معنى سمة "ذبح العلماء" الذي عرف على مر العصور.. علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، إن البشرية عرفت على مرِّ عصورها تصرُّفًا سلبيًّا، وهو «ذبح العلماء»، ولم تختص أمة بذلك، بل كانت سِمَةً جعلت الناس يُنشِئون الأمثالَ السارية كنوعٍ من أنواع التعبير عن الحكمة التي تتصل بالحياة، وقبل ذلك قتلوا النبيين والمرسلين، ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم وأيَّد العلماء، ونفع بهم البشرية عبر العصور.
قال تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة: 87].
وعن ابن عباسٍ قال: «ذُكِر خالدُ بنُ سِنانٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ذاك نبيٌّ ضيَّعَه قومُه» [رواه الطبراني في الكبير].
ذبح العلماء على مر العصور
وأضاف فضيلة الدكتور علي جمعة أننا جميعًا نتذكر ما حدث لـ«جاليليو»؛ حيث أثبت ثباتَ الشمسِ ودورانَ الأرض، فاعتُرِض عليه، ولم يُحسِن حينئذٍ بيانَ بُرهانه التام، حتى إنه وافق على حَرْق كتبه. ولدينا في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة في هذا المعنى؛ فقد ورد أن الإمام البخاري صاحب «الصحيح» ـ الذي وُصف بأنه أصحُّ كتابٍ بعد كتاب الله من حيث الضبط والنقل والتوثيق ـ قد دعا على نفسه قبل أن يموت بأيام، وضاقت عليه الأرض بما رحُبَتْ، في نزاعٍ بينه وبين محمد بن يحيى الذُّهلي؛ حيث كانت قد اشتدت الخصومة بينهما، مما سبَّب له تركَ المدينة.
ولم يكن البخاري رحمه الله تعالى معتادًا على ذلك، فلم يتحمل ـ لشفافيته ورِقَّة قلبه ـ هذا النوعَ من الصدام، وانسحب تاركًا وراءه جهدَه الرصينَ الجبَّار، الذي استمرَّ هذه السنينَ الطوالَ مرجعًا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومثالًا لتطبيق المنهج العلمي، وللنية الخالصة، وللهِمَّة العالية، وأثرِ ذلك في بقاء الأعمال ونفعها لأفراد الناس وجماعاتهم ومجتمعاتهم....(يتبع)
ذبح العلماء قديمًا
وأوضح فضيلته أن في القرن السادس الهجري كان الشيخ عبدُ القادر الجيلاني، وتُنسب إليه بعض القصص الجديرة بالاعتبار ـ وإن كنا لم نحقِّق توثيقها له في ذاتها ـ؛ منها أنه كان يحضر له نحو أربعين ألفًا لسماع موعظته الحسنة التي خالطت القلوب، ورفع بعضُ الواشين أمرَه إلى الحاكم بأن عبد القادر أصبح خطرًا على الناس، فإنه يأتمر بأمره أربعون ألفًا.
وتابع الدكتور علي جمعة: لما استدعاه الخليفةُ في بغداد، وكلَّمه في ذلك، ضحك الشيخ، وقال: «أنا أظنُّ أن معي واحدًا ونصفًا، ولنختبر ذلك يا مولاي؛ فأرسلْ غدًا الشرطةَ أثناء الدرس بعد العصر تطلبني أمام الناس».
ذبح العلماء
وأكمل: فأرسل الخليفةُ رجالَ شرطته، وطلبوا الشيخ بطريقة عنيفة، ففَرَّ معها أكثرُ الحاضرين، وأصرَّ اثنان على أن يُصاحِباه، حتى إذا ما جاؤوا إلى قصر الخليفة تخلَّف أحدهما ينتظر الشيخ عند الباب، ودخل الآخر. فقال له الخليفة: ماذا حدث؟ قال: لم يَبْقَ معي إلا كما قلتُ لك: واحدٌ ونصف؛ هذا واحدٌ معي، والآخر خاف من الدخول فانتظر عند الباب.
واختتم حديثه قائلًا: وذهب الواشون وذهب عصرهم، لا نعرف أسماءهم، وبقي الشيخ عبد القادر عبر القرون؛ قد أذِن اللهُ أن يجعل كلماته نِبراسًا يُستضاء به، وهدايةً في الطريق إلى الله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: العلماء ذبح العلماء علی جمعة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الكريم إذا وهب ما سلب.. أبرز قواعد الطريق إلى الله
كتب الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، منشورا جديدا عبر صفحته الرسمية على فيس قال فيه: «الكريم إذا وهب ما سلب» قاعدة من قواعد الطريق إلى الله تعالى؛ الكريم – الله عز وجل – إذا وهب الإنسان هبةً معيَّنة، بأن أعطاه سرًّا من الأسرار، أو أكرمه بنورٍ من الأنوار، أو فتح عليه بفتحٍ من الفتوح، أو علَّمه قضيَّةً من القضايا، أو رقَّاه إلى مقامٍ من مقامات العبودية، فإنَّه سبحانه لا يسلبه، ولكن قد يسلب ثوابه – والعياذ بالله – وهذا يسمَّى الخذلان، نعوذ بالله منه.
وتابع: ولذلك فإنَّ أولياء الله ليسوا معصومين، بل هم مُعرَّضون لأقدار الله – سبحانه وتعالى – في الوقوع في المعصية، ومُعرَّضون أيضًا للسلب، والسلب هنا هو سلب المكانة وليس سلب المقام، يعني تجده هو نفسه يشعر بما يشعر به، ولكنه يُسلب، بمعنى أنَّه عندما عصى الله تعالى، وأصرَّ على عصيانه، فإنَّ الله – سبحانه وتعالى – يسلب منه ثوابه، يوقف الثواب، لكن ما وصل إليه من مقام، فإنَّ الكريم إذا وهب ما سلب.
وتابع: فالمقام مستقرٌّ، والحال متغيِّر؛ الحال يردُّ على الإنسان ويزول، يأتي ويذهب، وهذه الأحوال نجد القلب يمتلئ بها فجأة، ثم بعد ذلك تزول أيضًا فجأة؛ أي إنَّ كلمة «الحال» كلمة تعني التغيُّر، والزوال بسرعة، وعدم الاستقرار، والإتيان بطريقة مفاجئة، والذهاب عن القلب بطريقة مفاجئة.
ونوه أن الأحوال هذه تأتي أيضًا من الواردات، يعني أنَّ الواردات من قبيل الأحوال؛ فالإنسان وهو جالس يجد في قلبه أنَّه لا بدَّ أن يتوب، فهذا وارد، ويجد أنَّه لا بدَّ أن يراقب الله في أعماله، فهذا وارد، ويجد أنَّه لا بدَّ أن يُخلي قلبه من القبيح، فهذا وارد، أو أن يذكر بذِكرٍ معين، فهذا وارد من الواردات. ثم يزول هذا الأمر، وتزول الرغبة فيه، وينتهي، ويتحوَّل؛ ولذلك سُمِّيَ حالًا، و«دوام الحال من المحال».
وأشار إلى أن الكلام هذا الذي يتكلَّمه هو أصله في الطريق من كلام العلماء والمشايخ، ثم شاع في الناس بعد ذلك: «دوام الحال من المحال»، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
واسترسل: لكن أصلها لما ظهرت شاعت من طريق الصوفية «دوام الحال من المحال»، لماذا؟ لأنَّه حال، ولو بقي ما كان حالًا، ولا يكون حينئذٍ دوام حال، بل يكون دوام مقام؛ فالمقام شأنه الدوام، والثبات، والاستقرار، وعدم السلب.