في قلب غزة، لا صوت يعلو على أنين الجوع، ولا صراخ يُسمع سوى بكاء الأمهات فوق أجساد أطفالهن النحيلة التي ذبلت أمام أعينهن بلا حول ولا قوة.
أطفالٌ لا يموتون بالقنابل فقط، بل يموتون جوعًا. يموتون لأن “الكيان المؤقت” قرّر أن يمنع الحليب، ويحاصر الطحين، ويقطع الماء، ويجعل من لقمة العيش أداة قتل، تماماً كما تفعل بالصواريخ والقنابل الفوسفورية.
غزة اليوم تحترق من الداخل. ليس فقط من القصف، بل من تجويعٍ ممنهج تُمارسه آلة الاحتلال بدم بارد، وبغطاء أمريكي كامل، وصمتٍ دولي مخزٍ.
مئات الآلاف من العائلات تعيش تحت خط المجاعة. حليب الأطفال مفقود، الطحين معدوم، والخضار والفاكهة باتت من الذكريات.
تخرج الأمهات يومياً بأيدي مرتجفة يبحثن في الركام عما يمكن أن يُؤكل. لا لأنهن فقراء، بل لأن “إسرائيل” قرّرت أن تُحاصرهم تدفعهم للموت البطيء.
الطفل في غزة لا ينام باكياً فقط، بل ينام وهو يحلم بكسرة خبز. كثيرون لا يستيقظون من نومهم، لأن أجسادهم الضعيفة لم تقوَ على احتمال الجوع.
مشاهد الأطفال المنتفخة بطونهم من سوء التغذية لم تعد نادرة، بل أصبحت أيقونة المرحلة.
غزة الآن ليست فقط ساحة حرب، بل سجن جماعي يُمارس فيه الاحتلال الإبادة عبر التجويع، ويشاهد فيه العالم تلك الجريمة وكأنها خبر عابر على شاشة صامتة.
أي عدالة في هذا العالم تقبل أن يُحاصر أكثر من مليون طفل؟
أي قانون دولي لا يرى أن حرمان الناس من الغذاء والماء جريمة حرب؟
لماذا كل هذا الصمت العربي؟ لماذا اختنقت الأصوات التي كانت تملأ المنصات ضجيجاً؟
أين أولئك الذين يزعمون الدفاع عن الطفولة والإنسانية؟
أم أن الأطفال الفلسطينيين خارج تعريف “الإنسان” في معاجم الأمم المتحدة؟
إن ما يحدث في غزة اليوم ليس مجرد مأساة، بل وصمة عار في جبين البشرية.
ومع ذلك، وبينما يغرق العالم في صمته، لم تكن كل الشعوب سواء.
فمن بين كل هذا الركام، ارتفع صوت واحد، ووقف موقف لا يُشترى: اليمن.
اليمن الذي رغم حصاره، رغم ألمه، رغم جراحه، قرّر أن يقف، أن يواجه، أن يُدافع عن غزة لا بالخطب الرنانة، بل بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
الشعب اليمني، بقيادته الإيمانية الثابتة المتمثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أعلنها صريحة:
لن نقف مكتوفي الأيدي وأطفال غزة يموتون جوعاً.
لن نصمت على الحصار.
لن نغلق أعيننا عن المجاعة المفروضة على شعبٍ أعزل.
بل سنقاتل، وسنضرب، وسنوجّه صواريخنا نحو العمق الإسرائيلي، حتى يرتفع الحصار بالكامل عن غزة.
في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الإدانات العربية إلى أقصى حدود النفاق، قدّمت صنعاء صاروخاً لكل دمعة، وطائرة لكل شهيد، ووعداً ثابتاً أن اليمن لن يتراجع، ولن يوقف عملياته العسكرية إلا برفع الحصار، ووقف القتل، وكسر سلاح التجويع.
إنها ليست حرب اليمن، لكنها معركته الأخلاقية، وموقفه الإيماني، وامتداده الطبيعي كأمةٍ ترى في فلسطين قضيتها الأولى.
ففي ثقافة هذا الشعب، الموت في سبيل المظلومين حياة، والوقوف مع غزة ليس خياراً، بل فرض عين وكرامة لا تُباع.
وكلما اشتد الجوع في غزة، اشتد عزم اليمن، وكلما صمت العالم، تكلمت صواريخنا، وكلما نزلت دمعة من عين طفل غزّي، اشتعلت في قلوبنا نيران الغضب، ومضينا في دربنا حتى تحرير الأرض وكسر القيد وإسقاط الطغيان.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
زجاجات الأمل.. مبادرة رمزية تكسر حصار غزة وتفضح جوع الأطفال (شاهد)
في زمنٍ عز فيه النصرة، وتضاعف فيه الجوع، واشتد الحصار على أهل غزة حتى أصبح رغيف الخبز أمنية، وحبة العدس أملا بعيد المنال، أطلق عدد من الشباب المؤيد لفلسطين مبادرة "زجاجة الأمل لغزة" التي تهدف بإلقاء زجاجات الأمل في البحر، محمّلة بالغذاء.
