حل المؤسسات والجهات والأحزاب الإسلامية في سورية.. رؤية تحليلية واستراتيجية
تاريخ النشر: 30th, August 2025 GMT
تشهد سورية في المرحلة الحالية مرحلة انتقالية دقيقة بعد سنوات طويلة من الحرب، والصراع، والتهجير، والنكبات الاجتماعية والسياسية. إعادة بناء الدولة بعد هذه المرحلة ليست مجرد مسألة هيكلية، بل تتطلب فهمًا دقيقًا لدور المجتمع المدني، والقطاعات المؤسسية، والتوازنات المجتمعية التي تحافظ على وحدة البلاد واستقرارها.
في هذا السياق، ظهرت مؤخراً دعوات لحل جميع المؤسسات والجهات والأحزاب الإسلامية ودمجها بالكامل تحت عباءة الدولة، بحجة توحيد الجهود، وتسريع عملية إعادة البناء، وتعزيز مركزية القرار. وقد تم فعلاً حل المجلس الإسلامي السوري، الذي كان له دور إيجابي كبير خلال مرحلة الثورة، ومؤخرًا بدأ البعض بالدعوة لحل جماعة الإخوان المسلمين.
من يروج لهذا المطلب يبرره بأنه سيعزز كفاءة الدولة، ويوفر هيئة موحدة للعمل الاجتماعي والسياسي، ويسهّل عملية توجيه الموارد والطاقات. غير أن هذه الفكرة، مهما كانت نواياها، تحمل مخاطر استراتيجية كبيرة على التوازن السياسي والاجتماعي، وتعرض مؤسسات المجتمع المدني، واستقرار الغالبية الإسلامية، والقدرة على التعاون الوطني الفعّال إلى تهديد حقيقي.
خلفية سياسية ومجتمعية
منذ سقوط نظام الأسد، شرعت الحكومة في إعادة تشغيل مؤسسات الدولة الخدمية، وإعادة بناء أجهزة الحكم، وهي مهمة ضخمة تتطلب مشاركة جميع القوى الوطنية والمجتمع المدني. المؤسسات والهيئات الإسلامية لعبت دورًا محوريًا في لحظات هامة في تاريخ سورية دينيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وكان لها دور رائد في تاريخ النضال ضد الاستبداد، إذ أسهمت في سد الثغرات المجتمعية وتوفير غطاء شعبي واسع للحكومة، كما ساعدت في الحد من الفوضى الاجتماعية وحماية المواطنين في المناطق الأكثر هشاشة.
في الوقت نفسه، تواجه الدولة تحديات عدة، منها:
ـ محاولات تعطيل المسار السياسي وإثارة الفوضى من قبل أطراف داخلية تهدف إلى عرقلة مرحلة البناء من خلال إشعال القلاقل والإضرابات.
يجمع العديد من المراقبين على أن توحيد طاقات الشعب السوري بكل مكوناته، وتوحيد طاقات المسلمين بشكل خاص، هو أمانة تقع على عاتق القيادة الوطنية، وبشكل خاص الرئيس أحمد الشرع حفظه الله.ـ التدخلات الإقليمية ومحاولات العدو الإسرائيلي المستمرة لزعزعة الأمن واستغلال الفراغ السياسي لتحقيق مكاسب استراتيجية.
ـ المناطق الخارجة عن سلطة الدولة، التي تحاول الانفصال تحت شعارات مضللة، مما يزيد من هشاشة الوحدة الوطنية.
ـ الاستحقاقات الدستورية القادمة، بما فيها تشكيل مجلس شعب مؤقت وصياغة دستور جديد وصولًا إلى انتخابات عامة، وهي مرحلة حرجة تتطلب مشاركة جميع المكونات لضمان التمثيل العادل.
ـ المؤسسات الإسلامية، في هذا السياق، ليست مجرد كيانات تنظيمية، بل هي عنصر استراتيجي يربط بين الهوية الوطنية والتقاليد المجتمعية، ويعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي، ويشكل عنصرًا مهمًا في توازن القوى الداخلي.
الأمانة الوطنية للرئيس أحمد الشرع
يجمع العديد من المراقبين على أن توحيد طاقات الشعب السوري بكل مكوناته، وتوحيد طاقات المسلمين بشكل خاص، هو أمانة تقع على عاتق القيادة الوطنية، وبشكل خاص الرئيس أحمد الشرع حفظه الله. فإذا تمكنت القيادة من إكمال مرحلة إعادة بناء سورية، وانتهت هذه المرحلة بدستور يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويُنتخب ممثلو الشعب وفق انتخابات شفافة ونزيهة، سيكون من الواجب على المسلمين الاندماج في تكتل واحد، تحقيقًا لأمر الله: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا".
هذه الرؤية تستند إلى مبدأ الاستفادة من التنوع المؤسسي كرافد للشرعية الوطنية، وعدم الانجرار وراء الدعوات التي قد تؤدي إلى تركز كل السلطة والطاقات في جهة واحدة، وهو ما يهدد التوازن الوطني ويضعف المصداقية السياسية.
السلبيات المترتبة على حل المؤسسات والجهات والأحزاب الإسلامية
ـ تركيز الطاقات في يد واحدة: أي خلل أو أزمة تصيب القيادة سيترك البلاد في فراغ مؤسسي، ويضع الغالبية الإسلامية في موقف ضعف واستسلام، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية.
ـ خطر الفتنة والسلطة المطلقة: ترك كل القوى في يد جهة واحدة يعرض القيادة لمخاطر الانفراد بالقرار، والسلطة المطلقة كما هو معروف مفسدة مطلقة، مما يهدد التوازن الاجتماعي والسياسي ويزيد احتمالات الاحتكاكات الداخلية.
الاستحقاقات الدستورية القادمة، بما فيها تشكيل مجلس شعب مؤقت وصياغة دستور جديد وصولًا إلى انتخابات عامة، وهي مرحلة حرجة تتطلب مشاركة جميع المكونات لضمان التمثيل العادل.ـ تفوق المكونات الأخرى تنظيمياً: الأحزاب والتيارات غير الإسلامية التي استعادت قوتها بعد سقوط النظام ستظل تعمل بهياكلها ومؤسساتها، بينما يغيب الصوت الإسلامي المنظم، ما يؤدي إلى خلل في التوازن الداخلي ويضعف قدرة الدولة على إدارة التنوع بشكل فعال.
ـ إضعاف الموقف الوطني في الساحة الخارجية: في أي حوار سياسي دولي، ستبدو الحكومة وحدها في مواجهة أطياف متعددة، مما يضعف تمثيل الدولة ويقلل فرص التوافق السياسي، ويجعل من الصعب الدفاع عن مصالح الشعب السوري بمصداقية.
ـ فقدان الغطاء الشعبي: المؤسسات الإسلامية توفر دعمًا شعبيًا واسعًا للحكومة، وحلها يترك فراغًا في التأييد الشعبي ويضعف الشرعية المجتمعية، ما يقلل من قدرة الدولة على تنفيذ سياساتها بفعالية.
ـ إضعاف القدرة على التعاون الوطني: حل المؤسسات يقلل من قدرة التيارات الإسلامية على التعاون مع مختلف القوى الوطنية على قاعدة المصالح العليا للبلاد، ويحد من مشاركة المواطنين الفاعلة في صناعة القرار، ما يضعف المشاركة المدنية والاجتماعية.
ـ تهديد الاستقرار الداخلي: فقدان التوازن بين القوى المختلفة قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي على المدى الطويل، ويجعل الدولة أكثر عرضة للأزمات والتوترات المحلية والإقليمية.
الدروس الاستراتيجية والتحليل المقارن
التجارب الدولية تشير إلى أن الحفاظ على التنوع المؤسسي، خصوصًا للتيارات الدينية أو الثقافية، يساهم في استقرار الدولة ويزيد قدرتها على التكيف مع التحديات. على سبيل المثال، في عدة دول انتقلت بعد الصراعات المسلحة، كان وجود مؤسسات دينية ومدنية متنوعة رافدًا مهمًا لاستعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، ومنع الاحتكاكات الداخلية.
إن الحفاظ على المؤسسات والجهات والأحزاب الإسلامية في المرحلة الحالية يضمن استمرار التوازن الوطني والاستقرار الداخلي، ويتيح للقيادة الوطنية إكمال مرحلة إعادة البناء وفق أسس دستورية عادلة.التجربة السورية تؤكد أن التيارات الإسلامية، سواء كانت في موقع الأغلبية أو الأقلية، تمتلك المرونة والقدرة على التعايش والتعاون مع مختلف القوى الوطنية، بما يخدم المصلحة العامة للبلاد. لذلك، الحفاظ على هذه المؤسسات في المرحلة الحالية ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لضمان استقرار الدولة، ومشاركة فعالة للشعب، وحماية مؤسسات الدولة من أي فراغ محتمل.
الاستنتاج النهائي والرؤية المستقبلية
إن الحفاظ على المؤسسات والجهات والأحزاب الإسلامية في المرحلة الحالية يضمن استمرار التوازن الوطني والاستقرار الداخلي، ويتيح للقيادة الوطنية إكمال مرحلة إعادة البناء وفق أسس دستورية عادلة. وعند اكتمال هذه المرحلة، وإجراء الانتخابات الشفافة والنزيهة، سيكون دمج المسلمين في تكتل واحد واجبًا تحقيقًا لأمر الله: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا"، بما يعكس وحدة الصف ويعزز قوة الدولة السورية ومكانتها بين شعوبها وأطيافها المختلفة.
كما تؤكد هذه المرحلة أهمية الصبر والحكمة، وعدم الانجرار وراء الدعوات السريعة التي قد تهدد استقرار المجتمع، مع ضرورة تمكين المؤسسات الوطنية من أداء دورها الفاعل في بناء سورية الحديثة؛ سورية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتفتح المجال أمام جميع المواطنين ومكونات الشعب للمساهمة بفاعلية وعدل في صياغة مستقبلها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء سورية تحديات سورية تحديات سياسة رأي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المرحلة الحالیة الإسلامیة فی هذه المرحلة الحفاظ على جمیع ا
إقرأ أيضاً:
ورقة تحليلية: قرار أممي بإنهاء الاحتلال يفتح مسارًا قانونيًا وسياسيًا جديدًا للقضية الفلسطينية
غزة - صفا
أصدر المركز الفلسطيني للدراسات السياسية، اليوم الأحد، ورقة تحليلية معمقة تناولت القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2025 بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، مسلطة الضوء على دلالاته القانونية والسياسية وإمكانات توظيفه فلسطينيًا.
وقال المركز، إن الورقة التي تأتي في سياق تصاعد الحراك القانوني الدولي حول فلسطين، تشير إلى أن القرار الأممي، رغم صدوره عن الجمعية العامة وعدم تمتعه بقوة الإلزام التنفيذي، يمثل تطورًا نوعيًا في التراكم القانوني الدولي ضد الاحتلال، خاصة أنه يستند إلى فتوى محكمة العدل الدولية، ويصف الاحتلال صراحة بأنه "وجود غير قانوني".
وبحسب تحليل المركز، فإن هذا التوصيف يحمل دلالات قانونية عميقة، إذ ينقل القضية الفلسطينية من إطار "إدارة النزاع" إلى إطار "إنهاء وضع غير مشروع"، ما يفتح المجال أمام مسارات جديدة للمساءلة الدولية، ويعزز مبدأ عدم الاعتراف بالوضع الناتج عن الاحتلال أو تقديم الدعم لاستمراره.
وأكدت الورقة أن أهمية القرار لا تكمن في نصه فحسب، بل في قابليته للتوظيف السياسي والدبلوماسي، من خلال رفع كلفة استمرار الاحتلال على الكيان الإسرائيلي، وتوفير مرجعية قانونية يمكن الاستناد إليها في حملات الضغط الدولية، سواء على مستوى المحاكم الدولية أو في إطار العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف.
سياسيًا، رأت الورقة أن القرار يعكس تحوّلًا نسبيًا في المزاج الدولي، مع اتساع رقعة الانتقادات للسياسات الإسرائيلية، وتصاعد دور دول الجنوب العالمي داخل الجمعية العامة، غير أن المركز يحذّر من أن هذا التحول قد يبقى محدود الأثر في حال غياب استراتيجية فلسطينية موحدة قادرة على استثمار هذا الزخم الدولي.
وتناولت الورقة التحديات التي تحول دون تفعيل القرار، وفي مقدمتها الانقسام الفلسطيني الداخلي، والتفاوت في مواقف الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى اختلال موازين القوى الدولية واستمرار الدعم الأميركي للكيان الإسرائيلي.
وخلص المركز في ورقته إلى أن القرار الأممي الأخير لا يشكّل نهاية مسار، بل بداية مرحلة جديدة تتطلب انتقالًا من خطاب المطالبة إلى خطاب التوظيف القانوني والسياسي المنظم، معتبرًا أن الاستثمار الجاد في هذا القرار يمكن أن يسهم في إعادة الاعتبار للمسار القانوني الدولي كأحد ميادين الصراع الأساسية مع الاحتلال.