الجامع الذي صار «أزرق».. حكاية «سنقر» الذي قرّبه السلطان ثم قتله
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
في شارع باب الوزير بمنطقة الدرب الأحمر بالقاهرة القديمة، بمصر، يقف "الجامع الأزرق" كواحد من الآثار الإسلامية ذات الأسماء المميزة، والذي تقع خلف اسمه حكاية مثيرة، تعود إلى وقت إنشائه في العصر المملوكي.
يُنسب "الجامع الأزرق" في الأصل للأمير "آق سنقر السلاري"، والحقيقة أن أسماء أمراء المماليك ما تمثل دومًا حيرة عند القارئ، ولكى نفسر تلك الحيرة، نقول إن تلك الأسماء ترجع إلى أصولهم التركية، فهم من بلاد الترك، وهى بلاد القبجاق القديمة، والتى هى حاليًا دول تركستان وكازاخستان، وقيرغستان، وجورجيا، وغيرها من بلاد أواسط آسيا، والتى كانت تضم عدة أجناس منهم الترك والجركس والتتر والمغول.
وكلمة "آق سنقر"، على سبيل المثال، عبارة عن اسم من مقطعين الأول آق ومعناه الأبيض الثانية سنقر والتى تعنى الطير أو الصقر الكبير، فيكون معنى الاسم الطائر الأبيض أو الصقر الأبيض.
وكان آق سنقر من جملة مماليك السلطان قلاوون، ثم انتقل للعمل في مماليك الأمير سلار، فصار لقبه "السلاري"، ثم بعد ذلك انتقل للعمل مع السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
زوج ابنة السلطانقرب السلطان الناصر محمد بن قلاوون آق سنقر منه حتى زوجه ابنته، بعد أن ترقى في البلاط السلطاني؛ وعينه السلطان "أمير مائة"، و"مقدم ألف"، ثم "أمير آخور" أى مسئولًا عن الخيل الملكي، وظل يترقى حتى تولى وظيفة نائب السلطان.
وبعد أن انتقل الحكم إلى الصالح إسماعيل بعد وفاة الناصر محمد، ظل آق سنقر على مكانته، وتولى نيابة طرابلس، ثم انتقل الحكم بعد ذلك إلى السلطان حاجى ابن الناصر محمد بن قلاوون، أى أخو زوجة آق سنقر؛ والذي غضب على سنقر وقبض عليه وحبسه حتى مات ودفن في جامعه الشهير المعروف الآن بـ "الجامع الأزرق" وكان ذلك في عام 1347م.
بناء الجامعوالحقيقة أن بناء الجامع ليس غريبًا على آق سنقر، فقد وصفه المؤرخون بأنه كان زاهدًا في أموال الرعية، وتقلد عددا من المناصب، وحمل عدة ألقاب منها "أمير شكار" أى مسئول رحلات الصيد السلطانية، وكذلك لقب "أمير آخور" أى مسئول الخيل السلطانى أو الاسطبلات الملكية، كما أصبح مشرفًا على الأبنية الملكية.
وعن الجامع الأزرق فقد ذكر المقريزي في كتابه "الخطط" أن آق سنقر بنى هذا الجامع في موقع قريب من القلعة فيما بين باب الوزير ودرب التبانة، وباب الوزير هو أحد الأبواب في سور صلاح الدين الذي كان يدور حول العواصم الأربعة القاهرة والفسطاط والعسكر والقطائع ليضمها في عاصمة واحدة.
وقد فتحه الوزير نجم الدين محمود بن شروين المعروف بوزير بغداد وقت أن كان وزيراً للملك المنصور أبو بكر بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة 842هـ، لذلك سميت المنطقة بباب الوزير. أما درب التبانة فهو الشارع الذي كان يمشى منه حمالين التبن فسمى بدرب أى طريق التبانة.
وحسب رواية المقريزى فإن آق سنقر باشر البناء بنفسه في جامعه، وأنشأ بجانبه كتابًا لتحفيظ القرآن الكريم، وأوقف على الجامع أرضًا في حلب كى تنفق على تعميره، والجامع بنى إلى جوار قبة السلطان علاء الدين كجك، ثانى أبناء السلطان الناصر محمد بن قلاوون توليًا لحكم مصر، زهز مدفون بها، وتجدها إلى يسار الداخل من باب الجامع الأزرق.