وجاءت مبادرة "زجاجة الأمل لغزة" كصرخة رمزية تعبر عن عمق الألم، وعن الشعور بالعجز والرغبة في كسر حصار أهل عزة بأي وسيلة، حتى وإن كانت بزجاجة، في ظل غلق المعابر الحدود بمشاركة دول عربية.
الولادة من رحم الوجع
لم تأتِ المبادرة من مؤسسات كبرى أو حملات حكومية، بل بدأت بتغريدة، بفيديو صغير، لشاب مصري يملأ زجاجات بلاستيكية بالطعام ويلقيها في البحر أملا منه في الوصول لغزة ويدعوا الله مؤكدا على ضعفه لإيصال المساعدات وأن الله قادر على ارسالها وكتب عليها إنما الأعمال بالنيات.
واقتبست الشاب المصري دعواته المرافقة للفكرة من القصص القرآني، وتحديدا قصة أم موسى حين ألقته في اليم، مع إيمان عميق بأن الله قادر أن يحمل هذه الزجاجات لمن يحتاجها:"اللهم يا من شققت البحر لموسى، احمل عنا هذا إلى غزة".
وكتب شاب مصري في منشور على فيسبوك أثناء تصويره وهو يلقي زجاجة في البحر، الإزازة دي ممكن تبقى سبب نجاتك يوم القيامة"، حيث حمل المشهد المؤثر الذي تكرر عشرات المرات حمل دلالات دينية وإنسانية، وهو ما أكد عليه أحد المشاركين: "دي مش مجرد زجاجة، دي نية صافية، وقلوب بتدعي، وناس بتسعى، ووسيلة بسيطة بيبارك فيها رب عظيم".
وسرعان ما انتشرت الفكرة، ووجدت من يلتقطها ويحولها إلى مشهد جماعي، إنساني، هائل، وأكد المشاركون أن الزجاجة قد لا تصل، لكن يكفيهم أن يصل معناها.
وتحولت الفكرة لمشهد إنساني نادر، وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بمبادرة شعبية من بلاد عدة بدلا من قوافل الإغاثة المعقدة التي غالبا ما تمنع من الوصول، وقرر عدد من النشطاء والأفراد من سواحل عربية المشاركة في المبادرة وإرسال الحبوب إلى قطاع غزة المحاصر عبر البحر.
وانتشرت الصور ومقاطع الفيديو لأشخاص من مختلف الأعمار وهم يلقون الزجاجات في البحر، مع الدعاء أو البكاء، وكتب عليها: "مش بنعتمد على الزجاجة.. إحنا بنعتمد على الله".
جوع غزة وحصار المعابر
لكن ما بدا عملًا رمزيًا بسيطًا، لا يمكن فصله عن السياق القاسي في قطاع غزة، فبحسب تقرير الأمم المتحدة الأخير، يواجه سكان غزة خطر المجاعة الكاملة، وتحديدا في شمال القطاع، بعد شهور من الحصار العسكري للاحتلال الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات الغذائية أو إبطاء وصولها بشكل ممنهج.
وقد قال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في آذار/ مارس إن "سكان غزة في سباق مع الموت جوعًا"، مؤكدًا أن ما لا يقل عن 500 ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ومع فشل المفاوضات المتكررة لفتح المعابر البرية بشكل كامل، وفشل تجربة "الرصيف البحري الأمريكي" وانسحاب المنظمات الإنسانية بسبب المخاطر أصبحت أي محاولة لإيصال الغذاء إلى غزة، ولو كانت عبر زجاجة، تعبيرًا عن صرخة إنسانية تتحدى الحصار والخوف والصمت.
هل تصل الزجاجات؟ وما الجدوى؟
من الناحية العملية، لا توجد ضمانات لوصول هذه الزجاجات بشكل فعلي إلى شواطئ غزة، بسبب التيارات البحرية، وبعد المسافة، واحتمالات فقدانها، لكن أصحاب الفكرة لا يقدمونها باعتبارها بديلاً لخطوط الإغاثة الرسمية، بل يرونها فعالية احتجاجية رمزية، وربما فعل عبادة في حد ذاته.
