حدّدت اتفاقية فيينا الدولية للعلاقات الدبلوماسية الموقّعة سنة 1961، من طرف 191 دولة، الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول مهما اختلفت دساتيرها، لذا تعد المرجعية الأهم في تبيان الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية، كما أتت على تحديد عدة مفاهيم منها الحصانة الدبلوماسية والعلاقات والامتيازات الممنوحة للبعثات الدبلوماسية، وحددت الإجراءات التي يجب اتباعها حتى في قطع العلاقات بين الدول والتعامل مع الدبلوماسيين في حالات الأزمات بين الدول.

المادة التاسعة

في المادة التاسعة من اتفاقية فيينا، تم التنصيص على أنه "للدولة المعتمد لديها في أي وقت وبدون ذكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس أو أي عضو من طاقم بعثتها الدبلوماسي أصبح شخصا غير مقبول أو أن أي عضو من طاقم بعثتها (من غير الدبلوماسيين) أصبح غير مرغوب فيه، وعلى الدولة المعتمدة أن تستدعي الشخص المعني أو تنهي أعماله لدى البعثة وفقا للظروف".

وحسب المادة نفسها "يمكن أن يصبح الشخص غير مقبول أو غير مرغوب فيه قبل أن يصل إلى أراضي الدولة المعتمد لديها، فإذا رفضت الدولة المعتمدة التنفيذ أو لم تنفذ في فترة معقولة الالتزامات المفروضة عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة، فللدولة المعتمد لديها أن ترفض الاعتراف للشخص المعني بوصفه عضوا في البعثة".

مهمة الدبلوماسي

السفارات هي المكان الذي تطبخ وتدار وتسيَّر فيه السياسات الخارجية للدول، وتتجاوز مسؤوليات الدبلوماسيين من مجرد تمثيل دولهم بالخارج إلى مهام في غاية الدقة والحساسية، حيث إن الكثير من الدبلوماسيين حسب المختصين هم "مخبرون محميون قانونا" وهذا أمر تقره القوانين الدولية، بما فيها اتفاقية فيينا التي تنص على السماح للدبلوماسي بجمع المعلومات بكل الوسائل من داخل الدولة المضيفة، وذلك ضمن معايير محددة ومضبوطة، وهو أيضا محمي ليس فقط بالحصانة المقررة، بل أيضا بالحقيبة الدبلوماسية التي تتيح سرية الاتصالات.

وبما أن عمل السفراء والدبلوماسيين له حدود معينة، ففي أكثر من مناسبة اندلعت أزمات دبلوماسية أدت إلى اتخاذ بعض الدول قرارات بطردهم واستبعادهم من أراضيها بشبهة ارتكاب مخالفات خطيرة، والتي غالبا ما تتعلق بممارسات تتعدى دورهم ومهامهم الدبلوماسية أو بتهمة ارتكاب جرائم خطيرة تتحول إلى قضايا رأي عام ورأي عام دولي.

أسباب طرد الدبلوماسيين والسفراء

في بعض الحالات تتوصل الدول المضيفة -إثر تحقيقاتها الأمنية- إلى معلومات وحقائق تتعلق بارتباط دبلوماسيين بمعارضين لنظام الحكم في الدولة أو تمويل حركات معارضة شرعية وغير شرعية، أو الارتباط بعمليات استخبارية سرية خطيرة بهدف تقويض الأمن العام وتهديد سيادة الدول، بما في ذلك تنفيذ عمليات اغتيال أو اكتشاف علاقة مباشرة بين دبلوماسيين واغتيال لاجئين معارضين أو التواصل مع قوى معارضة مسلحة تعتبرها الدول تهديدا مباشرا لأمنها الوطني.

وبما أن الدبلوماسي تتوفر له الحصانة وفقا للقانون الدولي، فإن الإجراء الأقصى المتاح أمام الدولة المضيفة حسب اتفاقية فيينا هو طرده من أراضيها، وتمنحه في الغالب فترة زمنية معينة للمغادرة، وتعلن أنه غير مرغوب به أراضيها.

ومع ذلك، فإن هذا الإجراء لا يعني ضرورة إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين أي بلدين، إذ يصنف هذا الإجراء غالبا ضمن المواقف التصعيدية الرامية لتسجيل موقف معين من دولة تجاه أخرى أمام المجتمع الدولي.

الأسباب الأمنية والسياسية ليست بالضرورة الدافع الوحيد وراء طرد الدبلوماسيين، إذ نجد أيضا التهم المتعلقة بالجرائم الجنائية الخطيرة التي تجعل من الطرد الخيار الوحيد المتاح للدولة المستضيفة، وعلى سبيل المثال فقد طردت الفلبين في مايو/أيار 2012 دبلوماسيا من سفارة بنما اتُّهم بالاغتصاب.

وبعض الدول مثل الولايات المتحدة، وفي حال ارتكاب جرائم جنائية خطيرة، فإنها تسعى أولا إلى رفع الحصانة الدبلوماسية عن المتهم من هذا النوع بغرض محاكمته على أراضيها، ولا تطرده منها إلا في حال فشلها التام في هذا المسعى.

وفي حالات أخرى يُطرد الدبلوماسي لأنه، من وجهة نظر الحكومة المضيفة، يقوم بتحركات مشبوهة تتجاوز حدود مهامه أو بالتنسيق مع دول أخرى للإضرار بطريقة غير مباشرة بسير المرافق الحكومية.

ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في يناير/كانون الثاني 2012 حين طردت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما القنصل العام الفنزويلي المعتمد في ميامي لاتهامه بمناقشة وتدبير هجمات إلكترونية على الولايات المتحدة، أثناء مهمة له بالمكسيك.

