولكنني لم أستطع أن أُنفرها، فإن الملك لله وحده. فتركتها، وشغلتني بالتنظيف وراءها. وليلًا كانت تهدل بصوت خافت حين احتسائي لقهوتي، وكلما غرقت في أفكاري أخرجتني إلى الواقع.

فقررت إطفاءَ المصباح الذي بنت عشها عليه، واكتفينا بالمصابيح الجانبية التي تعمل بالمجسات والطاقة الشمسية.

وهكذا عقدنا اتفاقًا أنني سأحتسي أكواب قهوتي في الظلام، وأطفأ لها المصابيح حتى تنام… وألا يزعج أحدٌ منا الآخر.

وبالأمس، قبيل وقتنا، كانت تنوح نوحًا ولا "تهجع"... تطير إلى المصابيح المجسية بتكرار واحدة تلو الأخرى وتجعلها تضيء، كانت مجنونة. فخرجت لأرى ما بها! وما إن فتحت الباب وإذا بجيوش من النمل الأسود في خط مستقيم وكأنه شعر ساحرة شرقية طوله عشرة أمتار!!

وبيضة واحدة من بيوضها متكسرة على الأرضية، يبدو أنها سقطت من العش، والنمل يحتفل بوليمة دسمة. فنظرت إليها بينما هدأت من جنونها! وبدأت تنظر إليَّ مباشرة، فبدأت أبكي… بكيت بكاءً… بُكاءً لم أبكهِ حتى في عزاء أبي لأنني كنت أفكر حينها بأمي، ولم أرد أن أثقل حمل حزنها وألمها أكثر. بكاء لم أبكهِ حتى في عزاء أمي لأنني كنت أفكر بإخوتي وأخواتي الصغار، فإن كنت أنا من انهار ماذا يكون بشأنهم!؟

وتخيلت أن مجرد حمامة "انجنت" على بيضة من بيوضها "كذا؟" فماذا عن الأمهات في غزة؟ جلست دون شعورٍ على النمل الذي لربما قال لجيشه: انتبهوا لتحطمنكم أنيسة! وبدأت أشعر بمرارة وحرارة دموعي في بلعومي وحلقي وأنفاسي. حتى نزلت الحمامة وجلست على رأسي وكأنها تواسيني في خسارتها.

أخبرتها وصوتي يشهق أنفاسه: أنا آسفة جدًا بأنني لم أستطع مساعدتك، وبأن البيضة لو لم تكن مكسورة لكنت سأعيدها لكِ إلى عشك!

لم أستطع التوقف عن البكاء الذي كان يزهق قلبي طوفانًا مقهورًا وغاضبًا من قلة الحيلة، حتى نزلت الحمامة من قمة رأسي إلى كتفي ثم إلى كفي. وعندما بدأت أهدأ، رفرفت بجناحيها راجعة لعشها… اعتذرت منها كثيرًا، لأنني أعلم شعور ألم الخيبة، خاصة حين لا ينقذك من ترى فيه السند والظهر… ولأن قلبي ممتلأ بحزن الأمهات في غزة، وبعضًا مما أكبته، انفجرت بكاءً… ولم تكن الحمامة سوى تمثيل حي في صورة تشبيهية كونية كمثل الغراب الذي علم قابيل كيف يدفن جسد هابيل.

وعلمتني تلك الحمامة أن الحياة لا تتوقف، وبأننا يجب أن نؤمن إيمانا ويقينا بأن الله تعالى هو مسبب الأسباب وحده، وهو القاضي العدل والمحامي الذي سيعيد لكل مظلوم حقه، ولو بعد حين.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أمريكا كانت تعرف، فلماذا سمحت بذبح السودانيين؟

في اليوم التاسع لاندلاع الحرب الحالية في السودان (24 أبريل 2023) أعلن وزير الخارجية الأمريكي وقتها، أنتوني بلينكن، أن كلاً من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وافقا على “هدنة إنسانية” لمدة 72 ساعة، لتمكين المدنيين في ولاية الخرطوم من قضاء احتياجاتهم، والأجانب من الجاليات وأعضاء البعثات الدبلوماسية من الاجلاء، وقد سبق ذلك إتصالات مباشرة أجراها قائد القيادة المركزية الأمريكية مع كل من رئيس مجلس السيادة ونائبه لضمان سلامة الأمريكيين بالسودان، وخاصة أعضاء البعثة الدبلوماسية، وشرعت الولايات المتحدة، في اليوم الثالث للحرب، في وضع خطة إجلاء شاملة، ونسقت مع “الطرفين” مسارات وصول وهبوط الطيران الحربي الأمريكي القادم من جيبوتي وهبوطه في مبنى السفارة الأمريكية في ضاحية سوبا.

