لجريدة عمان:
2025-12-10@14:53:46 GMT

لماذا تحتاج المؤسسات المالية إلى الأخلاق؟

تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT

لماذا تحتاج المؤسسات المالية إلى الأخلاق؟

إدوارد سورينسن / ترجمة - أحمد القرملاوي

كل القرارات التي نتخذها، سواء بوعي أو نتيجة دافع لا ندركه، تحكمها قيمُنا الأخلاقية، بما في ذلك القرارات التي نتخذها في عالم الأعمال. ورغم أن مناهج التمويل التعليمية دائمًا ما تؤكد على مكانة الأخلاق، إلا أن التأكيد يبدو كخطوة تكميلية نعود إليها لاحقًا، لنقيس القرار على القوانين والأعراف المتفق عليها.

إلا أن الأخلاق أكبر بكثير من كونها أداةً للقياس، إذ هي الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها القرارات السليمة في عالم الأعمال.

يسعى هذا المقال لتوضيح هذا الارتباط العميق، من خلال النظر لما توصَّل إليه علم النفس السلوكي حول آليات اتخاذ القرار في الشركات، وربطه بنتائج عدد من المقابلات مع متخصصين في مختلَف قطاعات التمويل، لتبيُّن الأسباب التي تجعل الأخلاق عنصرًا أساسيًّا لا غنى عنه في مجال التمويل، وكيف أن السلوك الأخلاقي حين يسود داخل المؤسسة، فإنه لا يعزز فقط مسؤوليتها الاجتماعية، بل يقود لبناء شركة أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق أرباح مستدامة.

الثقافة تبدأ من القمة

لطالما قيل إن الثقافة المؤسسية تبدأ من قمة الهرم المؤسسي، ثم تنحدر إلى القاعدة. لكن ما الذي يدعم هذا الاعتقاد؟ من الناحية العملية، تُقِرُّ الإدارة العليا السياسات التي تنظِّم العمل، كما تُعيِّن الأفراد المسؤولين عن تطبيق هذه السياسات. كما أنها تضع الرسالة العامة والخطط الاستراتيجية، والتي تنعكس بدورها على سلوكيات الموظفين. وفوق صلاحياتهم القانونية في اتخاذ القرارات وإقرار السياسات، فإن سلوك القادة وقناعاتهم الأخلاقية تؤثر تأثيرًا بالغًا على المرؤوسين ونتائج العمل.

ثمة نموذج إيجابي تُقدمه شركة Southwest Airlines، التي استمرت لعدة عقود أكثر شركات الطيران ربحية رغم تبنِّيها لنموذج قائم على «أخلاقيات الرعاية»، وهو المبدأ القائل إن أي قرار يجب أن يأخذ في الاعتبار مخاوف ومشاعر الأطراف ذوات الصلة بالقرار، وهو مبدأ يضع العلاقات الإنسانية في قلب عملية اتخاذ القرار، وينطلق من التعاطف وفهم مصالح كل طرف ومشاعره ووجهة نظره، كما يستعين باللطف والاهتمام والإيثار في معالجة النزاعات الأخلاقية.

في حالة Southwest Airlines، جرى التعامل مع الموظفين والعملاء على هذا الأساس، كأفراد من «العائلة»، لا كوسائل لتحقيق الأرباح للمساهمين. تبنَّى الرئيس التنفيذي في سنوات الشركة الأولى ثقافةً يشعر فيها الناس بأنهم يمارسون الطيبة تجاه بعضهم البعض. سعت الشركة إلى احترام عملائها -الركاب- بتقديم رحلات مريحة يسودها شعور إيجابي، ولا تُفقَد فيها الحقائب. وامتدت هذه الروح لتشمل الموظفين، فخضعت أطقم الضيافة للتدريب على مساندة بعضهم البعض أثناء الخدمة، وأن يبقوا لطفاء، ومَرِحين، ومُهتمين.

