تتصدر مديرية ماوية بمحافظة تعز قائمة المناطق اليمنية الأكثر تضرراً من الانتهاكات الإنسانية خلال عام 2025، وسط ظروف أمنية وصحية ومعيشية خانقة فرضتها سيطرة مليشيا الحوثي على أجزاء واسعة منها، حيث تنوعت الانتهاكات بين الحصار والتجويع، والتهجير القسري، والاختطافات التعسفية، واستخدام المدنيين كدروع بشرية، في مشهد يرقى إلى جرائم حرب وفق القانون الدولي.

وفي واحدة من أبشع الحوادث الموثقة، توفيت المواطنة فهمية شايف مسعد في الأول من أغسطس 2025 بعد معاناة استمرت ساعات مع النزيف أثناء الولادة، نتيجة منع أسرتها من نقلها إلى مركز صحي بسبب الحصار المفروض على جبل تنسم والقرى المحاذية له، وفق شهادة ابن عمها عبدالوهاب علي مسرع.

وذكر قريب الضحية، أنه رغم مناشدات الأسرة المتكررة، رفضت مليشيا الحوثي السماح بمرور المركبات، ما أدى إلى وفاتها فجراً، بحسب تقرير نشرته منظمة "سام" الحقوقية.

 

شهادات ميدانية

وأكد مدير عام المديرية، عبدالجبار الصراري، أن المليشيا الحوثية المدعومة إيرانياً، فرضت منذ أكثر من شهرين حصاراً شاملاً، واختطفت معلمين وأطباء وأعضاء مجالس محلية، ونفذت عمليات تهجير قسري لسكان قرى متاخمة لخطوط التماس، خاصة في مناطق المسيمير وكرش وخدير.

التقرير الحقوقي الصادر عن منظمة "سام" أوضح أن هذه الانتهاكات ليست إجراءات ظرفية، بل سياسة ممنهجة تستهدف النساء والأطفال والشرائح الأضعف، وتحرمهم من أبسط حقوقهم في الأمن والحركة والرعاية الصحية.

 

أرقام صادمة

البيانات الموثقة تكشف تهجير نحو 183 أسرة تضم 1,281 شخصاً على الأقل - مع تقديرات بارتفاع العدد إلى 1,500 شخص-، من قرى النجد، الأخيرم، الفراشة، والطعنة، إلى مناطق خطرة مثل "ورزان"، حيث توجد مواقع عسكرية ومنصات إطلاق صواريخ بين الأحياء السكنية. وشهادات النازحين تؤكد أن التهجير تم تحت تهديد السلاح ودون السماح بحمل الممتلكات.

 

أعمال قسرية

بحسب إفادات ميدانية، أجبرت المليشيا بعض النازحين، خصوصاً الشباب، على أعمال ذات طابع عسكري، منها حفر الخنادق ونقل المعدات، فيما خضع آخرون لدورات فكرية قسرية. كما واصلت الجماعة حصار مناطق جبل تنسم والوبيد، ما أدى إلى كوارث إنسانية بينها وفاة مواطنين لغياب الرعاية الطبية.

وأدت هذه الانتهاكات إلى تدمير النسيج الاجتماعي وحرمان الأطفال من التعليم، وفقدان مصادر الدخل، والاعتماد الكامل على مساعدات إنسانية شحيحة.

كما سجلت حالات انهيار نفسي واكتئاب بين النساء، واضطرابات حادة لدى الأطفال نتيجة الخوف المزمن، في ظل غياب الدعم النفسي والاجتماعي.

 

جرائم حرب

وصنّف التقرير الحقوقي ما جرى في ماوية كجرائم حرب، استناداً إلى اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي، باعتبارها تشمل النقل القسري، الحصار المميت، واستخدام المدنيين كدروع بشرية، وهي أفعال تستوجب المساءلة الجنائية الدولية.

وحملت منظمة "سام" مليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات، مؤكدة أن المسؤولية تمتد إلى القيادات السياسية والعسكرية، وأنها لا تسقط بالتقادم.

وطالبت الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بفتح تحقيق دولي عاجل، وإحالة المسؤولين للمحكمة الجنائية الدولية، مع دعوة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية لإرسال فرق طوارئ لتقديم الإغاثة والرعاية الطبية والنفسية.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

إقرأ أيضاً:

لماذا تسعى ميليشيا الحوثي إلى تحويل الخلافات القبلية في مناطق سيطرتها إلى نزاعات دامية ودائمة؟

 

تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، بالقوة، تصاعداً خطيراً في الصراع المسلح والنزاعات القبلية، لا سيما في محافظات الجوف وعمران وذمار والبيضاء، وتتحول الخلافات إلى مواجهات دامية نتيجة سياسة الميليشيا المتعمدة لنشر الفوضى والفرقة بين القبائل.

 

هذه التطورات تبرز نمطاً خطيراً من سياسات قديمة حديثة، أسسها نظام الإمامة ضد القبائل، وكرسها الحوثيون ليغذوا الأحقاد القديمة، بذخيرة جديدة تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي من خلال نشر الفوضى الأمنية وتعزيز ثقافة الثأر القبلي.

 

تقف القبائل اليمنية، اليوم، عند مفترق طرق بعد أن دفعت الثمن خلال سنوات من الحرب، وسُحقت خلالها سياسياً واجتماعياً في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، لتتحول النزاعات القبلية إلى أداة بيد الميليشيا.

 

نتيجة طبيعية

 

يقول الباحث في مركز الشرق الأوسط للأبحاث في جامعة كولومبيا، الدكتور عادل دشيلة، فيما يخص الصراعات القبلية في الوقت الراهن وتجدد مثل هذه الصراعات، فهي نتيجة طبيعية وبالتالي قد نرى أكثر مما هو حاصل اليوم في أكثر من منطقة قبلية.

 

وأضاف: الجماعة الحوثية تعيش في مأزق، في الوقت الراهن وفقدت السيطرة على المناطق القبلية، وبالتالي الآن نحن ندرك أنه عندما ينهار النظام السياسي أو جماعة عنف مسلحة، أو سمها ما شئت، في المناطق القبلية، عندما تضعف تبدأ القبيلة تعالج أو تبدأ القبيلة بمعالجة قضاياها إما عبر الصراعات المسلحة أو عبر الحوارات القبلية.

 

وتابع: القبائل لا تسعى إلى مزيد من القتل بل تسعى من خلال هذه المعارك لإجبار الخصم على التفاوض لإنهاء النزاع سلمياً.

 

وأردف: على الجانب السياسي خلال الأيام الماضية، رأينا تصاعد في العمليات أو في التحركات القبلية، سواء بين أرحب وحاشد، واليوم بين بكيل أبناء بكيل وجزء من قبيلة حاشد، في العصيمات منطقة السواد، وهذه ليست وليدة اللحظة، هذه الصراعات ممتدة منذ سنوات وتفجرت في العام 2009 والآن مرة أخرى.

 

وزاد: الآن جماعة الحوثي تحولت إلى وسيط، لكنها لا تستطيع في نهاية المطاف أن تسيطر على الشأن القبلي، لأنها فقدت القبضة العسكرية والحديدية في المناطق القبلية، وهي الآن تحاول فقط أن تظهر نفسها على أنها تسيطر على المشهد، ولكن هذا مؤشر على انهيار حكم جماعة الحوثي في المناطق القبلية.

 

وقال: علينا أن ندرك أن الجماعة الحوثية عندما أسقطت المناطق القبلية هي استخدمت المشاكل القبلية واليوم بسبب هذه المشاكل القبلية ستسقط جماعة الحوثي في هذه المناطق القبلية.

 

وأضاف: الحوثيون عندما دخلوا إلى بلاد حاشد كانوا يقولون نريد أن نحرر قبائل بكيل من أسرة آل الأحمر، نريد أن نحرر قبائل الأهنوم ونريد أن نحرر قبائل عذر ونريد أن نحرر قبائل حجور بهذه اللهجة حتى كانوا يستخدمون قبيلة ضد أخرى ووصلوا إلى مناطق حاشد ثم إلى عمران ثم إلى صنعاء، وبقية القصة معروفة ما الذي جرى في مناطق أخرى من البلاد.

 

وتابع: حاليا هذه القضايا أنا لا أستطيع أن أقول أنها مدفوعة بشكل مباشر من من جماعة الحوثي، ولكن أقول أنها مؤشر على أن الجماعة الحوثية فقدت السيطرة على القبائل، لأنها كانت الجماعة الحوثية في الماضي، تجيّش القبائل إلى الجبهات، والآن الناس لا تريد الجبهات، شبعت من شعارات الجماعة خلال أكثر من عقد من الزمن.

 

المقاومة والرفض

 

يقول رئيس منتدى جذور للفكر والثقافة، عمار التام، لا نستطيع أن نقرأ الأحداث التي نشبت في مناطق سيطرة الحوثي، فيما يتعلق بالنزاعات القبلية، بعيداً عن بعض الأحداث والأمور التي سبقتها.

 

وأضاف: هناك خروج عن سلطة الحوثي من قبل المكون القبلي، ولهذا الخروج مظاهر عدة، حيث ظهرت فيه القبائل في مظهر المقاومة والرفض، سواء ما حدث إذا جاز لنا الحديث عنه في بعض الجنائز التي سبقت هذه الأحداث، كما حدث في جنازة الشيخ ناجي جمعان، والشيخ زيد أبو علي وغيرهم من الشخصيات القبلية، أوصلت القبيلة رسالة للحوثي ولغير الحوثي أنها رافضة للحوثي، بشكل من أشكال الرفض بعيدا عن المواجهة.

 

وتابع: في حقيقة الأمر، الحوثي ليس بريئاً عن إذكاء هذه الصراعات الموجودة، صحيح أنها موجودة منذ عشرات السنين، بعضها قديمة، وبعضها لها أكثر من عقدين وثلاثة عقود وأربعة عقود، لكن سياسة التفكيك يسعى من خلالها الحوثي إلى تحقيق عدة أهداف أولها استباق ما يعني إحياء الذكرى القادمة للانقلاب 21 من سبتمبر، أو بعض المناسبات الحزبية التي تسبقها أو تلحقها ليشتت أمر القبائل.

 

وأردف: كذلك الاستحقاقات الاقتصادية والمطالبات والوضع المزري المعيشي الذي يعيشه الناس، الحوثي دائماً يدير هذه الأمور ويدير المجتمع بالأزمات، إما بترحيلها بأزمات خارجية، كما حدث في ملف غزة، وملف البحر الأحمر، أو كما يسعى الآن وهي سياسة واضحة، لأن الذين يقومون بإذكاء هذه الصراعات هم شخصيات محسوبة على الحوثي وقريبة من الحوثي سواء يعني في درجة محافظ أو قائد لواء من المنتحلين لهذه المناصب أو مستشارين أو غيرهم.

 

قراءة أسباب الصراع

 

يقول الباحث في التاريخ والتراث، الدكتور فيصل الدودحي، إن أسباب تصاعد حدة الصراعات في مناطق سيطرة الحوثي يمكن قراءتها من واقع الحراك القبلي الدائرة الآن، حيث أن القبائل شعرت بأنها تستهدف، من خلال تفكيك بنيتها التقليدية.

 

وأضاف: القبيلة لديها منظومة كاملة في القيادة والتفسير والتدبير والتوجيه, والاستهداف تم من خلال استبدال شيوخ تقليديين بشيوخ مواليين للجماعة فقط، مما أدى إلى زيادة التوتر بين هذه القبائل.

 

وتابع: كذلك الحوثي يعمل بسياسة قديمة وليست جديدة، وهي ضرب رأس برأس، أو ما اصطلح على التعبير عنه سياسة "فرّق تسُد" من خلال دعم قبيلة على حساب أخرى، والمبدأ وفقاً لمبدأ الولاء للجماعة لا غير.

 

وأردف: كذلك من خلال توزيع الامتيازات والوظائف للموالين للجماعة، وحرمان مناطق وقبائل أخرى، هذا أدى إلى أنه تصاعدت حدة التوترات في هذه المناطق.

 

وزاد: مع اختلافنا أو اتفاقنا مع القبيلة وعلاقتها بالدولة، إلا أن هذه القبائل كانت في مرحلة من المراحل، قد بدأت تستجيب لآليات حل النزاع عن طريق مؤسسات الدولة، وحينما غابت هذه المؤسسات وتم استبدالها بمجموعة من الصبية غير المدربين وغير المؤهلين وهم المشرفون، أدى إلى زيادة التوتر في هذه المناطق، بحكم تصرفات وتعسفات هؤلاء المشرفين.

مقالات مشابهة

  • لماذا تسعى ميليشيا الحوثي إلى تحويل الخلافات القبلية في مناطق سيطرتها إلى نزاعات دامية ودائمة؟
  • مليشيا الحوثي تحظر استخدام البطاقة الشخصية الذكية في مناطق سيطرتها
  • بيان لـ100 منظمة دولية: لم نتمكن من إيصال شاحنة مساعدات واحدة منذ فرضت “إسرائيل” الحصار على غزة مطلع مارس 2025
  • مليشيا الحوثي تواصل حملة للاستيلاء على ممتلكات المؤتمر الشعبي بصنعاء
  • روسيا تتقدم بحل إلى مجلس الأمن يفضي إلى وقف الغارات الإسرائيلية على مليشيا الحوثي في اليمن
  • مليشيا الحوثي تفرض رسوماً غير قانونية عبر "النظام الإلكتروني" وتحرم المواطنين من حق التقاضي المجاني
  • العراق الأكثر تضررا.. القبة الحرارية تضرب الشرق الأوسط
  • إحاطة غروندبرغ أمام مجلس الأمن تُثير غضب مليشيا الحوثي
  • اليمن أمام مجلس الأمن: مليشيا الحوثي تهدد الملاحة الدولية وتحوّل البحر الأحمر إلى ساحة حرب