وقتها أدركت أمريكا أن خطة الإنقلاب التي أطلعتها عليها حليفتها الإمارات، لاستلام السلطة في السودان بواسطة الدعم السريع، قد فشلت، ولأنها – أمريكا – كانت على علم بمدى الإعداد الذي تمّ لتنفيذ ذلك الإنقلاب، وخاصة في جانبه العسكري، وأن ترسانة الأسلحة والمعدات القتالية التي حشدها الدعم السريع كانت كافية لتحويل العاصمة إلى رماد، قال وزير خارجيتها إنه “لا حل عسكري للنزاع”، وظلت هذه هي سردية الجانب الأمريكي، وحلفاؤه إلى يومنا هذا.

ولم ينقضِ شهر الحرب الأول، حتى أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها فتحت نافذة إلكترونية لرصد “الانتهاكات” التي تحدث، وطلبت من السودانيين رصد ما يشاهدونه أو ما يتعرضون إليه من انتهاكات، ورفعها على الصفحة الإلكترونية التي تم تخصيصها لذلك، فتفاعل البعض مع الفكرة، وشكك آخرون في النوايا، لكن الشاهد في هذا هو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتوقع حدوث انتهاكات، لأنها كانت تعرف طبيعة السلوك الاجرامي للدعم السريع، وتعرف أن “الطرف” الذي يقف وراءه، لن يقبل أن يفشل “المشروع” حتى لو تحول إلى حرب أهلية وأدى لتقسيم البلاد، كما في حالتي ليبيا واليمن.

بعد شهرين من اندلاع الحرب، أكملت قوات الدعم السريع حصارها لمدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وقتلت الوالي خميس عبد الله أبكر، ومثلت بجثمانه في حادث مشهود، وحينها أدركت أمريكا أن المجازر في دارفور ستعود بشكل أشرس مما جرى في أوائل الألفية، فاستدعت وزارة الخارجية الأمريكية مركز أبحاث جامعة ييل للأبحاث الإنسانية، والذي كان ينشط في رصد الانتهاكات في أوكرانيا، إلى العمل تجاه الملف السوداني، فأقبل الدكتور ناثينال ريموند وفريقه مزودين بمقدرات الأقمار الاصطناعية التي وضعت فوق دارفور منذ 2006 لرصد الانتهاكات، ثم لمراقبة تدفق الأسلحة إلى دارفور تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وكان أشهر تلك الأقمار إعلامياً ذلك الذي يتبع لمشروع “ذا سنتري” ، وهي منظمة تحقيق استقصائي شارك في تأسيسها الممثل والمخرج الشهير جورج كلوني
بالتعاون مع الناشط في مجال حقوق الإنسان جون بريندرغاست، وتقول المنظمة أنها تهدف إلى فضح وتمويل الصراعات في أفريقيا عبر تعقب الأموال المشبوهة ومجرمي الحرب لإبعادهم عن النظام المالي الدولي، وتعمل المنظمة كشريك استراتيجي لمؤسسة كلوني للعدالة، وقد أصدرت منظمة (ذا سنتري) أكثر من تقرير تفصيلي عمّا يحدث في دارفور خلال فترة حصار الفاشر تحديداً.

لم يقف رصد الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، ولقرارات مجلس الأمن بمنع وصول أسلحة إلى دارفور، عند حدود ما ترصده تلك الأقمار، بل أسهمت كبريات المؤسسات الاعلامية الدولية، أمثال نيويورك تايمز و وول استريت جورنال، وفرانس 24 والغارديان البريطانية، وغيرها، في نشر سلسلة من الحلقات التي تتبعت مسارات وصول السلاح النوعي والذخائر إلى الدعم السريع في دارفور، سواء الآتي من بلغاريا أو اليونان أو القادم مباشرة من دولة الإمارات عن طريق الجو والبحر، أو الأسلحة ذات المنشأ الكندي أو البريطاني أو الصيني، والتي يُعاد تصنيعها وانتاجها في الإمارات، وتأخذ طريقها إلى دارفور رغم قرارات مجلس الأمن الدولي.

وعلى المسار الدبلوماسي والرسمي ظل السودان، عبر بعثته الدائمة في نيويورك، يقدم الشكوى تلو أختها، ويخاطب مندوبه الدائم مجلس الأمن الدولي، مستدلاً بالوثائق والمستندات، لإثبات الدور الإماراتي في تأجيج الحرب في السودان، وإرسال آلاف الاطنان من الأسلحة إلى دارفور، تارة عبر تشاد وتارة عن طريق جنوب السودان، ومحذراً من أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني التي أرتكبت في مختلف ولايات وسط السودان، سترتكب في دارفور، لكن كل هذا كله ظل حبيس الإدراج، اللهم إلا من قرار خجول أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، مطلع هذا العام، تصف فيه بعض الأفعال التي قام بها منسوبو الدعم السريع بأنها ترقى لمستوى إبادة جماعية !!
وحين انفجرت فضيحة المرتزقة الكولمبيين الذين يقاتلون لجانب الدعم السريع في الفاشر وغيرها، واعترف مَن لم يقتل منهم بأنهم تم تجنيدهم بواسطة شركات أمنية إماراتية للعمل في تلك الدولة، ثم وجدوا أنفسم في صحارى دارفور، يقاتلون بجانب الدعم السريع، ويدربون عناصره على مختلف أنواع الأسلحة، لم يعد هناك شئ يمكن إخفاؤه ليستر عورة الانخراط الإماراتي في حرب السودان.

