خالد بن حمد الرواحي
لا شيء أكثر قسوة من أن تستيقظ على قرار إنهاء خدماتك، وأنت في أوج عطائك، محاطًا بالالتزامات، متكئًا على راتبك كملاذٍ أخير لتلبية حاجات أسرتك. المسرحون عن العمل ليسوا أرقامًا تُحصى أو حالات تُقيَّم بلغة الاقتصاد الباردة، بل هم قصص معلّقة على جدران الانتظار، ووجوه تخبئ خلف الابتسامات المنهكة قلقًا لا يُروى.
لقد شهد سوق العمل في القطاع الخاص خلال الأشهر الأخيرة حالات تسريح متزايدة، شملت قوى عاملة وطنية من مختلف المهن، وتركّزت أسبابها في انتهاء المشاريع، وتراجع الإيرادات، وإعادة هيكلة الشركات، وانتهاء عقود العمل المؤقتة. وبرغم أن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، إلا أن حدّتها المتصاعدة مؤخرًا جعلت منها قضية عامة تشغل الرأي العام، وتستدعي تدخلًا عاجلًا.
لقد تعاملت وزارة العمل بمسؤولية واستباقية مع تطورات ملف المسرحين عن العمل، من خلال تحركات نشطة ومبادرات نوعية، شملت عقد ملتقيات تشغيل متخصصة، وإطلاق برامج مثل "دعم الأجور" والتدريب على رأس العمل، إلى جانب تفعيل منصاتها الإلكترونية لتوفير فرص بديلة للمواطنين المتأثرين. وتُعد هذه الجهود انعكاسًا لحرص الوزارة على تعزيز الاستقرار الوظيفي، ودعم المتأثرين بأدوات عملية ومتنوعة. ومع ذلك، فإن تعاظم التحديات المرتبطة بحجم حالات التسريح يتطلب مواصلة التوسع في الحلول، وابتكار أدوات أكثر شمولًا، بما يواكب تطورات سوق العمل ويُحقق الأثر المستدام المرجو.
وقد شكّلت "منفعة الأمان الوظيفي" التي أقرّها قانون الحماية الاجتماعية إحدى شبكات الأمان المؤقتة للمسرحين. ووفقًا للمادة (119) من القانون، فإن المسرّح يستحق بدلًا شهريًا مؤقتًا يُصرف له لمدة تصل إلى ستة أشهر، شريطة استيفائه شروط الاستحقاق. ومع ذلك، فإن عدد المستفيدين لا يعكس الرقم الكامل لمن تم تسريحهم فعليًا، فهناك من لم تنطبق عليهم الشروط، أو لم يتقدموا بطلباتهم، أو واجهوا صعوبات إجرائية.
وفي ظل التحديات المستجدة، يبرز مقترح مجتمعي بتمديد صرف المنفعة للمسرحين عن العمل حتى يتم عرض فرص العمل الملائمة فعليًا، خصوصًا أن بعض المستحقين لا تُعرض عليهم فرص عمل تتوافق مع متطلبات المادة (88)، مما يُبقيهم فعليًا دون دخل، رغم تسجيلهم ضمن النظام.
ويُعد البند الرابع من المادة (88) من اللائحة التنفيذية لقانون الحماية الاجتماعية أحد أبرز البنود التي أثارت الجدل، إذ ينص صراحة على ضرورة أن تكون فرص العمل الثلاث المعروضة على المسرّح "ملائمة"، وألا يقل أجرها عن قيمة المنفعة، أي 60% من آخر أجر تقاضاه المسرح، وهو ما لم يُطبّق بشكل شامل حتى الآن، مما أثار تساؤلات مجتمعية بشأن مدى التزام الجهات المختصة بتنفيذ القانون بكل بنوده.
وفي تطور لافت، تقدَّم سعادة الدكتور محمد بن ناصر المحروقي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سناو ببيان عاجل عبّر فيه عن بالغ القلق من قرار إيقاف صرف منفعة الأمان الوظيفي، معتبرًا أن توقيت القرار غير مناسب لما له من آثار سلبية تمس الأمن الاجتماعي، وتفاقم من معاناة المسرحين عن العمل. وقد دعا في بيانه إلى تجميد القرار فورًا، ومراجعته بالشراكة مع الجهات المختصة، بما يحفظ الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للفئة المستفيدة. كما شدّد على أهمية إيجاد حلول مستدامة وعادلة، وتعزيز الثقة في منظومة الحماية الاجتماعية بصفتها ركيزة أساسية في تمكين المواطن، وليس رفع الحماية عنه.
وفي ظل هذه المستجدات، تبدو الحاجة ملحة إلى إعادة تقييم آليات التعامل مع ملف المسرحين، سواء على صعيد تنظيم سوق العمل، أو عبر أدوات الوقاية الاستباقية. فبدلًا من التركيز على ما بعد التسريح، حريٌّ بالمؤسسات المعنية أن تعمل على وقف نزيف التسريح من جذوره، من خلال مراقبة مؤشرات المخاطر التشغيلية، وتحليل تحولات الاقتصاد وآثارها على القوى العاملة الوطنية.
ومن الضروري أيضًا أن تُنشر أعداد المسرحين بشكل شفاف ويومي ضمن البيانات المفتوحة، ما يُعزز ثقة المجتمع، ويمكّن الباحثين من تحليل الواقع بشكل علمي وواقعي، ويسهم في وضع سياسات مدروسة قابلة للتطبيق.
