بينما يخلد العالم إلى نومه، يتكدّس آلاف الفلسطينيين في ساعات الليل القاسية قرب مراكز توزيع المساعدات الأميركية جنوب ووسط قطاع غزة، يحدوهم الأمل بأن يسمح لهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بالوصول إلى شحنات الغذاء، التي تديرها مؤسسة أميركية.

لكن هذا الأمل غالبا ما ينتهي بمجازر، حيث يقتل العشرات وتُزهق أرواح المئات تحت وابل من الرصاص الإسرائيلي، في محيط يُفترض أن يكون بوابة للنجاة لا مصيدة للموت.


ففي واحدة من هذه الليالي، استشهد 25 فلسطينيا برصاص الاحتلال قرب محور نتساريم جنوب مدينة غزة، بينما كانوا ينتظرون حصّتهم من المساعدات.

الفصل الأول: المساعدات الأميركية من الإغاثة إلى الأداة السياسية
منذ توقيع اتفاق أوسلو، استخدمت الولايات المتحدة أدوات مدنية وإغاثية لاختراق البنية الفلسطينية، بدعوى “دعم التنمية”، لكن المضمون السياسي لهذه الأدوات كان دائمًا حاضرا.

وقد تضاعف هذا الحضور منذ حصار غزة عام 2007، حيث رعت منظمات مثل USAID، ومؤسسات غير حكومية تابعة للسفارة الأميركية، مشاريع ذات طابع إنساني ظاهري، وسياسي واقتصادي باطني.
هذه المساعدات لم تكن يومًا مجانية أو بريئة، بل حملت أهدافًا خفية:

تفكيك البنية الاجتماعية المقاومة.
فرض نماذج سلوكية واقتصادية تتماشى مع الرؤية الغربية.
ربط الفلسطينيين بعجلة اقتصادية تعتمد كليًا على التمويل المشروط.
وهكذا، تحوّلت المساعدات إلى قيد سياسي جديد يعيق الاستقلال ويضرب البنية الذاتية.

الفصل الثاني: 7 أكتوبر… التحول من “الإغاثة” إلى “الإبادة الناعمة”
مع انطلاق عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من حرب إبادة شنّها الاحتلال الإسرائيلي، أخذت مراكز المساعدات الأميركية شكلًا جديدًا لا علاقة له بالإغاثة، بل بالأمن والتحكم والهيمنة. إذ تحوّلت هذه المراكز إلى:

1. أداة ضغط سياسي: حيث تم ربط دخول المساعدات بمواقف محددة من الفصائل، وإجبار المستفيدين على توقيع وثائق مناهضة للمقاومة.

2. غطاء للجرائم: فالولايات المتحدة، التي تدّعي “الرحمة”، هي الممول العسكري الأول لإسرائيل، وتمنحها أسلحة محرّمة تقتل بها ذات المدنيين الذين تزعم واشنطن مساعدتهم.

3. بنية استخبارية ناعمة: استخدمت هذه المراكز كغطاء لجمع بيانات سكانية ومعلومات جغرافية، تحت ستار “التقييم الإنساني”، ما جعلها جزءًا من منظومة الاستهداف العسكري الممنهج للبنية المدنية.

الفصل الثالث: المساعدات كأداة استعمارية لإعادة هندسة غزة
الولايات المتحدة لا تنظر إلى المساعدات كمجرد إنقاذ إنساني، بل كأداة لإعادة تشكيل غزة سياسيًا واجتماعيًا وفق شروط ما بعد الحرب. وتتلخّص هذه الرؤية في الآتي:

فرض قيادة بديلة خارج معادلة المقاومة.
تفكيك النسيج المجتمعي وربط البنية المدنية بشبكات ولاء موالية للغرب.
تحويل “الوصاية الإنسانية” إلى نظام وصاية سياسية واقتصادية.

إن هذه السياسات تنتمي إلى مدرسة “الهندسة الاجتماعية”، التي اعتمدتها واشنطن في أفغانستان والعراق، وتحاول اليوم تطبيقها في غزة، مستغلة دمار الحرب وسلاح الجوع.

الفصل الرابع: الصمت الدولي وتواطؤ “الإنسانية” الانتقائية
تتحوّل المؤسسات الدولية إلى شريك غير مباشر في الجريمة، عبر:
تجاهل مشروطية التمويل الأميركي التي تقوّض مبدأ الحياد.
ترويج روايات منقوصة عن إسقاط مساعدات من الجو، دون الإشارة إلى حصار وتجويع متعمد.

التساهل مع أنظمة عربية تسهّل مرور المساعدات دون رقابة، رغم علمها بالتوظيف السياسي لهذه العملية.
هذا التواطؤ الدولي يحوّل العمل الإنساني إلى “ستار ناعم” لإدارة مشروع إبادة سياسية وجغرافية كاملة لشعب بأكمله.

الفصل الخامس: شهادات حية على المأساة – حين تتحوّل المساعدات إلى شرك دموي
من الميدان، تخرج شهادات تشكّل أدلة دامغة على الدور الدموي لمراكز المساعدات:

مقاطع فيديو لجندي إسرائيلي يطلق النار من داخل مركز مساعدات أميركي.
ناجون يروون كيف ارتبطت بعض السلال الغذائية بتواقيع ضد المقاومة.
عاملون سابقون يقرّون بوجود عناصر استخباراتية داخل المراكز “الإنسانية”.

