عمان.. ملاذات صيفية فريدة وتجارب سياحية تدعو لاكتشاف كنوز الطبيعة
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
استطلاع- نورة العبرية -
مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف تتجه أنظار الأسر العمانية نحو الوجهات السياحية التي يمكن أن توفر لهم ملاذًا من حر الصيف. وأكد مختصون أن سلطنة عُمان تحتضن مناظر طبيعية خلابة وأجواء معتدلة في مناطقها الساحلية والجبلية، وتبرز صلالة كوجهة رئيسية؛ حيث تتزين الجبال بالخضرة والضباب، ما يجعلها مثالية لمحبي الطبيعة.
وأوضح المختصون أن الإجازة الصيفية ليست مجرد وقت للراحة، بل هي فرصة للتجدد، وتعزيز الروابط الأسرية، ومع تنوع الأنشطة السياحية من الجبال إلى السواحل يتجلى جمال عُمان في كل زاوية. وتبرز فكرة السياحة الداخلية باعتبارها خيارًا يُسهم في دعم الاقتصاد المحلي، وتعزيز الهوية الوطنية ما يجعل من الممكن للمواطنين الاستمتاع بتجارب غنية دون الحاجة للسفر بعيدًا.
تقول الدكتورة شريفة العامرية الاستشارية في قطاع السياحة: مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة في أغلب المناطق تبدأ الكثير من العوائل بالتفكير: أين نذهب بعيدًا عن تلك الأجواء؟ والجميل أن عُمان رغم طقسها الحار في بعض المناطق تُخبئ في جعبتها وجهات سياحية رائعة بأجواء معتدلة وطبيعة تخطف الأنفاس في العديد من مناطقها الساحلية والجبلية، بالإضافة إلى الكهوف التي تتيح لنا قضاء إجازة صيفية ماتعة دون الحاجة للسفر خارج البلاد.
موضحة أن أول ما يخطر في البال هو صلالة، وتحديدًا في موسم الخريف من يونيو حتى سبتمبر؛ حيث تبدأ الطبيعة احتفالها السنوي، وتكتسي الجبال بالخضرة، والضباب يلف المكان، والنسيم البارد ينعش القلب. أماكن مثل شلالات دربات، وعين جرزيز، وجبل سمحان، وشاطئ المغسيل كلها تستحق الزيارة، خاصة لمحبي الطبيعة والمناظر الهادئة.
ولعشاق الأجواء الجبلية فالجبل الأخضر خيار مثالي؛ حيث تقع قرى مثل سيق والشريجة وسط مناخ لطيف، ويشتهر الجبل ببساتينه المليئة بالرمان والخوخ والورد. كذلك لا يفوّت الكثيرون زيارة جبل شمس حيث الهواء البارد والمناظر التي لا تُنسى، ويمكن زيارة قرية الغُرة القريبة لمن يحب اكتشاف الحياة التقليدية العمانية. كما تُشكل قرية وكان الجبلية في ولاية نخل مقصدًا سياحيًّا مثاليًّا؛ للاستمتاع بالهواء العليل بين مزارع المشمش والعنب والرمان. كما يُعد الصعود لها سيرًا على الأقدام رياضة مميزة مليئة بالجمال والمتعة.
وتضيف: ولمن يبحث عن تجربة بحرية مختلفة فإن جزيرة مصيرة تقدم مزيجًا رائعًا من الشواطئ النقية والحياة البحرية، خصوصًا مشاهدة السلاحف في موسم التكاثر، ولا ننسى تجربة الغوص قريبًا من جزر الديمانيات لاكتشاف الشعب المرجانية والحيوانات البحرية التي تتفرد بها بحار سلطنة عُمان.
ولمحبي المغامرة يمكنهم اكتشاف كهف مُقل في وادي بني خالد الذي يُعد تحفة طبيعية مليئة بالمغامرات بواحاته المائية الجميلة من مستوى آخر، وكهف الهوتة في ولاية الحمراء بلوحاته الفنية من الصواعد والهوابط الصخرية التي تُعتبر عنصر جذب للكثير من عوائل العمانيين والمقيمين.
فرصة للتجدد
من جهته يقول الدكتور علي بن سعيد عكعاك الأكاديمي والباحث في الإدارة والتنمية السياحية بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة: تمثل الإجازة الصيفية نافذة ذهبية لاستكشاف كنوز السياحة المحلية التي غالبًا ما نغفل عنها في زحمة الحياة اليومية. في كل رحلة داخل حدود وطني أكتشف جمالًا فريدًا وطابعًا ثقافيًّا يثري الروح، ويُعمّق الانتماء. من الجبال الخضراء إلى الشواطئ الهادئة، ومن القرى التقليدية إلى المواقع الأثرية؛ أدرك أن السياحة المحلية ليست مجرد ترفيه، بل فرصة للتجدد، والدعم الاقتصادي للمجتمعات، والاحتفاء بالهوية الوطنية.
