موقع النيلين:
2025-08-15@00:45:50 GMT

نتنياهو يفتح الخريطة .. لماذا الآن؟! ..

تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT

ليلة تلفزيونية محسوبة الإضاءة.. كاميرا i24 تلتقط ابتسامة مَن يعرف أين يضع كل كلمة.. أمامه خريطة مُهداة.. تتجاوز فلسطين إلى أطراف مصر وسوريا ولبنان والأردن.. وخلف الميكروفون ينساب صوته قائلاً بهدوءِ مَن يحفظ النص عن ظهر قلب.. أنا في مهمة تاريخية وروحانية.. وأنا مرتبط جدا برؤية إسرائيل الكبرى.. لم تكن عبارة عابرة.

. ولا زلة لسان.. بل إعلان مدروس في توقيت له دلالته.. إعلان لم يترك مجالاً للالتباس.. أو التراجع..

مثل هذه الكلمات.. لا تُقرأ كسطور مفردة.. بل كطبقات متداخلة.. تمتد من التاريخ إلى الحاضر.. ومن السياسة إلى الميدان..

فعلى المستوى التاريخي.. فكرة إسرائيل الكبرى.. ليست إبداعاً شخصيا لنتنياهو.. بل هي امتداد لرؤى صهيونية قديمة.. رسمها هرتزل.. ونسختها خرائط حركات صهيونية.. كانت ترى الحدود بين النيل والفرات حقاً تاريخيا.. لكن نتنياهو يُلبسها اليوم ثوباً شخصيا وروحانيا.. وكأنه يرفعها من مستوى الطموح السياسي.. إلى القدر الإلهي..

أما على المستوى السياسي الداخلي.. فالرجل يواجه أزمات قانونية وشعبية.. لكنه بارع في تحويل الخناق إلى منصة.. تصريح كهذا.. يشحن قاعدته اليمينية المتطرفة.. ويعيد تقديمه في صورة الزعيم التاريخي.. القائد الذي لا يقود حكومة فحسب.. بل أمة نحو مهمة أجيال.. وهذا أسلوب عرفه التاريخ لدى زعماء يهربون من مساءلة الواقع.. إلى استدعاء مشاريع كبرى.. توّحد أنصارهم خلفهم.. وتؤجل الحساب..

وعلى المستوى الإقليمي والدولي.. التصريح رسالة اختبار.. يضع بها نتنياهو مقياس حرارة لردود الفعل.. ليرى إن كانت المنطقة والمجتمع الدولي.. منشغلين بما يكفي عن مواجهة خطاب توسعي كهذا.. فالانشغال العالمي بالحروب.. والأزمات الاقتصادية.. يمنحه فرصة تمرير الفكرة في الوعي العام.. وكل صمتٍ.. أو ردٍ باهت.. يُقرأ في تل أبيب كإشارة للانتقال من الخطاب إلى الفعل..

أما على المستوى العملي.. فهو لا يقول إن الكيان الإسرائيلي سيتحرك غداً لاحتلال الأردن.. أو مصر.. لكنه يضع غطاء فكرياً.. يمكن أن يبرر سياسات الضم التدريجي.. التوسع الاستيطاني.. أو التدخلات الأمنية تحت شعار الأمن القومي.. فالخرائط تبدأ رموزاً على الورق.. قبل أن تتحول إلى إجراءات على الأرض..

في غزة.. تُختبر المعادلات الجديدة.. إعادة رسم للمناطق العازلة.. وإدارة غير فلسطينية للمعابر.. وخطاب أمني طويل الأمد.. فإذا نجحت التجربة هناك.. يمكن تصديرها إلى جغرافيا أخرى.. بصيغ معدّلة.. وعلى الضفة.. الضم الزاحف يتقدم خطوة خطوة.. تلة بعد تلة.. وطريق بعد طريق.. حتى يصبح الواقع أمرا طبيعيا.. لا يستدعي إعلاناً رسميا..

لبنان بدوره ساحة اختبار بطيئة.. لا حربا شاملة.. ولا سلماً كاملا.. بل اشتباك محسوب.. يبقي الباب مفتوحا لإعادة تعريف الحدود وقواعد الاشتباك.. وسوريا تُستهدف بضربات موضعية.. تعيد رسم خطوط المرور في الجو.. وعلى الأرض.. أما الأردن.. فهو الحاضر الغائب.. إذ لا يمكن لفكرة إسرائيل الكبرى.. أن تتجاهل غور الأردن.. أو فكرة الحدود الأمنية الممتدة شرقا..

خطاب الروحانيات هنا.. ليس تنطعاً.. او رفاهية لغوية.. بل أداة لشرعنة التوسع.. حين يتحول الصراع من السياسة إلى القدر.. يصبح الاعتراض عصيانا على التاريخ.. ومن هنا جاءت أهمية مشهد الخريطة والتميمة في يد نتنياهو.. لأنه يطبع مشروعه في وعي الجمهور كهدية بريئة.. بينما هو في جوهره إعلان حدود ذهنية تمهد لحدود فعلية..

السؤال الأهم.. هل هذا تمهيد لتحول استراتيجي فعلي؟!.. نعم.. إذا رأينا ثلاثة مسارات تتزامن.. تشريعات تطبق القانون الإسرائيلي على كتل استيطانية أوسع.. إعادة تعريف دائمة لغزة ومساحتها الآمنة.. تحت إدارة غير فلسطينية.. ورسم قواعد اشتباك جديدة شمالاً.. تجعل الاستثناء قاعدة.. حينها تكون الخريطة.. قد خرجت من العتمة إلى ضوء النهار.. وما كان روحانيا.. صار برنامج عمل..

وكما يقولون.. ربّاط السالفة.. نتنياهو قالها الآن.. لأنه يريد أن يرفع مشروعه من معركة بقاء سياسي.. إلى سجل الخلود في الذاكرة الصهيونية.. يريد أن يحوّل أزمات شرعيته إلى أسطورة تأسيس.. وأن يقلب اللحظة إلى محطة تاريخية..

أما نحن.. فَلَسنا صفحات بيضاء يخط عليها أحلامه.. ولسنا أرضاً سائبة.. يمد عليها خرائطه كيف شاء.. نحن جذر في هذه الأرض.. ضارب في عمقها منذ فجر التاريخ.. كل حجر فيها يعرف أسماءنا.. وكل جيل يورث الذي بعده حكاية الصمود.. قد يظن أن الصمت ضعف.. لكنه حين يطرق أبوابنا.. سيجد أن الأبواب من نار.. وأن الحلم الذي بناه على الورق.. سيتفتت تحت أقدام مَن لم يعرفوا يوماً معنى الهزيمة.. فالخرائط تبدأ في الأذهان.. لكن حين تصطدم بأرضنا.. تدرك أن الدم الذي حرسها قروناً.. لن يسمح لها أن تتحول إلى واقع.. فليعلم نتنياهو.. أن أرضنا لا تُؤخذ بخطاب.. ولا تُمحى برسم على خريطة.. بل هي عهد.. والعهد في دمنا لا يسقط..

محمود الدباس – وكالة عمون الإخبارية

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: على المستوى

إقرأ أيضاً:

غدًا سحب قرعة بطولة دوري أبطال آسيا 2

تُسحب غدًا في العاصمة الماليزية كوالالمبور، قرعة دور المجموعات من دوري أبطال آسيا 2 لكرة القدم.
ويخوض منافسات البطولة (32) فريقًا بنظام الفصل بين الشرق والغرب في الأدوار الأولى بواقع (16) فريقًا في كل منطقة، ووُزِّعَت مستويات فرق الغرب الـ(16) إلى أربعة مستويات، وجاء في المستوى الأول النصر السعودي برفقة الأهلي القطري، وسيباهان الإيراني، والوصل الإماراتي، وضم المستوى الثاني الاستقلال الإيراني، وأنديجون الأوزبكي، والزوراء العراقي، والحسين الأردني، وفي المستوى الثالث المحرق البحريني، وموهون باغان الهندي، والاستقلال الطاجيكي، وأركاداغ من تركمانستان، وضم المستوى الرابع الوحدات الأردني والخالدية البحريني، وغوا الهندي ونادي آهال من تركمانستان، والمتأهلين من الدور التمهيدي.
وستقام المنافسات بنظام الدوري من مرحلتين (ذهابًا وإيابًا) ابتداءً من 16 سبتمبر المقبل على أن يختتم دور المجموعات 24 ديسمبر المقبل.

مقالات مشابهة

  • غدًا سحب قرعة بطولة دوري أبطال آسيا 2
  • العراق يفتح كنوزه أمام الاستثمار رغم الحاجة لـالإصلاحات
  • لماذا تسعى ميليشيا الحوثي إلى تحويل الخلافات القبلية في مناطق سيطرتها إلى نزاعات دامية ودائمة؟
  • موعد انتهاء إجازة نهاية العام وبدء الدراسة 2025 - 2026.. اعتماد الخريطة الرسمية
  • “قبة أمريكا الذهبية”.. لماذا استبعد ماسك من أضخم مشروع دفاعي في التاريخ؟
  • حزب البناء الوطني : نتنياهو… زعيم مشروع جرائم الإبادة وسارق التاريخ
  • موعد بدء العام الدراسي الجديد 2025 - 2026.. التربية والتعليم تعتمد الخريطة الزمنية
  • عاجل | أكسيوس: وفد إسرائيلي رفيع المستوى يتوجه إلى الدوحة قريبا
  • تفاصيل الخريطة الزمنية للعام الدراسي 2025-2026 ومواعيد الإجازات