بهذه الثقافة القائمة على الرعاية، خلقت Southwest شعورًا بالانتماء والعائلة داخل الشركة، وبَنَت قاعدة من العملاء المخلصين والموظفين المرتبطين بعملهم، ما قادها لنجاح مستدام على امتداد عقود.

أما النموذج السلبي فيُمكن ملاحظته في شركة HealthSouth، لتَبيُّن ما يحدث حين يسيطر منطق الأنانية على قمة المؤسسة. فقد أدى تركيز الرئيس التنفيذي على تلبية توقعات وول ستريت لدرجة الهوس، إلى تزوير التقارير المالية ثم إلى انهيار الشركة. هذه العقلية تُجسد النموذج القائم على”الأنا“، حيث تحتل مصالح الإدارة العليا المالية مكانة أهم من دور الشركة الاجتماعي ومن شفافية المعلومات التي يحتاجها المساهمون لاتخاذ القرارات الاستثمارية. يتحدث المدير المالي الأسبق، آرون بيم، حول هذا الفساد المؤسسي فيقول: إن الرئيس التنفيذي كان يسعى لأن يصبح مليارديرًا بأي ثمن، فخلق «بيئةً أشبه بالعبودية» تتمحور حول تحقيق رغباته. ويضيف:»الجميع يقول نعم دائمًا، لأن قول لا سيجلب عليهم الأذى حرفيًّا»، ما يعني أن الرئيس التنفيذي عَطَّل دور باقي القيادات، وفرض ثقافة تقوم على الطاعة العمياء، متجاهلًا مسؤولياته تجاه المساهمين والموظفين والعملاء.

نموذج سلبي آخر طرحَتْه إليزابيث هولمز، المديرة التنفيذية لشركة Theranos، قائلةً إنها كانت تنظر لنفسها على نحو متضخم، ترى نفسها «نسخة من ستيف جوبز»، لدرجة أنها ما عادت تُدرك «أين تنتهي الحقيقة وأين يبدأ الكذب»، بينما تحتال على المستثمرين وتَرتكِب ما يُعَدُّ جرائم مالية. ورغم أن نواياها لم تكن شريرة بالضرورة، إلا أن النبرة التي صنعتها على قمة المؤسسة أدَّت لبيئة غير أخلاقية، حتى لو بدافع الوهم بدلًا من الجشع.

نَخلُص من هذه النماذج إلى أن الثقافة المؤسسية تنبع من القادة، من معاييرهم وسياساتهم وممارساتهم اليومية، فما تفعله القيادة هو ما يشكل ثقافة المؤسسة ويوجِّه سلوك المرؤوسين.

نحن نتخذ قرارات منحازة

بينما يدرك أكثرنا مفهومَ الانحياز على نحو عام، فقد لا نكون واعين تمامًا لمدى تأثير الانحياز على قراراتنا. نحن منحازون بطبيعتنا، وانحيازنا هو انعكاس للكيفية التي تعمل بها أدمغتنا. وسواء كنا مدركين أم لا، فإننا خاضعون لمجموعة انحيازاتٍ إدراكية تؤثر على قراراتنا. وفيما يلي بعض الأمثلة المهمة من كتاب أستاذ التمويل السلوكي هيرش شيفرين، وعنوانه: «إدارة المخاطر السلوكية»:

1- نظرية الأمان.. الإمكان.. الطموح

تفترض هذه النظرية أن المشاعر تلعب دورًا جوهريًّا في صناعة القرار. وقد اقترحتها عالمة النفس لولا لوبيز، على أساس أن القرارات المحفوفة بالمخاطر تتأثر بمزيج من الخوف، والأمل، والطموح. يختار الأفراد بين البدائل الخطرة بناءً على ثلاثة احتياجات نفسية متنافسة: «تبديد الخوف»،«تحفيز الأمل في تحقيق المكاسب»، و«بلوغ النجاح عبر تحقيق الطموح والأهداف».

