وبينما كنا نشتكى دائمًا من سلوكيات وبلطجة بعض سائقي التوكتوك، ونعزو ذلك أحيانًا إلى صغر سنهم وضعف ثقافتهم أو تسربهم من التعليم حتى جاءت حادثة طريق الواحات الأخيرة لتدق جرس إنذار خطير جدًا فالمتهمون هذه المرة ليسوا من الجهلاء أو العشوائيين، ولكنهم طلاب فى كليات قمة أبناء طبقة اجتماعية مميزة يركبون سيارات فارهة رغم صغر سنهم فيعيثون بها فى الأرض فسادًا بلا وازع من تربية أو أخلاق أو دين.
واقعة مرة تداولها الناس عن بعض الشبان الذين تسببوا بكل رعونة فى كارثة على الطريق حين طاردوا سيارة تقل فتاتين فى محاولة لإجبارهما على التوقف بالقوة مما أدى لاصطدام سيارة الفتاتين بسيارة نقل متوقفة بعد أن اغلق هؤلاء الطريق أمامهما، وأسفر الحادث عن إصابة الفتاتين بجروح وكسور وتهشم السيارة بالكامل لنكتشف بعدها أن الثلاثة من طلاب كليات القمة كالطب والعلوم السياسية.
ماذا يحدث لنا؟ وكيف يصل الحال بمثل هؤلاء الشباب المتعلمين ليرتكبوا هذا الفعل المشين؟ أين ذهبت أخلاقنا ونخوتنا وشهامة أولاد البلد المعروفة عنا عبر التاريخ حتى لم تعد بناتنا يأمن على أنفسهن من تهور واستهتار بعض الشباب المتحرش حتى رغم الثراء وارتفاع درجات التعليم، ليس الامر هينا أبدا فغدًا سيصبح أمثال هؤلاء أطباء ومهندسين وأصحاب مراكز مرموقة في المجتمع ولكن هيهات أن يصبحوا رجالاً، فالرجولة لها مقاييس أخرى لا يعرفها مثل هؤلاء المستهترون.
السادة النخب المثقفة وأصحاب القرار وأهل الدولة والتشريع والدين والإعلام: نظرة سريعة وعميقة على الإنسان المصري وسبل إعادة بناء منظومة القيم التي بدأت تنهار، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. حفظ الله مصر وشبابها من العبث والتشتت.. حفظ الله الوطن العزيز الغالي.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
خطر الأقنعة.. العلماء المُضلِّلون بين الصف والعدو
عباس المسكري
في تاريخ الأمم لحظات فارقة تتكثف فيها الأخطار وتتقاطع فيها الخيوط حتى يصبح الوقت أثمن ما يُملك والقرار أثقل ما يُتخذ، لحظات لا تحتمل الغفلة ولا التشتت لأن العدو فيها لا يطرق الأبواب فقط؛ بل يسعى إلى اقتحام العقول والضمائر قبل الأرض والحدود، وما نعيشه اليوم في عالمنا العربي والإسلامي ليس إلّا واحدة من تلك اللحظات الحاسمة؛ حيث تتقاطع مطامع الاحتلال مع ألاعيب الداخل في مشهد يختلط فيه الدخان بالغبار فلا يُميز فيه إلّا صاحب البصيرة النافذة.
في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ أمتنا؛ حيث يعلو هدير الخطر على أسوار غزة، وتعلن إسرائيل على الملأ نيتها ابتلاع ما تبقى من الأرض الفلسطينية، وحيث تتكشف ملامح المشروع الأمريكي لتقسيم الشرق الأوسط وتفتيت ما بقي من وحدته، ينبعث على نحو مريب حراك مُمنهج من جماعات إسلامية وبعض من علماء السلطة يدعو إلى إثارة الطائفية والهجوم على كل مقاومة ومن يناصرها، وقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بهرطقات كل من يدَّعي العلم يفسرون ويحللون ويحرمون على كيفهم وينعتون من يخالفهم بالضال، ومع ذلك لم يرفع هؤلاء أصواتهم ضد الاحتلال أو المشاريع الخارجية، وكأنهم يعملون بالوكالة لإضعاف الصف العربي وتهيئة الوضع لما هو قادم.
ويزداد الأمر سوءًا عندما نتساءل: لماذا تسكت الأنظمة والحكومات عن هؤلاء العلماء المُضلِّلين وتتركهم يعبثون بنشر الفتن وتفريق الشعوب؟ هل هو تجاهل أم تعاون صامت مع المخططات الخارجية؟ وكيف يسمحون لأصوات مُغرِضة أن تصنع الخلافات بين أبناء الأمة في وقت يحتاج فيه الجميع إلى الوحدة والوعي؟
إنَّ صمت الحكومات يضاعف خطورة هذه الفتن، ويترك المجال مفتوحًا أمام من يريدون العبث بعقول الشعوب وزرع الشقاق بينهم.
إن هؤلاء العلماء المُضلِّلين يمثلون خطرًا جسيمًا على الأمة؛ فهُم لا يزرعون سوى الانقسام ويغذون الكراهية، وكل كلمة باطلة يطلقونها بمثابة سهمٍ يثقب وعي الجماهير، وكل فتوى مغرضة حجرٌ في جدار الانقسام، ومن يتبعهم بلا بصيرة يقع فريسة سهلة للفتن التي يزرعونها، ولذلك يجب على الشعوب العربية أن تكون يقظة لا تغفل وألا تنجر خلف أصوات ضالة تتخفى في لباس الدين بينما هدفها الحقيقي هو تفتيت الصفوف وإضعاف الأمة.
وفي هذا السياق، يبرُز الوعي كأقوى سلاح؛ حيث إن الصف العربي المُوحَّد والوعي الجماعي هما حصن الأمة في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، ومن ينجح في إثارة الفتن لن ينجح إلا إذا وُجد الجهل والتردد في مواجهة الخطر، لذلك يجب على كل فرد أن يكون على يقظة مستمرة، وأن يميز بين من يسعى للوحدة ومن يزرع الانقسام، وأن يقف مع الحقيقة لا مع المصالح المبطنة والخداع المُموَّه؛ فالمعركة الكبرى اليوم هي معركة العقول قبل أن تكون معركة الأرض.
وفي النهاية، تظل الأمة أمام مُفترق طرق، فمن يعي الخطر ويستشعر حجم المؤامرة يسهم في حماية مجتمعه وأرضه، ومن يغفل يسقط في مستنقع الفتنة، فلن يكون هناك مُنقِذ إلّا الوحدة والوعي والثبات على الحق؛ فالعقول هي المعركة الحقيقية التي تحدد مصير الأمة ومستقبلها بين الحرية والانكسار، وبين الصمود والانقسام.