عمر ياغي: لن نبتهِج بِنيلك جائزة نُوبل!
تاريخ النشر: 11th, October 2025 GMT
من المفترض أن يكون هذا اليوم، الثامن من أكتوبر 2025، يومًا علميا عربيًا بامتياز. إن فوز عالم عربي بجائزة نوبل في الكيمياء حدث نادر يستحق التقدير ويستدعي الفخر الجماعي. فقد اعتدنا على احتجاز مقاعد جائزة نوبل لأسماء تنتمي إلى العالم الغربي، وعلى بقاء أسماء علمائنا العرب، مهما بلغت إنجازاتهم، في الظل أو على الهامش.
لذا كان من الطبيعي أن يتسابق العرب إلى تهنئة الأستاذ عمر ياغي، العالم الأردني- السعودي- الأمريكي ذي الأصول الفلسطينية، الذي فاز بالجائزة تقديرًا لإسهاماته البارزة في مجال الكيمياء الحيوية وتصميم الهياكل الجُزَيْئِـية. ذلك أن أعماله فتحت آفاقًا واسعة في استخدام المواد المَسامِّية لحبس الغازات وتخزين الطاقة وتنقية الهواء والماء. كان يمكن لهذا الخبر أن يكون مناسبة فريدة للاحتفاء بالعقل العربي المبدع، وأن يشكل بارقة أمل في زمن تراجعت فيه قيمة العلم وأهله في العالم العربي.
أداة دعائية ناعمة لتجميل وجه الاحتلال وتبييض جرائمه
جائزة “وولف”… ماي 2018
لكن هذا الابتهاج لم يكتمل، ولن يكتمل. فبينما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات التهاني والاعتزاز، عادت بنا ذاكرتنا إلى حادثة مؤلمة لم تمضِ عليها سوى بضع سنوات، حين رحّب الأستاذ عمر ياغي بجائزة “وولف” (Wolf) الإسرائيلية عام 2018، وتسلّمها من رئيس دولة الاحتلال، في الكنيست الإسرائيلي، وذلك في الوقت الذي كانت فيه غزة تنزف دمًا برصاص القناصة.
في ذلك اليوم بالذات، لم تكن الجائزة جائزة علمية: لقد كانت -كما وصفتها “الجمعية الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل”- أداة دعائية ناعمة لتجميل وجه الاحتلال وتبييض جرائمه، وإظهار إسرائيل كدولة منفتحة تكرّم العلماء العرب والمسلمين، بينما هي تواصل تدمير الجامعات في غزة، وتحرم الطلبة الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في التعليم.
إنه من المحزن أن نكون أمام مشهدين متناقضين: المشهد الأول، في عام 2013، يُظهر موقفا أخلاقيا نبيلا اتخذه الفيزيائي البريطاني العبقري ستيفن هوكينغ Stephen Hawking (1942-2018)، وهذا عندما رفض دعوة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز لحضور مؤتمر علمي في القدس المحتلة لأنه، كما قال، لا يستطيع المشاركة في حدث يتم استغلاله لتجميل صورة الاحتلال الإسرائيلي”. أما المشهد الثاني فكان ذلك الذي رأينا فيه عام 2018، العالِم العربي ذي الأصول الفلسطينية، وهو عمر ياغي، وقد اختار أن يقف على منصة الاحتلال ويتسلّم منه وسامًا زائفًا باسم الإنسانية.
في ذلك اليوم، تساءل كثيرون: كيف يتحدث عمر ياغي عن “حرية الروح الإنسانية”، وهو يتسلّم جائزة من دولة تحاصر أرواح ملايين البشر، وتقمع طلبة الجامعات، وتعتقل الشباب لأنهم يحملون كتابا أو يرفعون عَلما؟
قد يقول قائل إن العلم لا وطن له، وإن الجوائز العلمية تُمنح تقديرًا للإنجاز لا للقناعة السياسية. غير أن هذا القول يتجاهل أو لا يدرك أن إسرائيل ليست بلدًا عاديًا بل كيان استعماري يستثمر في الجوائز والتظاهرات الأكاديمية كما يستثمر في الأسلحة والرقابة الإلكترونية… كل ذلك في سبيل تلميع صورته في الخارج.
فمن المعروف أن “مؤسسة وولف” التي تمنح تلك الجائزة، تهدف إلى تطبيع العلاقات الثقافية والعلمية مع النخب العالمية، ومن ضمنها النخب العربية. ولعل الأكثر رمزية أن قبول عمر ياغي للجائزة الإسرائيلية جاء في تاريخ لم يتم اختياره بالصدفة، فحفل التسليم تم في شهر ماي 2018 -أي في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية (إذ تم الإعلان قيام دولة إسرائيل في 15 ماي 1948)- وفي الوقت الذي كان فيه جنود الاحتلال يقتلون المتظاهرين في غزة خلال “مسيرات العودة الكبرى” التي دامت شهورا. في تلك اللحظة التاريخية، لم يكن من الصعب أن يرى المتتبع للأحداث التناقض الصارخ بين مشهد العالِم الفلسطيني عمر ياغي يقف بين جدران الكنيست ليُكرَّم من قِبَل سلطة الاحتلال، وبين جموع فلسطينيين يُقتلون لأنهم يطالبون بحقهم في العودة إلى بيوتهم التي هُجّر منها آباؤهم، ومنهم عائلة عمر ياغي.
ظلّ موقفه جرحًا مفتوحًا
منذ ذلك اليوم، ظلّ موقف عمر ياغي جرحًا مفتوحًا في الذاكرة الفلسطينية والعربية لأنه كشف عن هشاشة الموقف الأخلاقي لدى بعض النخب العلمية التي تتحدث باسم الإنسانية والعلم بينما تغضّ الطرف عن المأساة المستمرة في وطنها الأم. ولم يكن أحد يتمنى أن تعود تلك الذكرى المؤلمة لتطغى اليوم على حدث كبير بحجم فوز عمر ياغي بجائزة نوبل، لكن المفارقة شاءت أن تتزامن التهاني اليوم مع مشاعر من المرارة والخذلان.
إن العلم، مهما بلغ من التجريد، لا يُعفي صاحبه من المسؤولية الأخلاقية. فالعلماء العظام كانوا ضمائر حيّة للعالم قبل أن يكونوا عقولاً نيّرة. أما العالم عمر ياغي فقد اختار الطريق الأسهل، طريق الجوائز والاعتراف الدولي، حتى لو جاء من أيدٍ ملطخة بدماء شعبه.
لقد كان بإمكانه رفض “جائزة وولف” كما فعل العديد من العلماء والمثقفين في مثل هذه المواقف. وكان يمكن لذلك الموقف -لو تبنّاه- أن يمنحه مجدًا أخلاقيًا أكبر من أي وسام علمي. لكنه فضّل غير ذلك وفضّل الإشادة بـ”الروح الإنسانية” لمن منحه الجائزة !! وكأن هذه الروح يمكن أن تتجلى في نظام يمارس الفصل العنصري ويهدم بيوت الأبرياء على رؤوسهم.
وما زاد الطين بلة هو أن خلال العامين الماضيين وطوفان الأقصى على أشدّه يحرك كل ضمير حيّ عبر العالم، ومنظمات الأمم المتحدة تعتبر ما يجري في غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة في هذا القرن: آلاف الضحايا، ودمار شامل للبنى التحتية، بما فيها الجامعات ومراكز البحث، ومئات العلماء والأطباء استُهدفوا عمدا، وطلبة حرموا من الدراسة. وخلال كل ذلك، لم نسمع صوت العالم عمر ياغي إلا همسًا تجاه المأساة التي كانت تدور رحاها في أرض أجداده.
لقد مرت سبع سنوات على نيله جائزة “وولف”، وعامان على بداية مأساة غزة الكبرى، ولم نسمع من عمر ياغي كلمة مراجعة أو اعتذار. لم يقل إنه كان مخطئًا أو أنه لم يدرك وقتها خلفيات الجائزة السياسية. لم يحاول أن ينأى بنفسه عن استغلال الاحتلال لاسمه وصورته في دعايته الرسمية. واليوم، حين يُكرّم بجائزة نوبل، تتجاهل أغلب وسائل الإعلام العربية ذلك الجانب المظلم من سيرته، وتتعامل مع الحدث وكأن التاريخ بدأ هذا الأسبوع.
إن العرب الذين هنّأوك، فعلوا ذلك لأنهم متعطشون لأي نجاح يذكّرهم بأنهم ما زالوا قادرين على الإبداع، أما الذين التزموا الصمت أو تحفّظوا في فرحهم، فكانوا فقط أوفياء لذاكرتهم. ولهذا نقول للأستاذ عمر ياغي: لم نبتهج بنيلك جائزة نوبل لأن الذاكرة لا تمحى بلمعان الأوسمة.
الشروق الجزائرية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه نوبل عمر ياغي الاحتلال الجوائز الاحتلال نوبل التطبيع الجوائز عمر ياغي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جائزة نوبل عمر یاغی
إقرأ أيضاً:
حصد جائزة نوابغ العرب.. من هو البروفيسور المصري عباس الجمل؟
أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فوز البروفيسور المصري عباس الجمل، أستاذ الهندسة بجامعة ستانفورد، بجائزة نوابغ العرب عن فئة الهندسة والتكنولوجيا لعام 2025.
وقال محمد بن راشد، عبر حسابه الرسمي على "إكس": "الأخوة والأخوات، كما جرت العادة كل عام للاحتفاء بالعقول العربية ضمن جائزة نوابغ العرب وبعد تلقي آلاف الترشيحات، نعلن اليوم الفائز بجائزة نوابغ العرب عن فئة الهندسة والتكنولوجيا لعام 2025، البروفيسور عباس الجمل من مصر، أستاذ هيتاشي في كلية الهندسة بجامعة ستانفورد، قدّم إسهامات علمية رائدة في نظرية معلومات الشبكات التي وضعت الأساس للعديد من الشبكات الرقمية الحديثة حول العالم".
وأضاف: "نشر أكثر من 230 بحثًا علميًا، وكتابه نظرية معلومات الشبكات يُعد مرجعًا عالميًا لطلبة الهندسة والتكنولوجيا، وتستفيد من أبحاثه كبرى الشركات التقنية حول العالم، نبارك للبروفيسور عباس الجمل فوزه ونبارك لمصر وللعالم العربي هذا النبوغ الذي يثبت للعالم أن أمتنا لا تستهلك التقنيات فقط، بل تملك العقول القادرة على صناعتها وقيادة مستقبلها العلمي، عقول تنتظر من يحتفي بها، ويمنحها المنصة التي تستحق".
من هو عباس الجمل؟عباس الجمل، مهندس كهرباء ورجل أعمال وعالم مصري أمريكي من مواليد 30 أيار مايو 1950، اشتهر بتطويره لعدد من النظريات المهمة في مجال شبكات الاتصال وأجهزة الاستشعار وأنظمة التصوير.
يشغل "الجمل"، حاليًا منصب أستاذ الهندسة في جامعة ستانفورد الأمريكية، وأسس وشارك في تأسيس عدد من شركات الاتصالات وشركات التكنولوجيا الحيوية بالإضافة لمشاركته في المجالس الاستشارية الفنية والجمعيات العلمية.
وساهم البروفيسور عباس الجمل في تطوير مصفوفات البوابات القابلة للبرمجة (FPGA) ومستشعرات الصور CMOS المستخدمة في الهواتف الذكية، وأسهمت أعماله في تطوير التقنيات الداعمة لأنظمة الاستشعار الرقمية والحوسبة والاتصالات.
كما عمل أيضًا على تطوير هيكلية المسارات (Routing Architecture) المستخدمة حاليًا في تصميم التطبيقات الإلكترونية المعتمدة على الشرائح الذكية.
وقاد "الجمل"، تطوير مستشعرات الصور CMOS التي تُعد التقنية الأساسية في العديد من كاميرات الهواتف الذكية والأجهزة الرقمية.
وقد أدت أبحاثه وابتكاراته دورًا مهمًا في تطوير التقنيات الداعمة لنظم الحوسبة والحساسات الرقمية والاتصال.
"الجمل" له مؤلفات علمية مؤثرة، من أبرزها كتابه "نظرية معلومات الشبكات" الصادر عن دار نشر جامعة كامبريدج، والذي يُعد مرجعًا لطلبة الهندسة والتكنولوجيا حول العالم.
مسيرته العلميةحصل الجمل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة عام 1972، ونال درجة الماجستير في الإحصاء ثم الدكتوراة في الهندسة الكهربائية من جامعة ستانفورد عام 1978.
وأصبح مديرًا لمختبر نظم المعلومات في جامعة ستانفورد من عام 2003 حتى عام 2012، ثم رئيسًا لقسم الهندسة الكهربائية فيها من عام 2012 إلى عام 2017، وله مساهمات بحثية في نظرية معلومات الشبكة، ووحدات FPGA، وأجهزة وأنظمة التصوير الرقمي، طبقًا للوكالة الإماراتية.
ويحمل "الجمل" 35 براءة اختراع في نظم الشبكات ومصفوفات البوابات القابلة للبرمجة وأجهزة وأنظمة التصوير الرقمي، كما أنه عضو في الأكاديمية الوطنية الأمريكية للهندسة، وزميل في معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات (IEEE)، الذي يعد أكبر هيئة مهنية تقنية عالميًا.
اقرأ أيضًا:
بسبب التصدير للصين.. نقيب البيطريين: عندنا ندرة شديدة في "الحمير"
قبل جولة الإعادة.. وفاة النائب أحمد جعفر مرشح مستقبل وطن عن حدائق القبة
نتيجة فحص التظلمات في مسابقة وظائف معلم مساعد اللغة العربية
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
معلومات عن البروفيسور المصري عباس الجمل البروفيسور المصري عباس الجمل جائزة نوابغ العرب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عباس الجمل يحصد جائزة نوابغ العربفيديو قد يعجبك
محتوى مدفوع
أحدث الموضوعاتإعلان
أخبار
المزيدإعلان
حصد جائزة نوابغ العرب.. من هو البروفيسور المصري عباس الجمل؟
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
من نحن اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
21 14 الرطوبة: 42% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي من نحن إتصل بنا إحجز إعلانك سياسة الخصوصية