في وقت يتزايد فيه الإجماع على أن غزة مسرح لإبادة جماعية يتم بثها مباشرة، لعبت بعض أقوى المؤسسات الإعلامية الألمانية دورا في تمكين إسرائيل من ارتكاب جرائمها، حتى إن بعض الصحفيين الألمان برر قتل زملائه الفلسطينيين.

بهذه الجملة يلخص مقال للصحفي والكاتب المقيم في برلين هانو هاوينشتاين بصحيفة غارديان دور بعض المؤسسات الإعلامية في دولة تفتخر بأنها تعلمت دروس تاريخها من الإبادة الجماعية، ضاربا المثال على ذلك بشركة "أكسل سبرينغر"، أكبر ناشر في أوروبا ومالك صحيفة بيلد، أكبر صحيفة في ألمانيا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كلام دون فعل.. لماذا لا يتدخل الغرب في غزة؟list 2 of 2صحفية أميركية: نجاح ممداني أربك بعض الديمقراطيين وتدخل أوباما قلب الموازينend of list

فبعد ساعات من إعلان مقتل صحفي قناة الجزيرة أنس الشريف، نشرت بيلد صورته تحت هذا العنوان "إرهابي متنكر بزي صحفي قتل في غزة"، قبل أن تعدل العنوان لاحقا إلى "الصحفي المقتول كان يزعم أنه إرهابي".

وقفة تضامنية وسط باريس للتنديد باستهداف الصحفيين في قطاع غزة (الجزيرة)

وذكر الكاتب في بداية مقاله بأن الفترة التي سبقت الهجمات المميتة هذا الأسبوع، اكتسبت فيها القصص التي تربط الصحفيين الفلسطينيين بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) رواجا كبيرا، مع أن إسرائيل لا تحاول إخفاء قتلهم، بل غالبا ما تشوه سمعة ضحاياها مسبقا، مصورة الصحفيين على أنهم "إرهابيون"، لتجريدهم من صفتهم المدنية ليبدو قتلهم مقبولا أخلاقيا، مع أنه جريمة حرب.

جريمة بحق الصحافة

وكانت بيلد قد نشرت مقالا آخر قبل نحو أسبوع بعنوان "هذا المصور من غزة يروج لدعاية حماس"، استهدفت فيه المصور الفلسطيني أنس زايد فتيحة، واتهمته بتزييف صور لفلسطينيين يتضورون جوعا كجزء من حملة لحماس، رغم وجود أدلة على أن الأشخاص الذين ظهروا في الصور كانوا بالفعل يتضورون جوعا وينتظرون الطعام.

وقد تم تضخيم قصة بيلد، إلى جانب مقال مشابه في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" بسرعة على منصة إكس من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي استشهدت بهما كدليل على أن حماس تتلاعب بالرأي العام العالمي، وقد انضمت مؤسسة غزة الإنسانية وكذلك مؤثرون من اليمين إلى وصم فتيحة بأنه "كاره لإسرائيل واليهود" ويخدم حماس.

بعد ساعات من إعلان مقتل صحفي قناة الجزيرة أنس الشريف، نشرت صحيفة بيلد صورته تحت عنوان "إرهابي متنكر بزي صحفي قتل في غزة"

وفي هذه الحالة -كما يقول الكاتب- أصبحت وسائل الإعلام الألمانية مصدرا مباشرا لخطابات إسرائيل، التي سرعان ما أعيد تدويرها في الساحة الدولية، وأعيد تقديمها على أنها "أدلة"، وقال فتيحة ردا على ذلك "أنا لا أخلق المعاناة، بل أوثقها"، وأضاف أن وصف عمله بأنه "دعاية حماس جريمة بحق الصحافة نفسها".

إعلان

وكانت إحدى أكبر جمعيات الصحفيين في ألمانيا قد نشرت بيانا يحذر من "التلاعب" في التصوير الصحفي، مما أثار شكوكا حول صور تظهر أطفالا نحيفين في غزة، مدعية أن حالتهم "لا تعزى إلى المجاعة"، ولم تقدم أي دليل على هذا الادعاء، واكتفت بالإشارة إلى مقال نشر في يوليو/تموز في صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ"، تساءل فيه كاتبه هل صور الأطفال الرضع الهزيلين ناجمة بالفعل عن الجوع أم عن أمراض سابقة كالتليف الكيسي.