تصميم الجامع وسبب التسميةوالجامع ذو تصميم بديع من أربعة أروقة محمولة على أكتاف ضخمة مزينة بالحجر المشهر، ونجد أن جدار القبلة مزين بالقاشانى الأزرق البديع لذلك سمى الجامع بالجامع الأزرق، ولكن هذا القاشانى ليس من عصر الإنشاء، بل هو من أعمال إبراهيم أغا مستحفظان، وهو أحد أمراء الدولة العثمانية، وكان ناظرًا على الجامع مشرفًا على أوقافه.
وبعد زلزال قوى أصاب القاهرة، وبعد أن قال إبراهيم أغا مستحفظان أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم في رؤيا يصلى بقبلة الجامع، قام بعمل تجديد شامل له عام 1651م، وكسى جداره الشرقى «جدار القبلة» بالقاشانى الأزرق.
ولإبراهيم أغا مستحفظان قبة ضخمة على يمين الداخل من باب الجامع ويليها قبة آق سنقر المنشئ الأصلى للجامع، وفي عهد الخديو محمد توفيق عام 1889م، تمت عدة إصلاحات على الجامع منها صيانة مئذنته، ثم توالت عليه الترميمات والتجديدات حتى وقتنا هذا ليحتفظ برونقه وجلاله بين عمائر القاهرة الخالدة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الجامع أزرق سنقر السلطان
إقرأ أيضاً:
بالصور.. حكاية ضريحين غامضين عند باب الخليل بالقدس
في فناء صغير وعلى بُعد أمتار قليلة من باب الخليل، أحد أبواب القدس التاريخية، يقع ضريحان مجهولا الهوية، لا تحمل شواهدهما أي نقوش تدل على من دُفن فيهما، وقد أثارا جدلا واسعا بين الباحثين والمؤرخين أدى لتعدد الروايات والأساطير حولهما.
يقع القبران في ميدان عمر بن الخطاب مقابل قلعة القدس، بين عمارتين حديثتين، وهما مبنيان من الحجارة، ومتماثلان في الشكل، ويعلو أحدهما شاهد مزخرف بعمامة، ما يدل على أن المدفون رجل ذو مكانة رفيعة، بينما تعلو الآخر قبعة نسوية ضيقة، ما يرجح أن المدفونة امرأة.
وتنسب بعض الروايات الشائعة القبرين إلى مهندسي سور القدس في عهد السلطان سليمان القانوني، وتدعي أن السلطان أمر بإعدامهما، كما تُروى أساطير أخرى عن شخصيات يهودية دفنت في المكان أو أن القبرين يعودان لشيخ الحارة وزوجته، لكنها روايات تفتقر إلى أدلة موثقة.
كما تنسب بعض الروايات أحد القبرين إلى المهندس التركي معمار سنان الذي يُنسب إليه بناء السور، لكنها روايات باطلة لأن قبره موجود في مدينة إسطنبول.
وتدّعي بعض العائلات أن القبرين يعودان لشخصيات منها، مثل عائلة الغوانمة التي تربط القبرين بالأمير عبد الدايم، أو عائلة الصافوطي التي تنسبهما للحاج إبراهيم الصافوطي وزوجته، كما ينسب القبر إلى الشيخ علي الغماري المغربي، لكن ينسف تلك الرواية وجود مقام للشيخ في قرية الدوايمة المهجرة.
إعلانأما المؤرخ كامل العسلي فذكر أن القبرين مجهولان، مرجّحا أن يكونا لمجاهدين أو ناظرين على سور القدس، من دون إثبات قطعي.
وبحسب الدكتور محمد هاشم غوشة، فإن القبرين هما لسنان بن إلياس، نائب المسؤول عن "قلعة القدس"، وزوجته وابنته، وهو رأي يدعمه ببعض الوثائق والموقع الجغرافي للمكان، معتبرا أن الفناء المعروف هو "التربة الصفدية".
ويشير المؤرخون إلى أن تعدد الروايات حول اسم "باب الخليل" سبب خلطا في تحديد هوية المدفونين، حيث عرف باسم باب محراب داود، وباب داود، وباب التجار، وباب السمك، وغيرها من الأسماء.
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline