لا يمكن التصديق بأنَّ وزيرة خارجية ليبيا، نجلاء المنقوش، قررت لقاء نظيرها الإسرائيلي في روما بقرار شخصي منها، ودون تنسيق مع قياداتها، وأن «لقاء روما» كان «تصرفاً فردياً» وبسبب «نقص الخبرة الدبلوماسية».
لا يمكن تصديق كل ذلك مهما حاولت حكومة عبد الحميد الدبيبة الترويج له الآن، لكن السؤال هنا أكبر من قصة اللقاء.
لماذا تسعى حكومة الدبيبة للتواصل مع إسرائيل، والأولى أن يكون التواصل داخلياً من أجل نزع فتيل أزمة تهدد ما تبقى من ليبيا، هذا إذا تبقى شيء هناك من مفهوم الدولة التي دمرها نظام معمر القذافي طوال عقود؟
اليوم تئن ليبيا تحت وطأة الانقسام والسلاح، والتدخلات الخارجية، وباتت ليبيا بعدة رؤوس تدّعي الحكم والسلطة، في حين أوضاع البلاد إلى تردٍّ وتناحر، فأيهما الأهم: السلام الليبي - الليبي، أم السلام الليبي - الإسرائيلي؟
وهذا الأمر لا ينطبق على ليبيا فحسب، بل قبلها السودان، الذي توصل لاتفاق أو سلام أو علاقات مع إسرائيل، سَمِّها ما شئت، وبعدها اندلع قتال مسلح في السودان بين أهم مكونين عسكريين، هذا فضلاً عن صراع سياسي حقيقي بين المجتمع المدني والعسكر.
ما الذي استفاده السودان من العلاقة مع إسرائيل؟ قد يقول البعض إن السودان استفاد رفع العقوبات الدولية والأميركية، واستطاع العودة إلى المجتمع الدولي بمجرد العلاقة مع الإسرائيليين.
حسناً، هذا صحيح، لكن السودانيين يخسرون الآن ما تبقى من بلادهم، المدمرة أصلاً بسبب فترة حكم البشير، وهي أسوأ فترة دون شك؛ لأنها مزجت السيئ والأسوأ، وهو حكم العسكر، فضلاً عن كونهم منتمين للإخوان المسلمين، ولا توجد خلطة أسوأ من ذلك.
وما حدث، بالنسبة للسودان، كان أشبه بعملية تجميلية؛ إذ استطاع استغلال قصة العلاقة مع إسرائيل لفتح الأبواب مع الولايات المتحدة، لكن البلد في صراع عسكري الآن يوشك أن يقضي على كل شيء هناك.
والأمر نفسه يحدث في ليبيا الآن، التي باتت على صفيح ساخن، وقابل للانفجار، وبأشكال متعددة، مما يقول لنا إن السلام الداخلي في السودان أو ليبيا هو أهم من علاقات أو سلام يؤدي إلى فرار وزيرة الخارجية في الحالة الليبية، أو يتلوه اقتتال عسكري مثل السودان.
وبالنسبة للإسرائيليين، فلا شك أن تسريب خبر «لقاء روما» لا يعد دليل رعونة فحسب، بل دليل أزمة لحكومة نتنياهو المتطرفة التي تبحث عن أي خبر إيجابي من أجل تلميع صورتها الداخلية وسط الانقسام الإسرائيلي الحاصل على خلفية التعديلات القضائية هناك.
وعليه، فبعد سلام الشجعان، والأرض مقابل السلام، والاتفاق الإبراهيمي، بتنا الآن أمام سلام الفرار؛ إذ كلٌّ يريد الهروب من أزمته الداخلية بسلام خارجي، من السودان إلى ليبيا، وحتى إسرائيل التي تريد سلاماً بلا تبعات وتنازلات، وإنما صور مجانية.
الأكيد أنه حين يحين سلام حقيقي ستسقط هذه الحكومة الإسرائيلية؛ كونها غير مؤهلة لفعل ذلك.
(الشرق الأوسط اللندنية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ليبيا المنقوش السودان ليبيا السودان تطبيع المنقوش مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات صحافة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مع إسرائیل
إقرأ أيضاً:
رئيس منظمة السياسات الأمريكية في إفريقيا: لدينا شكوك جدية في قدرة اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا على الصمود
قال ملفن فوت، رئيس منظمة السياسات الأمريكية في إفريقيا، إن واشنطن قامت خلال الأشهر الماضية بمحاولات متعددة لدفع الأطراف السودانية إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، وعرضت بالفعل خطة أولية للسلام، إلى جانب الجهود التي بذلتها المجموعة الرباعية التي عقدت اجتماعات في العاصمة الأمريكية.
وأوضح فوت، خلال مداخلة هاتفية على شاشة "القاهرة الإخبارية"، مع الإعلامي كريم حاتم، أن كل هذه الخطوات لم تنجح حتى الآن في خلق مسار تفاوضي حقيقي يمكن البناء عليه، رغم وجود نماذج سابقة في المنطقة مثل الاتفاق الأخير بين الكونغو ورواندا الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأسفر عن تهدئة مؤقتة.
وأضاف فوت أن المقارنة بين التجربتين تكشف غياب الأساس الصلب في الحالة السودانية، معتبرًا أن الأطراف الدولية تتحدث كثيرًا عن «اتفاقية سلام» دون وجود خطوات عملية تدعم هذا الاتجاه. وقال إن المشكلة تكمن في عدم توفر إرادة واضحة أو تحرك جاد، سواء من جانب الإدارة الأمريكية أو الفاعلين الدوليين، لبناء إطار ثابت يمكن أن يوقف الانتهاكات المستمرة على الأرض، مشيرًا إلى أن ما يُطرح حاليًا لا يتجاوز وعودًا عامة بلا ضمانات تنفيذية.
وأكد رئيس منظمة السياسات الأمريكية في إفريقيا أنه يشعر بقلق بالغ تجاه مستقبل الأوضاع في السودان، خاصة في ظل تقليص الميزانية المخصصة للأمم المتحدة وتراجع مستوى الرد الأمريكي على «الفضائع» و«الكوارث» الواقعة على المدنيين.
وشدد على ضرورة أن تتحرك الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى لردع الانتهاكات ودعم مسار سياسي فعّال، معتبرًا أن غياب المواقف الحازمة حتى الآن يجعل فرص تحقيق سلام حقيقي ضئيلة ما لم تُتخذ خطوات أكثر جدية في الفترة المقبلة.