ونبه الكاتب إلى أن التحيز ليس جديدا على المشهد الإعلامي الألماني، إذ إن دعم وجود دولة إسرائيل يأتي في المرتبة الثانية ضمن قائمة المبادئ التوجيهية لشركة "أكسل سبرينغر"، مذكرا بمساهمة صحيفة بيلد في إفشال مفاوضات وقف إطلاق النار بنشرها تقريرا "حصريا"، بمقتطفات من إستراتيجية حماس سربها لها مساعدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حسب الكاتب.

مبررات جاهزة

وفي التقرير، زعمت بيلد أن حماس "لا تهدف إلى إنهاء الحرب بسرعة"، مما برأ نتنياهو تماما من أي مسؤولية عن انهيار المحادثات آنذاك، وبعد وقت قصير من نشر تقرير بيلد، استشهد به نتنياهو في اجتماع لمجلس الوزراء لوصف المتظاهرين بأنهم أدوات في يد حماس.

ومع ذلك، تتجاوز المشكلة بيلد وأكسل سبرينغر بكثير -حسب هانو هاوينشتاين- ففي جميع وسائل الإعلام الألمانية العريقة، كان الفشل في تقديم تغطية متوازنة وقائمة على الحقائق لملف إسرائيل وفلسطين واسع النطاق، وأصبح جليا بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا تزال فيه دون تصحيح، مزاعم ملفقة، مثل كون حماس قطعت رؤوس 40 رضيعا، إلى جانب العديد من المعلومات المضللة المتعمدة الأخرى.

وتتجاهل وسائل الإعلام من مختلف الأطياف السياسية في ألمانيا السياق التاريخي بشكل روتيني، وتضع وفيات الفلسطينيين في إطار سلبي وغير مسيس، وتظهر ثقة شبه عمياء في "التحقق" العسكري الإسرائيلي، متعامية عن سجل موثق جيدا من المعلومات المضللة من مصادر حكومية إسرائيلية.

وفي يناير/كانون الثاني، نشرت صحيفة "دي تاغس تسايتونغ" اليسارية مقالا بعنوان "هل يمكن للصحفيين أن يكونوا إرهابيين؟"، استشهد المقال بالجيش الإسرائيلي 4 مرات، ولم يقتبس من أي صحفي في غزة، مما يسهم في تجريد الصحفيين الفلسطينيين من مصداقيتهم، وفي أسوأ الأحوال، يعطي إسرائيل مبررات جاهزة لاستهدافهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات على أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

