تكشف تحف يمنية نادرة تعرض حاليًا في معارض ومتاحف عالمية عن حجم الثراء الحضاري لليمن، والاهتمام المتزايد الذي تحظى به الآثار اليمنية القديمة، رغم استمرار فقدان العديد منها في ظروف غامضة أو بيعها ضمن صفقات غير موثقة، خصوصًا خلال فترات الاضطراب السياسي.

ومن بين أبرز هذه التحف المعروضة دوليًا: "إفريز الوعول الإثني عشر"، و"نقش مسند من مملكة قتبان"، وكلاهما من مقتنيات معرض "ديفيد آرون" الشهير في لندن، والذي يُعد من أبرز المعارض المتخصصة في الآثار القديمة على مستوى العالم.

وبحسب الباحث المتخصص في آثار اليمن، عبدالله محسن: "يُعد إفريز الوعول من القطع الفريدة في تاريخ الفن اليمني القديم، ويعود تاريخه إلى الفترة ما بين القرن الثالث إلى القرن الأول قبل الميلاد، ويتكوّن من اثني عشر رأساً منمقاً لوعل، منحوتة بدقة بارزة، تتميز بعيون كروية وآذان طويلة وقرون، وتحيط بها عناصر معمارية ذات دلالات زخرفية".

وأوضح محسن في منشور له على صفحته فيسبوك: "تم اقتناء هذا الإفريز النادر في ستينيات القرن الماضي من اليمن من قِبل أنطونين وكريستيان بيس، وهما من جامعي التحف الذين أقاموا في عدن وباريس. وتشير الوثائق إلى أن القطعة تم تسجيلها للتصدير عبر مكتب الآثار في ولاية عدن عامي 1966 و1967، مما يجعلها واحدة من التحف اليمنية التي خرجت بشكل رسمي آنذاك".

وأشار إلى أنه توجد نسخة مشابهة لهذا الإفريز في متحف متروبوليتان للفنون بنيويورك، وتعرض ضمن قسم القطع الجنائزية المرتبطة بالمقابر الملكية في جنوب الجزيرة العربية.

وقال الباحث عبدالله محسن: "القطعة الثانية نقش مسند من مملكة قتبان، منحوت بدقة من سطرين بلغة المسند القديمة، ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وجرى اكتشافه في وادي بيحان".

ووفقًا للوثائق المصاحبة، اقتنى النقش إي. إف. ستونهاوس في عدن قبل مايو 1968، أثناء تواجده في عدن تحت الإدارة البريطانية. وقد أوضح في مراسلات موثقة أنه تم الحصول على النقش من موقع أثري يعتقد أنه كان معبدًا أو محطة توقف لملكة سبأ خلال مسيرتها التاريخية عبر حضرموت واليمن باتجاه الشمال.

وقد تنقّل هذا النقش بين عدد من المجموعات الخاصة في المملكة المتحدة، قبل أن يُعرض في مزاد فني عام 2021، وينتهي به المطاف ضمن مقتنيات معرض ديفيد أرون، الذي يوثق تاريخه وسيرته بدقة ضمن كتالوجه السنوي المتخصص في الآثار العالمية.

تأسس معرض ديفيد أرون في الأصل بإيران عام 1910، قبل أن ينتقل إلى مصر ثم لندن، ويُدار حاليًا من قبل الجيل الثالث والرابع من عائلة آرون. وقد لعب المعرض دورًا محوريًا في اقتناء وتوثيق وعرض آلاف القطع الأثرية من مختلف الحضارات، من بينها الآثار اليمنية.

ويضم سجل المعرض صفقات بيع لعدد من أهم المتاحف العالمية مثل: متحف المتروبوليتان، متحف اللوفر أبوظبي، متحف الآغا خان، ومتحف ميهو في اليابان، وغيرها، وهو عضو في الرابطة الدولية لتجار الفن القديم.