ويؤكد الدكتور: إن ما يضفي على الإجازة الصيفية قيمة مضاعفة هو دورها في تقوية روابط الأسرة؛ فهي تمنحنا وقتًا مشتركًا نبتعد فيه عن روتين الحياة وضغوط العمل والدراسة، ونتقاسم فيه لحظات الفرح والاستكشاف. كما أن الرحلات العائلية تعزز الحوار، وتنمّي مشاعر الألفة، وتبني ذكريات دافئة تبقى حاضرة في الذاكرة، إلى جانب إسهامها في ترسيخ قيم الانتماء والتعاون لدى الأبناء من خلال تعريفهم بجمال بلادهم وتنوعها.
ومن الجانب التعليمي تمثل الإجازة الصيفية فرصة مثالية لتعزيز المعرفة خارج جدران المدرسة. فزيارات المتاحف والمواقع التاريخية، والتعرف على البيئات الطبيعية المختلفة، والاطلاع على العادات والتقاليد المحلية تفتح آفاقًا جديدة للفهم، وتنمّي الفضول العلمي والثقافي. كما تتيح للأبناء تعلم مهارات حياتية مهمة مثل التخطيط، والملاحظة، والتفكير النقدي، وكل ذلك في إطار ممتع وتفاعلي. موضحًا أن الإجازة الصيفية ليست مجرد وقت للراحة، بل هي مساحة للتجدد الأسري، والنمو الشخصي، والتعلم عبر التجربة والمعايشة، وهي بذلك تحمل في طيّاتها أبعادًا تربوية وثقافية لا تقل أهمية عن التعليم النظامي.
أبعاد اقتصادية
وفي هذا السياق يوضح هلال بن سعيد السبتي مؤسس مركز الاستشارات السياحية: في الوقت الذي تتجه فيه أنظار الكثيرين نحو الخارج مع بدء موسم الصيف، تبرز السياحة الداخلية كخيار وطني مسؤول يحمل في طياته أبعادًا اقتصادية واجتماعية وثقافية لا تقل أهمية عن الراحة والاستجمام. وفي سلطنة عُمان التي تزخر بمقومات سياحية طبيعية وثقافية استثنائية تبدو الفرصة سانحة لإعادة النظر في مفهوم «الإجازة المحلية» باعتبارها أداة تنموية، وليست مجرد نشاط ترفيهي. موضحًا التنوع النادر في بيئاتها السياحية؛ فالجبل الأخضر، وجبال الحجر يوفران ملاذًا صيفيًّا معتدل الأجواء، بينما تجذب سواحل الشرقية ومسندم الزوّار الباحثين عن الرياضات البحرية والمغامرات. وتحتفظ ظفار بسحرها السنوي خلال موسم الخريف في حين تستعرض المدن الداخلية مثل نزوى وبهلا وإزكي عبق التاريخ والحضارة العُمانية الأصيلة.
هذا التنوع يجعل من البلد وجهة سياحية متكاملة لمختلف الأذواق، ما يعزز من فرص الاستثمار في السياحة المحلية، ويمنح المواطن والمقيم بدائل واقعية تُغنيه عن السفر إلى الخارج. مشيرًا إلى أنه بحسب بيانات وزارة التراث والسياحة بلغ عدد الزوّار المحليين للمواقع السياحية العُمانية أكثر من 3.5 مليون زائر في عام 2023 بزيادة تُقدّر بـ15% عن العام السابق، ما يعكس تغيرًا في السلوك السياحي لدى المواطنين والمقيمين على حد سواء.
في الوقت نفسه وصل عدد المنشآت الفندقية في سلطنة عمان إلى نحو 650 منشأة بحلول عام 2024 تتوزع بين فنادق، ونُزل تراثية، وبيوت ضيافة، إضافة إلى عدد متنامٍ من المشاريع الصغيرة التي يقودها شباب عُمانيون في مجالات الضيافة، والإرشاد السياحي، والمغامرات البيئية.
