دراسة موسعة تحذر: "بدائل السكر" لا تحمي الكبد
تاريخ النشر: 10th, October 2025 GMT
في مفاجأة علمية قد تُغيّر النظرة السائدة حول ما يسمى في الأسواق بـ"المشروبات الصحية"، كشفت دراسة صينية حديثة أن استبدال المشروبات السكرية بالمشروبات قليلة السكر أو المحلّاة صناعيًا لا يوفّر حماية حقيقية من مرض الكبد الدهني غير الكحولي، بل قد يكون مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة به.
وأُعلن عن نتائج الدراسة يوم الأربعاء خلال المؤتمر السنوي لـ"الجمعية الأوروبية لأمراض الجهاز الهضمي" المنعقد في العاصمة الألمانية برلين، حيث عرض فريق من الباحثين من مستشفى جامعة سوتشو الصينية تحليلًا ضخمًا استند إلى بيانات أكثر من 123 ألف متطوع بريطاني جرت متابعتهم على مدى عشر سنوات.
"بدائل السكر" تحت المجهر
وقال الباحث الرئيس في الدراسة، ليهي ليو، إن المشروبات الغازية التقليدية الغنية بالسكر لطالما كانت موضع اتهام في ما يتعلق بزيادة خطر السمنة وأمراض الكبد، مضيفا: "لكننا اكتشفنا أن البدائل منخفضة أو خالية السكر ليست بريئة كما كان يُعتقد".
وأردف ليهي: "لقد كانت المشروبات قليلة السكر تُروّج على أنها خيار صحي لمن يريد تقليل استهلاك السكر، إلا أن نتائجنا تُظهر أنها قد ترتبط أيضًا بزيادة خطر تراكم الدهون في الكبد حتى عند تناولها باعتدال". متابعا أن "المشكلة لا تقتصر على السعرات الحرارية، بل على الطريقة التي تتفاعل بها المحليات الصناعية مع عملية الأيض والميكروبيوم المعوي، ما قد يؤثر على وظائف الكبد على المدى الطويل".
قاعدة بيانات ضخمة
واعتمد الباحثون على قاعدة بيانات Biobank UK، وهي واحدة من أكبر قواعد البيانات الصحية في العالم، وضمّت الدراسة 123,788 مشاركًا لم يكن أيٌّ منهم يعاني من أمراض كبدية في بدايتها.
وتم تتبع المشاركين لمدة 10.3 سنوات، وخلال هذه الفترة ملأ المتطوعون استبيانات دورية حول عاداتهم الغذائية واستهلاكهم للمشروبات بأنواعها المختلفة: السكرية، منخفضة السكر، أو الخالية منه.
وأظهرت النتائج أن 1,178 شخصًا من العينة أُصيبوا بمرض الكبد الدهني غير الكحولي خلال فترة المتابعة، فيما توفي 108 منهم بسبب مضاعفات مرتبطة بالكبد.
وبحسب التحليل الإحصائي، فإن استهلاك أكثر من 330 غرامًا يوميًا، أي ما يعادل تقريبًا عبوة مشروب غازي واحدة كبيرة، من أي نوع من هذه المشروبات كان مرتبطًا بارتفاع واضح في خطر الإصابة بالكبد الدهني، سواء كانت المشروبات تحتوي على السكر، أو تُسوَّق على أنها "دايت" أو "خالية من السكر".
ماذا يحدث في الكبد؟
يُعرف مرض الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD) بأنه اضطراب تتراكم فيه الدهون داخل خلايا الكبد نتيجة خلل في التمثيل الغذائي وليس بسبب تناول الكحول، وهو مرض يصيب أكثر من 30% من سكان العالم، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
ومع تراكم الدهون، قد يتطور المرض إلى التهاب الكبد الدهني، الذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى تليّف الكبد أو فشله الكامل في الحالات المتقدمة.
ورغم أن العلاقة بين المحليات الصناعية والكبد الدهني لم تُفهم تمامًا بعد، إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن تغييرات الميكروبيوم (بكتيريا الأمعاء) واضطراب توازن الأنسولين قد يلعبان دورًا في ذلك.
وتقول د. فانغ وي، اختصاصية التغذية الإكلينيكية في جامعة بكين (لم تشارك في الدراسة)، لرويترز: "عندما يتناول الناس مشروبات دايت، يظنون أنهم يتجنّبون السكر، لكن بعض المحليات الصناعية تُحفّز الدماغ والبنكرياس بطريقة مشابهة للسكر الطبيعي، مما قد يؤدي إلى خلل في الاستجابة الهرمونية وزيادة تخزين الدهون في الكبد".
نتائج رصدية مقلقة
أكّد الباحثون أن دراستهم رصدية ولا تُثبت أن هذه المشروبات تسبّب المرض بشكل مباشر، لكنها تكشف ارتباطًا قوياً يستحق الدراسة بعمق.
وقال الفريق إن هناك حاجة إلى تجارب سريرية طويلة المدى لتحديد العلاقة السببية بدقة، خصوصًا أن بعض الأشخاص الذين يتناولون المشروبات قليلة السكر قد يعانون أصلًا من مشكلات في الأيض، ما قد يؤثر على النتائج.
مع ذلك، حذر الباحثون من الاعتماد على مشروبات "الدايت" كبديل آمن، مؤكدين أن الخيار الأفضل لصحة الكبد يبقى الماء، يليه المشروبات الطبيعية مثل الشاي غير المحلّى أو العصائر الطازجة غير المضافة إليها سكريات.
أثر عالمي متنامٍ
وتأتي الدراسة في وقت تتزايد فيه معدلات أمراض الكبد المرتبطة بنمط الحياة، نتيجة النظام الغذائي الغني بالسكريات والدهون والمشروبات الغازية.
ويقدّر خبراء الصحة أن أمراض الكبد الدهني قد تصبح خلال العقد المقبل السبب الأول لزراعة الكبد في العالم، متجاوزة أمراض الكبد الفيروسية.
وخلصت الدراسة إلى توصية بسيطة تقول: "لا يمكننا علاج مشكلة السكر بالسكر الصناعي"، فالاعتدال في تناول المشروبات المحلّاة، حتى تلك التي تُسوَّق على أنها "صديقة الحمية"، هو السبيل الوحيد لتجنّب خطر الكبد الدهني وأمراض الأيض المتصلة به.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الكبد المشروبات الصحية الاسواق السكرية السكر المشروبات مرض الكبد الدهني غير الكحولي الجمعية الاوروبية الکبد الدهنی أمراض الکبد
إقرأ أيضاً:
دراسة: علاج قصير المدى قد ينهي معاناة مرضى سرطان الدم
شهد مجال علاج سرطان الدم الليمفاوي المزمن (CLL)، أحد أكثر أنواع سرطانات الدم شيوعا في العالم، تطورا مهما بعد إعلان نتائج دراسة دولية جديدة قد تعيد رسم ملامح البروتوكولات العلاجية المتبعة حاليا.
وتأتي هذه النتائج، التي نُشرت في مجلة "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين" الطبية، لتفتح بابا واسعا من الأمل أمام مئات الآلاف حول العالم ممّن يخضعون لعلاج طويل الأمد وما يرافقه من آثار جانبية مرهقة وتكاليف مرتفعة.
شملت الدراسة، التي قادتها مجموعة ألمانية متخصصة في أبحاث أمراض الدم وبمشاركة 174 مركزًا طبيًا في عدة دول، 909 مرضى جرى توزيعهم على ثلاثة مجموعات علاجية: الأولى تلقت العلاج التقليدي المستمر بحبوب إمبروفيكا (Ibrutinib)، بينما تلقت المجموعة الثانية علاجًا مركبًا من إمبروفيكا وفينتوكالكس لمدة 15 شهرًا، فيما عولجت المجموعة الثالثة بمزيج من فينتوكالكس وعلاج بيولوجي يُعطى عن طريق الحقن، لمدة 12 شهرًا فقط، وتمت متابعة جميع المرضى لما يقارب ثلاث سنوات بعد انتهاء فترة العلاج الزمني.
وكشفت النتائج أن العلاجات قصيرة المدى حققت فعالية مماثلة للعلاج اليومي المستمر في إيقاف تطور المرض، إذ ظل نحو 80 بالمئة من المرضى في كل المجموعات الثلاث من دون عودة للمرض خلال فترة المتابعة، وتعد هذه النسبة مفاجأة علمية لافتة، كونها تثبت للمرة الأولى أن العلاج الموقّت ليس أقل كفاءة من العلاج المتواصل الذي يُعد معيارًا طبيًا لدى معظم الأنظمة الصحية.
وأشار أحد الأطباء المشرفين على الدراسة، إلى أن أهمية الاكتشاف الجديد لا تقتصر على الفعالية، بل تمتد لتقليل المخاطر المرتبطة بالعلاج المستمر، خصوصًا تلك المتعلقة بتلف القلب، وهو أحد الآثار الجانبية المعروفة لبعض العلاجات المستخدمة حاليًا، "إمكانية إيقاف العلاج بعد فترة قصيرة نسبيًا، مع الحفاظ على نفس مستوى الفعالية، تُعد تحولًا جذريًا قد يُغيّر حياة المرضى والأطباء معًا".
ويعتبر سرطان الدم الليمفاوي المزمن أكثر أنواع سرطانات الدم شيوعًا في العديد من الدول، ويتطور ببطء شديد بحيث يكتشف في كثير من الأحيان صدفة عبر فحوصات الدم الروتينية.
ولجأت الدراسة الجديدة إلى استخدام مؤشرات حساسة للغاية يمكنها اكتشاف خلية سرطانية واحدة بين مليون خلية، وهو معيار لم يكن متاحًا في أغلب الدراسات السابقة، وأظهرت هذه التحاليل ميزة إضافية للعلاجات محدودة المدة مقارنة بالعلاج المستمر، ما يشير إلى إمكانية تحقيق نتائج أفضل على المدى الطويل عبر بروتوكولات علاجية أكثر اختصارًا وأقل عبئًا.
ويؤكد الباحثون أن أهمية هذه الدراسة تكمن في أنها الأولى التي تجري مقارنة مباشرة بين نهجين علاجيين كانا يستخدمان سابقًا دون وجود حسم علمي حول أيهما أكثر جدوى، كما أن إنجاز الدراسة على يد باحثين مستقلين وليس شركات دواء، يعزز من قوتها ومصداقيتها، خصوصًا أنها اعتمدت على بيانات ضخمة وتقييمات طويلة المدى.
وأشارت النتائج إلى أن التحول الذي بدأ في العقد الأخير من العلاج الكيميائي إلى العلاجات البيولوجية الموجهة قد دخل مرحلة جديدة أكثر تطورًا.