وسائل التواصل.. ساحة التعبير الوحيدة
رغم أن الحملة فردية وعفوية، إلا أن انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي كان هائلًا، مئات التغريدات والمنشورات اجتاحت منصة إكس وفيسبوك وتيك توك، مرفقة بالصور.
من بين أكثر المنشورات تداولاً:"سامحونا يا إخوتنا في غزة.. لا نملك إلا الدعاء، وهذه الزجاجة لعلها تكون شفيعة لنا يوم القيامة."
صدق النوايا . تخيل ان هذه الزجاجه ممكن تكون سبب دخولك الجنة يوم القيامة .! #غزة_تقتل_جوعاً #غزه_تباد_وتحرق #فلسطين #انقذوا_غزه_من_المجاعه #معبر_رفح_مغلق #صباح_الخير pic.twitter.com/KhUSbXR5GJ — Yara ???????? (@Yerosh_lebanon) July 24, 2025
وكتب آخر:"من لم يستطع كسر الحصار بالسياسة أو القوة، يمكنه أن يُلقي زجاجة، محمّلة بالأمل، وبذرة من عدس".
وبينما رأى البعض في الفكرة "ساذجة"، دافع كثيرون عنها باعتبارها صرخة إنسانية في وجه الصمت العربي والدولي. قال أحد المشاركين:
"الزجاجة مش هدفها توصيل الطعام، الهدف الحقيقي هو كسر هذا الجمود العالمي تجاه جوع غزة".
رمزية عالية.. وغضب من الحدود المغلقة
ولا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها، لكنها تأتي في لحظة حرجة بعد مرور عام و10 أشهر على حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، والتي خلفت عشرات الآلاف من الشهداء ومجاعة وشيكة في شمال القطاع، ورغم الدعوات لفتح المعابر، لا تزال المساعدات شحيحة، بينما يعيش المدنيون في ظل قصف ودمار وندرة غذائية.
في تقارير الأمم المتحدة، يُشير برنامج الغذاء العالمي إلى أن نحو 80 بالمئة من سكان غزة يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي، بينما أكثر من مليون طفل مهددون بالمجاعة في ظل توقف شبه كامل للمساعدات.
في الثاني من آذار/ مارس الماضي، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا كاملا على قطاع غزة، ومنع دخول أي مساعدات إنسانية، ما تسبب بانهيار شبه تام لسلاسل الغذاء والخدمات الأساسية، ومنذ ذلك الحين، ارتفعت أسعار الغذاء إلى مستويات قياسية، وقال برنامج الأغذية العالمي إن تكلفة الطحين ارتفعت أكثر من 3000 بالمئة خلال أشهر
وقد أُخرجت المخابز والمعامل عن العمل، وتوقف تشغيل المطابخ المجتمعية، إذ أعلن برنامج الأغذية العالمي عن نفاد جميع مخزونهم بحلول نهاية نيسان/ أبريل الماضي بعدما كانت تدعم الطهي المباشر في غزة.
انعدام الأمن الغذائي على نطاق كارثي
يشير أحدث تصنيف غذائي عالمي (IPC) إلى أن 93 بالمئة من سكان غزة، أي نحو 1.95 مليون شخص، يعيشون في حالة غذائية طارئة
,ذكرت الأمم المتحدة أن أكثر من 111 شخصًا، معظمهم من الأطفال، توفوا جوعا أو من الأمراض المرتبطة بسوء التغذية خلال الأسابيع الأخيرة، مع ما يزيد عن ألف حالة وفاة في أماكن توزيع الغذاء حسب تقارير ميدانية من منظمات عالمية.
ورغم أن المجاعة لم تعلن رسميا بعد، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الناس يموتون جوعا بالفعل، وأن أكثر من 500 ألف شخص يعيشون في ظل ظروف مجاعة فعلية ويموتون بينما المواد الغذائية تنتظر في المعابر المغلقة
وخلص تقرير مشترك لأكثر من 100 منظمة حقوقية وإنسانية إلى أن حصار الاحتلال الإسرائيلي والغارات على المدنيين وتوزيع الطعام خلقت وضعا شبيهًا بـ"جوع مفصل خصيصا لكي يستخدم كسلاح حرب".
سنكسر الحصار من مكاننا، دون أن نتحرك.
زجاجة بلاستيك 1.5 لتر، فيها كيلو عدس أو أرز، ونرميها في البحر.
تيارات المتوسط القوية ستوصلها شرقًا… وربما تصل إلى غزة.
نحن سكان سواحل شمال إفريقيا بالملايين.
فلنملأ البحر بالأمل.
لن نخسر شيئًا… وربما نكسب كل شيء.
هل نبدأ؟ pic.twitter.com/4fD3NpL5Ud — Bahja Tunisia (@BahjaTunisia) July 24, 2025