وفي إحدى أبرز المشاهد، وصف مغردون مشهد انتظار المساعدات بـ”لعبة الحبار” الحقيقية، حيث يجب على الناس الركض ثم السقوط أرضًا عند إطلاق النار، وإلا فإن القناص سينهي حياتهم.

الفصل السادس: المساعدات كوسيلة تهجير قسري
لم تعد المساعدات مجرد وسيلة للبقاء، بل أصبحت أداة في مشروع التهجير وتغيير الخريطة السكانية. فالمساعدات التي تُسقَط جوًا أو تُدار من معابر يتحكم بها الاحتلال، تُستخدم لتوجيه السكان نحو مناطق تعتبرها إسرائيل “آمنة”، في محاولة لفرض خريطة جديدة لغزة ما بعد الحرب.

إن ما يُسمى بـ “المنطقة الإنسانية الآمنة” ليس سوى مقبرة صامتة للمدنيين، تُدار بالمساعدات وليس بالصواريخ فقط.

الخاتمة: نحو تفكيك “أسطورة العمل الإنساني” الغربي
ما يحدث في غزة ليس فشلًا للضمير الإنساني، بل تواطؤًا منظمًا بين أدوات الإبادة وأدوات الإغاثة. ولا يمكن بعد اليوم الفصل بين الدعم العسكري والتمويل الإغاثي. فكلاهما جزء من منظومة واحدة هدفها إخضاع الشعب الفلسطيني.

على النخب العربية والحقوقية أن تعيد تعريف العمل الإنساني بوصفه جزءًا من مشروع تحرري، لا واجهةً استعمارية ناعمة.
إن تحرير العمل الإغاثي من الهيمنة الغربية يجب أن يصبح أولوية لأي مشروع مقاومة عربي أو فلسطيني، وإلا فإن التاريخ سيكتب أن شعوبًا قُتلت بيد مموليها، وأن المساعدات كانت الطلقة الأخيرة في جسد وطن منهك.

الشروق الجزائرية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه المساعدات غزة الاحتلال الولايات المتحدة الولايات المتحدة غزة الاحتلال المساعدات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة صحافة مقالات رياضة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التی ت

إقرأ أيضاً:

وزيرة التضامن: مصر مستمرة في أداء واجبها الإنساني تجاه الأشقاء في غزة

أكدت وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة مايا مرسي أن توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، جاءت واضحة في مختلف المحافل والمنابر السياسية بشأن ضرورة ضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل كافٍ ومستدام وعاجل، مع إزالة جميع العراقيل أمام دخولها.

وأوضحت الوزيرة - خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء - أن مصر كانت وما زالت بوابة العبور الرئيسية للنسبة الأكبر من المساعدات الإنسانية إلى الأشقاء في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر من عام 2023، انطلاقًا من مسؤوليتها الإنسانية والتاريخية تجاه الشعب الفلسطيني.

وقالت الوزيرة إن عملية إدخال المساعدات الحالية تُعد أكبر عملية إغاثة إنسانية يشهدها العالم خلال الثلاثين عامًا الأخيرة، مشيرة إلى أن أبناء مصر والأسر المصرية ساهموا بجهودهم ودعمهم في هذه العملية؛ حيث تم إدخال أكثر من 70% من المساعدات الإنسانية عبر المعابر المصرية.

وأكدت أن الآلية الوطنية المعنية بإنفاذ المساعدات إلى قطاع غزة تعمل وفقًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وأن الهلال الأحمر المصري تولي إدارة أكبر جسر إغاثي للقطاع عبر آلاف الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والإغاثية والطبية.

وأضافت أن هذه الآلية الوطنية نجحت في منع تفاقم أزمة الجوع داخل القطاع خلال الأشهر الماضية، بزيادة كميات الأطنان من المواد الغذائية والإغاثية التي دخلت إلى غزة، مؤكدة أن الأشقاء الفلسطينيين ما زالوا ينتظرون المزيد من الدعم المادي والمعنوي من المجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار الإنساني والمعيشي.

وأشارت الوزيرة إلى أن الهلال الأحمر المصري أبهر العالم باعتماده على أحدث التقنيات التكنولوجية في المتابعة والرصد والتكويد، حيث تم تغليف وتكويد كل شاحنة ومادة إغاثية برمز إلكتروني يتيح تتبع مسارها حتى وصولها إلى مستحقيها داخل القطاع.

وأضافت أن بعض الشحنات واجهت صعوبات في الدخول لأسباب لوجستية؛ ما اضطرها للعودة أكثر من مرة، إلا أن فرق الهلال الأحمر أصرت على إدخالها، ومن بين تلك الشحنات الأسِرّة الطبية المخصصة للعناية المركزة ومواد غذائية حساسة مثل لبن الأطفال، التي تم إدخالها رغم التحديات.

