في لحظات الطواف بين الزحام والأنفاس الراجفة ، رأيت شيخًا مسنًا، عليه وقار العلماء، وسِمت أهل الهيبة والسكينة، يمضي في طوافه بثبات، وقد غطّى كتفه الأيمن بردائه، على خلاف ما اعتاده الناس من الاضطباع.
دفعني حبّ السنة، فدنوت منه بأدب واحترام ، وقلت برفق:
“يا عم، من السنة في الطواف كشف الكتف الأيمن.”
فابتسم، والتفت إليّ بعينٍ هادئة وصوتٍ مطمئن، وقال: “يا بني، ليست هذه سنةٌ متفقًا عليها عند جماهير العلماء، فالإمام مالك – رحمه الله – لم يقل بها، بل يرى أن ستر الكتفين أولى، وهذا ما عليه علماؤنا في المغرب العربي.
عندها، أدركت أنني لم أقف أمام رجلٍ عادي، بل أمام رُوحٍ فقيهةٍ، ومدرسةٍ صامتة تنطق بالحكمة.
فقلت له بأدب التلميذ: “أفِض علينا مما أفاض الله عليك.”
فحدثني عن الاختلاف الذي هو سعة، لا نزاع، وعن العلماء الذين كانوا يختلفون في المسائل، ثم يُصلّون خلف بعضهم البعض، ولا يزيدهم ذلك إلا توقيرًا ومودة.
قال لي: “الناس يظنون أن الصواب حكر على مذهبهم، ولو علموا أن الأئمة ما اختلفوا إلا لثبوت الأثر عند أحدهم، أو لطريقة في الفهم، ما جُرح بعضهم بعضًا، ولا تطاول أحد على أحد.”
ورضي الله عن الإمام الشافعي الذي قال : والله ما أبالي أن يظهر الحق على لساني أو على لسان خصمي
أتممت طوافي، وأنا أحمل في قلبي نورًا آخر لم أكن أبحث عنه:
نور فقه الخلاف حين يُجمّله الأدب،
ونور الحوار حين يُزينه التواضع،
ونور السنة حين تُفهم في ضوء مقاصدها، لا على ضيق ظاهرها.
فمن بين صفوف الطائفين، عرفت أن الحرم لا يعلّمنا فقط كيف نُكبر ونُلبي… بل كيف نُصغي ونتواضع، وكيف نختلف ونتراحم.
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
أستاذ طب نفسي: طفل من بين ثمانية أطفال يتعرض للتحرش في العالم
أكد الدكتور محمد حمودة، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف، أن طريقة الحوار مع الأبناء تختلف باختلاف العمر والنوع، مشيرًا إلى أن الطفل في السنوات الأولى — سواء كان ولدًا أو بنتًا — يتشابه في طريقة الحوار، لكن كلما كبر سن الطفل تبدأ الفروق في الظهور وتفرض تغييرًا في أسلوب التواصل معه.
وأوضح خلال حوار مع الإعلامية مروة شتلة، ببرنامج "البيت"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، أن الحوار مع البنت كلما تقدّم العمر يصبح أكثر حساسية تجاه موضوع التحرش، لأن احتمالات تعرّضها له تزداد، بخلاف الولد الذي تقل نسبة تعرضه للتحرش مع الكِبر وقدرته على الدفاع عن نفسه.
وأشار إلى أن التنبيهات والتحذيرات مع البنات تستمر لفترات أطول، بينما تقل تدريجيًا مع الأولاد مع اكتمال نضجهم وقدرتهم على حماية أنفسهم.
وأكد الدكتور حمودة خطورة ظاهرة التحرش عالميًا، كاشفًا عن إحصاءات دولية تشير إلى أن واحدًا من كل ثمانية أطفال يتعرض للتحرش حول العالم، موضحًا أن هذه الأرقام ليست محلية بل جاءت من Meta-analysis شملت 80 دولة و1000 طفل في كل دولة.
وشدد على أن مفهوم التحرش لا يعني الاعتداء الجنسي فقط، بل يشمل اللفظ واللمس والنظر، لافتًا إلى أن البعض يربط كلمة "تحرش" بالاعتداء الكامل، وهذا غير صحيح، فالمصطلح أوسع بكثير ويضم أشكالاً متعددة من الانتهاك التي يتعرض لها الأطفال.
اقرأ المزيد..