الإعلام الحكومي: المنخفض الجوي كشّف عمق الكارثة الإنسانية بغزة

غزة - صفا أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن المنخفض الجوي القطبي "بيرون" الذي ضرب قطاع غزة خلال الأيام الماضية، شكّل كارثة إنسانية مُركّبة فاقمت من معاناة المدنيين. وقال مدير المكتب الإعلامي إسماعيل الثوابتة خلال مؤتمر صحفي بغزة، يوم السبت، إن الخسائر المباشرة الأولية بسبب المنخفض قُدرت بنحو 4 ملايين دولار وأشار إلى ارتقاء 11 شهيدًا انتشلت جثامينهم طواقم الدفاع المدني، وجاري البحث عن أحد المفقودين، نتيجة انهيار عدة بنايات قصفها الاحتلال سابقًا وتأثّرت بالمنخفض الجوي وظروف المناخ. ولفت إلى انهيار 13 منزلًا وانجراف وغرق أكثر من 27 ألف خيمة بسبب المنخفض الجوي، ضمن مشهد أشد اتساعًا طال فعليًا ما يزيد عن 53,000 خيمة بين تضرر كلي وجزئي. وذكر أن أكثر من ربع مليون نازح، من أصل نحو مليون ونصف المليون نازح يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية. وأضاف أن هذه الوقائع تؤكد مجددًا صحة التحذيرات السابقة التي أطلقناها مرات عديدة، وتكشف عن هشاشة بيئة النزوح التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي بالقوة والقصف، ومنع معالجتها عبر إغلاق المعابر وعرقلة إدخال مواد الإيواء. وبين أن المنخفض تسبّب في انجراف مئات الشوارع الترابية والطرق المؤقتة داخل محافظات قطاع غزة، وتعطّل حركة النقل والمواصلات وصعوبة وصول سيارات الإسعاف والدفاع المدني. وأشار إلى تضرر شبكات صرف صحي بدائية أُنشئت اضطراريًا وغرق مداخل مدارس ومراكز تعليمية تُستخدم كمراكز إيواء، وتلف معدات خدمية مساندة داخل هذه المراكز. وأفاد بتعطل خطوط نقل المياه المؤقتة، واختلاط المياه النظيفة بمياه الأمطار والطين، وانهيار حفر امتصاص مؤقتة في عشرات التجمعات المركزية المكتظة بالنازحين، وارتفاع مخاطر التلوث وانتشار الأمراض. وأوضح أن المنخفض أدى إلى تلف مواد غذائية مخزنة لدى آلاف العائلات الفلسطينية، وتضرر مساعدات غذائية تم توزيعها حديثًا في مناطق غمرتها المياه، وفقدان مخزون طوارئ لدى بعض مراكز الإيواء. وتابع أنه تم غرق مساحات زراعية منخفضة، وتضرر أراضي زراعية ومزروعات موسمية، وتلف عشرات الدفيئات الزراعية البدائية التي تعتاش منها آلاف العائلات النازحة، وخسارة مصدر دخل لمئات العائلات في ظل انعدام البدائل. ولفت إلى تضرر عشرات النقاط الطبية المتنقلة في مراكز النزوح والإيواء، وفقدان أدوية، مستلزمات طبية، ومستلزمات إسعاف أولي، وصعوبة وصول الطواقم الطبية للمناطق المتضررة. وأردف أنه تم تلف بطاريات ووسائل إنارة بديلة، وانجراف وتعطل ألواح شمسية صغيرة في مراكز النزوح ولدى عائلات نازحة. وقال إن تفاقم هذه الخسائر لا يمكن فصله عن سياسات الاحتلال غير الإنسانية، التي تمنع إدخال 300,000 خيمة وبيت متنقل وكرفان، وتعيق إنشاء ملاجئ آمنة، وتغلق المعابر أمام مواد الإغاثة والطوارئ. واعتبر أن ذلك يُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويعرّض المدنيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن، لمخاطر جسيمة يمكن تفاديها. وحمل المكتب الإعلامي الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذا الواقع الإنساني بالغ القسوة الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني، ولا سيّما أكثر من مليون ونصف المليون نازح يقيمون في مراكز الإيواء ومناطق النزوح القسري، بعد أن تعرّضت منازلهم للتدمير الكامل أو الجزئي من قبل الاحتلال خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة. وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها، والمنظمات الدولية والإنسانية، والوسطاء والضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار، والدول الصديقة والجهات المانحة بالتحرك الجاد والفوري والعاجل للضغط على الاحتلال لفتح المعابر دون قيد أو شرط، وإدخال مواد الإيواء والخيام والبيوت المتنقلة والكرفانات ومستلزمات الطوارئ. ودعا إلى توفير حماية إنسانية حقيقية لمئات آلاف النازحين، ومنع تكرار مشاهد الغرق والانهيار مع أي منخفضات قادمة وحذر من أن الواقع في قطاع غزة كارثي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ويتوجب على الجميع الوقوف أمام مسؤولياته قبل فوات الأوان. 

مقالات مشابهة

  • الإعلام الحكومي: المنخفض الجوي كشّف عمق الكارثة الإنسانية بغزة
  • صحيفة عبرية: مليشيات عراقية تهدد بالوصول إلى إسرائيل عبر الأردن
  • صحيفة تكشف تطوّرات جديدة بشأن جثة "غفيلي" وأسباب صعوبة إيجادها بغزة
  • هذا ما قررته إسرائيل بشأن لبنان.. صحيفة تُعلن الأمر
  • الإعلام الحكومي بغزة: 12 شهيدًا ومفقودًا وغرق 27 ألف خيمة بغزة
  • صحيفة إسرائيلية: إسرائيل وافقت على تحمل تكاليف إزالة الركام بغزة
  • لجنة حماية الصحفيين: “إسرائيل” قتلت ما يقرب من 250 صحفيًا بغزة وإيران واليمن
  • «توتر متصاعد ونهاية تقترب».. صحيفة بيلد تكشف تفاصيل أزمة صلاح مع ليفربول
  • نقيب الصحفيين: مجلس الوزراء اختار الطريق العكسي لمواجهة الشائعات
  • صحيفة عبرية: إسرائيل مستفيدة من انفصال جنوب اليمن وثرواته تمنحها بدائل