وتابعت الوزيرة إن مصر تعاونت مع 59 دولة حول العالم لتيسير دخول المساعدات الإنسانية، حيث قدمت 52 دولة مساعدات عينية، بينما قدمت بقية الدول مساهمات نقدية.

وأوضحت أنه تم التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، ومنظمات الأمم المتحدة المعنية، مشيرة إلى استقبال 650 شحنة بحرية و636 طائرة إغاثة محملة بالمساعدات من مختلف الدول.

وأضافت أن الجهود المصرية - منذ بدء الأزمة حتى الآن - أسفرت عن إدخال ما يقرب من 600 ألف طن من المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة، تضمنت 94 ألف طن مساعدات طبية، و59 ألف طن مواد غذائية، و445 ألف طن من المنتجات البترولية، إضافة إلى 82 ألف طن من الإمدادات الأخرى.

ولفتت إلى أن مصر أنشأت 9 مستشفيات في العريش و4 مستشفيات ميدانية داخل القطاع، إلى جانب المخيمات المصرية داخل غزة لتوفير المأوى والخدمات الإنسانية، وهي الجهود التي لاقت إشادة إعلامية دولية واسعة.

وأبرزت الدكتورة مايا مرسي، التجربة المصرية الفريدة في إنشاء "مطبخ الإنسانية"، الذي يُعد نموذجًا عالميًا في العمل الإغاثي الميداني، حيث تم إعداد الوجبات في مصر وتقديمها ساخنة داخل قطاع غزة رغم الظروف الصعبة، من خلال منظومة دعم متكاملة.

وقد نجح المطبخ الإنساني في إنتاج نحو مليوني رغيف خبز، وتوزيع 500 ألف وجبة ساخنة و700 ألف وجبة جافة؛ وهو ما وصفته منظمات الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي بأنه تجربة إنسانية فريدة وغير مسبوقة عالميًا.

وخلال الفترة الحرجة من شخر يوليو حتى 14 أكتوبر، أوضحت الوزيرة أن مصر تمكنت من إدخال 62 ألف طن من المساعدات عبر 3,814 شاحنة ضمن 50 قافلة إغاثية، مشيرة إلى أن القافلة رقم 50 وحدها ضمت 5,632 خيمة و709 آلاف حقيبة نظافة شخصية و407 آلاف طن من السلال الغذائية، ليصل الإجمالي إلى نحو 2.7 مليون سلة غذائية.

كما قدّم الهلال الأحمر المصري ووزارة الصحة خدمات متكاملة للمصابين والمرافقين القادمين من القطاع، حيث بلغ عدد العابرين خلال فترة فتح معبر رفح 107 آلاف شخص، من بينهم 15,752 مرافقًا، وتم تقديم خدمات طبية لنحو 7,277 مصابًا، إلى جانب 86 ألف خدمة دعم أسري و145 ألف خدمة إغاثية و250 ألف خدمة طبية حتى اليوم.

وأكدت وزيرة التضامن أن التجمع المدني المصري لعب دورًا محوريًا في دعم جهود الدولة، مشيدة بشراكة المجتمع المدني في توفير المساعدات الإنسانية والإغاثية.

ودعت الدكتورة مايا مرسي - خلال المؤتمر الصحفي - إلى المساهمة في دعم الهلال الأحمر المصري؛ ليستمر في أداء رسالته الإنسانية النبيلة، مؤكدة أن المساعدات في أوقات الحروب؛ واجب إنساني وقانوني لتقليل المعاناة البشرية وحفظ الكرامة الإنسانية.

واختتمت الوزيرة بالتأكيد على أن مصر ستظل داعمة لكل الجهود الدولية الرامية إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب في قطاع غزة؛ بما يضمن الحق في الحياة ومستقبلًا أفضل للأشقاء الفلسطين.

طباعة شارك وزيرة التضامن الاجتماعي الرئيس عبد الفتاح السيسي المساعدات الإنسانية الدكتورة مايا مرسي المعابر المصرية

مقالات مشابهة

  • حسام زكي : مؤتمر شرم الشيخ للسلام أنهى عمليا حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة
  • نادي الأسير: قضية جثامين الشهداء المحتجزة شاهد على الجرائم التي مارسها الاحتلال بعد حرب الإبادة
  • خفض التمويل الإنساني يدفع الملايين إلى الجوع الحاد في عدة دول بينها السودان
  • وزيرة التضامن: مصر مستمرة في أداء واجبها الإنساني تجاه الأشقاء في غزة
  • “مبادرة لاهاي” تطلق تحركا عالميا نصرة لضحايا الإبادة الجماعية في غزة
  • إضراب عام يجتاح إسبانيا تنديداً بـاستمرار “الإبادة الجماعية” في غزة
  • مجازر مليشيا الدعم السريع المروعة في الفاشر ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية
  • سانشيز: يجب محاسبة المسؤولين عن الإبادة الجماعية بغزة أمام العدالة
  • رئيس وزراء إسبانيا: يجب محاسبة المسؤولين عن الإبادة الجماعية بغزة أمام العدالة
  • الإغاثة الطبية الفلسطينية: 90% من البنية التحتية في غزة مدمرة.. و70 مليار دولار تقديرات الإعمار