في سياق التمويل، تقترح هذه النظرية أن بيئة العمل تحدد طريقة اتخاذ القرار لدى الموظفين، حيث يميلون إلى تجنب المخاطر لو كان الخوف هو الشعور المسيطر عليهم، وإلى المجازفة لو كان للأمل اليد الطولى في بيئة العمل. كما أن لهذه المشاعر طيفًا واسعًا يشكِّلها، فلا يستجيب الجميع للضغوط النفسية بالطريقة نفسها، لكن برغم ذلك يبقى المبدأ الأساسي هو أن: مشاعرنا تؤثر على عملية اتخاذ القرار العقلانية.

2- تأثير التملك والانحياز للوضع القائم

من الانحيازات الأخرى البارزة: تأثير التملك، فالناس يميلون لتقييم ما يمتلكونه بقيمة أعلى من الأشياء التي لا يمتلكونها، وهو أمر شبيه بانحيازهم للحفاظ على الوضع القائم، حيث يفضل الناس المحافظة على سلوكٍ أو حالةٍ موجودة بالفعل بدلًا من التغيير. في القطاع المالي، يظهر هذا الانحياز في التمسك بأساليب قديمة لممارسة الأعمال، أو في الارتباط بثقافة قائمة أو مجموعة من القيم، حتى لو كانت غير مناسبة أو فعالة.

3- نظرية الاحتمالات (Prospect Theory)

طوَّر هذه النظرية عالما النفس دانيال كانيمان وأموس تفيرسكي، وتقول إن الناس يفسرون الأحداث على أساس المكاسب والخسائر قياسًا لنقطة مرجعية معينة، ما يعني أن الناس يبالغون في تقدير الاحتمالات الصغيرة، وبالتالي يميلون إلى عدم المخاطرة في الكبيرة والصغيرة على السواء. ولهذا المَيل للمبالغة أثر أخلاقي، فمثلًا، قد يتأثر مديرُ الأصول أثناء توزيع محفظة العميل بتقديره الشخصي للمخاطر، ما قد يتعارض مع واجبه في تمثيل مصالح العميل على نحوٍ أفضل. في المقابل، يمكن لهذه المبالغة في تقدير الاحتمالات الصغيرة أن تحفز سلوكًا أخلاقيًّا، فقد يمنع شخصًا من اختلاس أموالٍ خشيةَ افتضاحه وعقابه. وبرغم الحياد النظري لهذه النظرية، فإن تأثيرها على اتخاذ القرار يجعل من الضروري أخذها بعين الاعتبار عند صناعة القرار.

4- التأطير (Framing)

يُشير التأطير إلى أن قراراتنا تتشكل وفقَ الكيفية التي تُعرَض بها المعلومات علينا. ولنا مثال في شخص يقبَل رهانًا بقيمة 225 دولارًا وِفق صياغة معينة، ويرفضه حين تتغير الصياغة. فقد يقبَل الرهان بعد خسارته 750 دولارًا. في حين يرفض الرهان خسارة الـ750 دولارًا، لو صِيغَ الأمر كفرصةٍ لتقليل الخسارة لـ525 دولارًا أو زيادتها لـ975 دولارًا. الاحتمالات متساوية والمبالغ ثابتة، غير أن صياغة الخيارات هي ما يؤدي لنتائج مختلفة.

توضح هذه الأمثلة أن الناس يستجيبون للمواقف بطريقة مختلفة وفق خصائصهم النفسية ومشاعرهم اللحظية عند اتخاذ القرار، وأن طريقة عرض المعلومات قد يكون لها أثر ملحوظ.

ثمة انحيازات أخرى يشير إليها علماء النفس السلوكي، باعتبارها تؤثر على عملية اتخاذ القرار في بيئة العمل، لكنها لا تبرر السلوكيات غير الأخلاقية في جميع الأحوال. ومن الضروري أن ندرك الطريقة تُبرمَجُ بها عقولنا وأن نعي هذه الأنماط الذهنية التي لا تتسم دائمًا بالمنطقية. فهذا الوعي بالذات يساعدنا على فهم طرق اتخاذ القرار بشكل أفضل.

