كشفت صحيفة فزغلياد الروسية في تقرير مطوّل عن مؤشرات متصاعدة لأزمة مالية جديدة قد تمتد آثارها إلى النظام الاقتصادي العالمي، على غرار ما حدث في عام 2008.

وأوضحت الكاتبة أولغا ساموفالوفا، أن الذهب ارتفع إلى مستويات قياسية جديدة تقترب من 4400 دولار للأوقية، في حين تراجعت الأسهم الأميركية وارتفعت عوائد سندات الخزانة، ما يعكس حالة توتر واسعة في الأسواق المالية.

وأشارت الصحيفة إلى أن السبب الرئيسي وراء هذا الاضطراب هو الخسائر الكبيرة التي تكبّدها مصرفان أميركيان نتيجة قروض متعثّرة، في مشهد يعيد للأذهان بدايات الانهيار المالي قبل 17 عاماً.

بوادر أزمة تتسع

تؤكد فزغلياد، أن شرارة الأزمة اشتعلت من جديد بعدما أعلن بنك زايونز خسائر بقيمة 50 مليون دولار في الربع الثالث، ما أدى إلى تراجع أسهمه بنسبة 13%، في حين هبطت أسهم بنك ويسترن ألايانس بنحو 11% إثر اكتشاف عملية احتيال مرتبطة بأحد المقترضين.

ارتفاع الذهب إلى 4400 دولار يعكس هلع المستثمرين من أزمة محتملة (رويترز)

ورغم مساعي السلطات الأميركية لاحتواء الوضع، فإن حالة القلق انتقلت بسرعة إلى الأسواق، وسط مؤشرات على هشاشة القطاع المصرفي.

وقال المحلل المالي توني سيكامور من شركة "آي جي" في تصريح نقلته وكالة رويترز، إن "الإجراءات التي اتُخذت عام 2023 كانت تهدف لتفادي أزمة مصرفية، لكنها في الواقع قد تكون مهدت الأرض لأزمة جديدة"، مشيراً إلى أن إفلاسات العام الماضي كانت مجرد مقدمة.

قلق المستثمرين و"جبل الجليد"

وأوضح الخبير الروسي ألكسندر باختين من شركة "غاردا كابيتال" أن الخسائر المعلنة ليست سوى "الجزء الظاهر من جبل الجليد"، وأن ما يخفيه النظام المالي الأميركي "قد يكون أخطر بكثير".

وقال باختين، إن حجم الخسائر المعلن -رغم تواضعه النسبي- أثار مخاوف عميقة لدى المستثمرين من أن تكون هناك بنوك أكبر تواجه مشكلات مشابهة، ما دفعهم إلى بيع الأسهم على نطاق واسع، وأدى إلى فقدان البنوك الأميركية نحو 7% من قيمتها السوقية خلال أسابيع قليلة.

إعلان

ويضيف أن "الديون المتعثّرة في قطاع الأعمال الأميركي لم تعد مشكلة نظرية، بل أصبحت واقعاً يُنذر بانهيار تدريجي في بعض المؤسسات، مذكّراً بأن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي نجح مؤقتاً عام 2023 في إنقاذ بنكي "وادي السيليكون" و"فيرست ريبابليك"، لكنه فشل في 2008 حين اجتاحت الأزمة الاقتصاد العالمي وتسببت في إغلاق 500 مصرف أميركي بين 2008 و2015.

النظام المصرفي على حافة الخطر

يحذر باختين من أن خفض أسعار الفائدة وحده لن يكون كافياً لتفادي الأزمة المقبلة، مضيفاً أن "أحداً لا يعرف الحجم الحقيقي للمشكلات داخل النظام المصرفي الأميركي".

وأشار إلى أنه إذا تجاوزت القروض غير المسددة مستويات حرجة، فقد يؤدي ذلك إلى "أزمة شاملة يصعب احتواؤها"، لافتاً إلى أن مثل هذه الأزمات لا يمكن التنبؤ بها مسبقاً، لأن انهيار الثقة يحدث فجأة وبسرعة تفوق قدرة السلطات على التدخل.

الأزمة المصرفية الراهنة قد تمتد إلى الاقتصادات الكبرى في العالم (الأوروبية)

وفي السياق ذاته، أكدت الخبيرة المالية يوليا كوفالينكو، أن أزمة بهذا الحجم "لن تبقى داخل حدود أميركا"، موضحة أن انخفاض السيولة في البنوك الأميركية ينعكس فوراً على الاقتصاد العالمي نظراً لدور الولايات المتحدة المحوري في النظام المالي الدولي.

وقالت كوفالينكو، إن "ما يجري اليوم يشبه من نواحٍ كثيرة أزمة الرهن العقاري عام 2008، حيث تتكرر ظاهرة التعثّر في السداد والاحتيال المالي، ما يؤدي إلى تراجع استقرار المؤسسات الائتمانية".

تأثير متسلسل على روسيا والاقتصادات الناشئة

ورغم أن العلاقات الاقتصادية بين موسكو وواشنطن في أدنى مستوياتها، يرى باختين أن روسيا لن تكون بمعزل عن التداعيات. وأوضح أن الاقتصاد الروسي "لا يزال مندمجاً في الأسواق العالمية، وإن عبر قنوات مختلفة"، مضيفاً أن أي تراجع في الطلب العالمي على السلع الأساسية مثل النفط والغاز والمعادن سينعكس سلباً على الصادرات الروسية.

وقال الخبير، إن النتيجة ستكون "انخفاضاً في تدفق العملات الصعبة وتراجعاً في قدرة الشركات على استيراد المعدات والمواد الخام"، ما سيؤدي إلى تباطؤ الإنتاج الصناعي وتراجع أرباح الشركات والإيرادات العامة.

وفي اختتام تقريرها، شددت فزغلياد على أن العالم يقف على حافة أزمة مالية جديدة، في ظل تراجع الثقة في النظام المصرفي الأميركي، وعودة الذهب ليؤدي دوره كـ"ملاذ أخير" في مواجهة انهيار محتمل في الأسواق، معتبرة أن "الأزمة هذه المرة قد تكون أعمق وأكثر شمولاً من تلك التي عرفها العالم عام 2008".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات إلى أن

إقرأ أيضاً:

ترامب يدفع لنفط أرخص: ضغوط أمريكية تهدد الخليج وتغرق العراق في أزمة مالية

11 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تخفيض أسعار النفط بشكل حاسم، مدفوعاً بوعود حملته الانتخابية بـ”حفر حفر”، رغم أن الكثير من الدول المنتجة، خاصة في الخليج، تعد حلفاء وثيقين لواشنطن. في خطوة تعكس سياسته الطاقية الجريئة، اذ أصدر ترامب أوامر تنفيذية في يناير 2025 لتسريع الإنتاج الأمريكي، مما أدى إلى ارتفاع الإنتاج اليومي إلى 13.5 مليون برميل، مع توقعات بزيادة إضافية في الخليج المكسيكي عبر مزادات جديدة.

ومع ذلك، يحذر محللون من أن هذا النهج، الذي يهدف إلى خفض أسعار البرنت إلى 60 دولاراً للبرميل، قد يعمق التوترات مع حلفاء يعتمدون على أسعار أعلى لتوازن ميزانياتهم.

من جانب آخر، يواجه الخليج تحديات متزايدة أمام سياسة ترامب، حيث يعتمد الإنتاج السعودي والإماراتي على أسعار تصل إلى 70-80 دولاراً لتمويل مشاريع التنويع مثل رؤية 2030.

ومع زيادة الإنتاج الأمريكي بنحو مليون برميل يومياً، أجبرت أوبك+ على تعديل حصصها في ديسمبر 2025، مما أثار مخاوف من فائض عالمي يصل إلى 1.4 مليون برميل، وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة.

وفي الوقت نفسه، أدت عقوبات ترامب على فنزويلا وإيران إلى ارتفاع مؤقت في الأسعار إلى 62 دولاراً بعد مصادرة ناقلة نفط في 10 ديسمبر، لكن الضغط على الإنتاج يبقى الاتجاه المهيمن، مما يهدد بإعادة تشكيل التحالفات الاستراتيجية في المنطقة.

بالتوازي، يبرز العراق كضحية أولى محتملة لهذه السياسة، حيث يعتمد اقتصاد بغداد بنسبة 90% على إيرادات النفط، وانخفاض الأسعار إلى أدنى مستوياته منذ 2023 يفاقم أزماته المالية.

وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي في مايو 2025، يتوقع تباطؤ النمو غير النفطي إلى 1% هذا العام، مع عجز في الحساب الجاري يصل إلى 4.3%، مما يهدد بتراجع الاحتياطيات الأجنبية إلى 12 مليار دولار فقط. أما في بغداد، فيواجه الحكومة ضغوطاً لقطع الإنفاق الرأسمالي، مع ارتفاع التضخم وتراكم الديون، مما قد يشعل اضطرابات اجتماعية إذا لم يتم تعزيز التنويع الاقتصادي.

و يعكس سعي ترامب للطاقة الرخيصة توازناً دقيقاً بين الانتخابات الداخلية والاستقرار الدولي، حيث يعد بأمريكا طاقية مهيمنة، لكنه يخاطر بزعزعة الشرق الأوسط. مع ذلك، يظل الطريق طويلاً نحو تحقيق هذا التوازن، خاصة مع الانتخابات البرلمانية العراقية في نوفمبر التي قد تعيق الإصلاحات، مما يجعل الضحايا الأوائل يدفعون الثمن الأكبر في سباق النفط العالمي.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
  • بوتين وأردوغان: محاولات الاستيلاء على الأصول الروسية ستقوض النظام المالي الدولي
  • سلام استقبل مجموعة العمل الأميركية لأجل لبنان بحضور السفير الأميركي
  • محاكم مركز دبي المالي العالمي تُطلق استراتيجية النمو الخمسية الجديدة
  • جنبلاط يستقبل وفد مجموعة العمل الأميركية والسفير الأميركي
  • رئيسة مجموعة الأزمات: أميركا لم تعد واثقة في النظام الذي بنته وهناك أزمة مبادئ
  • ما تأثير خفض الفائدة الأميركية على الاقتصاد والمواطن؟
  • نقص حاد في الضباط والمقاتلين داخل جيش الاحتلال
  • وثيقة سرية أميركية: الصين قد تدمر القوات الأميركية في أي حرب على تايوان
  • ترامب يدفع لنفط أرخص: ضغوط أمريكية تهدد الخليج وتغرق العراق في أزمة مالية