أخيراً، وبعد تأخير طويل أقرّت مؤسسات الأمم المتحدة المتخصصة أن مدينة غزة، دخلت مرحلة المجاعة، وكأن شمال القطاع، وجنوبه ووسطه، لم تدخل بعد مرحلة الاعتراف بالمجاعة.
المجاعة بعد الاعتراف بحرب الإبادة الإجرامية والعنصرية، تشكّل بحدّ ذاتها جريمة يستحقّ مرتكبها أشدّ العقوبات حتى يتوقّف عن ممارستها، ولكن هذا الاعتراف يمضي من دون محاسبة كما مضت الاعترافات الأخرى.
وبينما تشير الوقائع على الأرض، بشهادات دولية سبقتها إليها توثيقات الفضائيات، وتسبقها وترافقها تصريحات علنية من قبل وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو، فإن الأخير يعتبر أن ما ورد في التقرير الأممي كذب وافتراء، وأن الرهائن هم المجوّعون فقط.
الكذب أصبح منهجاً، لم يعد ينطلي على أحد سوى من يحرّضون على إبادة القطاع، بشراً، وشجراً وحجراً، وإلا فإن هذه السردية قد سقطت على نحو مروّع، عند شعوب الأرض.
لم يعد ثمة مجال للكذب، والتدليس، واستغباء الشعوب بعد أن يصدر مراراً وتكراراً عن مسؤولين حكوميين في دولة الاحتلال تصريحات علنية بشأن احتلال القطاع، والدعوة لإعلان السيادة على الضفة الغربية، ووهم «إسرائيل الكبرى»، لم يعد ثمة ما ينطوي على غموض، أو يحتاج إلى تحليلات وتفسيرات، لفعل على الأرض يترافق مع التصريحات المعلنة. قد قالتها هيئة عائلات المحتجزين الإسرائيليين التي حذّرت من أن نتنياهو يقود حرباً مفتوحة أبديّة.
تقرير إعلان المجاعة في غزّة، جاء متأخّراً، كما هو حال «الجنائية الدولية» التي لم تغادر حتى الآن، إعلانها الأوّل، بشأن نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بالرغم من ضخامة الأحداث.
نعلم أن «الجنائية الدولية» تعرّضت وما زالت تتعرّض لضغوط وعقوبات من قبل أميركا، وأنها أي «الجنائية الدولية» تصرّ على متابعة مهمّتها، لكن مهمّتها توقّفت عند حدود الكلام ولم تتجاوز حتى الآن مذكّرتها الأولى.
محكمة العدل الدولية، هي الأخرى تأخّرت كثيراً، وتتباطأ في إكمال قراءاتها للانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال، وتوقّفت عند مذكّرتيها الأولى والثانية التي تضمّنت مطالبات، لدولة الاحتلال ببعض التعليمات.
لا شكّ أن «العدل الدولية» هي الأخرى تتعرّض لضغوطات من قبل أميركا، وتتعرّض الدول التي حملت الملفّ إلى عقوبات وضغوطات، ما يثير التساؤل حول جدوى مؤسّسات العدالة الدولية.
لا يكفّ ترامب عن الإشارة إلى المعاناة الإنسانية التي يتعرّض لها سكان القطاع، ولا يتوقّف عن التعبير عن رغبته في إدخال المساعدات، ولكنه لا يفعل شيئاً فكل ما يهمّه في الأمر، هم المحتجزون الإسرائيليون.
العالم كله ظالم، حين يُبدي الرؤساء والزعماء قلقهم مما يتعرض له سكان القطاع، ولكنهم لا ينسون التأكيد على حق الدولة العبرية في الدفاع عن نفسها، ودعوة المعنيين بالإفراج غير المشروط والعاجل عن المحتجزين الإسرائيليين.
يُغمض العالم أعينه، عن آلاف الأسرى الفلسطينيين الذي يقبعون في سجون الاحتلال، ويتعرّضون للتعذيب والتجويع وأقسى درجات المعاملة السيّئة.
يتناسى العالم، عدد الوفيّات، من الأسرى الفلسطينيين بسبب التجويع، والتعذيب، وغياب الرعاية الصحية، لا يدرك نتنياهو ما يقوله حين لا يعترف بجريمة استخدام الغذاء والدواء والماء في حربه الإجرامية على المدنيين، أطفالاً ونساءً وشيوخاً، ذلك أن الجاهل يعرف أن المقاومة تبدي أشدّ الحرص على حياة الرهائن باعتبارهم ورقةً مهمة جداً في المساومة مع الاحتلال.
بسبب الدعم الأميركي المستمرّ، والكلي لدولة الاحتلال ودعمه للحرب التي يشنها جيش البطش والإجرام، يُمعن نتنياهو في مواصلة حروبه الدموية، وفي توجيه الإهانات لزعماء ودول حليفة لكيانه الكولونيالي.