السلوك الأخلاقي

ينتج عن الثقافة المؤسسية

عادةً ما يتأثر السلوك الأخلاقي للأفراد بالثقافة المؤسسية، حيث تنحدر هذه الثقافة من قمة المؤسسة لتُوجِّه السلوك الأخلاقي للموظفين بصفةٍ يومية. يمكن تفسير ذلك بمفهوم التأطير، فالموظفون يعتمدون في اتخاذ قراراتهم على المعيار الأخلاقي الذي يُطبَّق على مستوى المؤسسة، بصرف النظر عن أي تأثيرات خارجية أخرى.

في إحدى المقابلات مع المتخصصين في التمويل، أُشِيرَ إلى اختبار وول ستريت جورنال (WSJ)، الذي تم تطبيقه في البنك الاستثماري الكبير الذي عمل به أحد المتخصصين. يعتمد الاختبار على الأطروحة القائلة إن الفرد يستطيع أن يفعل أكثر بكثير لإلحاق الضرر بالمؤسسة مما يمكنه فِعله لإفادتها، فيطرح سؤال: «ماذا سيحدث لو نُشِرَت أفعالك وقراراتك في صحيفة وول ستريت جورنال؟». الفكرة هنا أن ثقافة المؤسسة تتمحور حول مفهوم المساءَلة، وأنه عند اتخاذ قرارٍ يجب على الموظف أن يوسِّع منظوره لما يتجاوز العواقب المباشرة، أي ما سيحدث لو شاهده العالم. في هذه الحالة، يتم تحفيز السلوك الأخلاقي عبر تشجيع الأفراد على التوفيق بين اتخاذ القرار والآثار الأوسع للحُكم الاجتماعي.

تُعنَى ثقافة المؤسسات بمفاهيم أكثر غموضا مثل العمل الجماعي، ما يؤثر سلبا على سلوك الأفراد. شارك أحد المتخصصين في التمويل تجربة تتعلق بهذا الشعور، مَرَّ بها أثناء عمله في شركة محاسبة كبرى، مشيرا إلى كون العمل ضمن فريق يعطي شعورا عامّا أن أحدا لن يعود للمنزل قبل أن يكون الفريق بأكمله جاهزا للعودة». يربط الأفراد سلوكهم بالتماسك كفريق، ورغم أن هذا الربط الجماعي أقل أخلاقية من النظرة الفردانية للأخلاق، فهو يضمن الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية المشتركة بين أعضاء الفريق.

على النقيض، تخلق الثقافة المؤسسية في بعض الأحيان بيئات تنافسية لا تُحفِّز النتائج الأخلاقية على نطاق واسع، فيتم تشجيع المنافسة بين الموظفين، لدرجة اتخاذ الموظفين للقرارات بناء على مصالحهم الفردية، عادلة كانت أو غير عادلة.

ينبغي أن تؤدي الحوافز للنتائج المرجوة

يُمكن إرجاع أغلب الفضائح المالية، من إنرون إلى هيلث ساوث، إلى اختلال الحوافز. في الحالتين، نشأ الخلل من إعطاء الشركات الأولوية لسعر السهم أو لتوقعات وول ستريت على حساب الشرعية والشفافية واستراتيجية المنافسة المستدامة. مثل هذا الاختلال في الحوافز يمنع الشركات من مراعاة مسؤولياتها الأساسية تجاه أصحاب المصلحة. لكن ما هي تلك الحوافز بالتحديد، وكيف يتم تقييمها أخلاقيّا، وكيف نجعلها تحقق النتائج المرجوة؟