ويطالب مثقفون وخبراء في الآثار اليمنية الجهات المعنية بوضع خطة وطنية شاملة لتتبع هذه القطع، واسترداد ما أمكن منها، أو على الأقل تسجيلها وتوثيقها في قواعد بيانات وطنية ودولية للحفاظ على الإرث الحضاري اليمني الذي يمثل جزءًا أصيلاً من تاريخ الإنسانية.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

في هذه المدينة الأمريكية.. حتى الجنازات تتحوّل إلى حفلات شارع مبهجة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تُعدَّل ربطة عنق على شكل فراشة، وتُرفع آلة ترومبون موسيقية. عند زاوية شارعي دوفين وتولوز، يسدّ شرطيان التقاطع على متن دراجات نارية.

يُسمع لحن موسيقي بينما ينضمّ الساكسفون والسوسافون إلى العزف، وتجوب فرقة شوارع نيو أورليانز، والجمهور خلفهم مباشرةً.

موكب الجنازة من نوع "الخط الثاني" (second line) يجسّد تجربة عاطفية، وتعبير جماعي علني عن الحزن يتطوّر إلى احتفالٍ بالحياة. 

إنه تقليد وُلِد من ثقافات غرب إفريقيا ومنطقة بحر الكاريبي، وأصبح اليوم حصريًا بنيو أورليانز.

يشير مصطلح "الخط الثاني" مباشرةً إلى الأشخاص الذين يسيرون خلف الموسيقيين. أي أنّ "الخط الثاني" يشمل الراقصين، والحشود، والمحتفلين عمومًا.

وبشكل عام، يُستخدم المصطلح للإشارة إلى نوع معيّن من المواكب التي تُقام تكريمًا لمناسبات هامة في المدينة الأمريكية.

فِرقة "The Kinfolk Brass Band" الموسيقية تعزف على ضفة نهر ميسيسيبي في مدينة نيو أورليانز الأمريكية.Credit: Will Lanzoni/CNN

لا تتجاوز ضخامة بعض هذه المواكب شوارع عدّة، بينما قد تمتد لمسافات طويلة في المناسبات الكبيرة.

تُحيي هذه المواكب الجنازات، وحفلات الزفاف، والتجمعات الاجتماعية والمناسبات المهمة.

تقف فرقة آلات النفخ النحاسية في قلب هذه المواكب، حاملةً معها روح المجتمع.

جوهر الصوت الموسيقي روجر لويس في "سيتي بارك" بنيو أورليانز.Credit: Will Lanzoni/CNN

قال الموسيقي روجر لويس البالغ من العمر 83 عامًا: "إذا نشأتَ هنا، فإنّ إيقاعات الطبول الإفريقية، والرقص، التي تعود إلى زمن العبودية وساحة الكونغو، تُعدّ جزءًا من حمضنا النووي".

لويس، المولود في نيو أورليانز، عضو رئيسي في فرقة "Dirty Dozen" لآلات النحاس.

كما أنّه لا يزال يعزف على الساكسفون من نوع الباريتون، والسوبرانو، ويشارك بصوته في عروض المجموعة، التي نشأت من فرقة مشاة موسيقية تابعة لكنيسة في العام 1972.

تُعدّ "Dirty Dozen" الفِرقة الأشهر بلا منازع في مشهد الآلات النحاسية اليوم، فشارك أفرادها في جولات عبر خمس قارات، وعزفوا في ملاعب ضخمة. وحصل أعضاؤها على جائزة "غرامي" في العام 2023، وظهروا في أفلام عديدة.

انتشار النوادي الاجتماعية عرض لفِرقة "Eureka Brass Band" خلال موكب "Sunday Jazz" في الحيّ الفرنسي بعام 1960 تقريبًا.Credit: Archive Photos/Getty Images

تشكّلت فرق آلات النفخ النحاسية لأول مرة بأمريكا، في أواخر القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20، عندما حدث تزاوج موسيقي بين الجنود الذين كانوا يحملون آلاتهم العسكرية، ومن امتلكوا معرفة بإيقاعات القبائل الإفريقية والأصلية.

مع تطوّر أنماط الموسيقى والرقص في جميع أنحاء أمريكا، تطوّرت المشاركة في مواكب "الخط الثاني".