وبحسب قوله: من ينوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يكافئ الإرهاب ويعمل ضد كيانه، ولا يتورّع عن اتهامهم بالتحريض ضدّ السامية، حتى أنه يوجّه إهانات بالمعنى الشخصي لرؤساء ورؤساء حكومات حليفة تاريخياً لكيانه، مثلما فعل مع رئيس الحكومة الأسترالية أنطوني ألبانيزي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
أميركا تقف سدّاً منيعاً، ضدّ أي مساسٍ دبلوماسي أو سياسي أو حقوقي بدولة الاحتلال،
أميركا تقف سدّاً منيعاً، ضدّ أي مساسٍ دبلوماسي أو سياسي أو حقوقي بدولة الاحتلال، بما في ذلك الضغط على الدول التي أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبصراحة، تعجز الأمم المتحدة، أمام السياسة الأميركية عن المحافظة على دورها وقراراتها، وهيبتها، ما يعني أن هذه المنظمة الدولية بحاجة إلى إصلاح كبير حتى تتمكن من البقاء كحامية للسلم والأمن العالميين.
إذا كانت مؤسّسات العدالة الدولية، والأمم المتحدة بقضّها وقضيضها، تعجز عن حماية قيمها ودورها وقراراتها، ومحاسبة من ينتهك هيبتها، فإن اللوم يقع على من يملك وقف حرب الإبادة الإجرامية، وتدمير منظومة القيم الإنسانية، ولا نقصد بطبيعة الحال أميركا باعتبارها المسؤولة والشريكة للاحتلال.
نقصد بذلك المنظومة العربية والإسلامية التي تملك ما يكفي من أوراق القوة التي تضع حدّاً للسياسة الأميركية، والتغوّل الإسرائيلي على البشر والقيم، والجغرافيا، وسيادة وحقوق دول المنطقة المشمولة وغير المشمولة بخارطة «إسرائيل الكبرى».
الأيام الفلسطينية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال ترامب الولايات المتحدة غزة الاحتلال ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
بريطانيا تهدد المحكمة الجنائية الدولية بالانسحاب وقطع التمويل إذا صدرت مذكرة توقيف ضد نتنياهو
كشفت المحكمة الجنائية الدولية أن الحكومة البريطانية هددت بوقف تمويل المحكمة والانسحاب من نظام روما الأساسي إذا أصدرت مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال المدعي العام للمحكمة كريم خان في مذكرة دفاعا عن قراره بملاحقة نتنياهو، إن اتصالا أجراه في 23 أبريل 2024 مع مسؤول بريطاني تضمن تهديدًا واضحًا، من دون ذكر اسم المسؤول.
وتشير تقارير إلى أن المتصل قد يكون وزير الخارجية البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون، الذي رأى أن إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت سيكون إجراء غير متناسب.
وأضاف خان أنه تلقى في أبريل 2024 تحذيرا من مسؤول أمريكي بشأن "عواقب كارثية" إذا أصدر المذكرات، موضحا أنه واجه أيضا دعوات للتأجيل، لكنه أكد خلال الاتصال عدم وجود أي مؤشر على استعداد الحكومة الإسرائيلية للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية أو تغيير سلوكها.
وأشار كذلك إلى أنه تلقى تحذيرا آخر من السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام في الأول من مايو، قال فيه إن تطبيق مذكرات التوقيف يعني، حسب تعبيره، أن حركة حماس قد تقدم على قتل الرهائن الإسرائيليين.
ولفت خان إلى أن الاتهامات المتعلقة بسوء سلوك جنسي بحقه ظهرت للمرة الأولى في 2 مايو، موضحا أن طرفا ثالثا أبلغ جهاز الرقابة الداخلي في المحكمة بشكوى قدمت من دون موافقة الضحية المزعومة.
وأضاف أن الضحية رفضت متابعة التحقيق، ما أدى إلى إغلاق الملف قبل أن تعود مزاعم مجهولة عبر منصة "أكس" لإحياء القضية في أكتوبر.
وأكد خان في مذكرته أنه تصرف بحياد كامل وأن خطة إصدار مذكرات التوقيف سبق أن وضعت قبل ظهور أي ادعاءات ضده، مشددا على أن الاعتماد على تقارير إعلامية أو تكهنات لتبرير مطالب تنحيته هو أمر لا يستند إلى أسس قانونية.
وأوضح أيضا أنه أصر على إرسال رد مفصل وقوي من 22 صفحة على الطلب الإسرائيلي بإسقاط المذكرات، بعدما رأى أن الرد الأولي الذي أُعد كان "ضعيفًا نسبيًا".
وختم خان بالإشارة إلى أنه شكل فريقا من خبراء القانون الدولي لدراسة مدى اختصاص المحكمة وإمكان المضي في القضايا ضد نتنياهو وغالانت وثلاثة مسؤولين من حركة حماس.