قبل مناقشة الحوافز، من الضروري أن ننظر لبعض الجوانب الأخلاقية المتعلقة بعمل الفرد في الشركات، وهي ثلاثة جوانب وفقا لمركز «ماركولا» لاتخاذ القرارات الأخلاقية: الصالح العام، والعدالة، والفضيلة. يشير مفهوم «الصالح العام» إلى أن الحياة المجتمعية «خيرٌ في حد ذاتها»، ويولي اهتماما خاصّا للشروط المشتركة لرفاهية الجميع. بعبارة أخرى، يُعطي الأولوية للأفعال التي تعود بالنفع على المجتمع. في عالم المال، يتبدَّى هذا المفهوم بوضوح في مبدأ الشفافية، بغيةَ خلق سوق يثق فيه المستثمرون والمتنافسون في المعلومات المتاحة عند اتخاذ القرارات.

أما مفهوم «العدالة» فيشير إلى وجوب معاملة الناس على قدم المساواة وفقا لمعيارٍ مُبرَّر مثل الجدارة أو الاحتياج. لا يعني هذا أن يُعامَل الجميع معاملة متماثلة، بل يعني أن استحقاق الأفراد يجب أن يكون نظيرَ أفعالهم. في مجال المال، يقوم التعويض العادل على الجدارة، فيتم توزيع القيمة الناتجة عن أداء الموظفين وقراراتهم وفقا لجدارة كل منهم.

وأخيرا، يشير مفهوم «الفضيلة» إلى ضرورة توافُق الأفعال الأخلاقية مع الفضائل المثالية التي تُساهم في تطوُّر الإنسانية عموما. والفضائل -وفقا لهذا المنظور- هي المبادئ التي تُمكننا من التصرف وفقا لأفضل إمكاناتنا، من أجل قِيَمٍ الصدق والجمال. ومن خلال تنمية الفضائل وممارستها في حياتنا اليومية، لن نتصرف فقط بأخلاقية، بل سنشعر بسعادة أكبر ونعيش حياة أعمق معنى. وفي عالم المال، قد تشمل هذه الفضائل: الشجاعة والنزاهة وضبط النفس، لا سيما فيما يتعلق بالحسم واتخاذ القرارات بعقلانية.

تُساعد هذه المفاهيم في تأطير عدم التوافق في الحوافز؛ حيث نعتبرها غير متوافقة لو دفعت الأفراد إلى أفعال لا تخدم الصالح العام، أو تسببت في الظلم، أو قصرت عن تنمية الفضائل المرتبطة بالحياة الفاضلة. وقد أطلق الفلاسفة اليونانيون القدماء على هذه الحياة الفاضلة اسم «يوديمونيا»، أي الشعور بالسعادة والرضا على المدى الطويل. فما هي الحوافز المحددة المؤثرة في القطاع المالي؟

أشارت إحدى المقابلات لثلاثة حوافز رئيسة، هي: التعويض المالي، والترقية، والتطوير الشخصي والمهني، وهو مصطلح شامل يشير إلى النمو أو التعلم. فإذا كان حافز الفرد هو التعلم والنمو، فلن يتعارض ذلك مع الأخلاقيات، لكن عند التنافس على شيء نادر ومحدود، فإن فرص المساس بالأخلاقيات تبرز بوضوح.

تختلف الآثار الأخلاقية الناجمة عن الحوافز الثلاثة المشار إليها، فالتعويض المالي والترقية نادران بالضرورة في أغلب بيئات العمل، كما أنهما يحققان فوائد اجتماعية. وبسبب الإغراء الناجم عن هذه الفوائد، تُعطَى الأولوية للتعويضات المالية وفرص الترقية وتؤدي بالتالي لقرارات غير صائبة من جانب الموظفين تضر بالصالح العام وتُخِلُّ باعتبارات الجدارة والحاجة. فيما لا تنطبق النُّدرة على «التطوير الشخصي»، إذ يُقاس بالضرورة على مستوى الفرد. لذا يبدو التطوير الشخصي أكثر انسجاما مع منظور الفضيلة لارتباطه بفكرة تنمية الفضائل وأنها غاية في حد ذاتها، لا وسيلة لتحقيق هدف آخر.