كما أن الأولوية في التوظيف يجب أن تُمنح للمسرحين، فهم لا يبدؤون من الصفر، بل يحملون معهم سنوات من الخبرة، وأعباءً إنسانية لا تحتمل التأجيل. وبعضهم مضت عليه أشهر طويلة دون أن تُعرض عليه أي فرصة ملائمة، رغم مرورهم بجميع الإجراءات المقررة.
يُضاف إلى ذلك أن تمويل صندوق الحماية الاجتماعية يُبنى على اشتراكات شهرية تُقتطع من رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص، ما يجعل الشفافية في إعلان إيرادات هذا الصندوق، والمبالغ المصروفة منه، أولوية قانونية وأخلاقية تجاه جميع المساهمين فيه.
لكي نُحول هذا التحدي إلى فرصة إصلاح حقيقية، لا بد من اعتماد حزمة متكاملة من المقترحات، من بينها:
إعطاء الأولوية في فرص التشغيل للمسرحين عن العمل نظرًا لظروفهم الإنسانية والتزاماتهم الأسرية. تسريع عرض فرص العمل القانونية والملائمة، مع متابعة مدى التزامها بالأجر المحدد في البند الرابع من المادة (88) من اللائحة التنفيذية لقانون الحماية الاجتماعية. الاستمرار في صرف منفعة الأمان الوظيفي للمسرحين إلى حين عرض فرص العمل الملائمة فعليًا، تفاديًا لانقطاع الدخل عن الأسر المتأثرة. الإحلال المباشر للقوى العاملة الوطنية المسرحة في المهن المناسبة لهم في القطاع الخاص. إنشاء قاعدة بيانات مفتوحة وشفافة بعدد المسرحين الفعليين، تُحدّث بانتظام. التوسع في الاستفادة من مبادرات دعم الأجور والتدريب على رأس العمل لاستيعاب المسرحين بشكل تدريجي. مراجعة الاشتراطات القانونية الصارمة التي تحرم بعض المسرحين من الحصول على منفعة الأمان الوظيفي. توسيع نطاق برامج إعادة التأهيل والتوجيه المهني للفئات المتأثرة. دراسة أسباب التسريح المتكرر واقتراح تشريعات تقلّل من وتيرته وتحدّ من الفصل التعسفي، وذلك من خلال شراكة فعالة بين ممثلي أطراف الإنتاج الثلاثة (الحكومة، وأصحاب العمل، والعمال). ضمان استقلالية منظومة الحماية الاجتماعية، مع زيادة الشفافية في نشر بياناتها المالية وأوجه صرفها.وختامًا، لا يحتاج المسرّح عن العمل فقط إلى راتب بديل، بل إلى سياسة تحتضنه، وقرارات تُنصت إليه، وسوق عمل يعترف بأولويته. فكلما ضاقت الخيارات أمامه، ازداد الضغط على منظومة الحماية الاجتماعية، وازداد قلق المجتمع من تحوّل الأزمات الفردية إلى ظواهر اجتماعية مركّبة. إننا أمام لحظة تتطلب من الجميع تحمّل المسؤولية، والعبور بهذا الملف من هامش الطوارئ إلى مركز الإصلاح.
ورغم ما يبدو من تحديات وضبابية، لا تزال هناك فرصة لأن يتحول هذا الملف إلى نموذج وطني يُحتذى به في التكافل والمسؤولية المشتركة بين المؤسسات والمواطنين. فالمسرّح عن العمل لا يحتاج فقط إلى دخل بديل، بل إلى أفق لا يُغلق، ووطن يُصغي، ومجتمع لا يخذل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ثبّته بحزام الأمان.. شرطي في فلوريدا يضبط تمساحًا داخل مسبح خاص
نجح شرطي في ولاية فلوريدا في الإمساك بتمساح صغير عُثر عليه داخل مسبح خاص، قبل أن ينقله بأمان إلى سيارة الدورية، حيث وضع له حزام الأمان في مشهد أثار إعجاب الجمهور وتفاعلهم. اعلان
ويوثق مقطع الفيديو، الذي نشره مكتب الشريف بالتعاون مع وكالة TMX، لحظة اقتراب الشرطي من التمساح وسحبه يدويًا من المسبح، ثم وضعه في المقعد الخلفي لسيارته، حيث قام بتثبيته بحزام الأمان.
وأكدت السلطات أن التمساح نُقل لاحقًا إلى موقع آمن، دون وقوع أي إصابات أو أضرار.
Related شاهد: كأنها هاربة من عصر الديناصورات.. العثور على "سلحفاة تمساح" في المملكة المتحدةتمساح يلتهم امرأة في فلوريدا أثناء ممارستها رياضة التجديف فيديو: تمساح يقتنص طائرة مسيرة ظنا منه أنها وجبة سهلةالمشهد، الذي تم تصويره في مدينة سانت أوغسطين شمال شرقي فلوريدا، يُضاف إلى سلسلة من الحوادث المشابهة التي تشهدها الولاية المعروفة بانتشار التماسيح في المناطق السكنية، لا سيما خلال أشهر الصيف.
وأشارت الشرطة إلى ضرورة توخي الحذر عند مشاهدة الحيوانات البرية، والتواصل مع الجهات المختصة فورًا لتجنب المخاطر.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة