تعليم مجاني وبيئة داعمة لأيتام الحرب بمواصي خان يونس
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
غزة- بنظرات تائهة وابتسامة لم تكتمل، تقف الطفلة ميس محمد عابدين بين مجموعة من أقرانها، معظمهم من الأيتام الذين اختطفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أحد والديهم أو كليهما.
وفي مدرسة صفوفها من الخيام أطلق عليها اسم "الأمل" افتتحت حديثا 8 صفوف دراسية بمنطقة المواصي (غربي مدينة خان يونس) جنوب قطاع غزة. ولجأ إليها أطفال أثقلت الحرب أجسادهم وذاكرتهم، منهم ناجون من الموت بأرواح أنهكها الفقد، فصاروا يحملون صفة "يتيم" ووجدوا أنفسهم باكرا وسط أزمات لا تنتهي.
ومن هؤلاء ميس عابدين (11 عاما) التي أصبحت يتيمة، بعد أن استشهد والدها بصاروخ أطلقته مُسيّرة إسرائيلية الأشهر الأولى من اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع بعد 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، وهي واحدة من نحو 40 ألف طفل فقدوا أحد الوالدين أو كليهما.
غياب الأب
وعشية عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في مدينة خان يونس الشهر الثالث للحرب، نزحت ميس مع أسرتها (5 أفراد) من منزلهم في منطقة "بطن السمين" جنوبي المدينة، وعايشت ويلات الحياة في الخيام صيفا وشتاء، ولا تزال تقيم مع والدتها وشقيقيها في خيمة بمنطقة المواصي، حيث تحوّل المنزل الذي كان يعج بالحياة إلى أنقاض اختلطت مع الذكريات.
وكان والد ميس يعمل ميكانيكيا (فني إصلاح سيارات) وودّع أسرته في خيمة النزوح بمدينة رفح جنوب القطاع، وانطلق لنجدة سائق تعطّلت به سيارته على الطريق الساحلي عند مشارف خان يونس، وكان يُمنّي النفس بالقليل من المال لتدبر شؤون أسرته لكنه لم يعد لزوجته وأطفاله بما يسد رمقهم كما وعدهم، ولا بجسد يكون لهم سندا، بل رحل شهيدا.
وتفتقد ميس والدها وتتذكر بكثير من الوجع أمنيته لها أن تصبح "طبيبة أسنان" وتقول للجزيرة نت "جئت لهذه المدرسة لأتعلم وأحقق حلم والدي الشهيد وأعالج أسنان المرضى وأجعل ابتساماتهم جميلة".
إعلانوحرمت الحرب ميس ومئات آلاف الطلبة في غزة من حقهم بالتعليم، وقد تحوّلت المدارس التي نجت من التدمير إلى مراكز للإيواء تتشح بالسواد وتسكنها الأحزان، وفي كل زاوية منها دمعة مكلوم.
وتقضي ميس يومها بالوقوف في طوابير طويلة لجلب المياه لأسرتها من صهاريج متنقلة، والطعام من تكية خيرية، وهي مهام شاقة بالنسبة لها كطفلة، وتشير بيديها الصغيرتين إلى وجهها، وتضيف "الشمس حرقت وجهي وغيّرت لون بشرتي وجلدي".
وبكلمات اختلطت بالدموع، روت الطفلة ربا حسين الشاعر (11 عاما) تجربتها القاسية بفقد والدها، قائلة "أصيب والدي بعيار ناري في بطنه أطلقته مسيّرة كواد كابتر، ورغم تماثله للشفاء، إلا أن حالته الصحية تدهورت بسرعة حتى استشهد".
وقبل استشهاده أصيب والد ربا بسرطان القولون، ولم تتح له فرصة السفر للخارج لتلقي العلاج، أسوة بنحو 17 ألف جريح ومريض أرواحهم متأرجحة بين الموت والحياة، ينتظرون إعادة فتح وتشغيل معبر رفح البري، المدمر والمحتل كليا منذ اجتياح إسرائيل مدينة رفح في مايو/أيار من العام الماضي.
وتقيم الطفلة مع والدتها وأشقائها وشقيقاتها الستة في خيمة بمنطقة المواصي، وتصف حياتها بـ"القاسية" وتقول للجزيرة نت إنها اشتاقت لحياتها قبل الحرب، وغرفتها وكتبها وألعابها في منزلها المدمر في منطقة البلد وسط خان يونس.
وقبل الحرب لم تكن ربا قد كوَّنت حلما تسعى لتحقيقه، لكن معاناة والدها مع السرطان ثم استشهاده دفعها للالتحاق بالمدرسة وبإصرار على مواصلة تعليمها لتصبح طبيبة. وتقول "غزة تحتاج أطباء، والاحتلال قتل الأطباء ودمر المستشفيات، والمرضى لا يجدون العلاج بسبب الحصار".
وبين جنبات هذه المدرسة الكثير من الحكايات المؤثرة كحكايتي ميس وربا، يعيشها نحو 700 يتيم ويتيمة من بين 1150 طالبا وطالبة من النازحين في الخيام، سينخرطون في برامج تعليمية وترفيهية.
ويقول القائمون على المدرسة إن هذه البرامج تراعي أن هؤلاء الأطفال، وخاصة الأيتام، فقدوا طفولتهم ومنازلهم والأمان، علاوة عن الفاقد التعليمي لكل طلبة غزة، نتيجة عامين كاملين من الحرب وتوقف المسيرة التعليمية بشكل كلي.
ويقدر أحمد لافي مدير إدارة التربية والتعليم في رفح أن 70% من مدارس القطاع دُمرت كليا أو بصورة بليغة ولم تعد صالحة للتعليم، لافتا إلى أن المحافظة لم يتبق فيها مدرسة واحدة قائمة، والأمر كذلك في مناطق أخرى باتت منكوبة لتعرضها للتدمير الشامل.
وفي كلمته خلال حفل افتتاح المدرسة، يضيف لافي أن الأطفال الأيتام من الفئات الأكثر تأثرا بتداعيات الحرب، خاصة على صعيد مسيرتهم التعليمية ومستقبلهم، ومثل هذه المدارس تساهم في تصويب مسارهم ومساعدتهم على استئناف حياتهم رغم الفقد الأليم للآباء والأمهات.
ويؤكد أن الوزارة تدعم مثل هذه المدارس والمشاريع التعليمية التي تهدف إلى إحياء المنظومة التعليمية التي تعرضت لاستهداف إسرائيلي ممنهج خلال الحرب، طال المدارس والمرافق التعليمية، وقتل عشرات آلاف الطلبة والمعلمين والعاملين في الحقل التعليمي.
إعلانوتظهر تقديرات رسمية صادرة -عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة- أن إسرائيل قتلت خلال الحرب 22 ألف أب و9 آلاف أم، تركوا وراءهم زهاء 40 ألف طفل يتيم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات بمنطقة المواصی خان یونس
إقرأ أيضاً:
تحذير عالمي من برمجية خبيثة تنتحل تطبيق VPN مجاني وتسرق الحسابات المصرفية
في تحذير جديد يعيد إلى الأذهان تصاعد الهجمات الإلكترونية في الأشهر الأخيرة، أصدرت شركة Cleafy للأمن السيبراني تقريرًا مفصلًا حول برمجية خبيثة جديدة تُعرف باسم Klopatra، تنتشر بسرعة عبر الإنترنت متنكرة في هيئة تطبيق VPN مجاني يُسمى Mobdro Pro IP + VPN.
ويُعد هذا الاكتشاف أحدث حلقة في سلسلة التحذيرات التي أطلقها خبراء الأمن مؤخرًا بشأن تزايد خطر التطبيقات المزيفة التي تستغل حاجة المستخدمين إلى الخصوصية عبر الشبكات الافتراضية الخاصة.
تبدأ القصة عندما يقوم المستخدم بتحميل التطبيق المزعوم من أحد المواقع أو المتاجر غير الرسمية، ظنًا منه أنه يحصل على أداة VPN مجانية تحمي بياناته، لكن ما يجري في الخلفية مختلف تمامًا.
فخلال خطوات التثبيت، يعمل البرنامج الخبيث على منح نفسه صلاحيات الوصول الكامل إلى الجهاز، مستغلًا أدوات "إمكانية الوصول" للتحكم في الهاتف بشكل خفي.
وبمجرد التفعيل، يبدأ Klopatra في تنفيذ مهامه التخريبية التي تشمل سرقة بيانات الدخول للتطبيقات البنكية، والوصول إلى المحافظ الرقمية، وتحويل الأموال دون علم المستخدم، إلى جانب إضافة الجهاز المصاب إلى شبكة روبوتات (Botnet) تُستخدم في شن هجمات إلكترونية واسعة.
تُشير شركة Cleafy في تقريرها إلى أن ما لا يقل عن 3000 جهاز حول العالم تعرضت للإصابة حتى الآن، معظمها في إيطاليا وإسبانيا، مع ترجيحات بأن المجموعة التي تقف وراء البرمجية تتخذ من تركيا مقرًا لها.
وتقول الشركة إن مطوري البرمجية يظهرون قدرًا كبيرًا من المرونة والتطور التقني، إذ يعملون باستمرار على تعديل أساليبهم لإخفاء آثارهم وتجاوز أنظمة الحماية.
ويوضح التقرير أن Klopatra تعتمد على تكتيك خداع نفسي ذكي، إذ تستغل الإقبال الكبير على تطبيقات VPN المجانية خاصة بعد ازدياد القيود الحكومية على المحتوى عبر الإنترنت وفرض قوانين تقييد العمر على بعض المنصات. ويستغل القراصنة هذا الإقبال عبر الترويج لنسخ وهمية من تطبيقات VPN، توحي بأنها قانونية، بينما هي في الحقيقة أدوات اختراق متقدمة.
ومن الجدير بالذكر أن الاسم المستخدم، Mobdro Pro IP + VPN، يُحاكي تطبيقًا حقيقيًا شهيرًا يُدعى Mobdro كان يُستخدم لمشاهدة قنوات IPTV، وقد أزالته الحكومة الإسبانية سابقًا بسبب انتهاكه لحقوق الملكية. إلا أن النسخة الجديدة لا علاقة لها بالتطبيق الأصلي، بل تستخدم اسمه كغطاء لخداع المستخدمين.
التقرير أشار أيضًا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يُستخدم فيها VPN كوسيلة لنشر البرامج الضارة. ففي عام 2024، حذّر باحثو Kaspersky من مجموعة واسعة من التطبيقات المزيفة المشابهة مثل MaskVPN وPaladinVPN وShineVPN وShieldVPN وDewVPN وProxyGate، والتي استُخدمت جميعها لاستهداف المستخدمين حول العالم. ومع النجاح الذي حققه Klopatra، تتوقع Cleafy أن تظهر إصدارات مقلدة أكثر خطورة خلال الفترة القادمة.
وفي تعليقه على التقرير، أوضح أحد باحثي الأمن في Cleafy أن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في فقدان البيانات أو الأموال، بل في تحول الأجهزة المصابة إلى أدوات داخل شبكات إجرامية تُستخدم لشن هجمات على بنوك وشركات وحتى مؤسسات حكومية.
وينصح الخبراء المستخدمين بعدم تحميل أي تطبيق VPN مجاني إلا من المتاجر الرسمية مثل Google Play أو App Store، مع التحقق من هوية المطور ومراجعات المستخدمين.
كما يُفضّل الاعتماد على خدمات VPN موثوقة ومعروفة بسمعتها القوية في مجال حماية الخصوصية مثل Proton VPN أو hide.me، والتي توفر خططًا مجانية آمنة دون تتبع أو إعلانات خبيثة.
ويؤكد التقرير أن تزايد الاعتماد على VPN في ظل القوانين الجديدة لتقييد المحتوى جعل هذه التطبيقات هدفًا مغريًا لمجرمي الإنترنت. فبينما يبحث المستخدمون عن الخصوصية، يجد القراصنة في ذلك بابًا خلفيًا لاختراق الأجهزة وسرقة البيانات.
في النهاية، يُذكّر هذا الهجوم مجددًا بأن الإنترنت لم يعد بيئة آمنة بالكامل، وأن شعار مجاني غالبًا ما يكون الثمن الحقيقي فيه هو بياناتك الشخصية. ومع استمرار انتشار تطبيقات VPN المزيفة، تبقى الوقاية الرقمية والوعي الأمني هما خط الدفاع الأول ضد الهجمات التي تتطور يومًا بعد يوم.