تشكّلت منظمات المعونة الاجتماعية ونوادي المتعة أيضًا في مطلع القرن، وكانت في بداياتها توفّر التأمين والمساعدة المالية للعبيد المُحرَّرين.

بحلول عشرينيات القرن الـ20، كانت هذه المؤسسات تُغطّي نفقات الجنازات، والمناسبات المجتمعية، والمسيرات.

وبدأت النوادي توظف عازفي الآلات النحاسية.

وقال لويس عند حديثه عن بداية فرقة "Dirty Dozen" في فترة السبعينيات: "أعتقد أننا غيّرنا التاريخ"، موضحًا: "إذا نظرت إلى الخمسينيات، كان الناس يستمعون ويتمايلون بأدب في الشارع. كنا نعزف الأغاني التقليدية ذاتها، لكننا جعلنا الإيقاع أكثر حيوية".

أثر الأحياء على الموسيقى تستطيع الاستمتاع بهذه الموسيقى في أماكن مختلفة، من بينها صالة "Kermit’s Tremé Mother-in-Law Lounge".Credit: Will Lanzoni/CNN

اتسع نطاق الحفلات، ولاحظ الموسيقيون الشباب المتحمسون ذلك.

في ثمانينيات القرن الماضي، كان كيرميت رافينز، وكيث فريزر، وشقيقه فيليب زملاء دراسة في مدرسة "جوزيف إس. كلارك" الثانوية في نيو أورليانز، التي أُغلقت الآن، وكانت تقع سابقًا في حي تريمي.

نقل الثلاثي موسيقاهم إلى الشوارع إذ كانوا أصغر من يؤدون عروضهم في الحانات، ولم يتجاوز عمر بعض الأعضاء 13 عامًا.

سمّت الفرقة نفسها "Rebirth Brass Band" في العام 1984. 

ورُغم شهرة الفرقة وجدول جولات حافل أنتج 17 ألبومًا وأكسبها جائزة "غرامي"، لا يزال بإمكانك حضور حفلاتها كل ثلاثاء مقابل 30 دولارًا فحسب.

وقال عازف الطبل الكبير، فريزر: "الجميل هو أنّ الأحياء أثّرت على الموسيقى"، وأوضح: "يعزف شباب أبتاون الموسيقى بشكلٍ أسرع قليلاً. يحب سكان حي تريمي الموسيقى التقليدية، بينما تتمتع نيو أورليانز إيست بقاعدة جماهيرية من مُحبي موسيقى الهيب هوب".

عقلية عصرية كريستي جورداين من فِرقة "The Original Pinettes".Credit: Will Lanzoni/CNN

مقالات مشابهة

  • منعا للإزعاج.. بلدية المنية صادرت هذه القطع من محلات الإشبمونات
  • القبض على 7 مخالفين من الجنسيتين اليمنية والإثيوبية بجازان لتهريبهم 280 كيلوجرامًا من القات
  • مفتي الجمهورية: العلم عبادة وسلوك حضاري يسهم في بناء الإنسان وتحقيق العمران
  • برلماني: قمة شرم الشيخ لحظة تاريخيّة نادرة جمعت العالم بقيادة مصر وحكمة الرئيس السيسي
  • رئيس الإدارة المركزية لمنطقة الإسكندرية الأزهرية يؤكد اهمية إقامة معارض الكتاب بالجامعات الأزهرية
  • القبض على 4 مخالفين من الجنسيتين اليمنية والإثيوبية لتهريبهم 90 كيلوجرامًا من القات
  • استجابة لمطالب أهالي ملوي.. سوق ماشية حضاري جديد على 5 أفدنة بالطريق الصحراوي
  • متحف الإسكندرية القومي يكشف سرار المدينة الغارقة
  • اليمن تسجّل قطع أثرية مسروقة في بيانات الإنتربول بعد عقود من الإهمال
  • في هذه المدينة الأمريكية.. حتى الجنازات تتحوّل إلى حفلات شارع مبهجة