ثمة رابط بين الحوافز ومنظور العدالة؛ حيث تُعرَّف الحوافز أحيانا كاستجاباتٍ متناسبة للقرارات والعروض والسياسات، وأحيانا كتعويض مالي أو نفسي. وللتعويض المالي دور فعال كوسيلةٍ لتحقيق أهداف أخرى، أما التعويض النفسي فيعكس حافز «التطوير»، كما أنه وثيق الصلة بالتمويل الذي يُولِّد قدرا كبيرا من الرضا النفسي. فالأشخاص التنافسيون ينجذبون إلى التمويل، ويأتي جزء من المكافأة من إيجاد أفضل استثمار، وإجراء أفضل تحليلٍ لتحديد العائد. كما يمكن النظر لهذا الرضا النفسي باعتباره ممارسة لفضائل تُولِّد السعادة، فمن خلال إيجاد الاستثمارات المثالية واتخاذ القرارات السليمة، يُمكن للماليين ممارسة فضائل الشجاعة والنزاهة وضبط النفس، وبالتالي تحقيق روح المنافسة للفرد وشعوره بالتحقُّق الذاتي.

ثمة سؤال محوري يواجه الشركات في قطاع التمويل، هو: كيف تبني شركات ومنظومة حوافز تَحُثُّ على استخدام المال لصالح المستثمرين، وعلى نحوٍ يجعل الموظفين يتخذون قراراتٍ تتسم بالأمانة على أموال الآخرين؟ الهدف هو تحفيز السلوك المتوافق أخلاقيّا مع رسالة الشركة وأهدافها التنافسية، بحيث يتماشى مع احتياجات أصحاب المصالح المعنِيين. إن النظر لسياسة الشركة وثقافتها المؤسسية من منظور الحوافز -التعويض المالي والتطور الشخصي والنفسي- يُتيح الوسيلة لتحقيق التوافق. فبتطبيق الأُطُر الأخلاقية، ومراعاة انحيازات التأطير، ومعالجة الدوافع الرئيسة للأفراد في القطاع المالي، يُمكن لمُصممي منظومة الحوافز تعزيز السلوك الأخلاقي، وتلافي الخلل المنهجي الذي يُنتِج التناقضات.

للسلوك الأخلاقي أهمية بالغة في قطاع التمويل. فمن ثقافة المؤسسة إلى التحيزات الفردية وهياكل الحوافز المؤسسية، تلعب الأخلاق دورا رئيسا في عمل الشركات. ونظرا لأهميتها الاقتصادية في تحقيق المكانة الاجتماعية والثروة، فمن الضروري تعزيز السلوك الأخلاقي في القطاع لضمان النتائج العادلة. وسواء على المستوى الفردي في قضية اختلاس صغيرة، أو مستوى القطاع في أزمة مالية كبرى، فإن القرارات التي يتخذها الماليون تؤثر بوضوح على المجتمع، ومع هذا التأثير تأتي مسؤولية كبيرة. لذا يتوجَّب على المتخصصين أن يكونوا على دراية بالفضائح التي حدثت في الماضي، وأن يعملوا على تجنُّب تكرارها في المستقبل.

إدوارد سورنسن، تخرج في جامعة سانتا كلارا متخصصًا في التمويل والفلسفة، مع تخصص فرعي في الرياضيات. يجمع في تكوينه الأكاديمي بين التحليل المالي الصارم والرؤية الفلسفية العميقة، ما يمنحه قدرة مميزة على فهم القضايا الاقتصادية من منظور متكامل يجمع بين المنهج الكمي والتفكير النقدي. يتميز سورنسن بشغفه بالبحث متعدد التخصصات، واهتمامه بتطبيق المبادئ الفلسفية على عالم الأعمال والأسواق المالية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة المؤسسیة السلوک الأخلاقی الرئیس التنفیذی اتخاذ القرارات اتخاذ القرار هذه النظریة من الضروری وول ستریت فی القطاع تأثیر ا على نحو دولار ا فی عالم کما أن سلوک ا الذی ی التی ت

إقرأ أيضاً:

الرقابة المالية تصدر إطار تنظيمي شامل لنشاط إدارة برامج الرعاية الصحية TPA

أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية، برئاسة الدكتور محمد فريد، أول إطار تنظيمي شامل لمزاولة نشاط إدارة برامج الرعاية الصحية (Third Party Administrator – TPA) في مصر، بهدف دمج هذا النشاط ضمن منظومة الخدمات المالية غير المصرفية ورفع كفاءة الخدمات التأمينية، وتعزيز الثقة في السوق، وذلك ضمن استراتيجية الهيئة الهادفة لتعزيز الحوكمة وتنظيم سوق التأمين والرعاية الصحية.

وتضمن القرار رقم 229 لسنة 2025 الإطار التنظيمي الجديد متطلبات الترخيص ورأس المال، والمعايير الفنية لإدارة المطالبات الطبية، والمعايير التكنولوجية والأمنية الحديثة.

 أكد الدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن القرار خطوة مهمة لتنظيم نشاط إدارة برامج الرعاية الصحية في مصر، إذ سيساهم في رفع كفاءة الخدمات بما يضمن تقديم رعاية صحية متطورة وآمنة للمواطنين.

 

وخدمات إدارة برامج الرعاية الصحية هي نشاط إداري متخصص يقوم به طرف ثالث نيابة عن شركات التأمين، لإدارة وتشغيل منظومة الرعاية الصحية للمؤمن عليهم، ولا يحق للشركة المديرة إصدار وثائق التأمين أو تحمل المخاطر المالية للتغطية نفسها.

وأضاف: "إصدار الإطار التنظيمي الشامل يضمن الرقابة الكاملة والشفافية على هذا النشاط.. هذه الخطوة تؤكد التزامنا بتعزيز الاستقرار والانضباط في السوق، وتقطع الطريق أمام أي ممارسات غير منظمة".

وأوضح رئيس الهيئة، أن هذه الضوابط الاستباقية تهدف إلى حماية أموال وحقوق المتعاملين من أي تعارض مصالح محتمل، وتضمن أن يتم اتخاذ القرارات داخل الشركات بناء على النزاهة والمصلحة العامة.

واشترط القرار أن تكون الشركات الراغبة في ممارسة النشاط شركة مساهمة مصرية ذات غرض محدد، مع الالتزام برأس المال المصدر والمدفوع البالغ 20 مليون جنيه على الأقل. كما تلتزم الشركات بالتقدم بطلب الترخيص خلال ثلاثة أشهر من قيدها بالسجل التجاري، مرفقًا بمستخرج السجل التجاري، بيان تشكيل مجلس الإدارة والمسؤولين التنفيذيين ودراسة جدوى فنية ومالية لخمس سنوات.

وتصدر الهيئة قرارها بشأن طلب الترخيص خلال 30 يوم، ويلزم على الشركة البدء في ممارسة النشاط خلال 6 أشهر من الترخيص، قابلة للتمديد لمرة واحدة.

ووفقا للقرار فإن الشركات القائمة قبل تطبيق قانون التأمين الموحد ملزمة بالتقدم للحصول على ترخيص مؤقت وفقًا لقرار الهيئة رقم 90 لسنة 2025، على أن تُنهي توفيق أوضاعها قبل 10 يوليو 2026.

وأخضعت الهيئة النشاط ذاته لضوابط إضافية للشركات التي تدير برامج الرعاية الصحية ذاتية التمويل منها الحصول على موافقة مسبقة من الهيئة، تقديم وثيقة تأمين مسؤولية مدنية لا يقل الحد الأدنى لها عن 5 ملايين جنيه، وفصل الحسابات عن عقود إدارة برامج الرعاية الصحية ذاتية التمويل.

وحدد القرار شروط عضوية مجلس الإدارة، ومنها الاستقلالية وحسن السمعة والمؤهل المناسب، مع خبرة لا تقل عن 5 سنوات للرئيس التنفيذي في التأمين أو الرعاية الصحية، واجتياز مقابلة الهيئة، وأن تكون الأغلبية غير تنفيذية، مع تمثيل للمرأة، بشرط توافر خبرات في التأمين أو الرعاية الصحية أو الاكتواري أو المجالات القانونية أو المالية أو تكنولوجيا المعلومات، كما تم حظر الجمع بين منصبي رئيس المجلس والرئيس التنفيذي.

 

ويلزم القرار الشركات بتوفير هيكل تنظيمي متكامل يشمل مسؤولين في المطالبات، الموافقات الطبية والمالية، تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، المراجعة الداخلية، الالتزام، شكاوى العملاء، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتلتزم الشركات بإدارة الوثائق الطبية بدقة وحياد، مراجعة المطالبات والتحقق من التغطية قبل الإحالة لشركات التأمين، مع فصل الحسابات لكل شركة تأمين، الحفاظ على سرية البيانات وضمان أمن المعلومات، والحصول على موافقة الهيئة قبل التعاقد مع أي جهات خارجية.

ويحظر على الشركات وفقا للقرار، بيع أو تسويق أو التوسط في إصدار أي وثائق تأمين، ممارسة أي نشاط تأميني أو تحديد أقساط أو اشتراكات أو تحصيلها من العملاء، الاحتفاظ بمبالغ تسوية المطالبات أقل من المستلمة، أو أي تصرف قد يؤثر على قرار المؤمن له في اختيار شركة التأمين، ونشر بيانات غير مطابقة للبيانات المقدمة للهيئة.

ويلزم القرار الشركات بإمساك سجلات تفصيلية تشمل الوثائق، جداول المزايا، العقود مع شركات التأمين ومقدمي الخدمات، المخالصات والضمانات، شكاوى العملاء والدعاوى القضائية، وأرصدة الحسابات لكل شركة تأمين والبرامج ذاتية التمويل، والاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن 5 سنوات.

وتلتزم الشركات عند الاستعانة بجهات خارجية لتطوير أو تشغيل البرامج الرقمية، تلتزم الشركة بالتحقق الكامل من استيفاء الاشتراطات الفنية والتكنولوجية، وإخضاع البرامج لاختبارات تشغيل دقيقة تحت إشرافها، مع تحمل المسؤولية الكاملة عن المخاطر التشغيلية. كما يجب أن تمتلك الشركات خطة واضحة لتوريد وتشغيل البرامج عند الاعتماد على أطراف خارجية.

مقالات مشابهة

  • الرقابة المالية تصدر إطار تنظيمي شامل لنشاط إدارة برامج الرعاية الصحية TPA
  • لماذا تخطط المالية استبدال ضرائب الأرباح الرأسمالية بالدمغة..الوزير يجيب
  • “برنت” يبحث مع “الصور وشكشك” دعم إنفاذ القانون والحوكمة المالية
  • افتتاحية.. تكنولوجيا العمل التي لا تنتظر أحدا
  • توقعات الأبراج حظك اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025.. احذر التسرع في اتخاذ القرارات
  • وزارة المالية تعلن صدور قرار مجلس الوزراء بشأن الغرامات على مخالفي نظام الفوترة الإلكترونية
  • «المالية» تعلن صدور قرار مجلس الوزراء بشأن غرامات نظام الفوترة الإلكترونية
  • «حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
  • مصطفى بكري: الهيئة الوطنية للانتخابات عملت على اتخاذ القرار المناسب وفقا للقانون والدستور