وتعتبر التصريحات وإبداء المواقف من أسباب طرد السفراء، فقد أعلن الاتحاد السوفياتي السابق، في سبتمبر/أيلول 1952، أن السفير الأميركي (حينئذ) جورج كينان "شخص غير مرغوب فيه" بعد أن أدلى بتصريح اعتبرت موسكو أنه يربط بينها وبين ألمانيا النازية.

وفي الإكوادور عام 2011، طردت حكومة الرئيس رافائيل كوريا السفيرة الأميركية هيذر هودجيز، بسبب تعليقاتها على "الفساد الحكومي" بالبلاد، وهي التعليقات التي كشفت عنها برقية مسرّبة نشرت ضمن مئات آلاف البرقيات الدبلوماسية المشابهة التي نشرها موقع ويكيليكس، وفي موقف كهذا أيضا طردت حكومة ملاوي السفير البريطاني لأن برقية مسربة كشفت رأيه الصريح في رئيس هذه الدولة الأفريقية.

وقد يكون طرد الدبلوماسيين أيضا بمثابة رد من الدولة المستضيفة على قرار طرد دبلوماسييها من الطرف المقابل.

الإجراءات

في حال ثبوت قيام سفير الدولة المستضافة بأعمال تمس من أمن وسيادة الدولة المستضيفة، فإن خارجية الدولة المستقبلة تستدعي الدبلوماسي المعني لتشرح له الأسباب وراء طرده من أراضيها، رغم أن هذا ليس شرطا واردا باتفاقية فيينا، وتمنح أغلبية الدول الدبلوماسيين المطرودين مهلة 72 ساعة لمغادرة أراضيها.

في حالات أخرى، لا يجري احترام مبادئ اتفاقية فيينا، ويعلن عن الطرد الفوري للسفير أو الدبلوماسي دون منحه وأعضاء طاقمه مهلة زمنية، ويتم اللجوء لهذا في حالات إعلان الحرب أو الأزمات السياسية والنزاعات التي يصعب إخضاع حلّها لجدول زمني، وهي غالبا ما تشير إلى أو ترافق تغييرا جذريا في سياسة الدولة المستضيفة تجاه نظيرتها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: اتفاقیة فیینا غیر مرغوب فی حالات

إقرأ أيضاً:

تحذير نيابي من تدخل الأحزاب السياسية باختيار السفراء: مؤشر خطير

حذر عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، حيدر السلامي، اليوم الجمعة، من خطورة تدخل الأحزاب السياسية باختيار السفراء، فيما بين ان الكتل تنظر الى علاقتها مع الدول الخارجية وليس دولة بدولة. وقال السلامي في حديث خاص لـ السومرية نيوز، ان "ملف السفراء في العراق أصبح معقد جداً ووزارة الخارجية تعاني من نقص في السفراء والتمثيل في البلدان الأخرى"، مشيرا الى ان "تمثيل العراق في اغلب الدول يتم عن طريق القائم بالأعمال وليس السفير لان اغلبهم تقاعدوا ولا توجد إرادة حقيقية لاختيار او اختبار سفراء جدد".

وأضاف، انه "يفترض اختيار السفراء يكون على أساس المهنية، والتدرج في السلك الدبلوماسي، ومن داخل وزارة الخارجية لكن القانون الموجود حاليا يسمح بـ 75% من الوزارة وباقي النسبة من خارج السلك الدبلوماسي".

واكد السلامي، ان "هذا القانون وضع لكي تمرر الأحزاب السياسية مرشحيها وهناك مخالفات واضحة فيه لأنه يناصف الوزارة بالنسبة ويصل الى 50%، وحتى بنسبة الوزارة توجد ضغوطات وتدخلات لأنها توزع حسب نسب المكونات وبالتالي سنشهد اشخاص غير مناسبين في هذه المناصب".

وحذر عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، من "تدخل الأحزاب السياسية في اختيار السفراء، لأنه مؤشر خطير"، موضحا ان "الأحزاب تنظر الى علاقتها مع الدولة الخارجية وليس دولة بدولة، ونتمنى ان يستوعبوا هذا الامر لان التعويل على الخارج هو مضر بمصلحة البلد وسيادته".


وتابع، انه "نأمل ان تكون هناك عملية حقيقة لاختيار السفراء لان السفير يمثل البلد وليس الأحزاب"، مبينا ان "الحكومة الحالية شكلت لجنة لاختيار السفراء من وزارة الخارجية والعلاقات الخارجية النيابية لديها عضو مراقب في هذه اللجنة".

واختتم السلامي، بأنه "نحتاج الى تسمية سفراء جدد، وبعد انتهاء قائمة وزارة الخارجية ستقوم الكتل السياسية باختيار سفراءها".

مقالات مشابهة

  • رئيس الجمهورية يتلقى تهاني العيد من كبار المسؤولين في الدولة وممثلي السلك الدبلوماسي
  • بيان مشترك لـ93 دولة يدعو لاحترام المحكمة الجنائية الدولية
  • بيان 93 دولة: نؤكد دعمنا الثابت للجنائية الدولية
  • كيف دعمت الجهود الدبلوماسية المصرية الأزمة العسكرية في غزة؟
  • تحذير نيابي من تدخل الأحزاب السياسية باختيار السفراء: مؤشر خطير
  • مدي إلتزام قرارات وزارات الخارجية لمحاكم وسلطات الدولة
  • مدي إلتزام قرارات وزرات الخارجية لمحاكم وسلطات الدولة
  • لغزة رب يحميها
  • توقيع اتفاقية تعاون مشترك لتنفيذ مشروع استراتيجية التكامل الصناعي العربي
  • رويترز: 8 وزراء خارجية في الاتحاد الأوروبي يدعون إلى منع تنقل الدبلوماسيين الروس في أنحاء الاتحاد