قد يتساءل البعض ويقول إن أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر كانوا يعرفون حجم التورط الإماراتي في إمداد الدعم السريع بأحدث أنواع الأسلحة، ويعرفون قدراً كبيراً من الانتهاكات والجرائم التي أرتكبت بواسطة تلك الأسلحة، ودول كثيرة حول العالم كانت تعرف ذلك، فلماذا توجه حديثك هنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية دون غيرها ؟
وللإجابة أذكّر بما أوردته في بداية هذا المقال من وقائع، وأضيف إليها بأن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن فقط أول مَن قدم نفسه وسيطاُ، ودعا للمفاوضات بين “الطرفين” كما جرى في جدة قبل أن ينقضي شهر الحرب الأول، ولا آخر “طرف” يدعو الآن لوقف الحرب ويتبنى مشروع وساطة، بل كانت هي أحد الفاعلين الرئيسيين في مشروع إعادة هندسة السودان حتى بعد نجاحها في فصل الجنوب، وكانت أيضاً على علم تام بما انتوى شريكها الإماراتي فعله، بل لعلي أضيف هنا أن مبعوثها السابق، توم بيريلو، كان يقول لممثل الجيش السوداني، أيام مفاوضات جدة، وبكل ثقة وعنجهية “من الأفضل لكم أن توقعوا حتى تحافظوا على ما تبقى من جيشكم” ، وكان ممثل الجيش يرد عليه “أنتم لا تعرفون جيش السودان”.

إن الشهادة التي قدمها الدكتور ناثينال ريموند، في جامعة هارفارد الأسبوع الماضي، والتي ملأت الدنيا، كانت الدليل الأكثر موثوقية وحداثة على تواطؤ الإدارة الأمريكية وسماحها لحليفتها دولة الإمارات، بأن تستمر في إمداد الدعم السريع بأحدث أنواع الأسلحة، والتي لم تبق أي نوع من أنواع جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية في القاموس إلا وارتكبت بواسطتها، فلولا الدعم الإماراتي المتدفق لما استمرت الحرب على مدى ثلاث سنوات، ولما تضاعفت الانتهاكات والجرائم، ولو أن أمريكا كانت حريصة على أرواح السودانيين، مثل ما تدعيه من حرص على الحكم المدني، لقالت منذ العام الأول لحليفتها، وقد ثبت فشل مشروعها، كفى كُفي عمّا تفعلين.
ويبقى السؤال الذي يتعين علينا كسودانيين أن نسأله: لماذا سمحت الولايات المتحدة الأمريكية بذبح السودانيين مادامت كانت تعرف منذ ذلك الحين، أن المجازر ستحدث، وما دامت قد وثقت منذ وقت مبكر، حدوث تلك المحازر و الجرائم والانتهاكات؟

العبيد أحمد مروح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/06 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة ثالوث الإنكار لتبرئة الغزاة2025/12/06 العاقل من اتعظ بغيره!2025/12/06 مقترحات لبناء سودان جديد2025/12/06 إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس…)2025/12/06 في البدء كانت الكلمة2025/12/05 المستوطنون الجدد… مخطط خطير يهدد ديمغرافية السودان وهويته2025/12/05شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات حرب مفروضة وهُدنة مرفوضة! 2025/12/05

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • من هو غسان الدهيني الذي أصبح زعيم القوات الشعبية في غزة بعد أبو شباب؟
  • الفأرة التي في أيدينا.. كيف كانت وكيف أصبحت؟
  • أحمد حسن: منتخب مصر يستعد لمباراة الأردن أياً كانت ظروف المنافس
  • هل يجوز منع الإنجاب إذا كانت المرأة مريضة؟.. أمين الفتوى يجيب
  • هل كانت جاسوسة؟.. قصة صعود لونا الشبل إلى دائرة الأسد ونهايتها الغامضة
  • حاتم صلاح: "كنت مش عايز أتجوز بس والدتي كانت واثقة من ارتباطي بنهلة"
  • الجزية الحديثة.. حين كانت مصر تُدار من الخارج وتدفع ثمن غياب الدولة
  • غورى فى داهية.. عبير صبري: 2025 كانت سنة وحشة
  • منى عبدالغنى: «شيرين كانت تلميذتي.. وأتمنى عودتها للساحة من جديد»
  • أمريكا كانت تعرف، فلماذا سمحت بذبح السودانيين؟