ويؤكد السبتي أن أحد أبرز المكاسب التي تحققها السياحة الداخلية هو الأثر المباشر في تحريك الاقتصاد الوطني، خصوصًا في المحافظات؛ حيث يسهم السائح المحلي في تنشيط قطاعات مثل النقل، والمطاعم، والصناعات الحرفية، والخدمات الترفيهية. كما تشير تقديرات اقتصادية إلى أن إنفاق المواطنين على السياحة الداخلية في عام 2023 تجاوز 400 مليون ريال عماني أسهمت في دعم الاقتصاد المحلي، وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى جانب مساهمتها في توفير أكثر من 12 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة تشمل مجالات النقل السياحي، والإرشاد، والضيافة، وخدمات الترفيه. وتتوافق هذه النتائج مع أهداف «رؤية عُمان 2040» التي تسعى إلى زيادة مساهمة القطاع السياحي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما يقارب 2.4% حاليًا.
ويوضح السبتي أنه بالرغم من المؤشرات الإيجابية لا تزال السياحة المحلية تواجه جملة من التحديات أبرزها ضعف البنية الأساسية في بعض الولايات السياحية، وقلة التنوع في الأنشطة والبرامج السياحية الموجهة للعائلات والشباب، بالإضافة إلى محدودية حملات التسويق المحلية مقارنة بالحملات الدولية، وارتفاع كلفة بعض الخدمات مثل الإيواء والمطاعم في مواسم الذروة. وتشير دراسة أجرتها إحدى الجهات الأكاديمية في عام 2023 إلى أن 62% من المواطنين يرغبون في قضاء إجازاتهم داخل وطنهم، ولكنهم يواجهون صعوبات في الحصول على تجربة متكاملة من حيث التنظيم، الجودة، والأسعار. ومن المهم تعزيز وعي المواطنين والمقيمين بأهمية اختيار الوجهات الداخلية، ليس فقط من باب توفير التكاليف، بل لما في ذلك من دعم مباشر للاقتصاد الوطني، وتمكين لأبناء الوطن العاملين في قطاع السياحة؛ فكل ما يُنفق داخل البلد يعود بالنفع على المجتمع، ويخلق دورة اقتصادية تنعكس على حياة الناس في المحافظات والقرى.
تحفيز ريادة الأعمال
ويضيف: قضاء إجازة في صلالة، أو الجبل الأخضر، أو حتى في قرى الداخلية، هو في جوهره موقف وطني يعزز الانتماء، ويحافظ على الهوية الثقافية والطبيعية، ويشجع على تنمية المجتمعات المحلية من خلال دعم الأنشطة السياحية والمشاريع الريفية. مشيرًا إلى أن مسؤولية دعم السياحة الداخلية لا تقع على المواطن فقط، بل تشمل كذلك الجهات الحكومية، والشركات الكبرى، والإعلام، من خلال تطوير باقات سياحية متكاملة تلائم مختلف شرائح المجتمع، وتحفيز ريادة الأعمال في قطاع السياحة عبر التسهيلات التمويلية والتدريبية، وتعزيز حملات التوعية والترويج الذكي على المنصات الرقمية، وتحسين البنية الأساسية والنقل والخدمات المساندة، خصوصًا في المناطق البعيدة.
فيما تقول فاطمة بنت محمد القيوضية: من الفوائد المميزة للسياحة الداخلية أنها عادة ما تكون أقل تكلفة من السفر إلى الخارج؛ حيث يمكن للمواطنين الاستمتاع بتجربة سياحية غنية بأقل التكاليف الممكنة، إلى جانب توفير مدخراتهم لأشياء أخرى. كما توفر السياحة الداخلية تجربة متكاملة وفريدة تشمل استكشاف المناظر الطبيعية والتاريخية، وتذوق الأطباق المحلية، والاستمتاع بتجربة (الكافيهات) المحلية، دون تكاليف الطيران أو الإقامة الباهظة التي غالبًا ما تصاحب السفر إلى الخارج، كما تتيح فرصة الاستفادة من عروض الفنادق والمرافق السياحية المحلية خلال فترة الصيف، ما يجعلها خيارًا اقتصاديًّا ممتازًا، ووجهة عائلية مفيدة لقضاء أفضل الأوقات. ويؤكد محمد الفارسي أن السياحة الداخلية تعد فرصة مهمة لدعم المشاريع العُمانية الواعدة، سواء كانت في مجال الضيافة أو الخدمات السياحية. عند الإقامة في الفنادق المحلية، وتناول الطعام في المطاعم العُمانية يُسهم المواطنون في دعم المؤسسات المحلية التي تعتمد بشكل كبير على السياحة، ويسهم هذا الدعم في تحقيق التوسع والنمو لهذه المشاريع، ويزيد من قدراتها التنافسية، ما يُعزز من تجربة السياحة داخل عُمان، وتشجيعها على التطور والتقدم في مثل هذه المجالات، إلى جانب التوسع والانتشار.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاحة الداخلیة السیاحة المحلیة الإجازة الصیفیة الع مانیة إلى جانب سلطنة ع إلى أن التی ت
إقرأ أيضاً: