الجمعيات التعاونية.. الفكرة والمفكر
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
ناجي بن جمعة البلوشي
في خضم التحولات الاقتصادية العميقة التي تشهدها الساحة العالمية المتسارعة، نرى أنه لا زالت هناك عند البعض بقايا من الأفكار التقليدية يراد تطبيقها رغم كل مؤشرات الفشل التي سجلتها التجارب المحلية والإقليمية ومن هذه الأفكار العودة إلى تأسيس أو تفعيل الجمعيات التعاونية الاستهلاكية.
ونحن هنا لنضع ما يجب علينا وضعه وليكون واضحا من الجوانب المختلفة ومنها الخروج من المسلمات بل وإعادة تقييم جذرية لمثل هكذا أفكار وتشكيلها إلى أفكار ترقى لحل أو حلحلة تحدٍ ما، وليس اختلاق تحد وإشكال لم يكن موجودا أصلا؛ فالجمعيات التعاونية الاستهلاكية التي طالما صُورت كأدوات مثالية لتحقيق العدالة الاقتصادية والتعاون المجتمعي، ربما باتت اليوم تواجه تساؤلات حاسمة حول جدواها وأثر إنشائها ودعهما بلا حدود.
في عالم تتسارع فيه ديناميكيات الأسواق المفتوحة والعولمة المتشابكة والفضاء الإلكتروني المفتوح وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة العابرة للقارات بين الدول والأقاليم، فإنه لا يمكن لنا التبصر في هذه الفكرة كفكرة جديدة مبتكرة؛ بل هي مسودة قديمة عُثر عليها في زمن آخر. ولا يمكن لنا إنكار أن الجمعيات التعاونية الاستهلاكية نشأت في سياق اجتماعي واقتصادي محدود؛ حيث كانت تُمثل رد فعل جماعي على اعتقاد سائد بوجود احتكار للأسواق وتحكُّم في غلاء الأسعار، وحينذاك هيمن على تلك الأفكار خطاب التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع للتغلب على ما يلاقيه المجتمع من تحدٍ وإشكال، لكن هذا الخطاب انتهى فور غزو الاستثمارات المنافسة والمتطورة للعالم؛ بل وعندما وُضِع المستهلك والمستفيد أمام الخيارات المتعددة والتي لا حصر لها.
ومنذ ذلك الحين، أمسى المعتقد الذي كان سائدًا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بعيد المنال في بيئة اقتصادية مرنة لا حدود لها، خاصة وأن اليوم تحكمها قوانين العرض والطلب المتغيرة، والتنافسية الحادة، والانفتاح التجاري الذي أزاح الحواجز وحوَّل الأسواق المحلية إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين عمالقة الاقتصاد العالمي. وإذا أردنا أن نتحدث بالصراحة المطلقة فإنه وفي هذا السياق نقول: تبقى فكرة “التعاون” و”الاقتصاد التعاوني” في الجمعيات من أجل النجاح على المنافسة، مجرد وَهْمٍ لا أكثر، ولسبب بسيط هو افتقارها إلى القدرة على المنافسة الفعّالة؛ فالجمعيات، مهما وُضعت لها كل ممكنات نبل أهدافها، إلّا أنها غالبًا ما تُعاني من بطء إداري مزمن وضياع في التركيز وانتهاء من السوق، وذلك لمحدودية مواردها، وعجز في مواكبتها الابتكار التكنولوجي والتطورات اللوجستية التي تتطلبها الأسواق الحديثة والخبرة التي تتجاوب فوراً مع ما يمكن أن يكون.
إنَّ الأسواق المفتوحة والعولمة، التي وفَّرت فُرصًا غير مسبوقة لتدفق السلع والخدمات، خاصة لأولئك الذين يملكون فروعًا أخطبوطية في الإقليم، وبها فَرضت معايير جديدة صارمة للنجاح: السرعة، والكفاءة، والابتكار، والقدرة على استيعاب حجم أكبر من العمليات الاقتصادية وانفتاح كبير للموارد والدعم.
وفي مواجهة هذه المعايير لا ولن يستطيع نموذج الجمعية التعاونية الاستهلاكية التقليدي أن يجابهه بل سيكون ضعيفًا لا محالة؛ بل وأكثر من ذلك، قد يتحول إلى عبء على أعضائه والمجتمع والاقتصاد برمته؛ ذلك لأنَّ الاعتماد على العضوية الطوعية والحوكمة الديمقراطية، رغم ما تحمله من قيمة أخلاقية مجتمعية أصيلة، إلّا أنه لا يتناسب مع متطلبات السوق الديناميكية التي تحتاج إلى قرارات سريعة ومستثمرة بشكل عقلاني بعيدًا عن التردد الجماعي. كما إن محدودية رأس المال المخصص لهذه الجمعيات، تجعلها غير قادرة على المنافسة مع الشركات الكبرى التي تستثمر مئات الملايين من الريالات، ومنها ما يُصرف خصيصًا على البحث والتطوير والتسويق واكتشاف سلاسل الإمداد العالمية.
وإذا أردنا أن نضع رأيًّا في الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده السلطنة فإننا نرى من زاوية التنمية الاقتصادية، أن المضي قدمًا أو التوجه في تفعيل الجمعيات التعاونية الاستهلاكية ربما قد يحجب النظر في الحاجة إلى بناء مؤسسات اقتصادية أكثر كفاءةً وابتكارًا، وقادرة على التكيف مع متطلبات السوق العالمية. كما قد يخلق جانب التمكين المُفرِط وهمًا زائفًا بالاستقلالية الاقتصادية وسياسة السوق الحُر، مما يُعطِّل جهود تطوير البنية التحتية التجارية وتحسين بيئة الأعمال بشكل عام.
أما من الناحية الاجتماعية، فقد تسهم هذه الجمعيات في تعزيز بعض القيم الإيجابية مثل التعاون والتضامن المجتمعي، لكن ذلك لا يمكن أن يُغطِّي على محدوديتها في خلق فرص عمل ذات جودة، أو تعزيز الاقتصاد الحقيقي عبر الاستقطاب النوعي في ذات المجال، كما إنها ستقضي على ما تبقى من محال صغار المستثمرين في الحارات والمناطق الصغيرة.
أما عن التجارب، فإذا أردنا أن نتصفح نموذجًا فيما مضى من تجارب، فإن قوات السلطان المسلحة وشرطة عُمان السلطانية والحرس السلطاني العُماني، على دراية بتجاربهم ويمكن للجميع الاستفادة والتعرف على تجاربهم من قرب، وعندها لا تحتاج مثل هذه الأفكار إلى مراجعة نقدية عميقة، فبدلًا من التفكير فيها كنموذج اقتصادي مستقل، يجب إعادة توجيه الطاقات نحو بناء اقتصاد تنافسي يستوعب التطور العالمي، ويكفل تنمية اقتصادية مُستدامة قائمة على الكفاءة والابتكار.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإمارات وأيرلندا تعقدان الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة
أبوظبي (الاتحاد)
عقدت دولة الإمارات وأيرلندا الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة بينهما، والتي تم الإعلان عنها في شهر أبريل من العام الجاري.
ضم الاجتماع مسؤولين حكوميين وقادة أعمال وممثلين عن القطاع الخاص من كلا البلدين لاستكشاف فرص التعاون لتعزيز العلاقات الاقتصادية.
وكان معالي سعيد بن مبارك الهاجري وزير دولة في وزارة الخارجية، استقبل معالي بيتر بيرك، وزير المشاريع والتجارة والتوظيف في جمهورية أيرلندا، في أبوظبي لحضور الاجتماع.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد الهاجري على الدور البنّاء للجنة الاقتصادية المشتركة كمنصة للحوار والشراكة المستمرين، مع التركيز على القطاعات الرئيسية التي تشترك فيها الدولتان في الأهداف، مثل التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والأعمال الزراعية، وعلوم الحياة، والبنية التحتية المستدامة. وشدد على أهمية التعاون لتحفيز وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، وإيجاد بيئة مواتية للاستثمار المتبادل والنمو القائم على الابتكار.
وقال معالي الهاجري: تجسّد اللجنة الاقتصادية المشتركة التزامنا المشترك بتعزيز التعاون بين بلدينا، وتتيح فرصة بالغة الأهمية لتوطيد شراكتنا الاقتصادية. ونحن حريصون على استكشاف وخلق فرص جديدة لقطاعينا الخاصين، بما يعود بالنفع على بلدينا ويدفع طموحاتنا المشتركة إلى الأمام. ومن خلال الاستفادة من منظومة الأعمال الديناميكية لدولة الإمارات وموقعها الاستراتيجي كمركز عالمي، يمكننا معًا تسهيل زيادة التجارة والاستثمار، وإطلاق العنان لنمو كبير يمكّن شركاتنا من الازدهار.
وتشهد التجارة غير النفطية بين الإمارات وأيرلندا انتعاشاً ملموساً حيث زادت بنسبة 12.7% في الشهور التسعة الأولى من 2025، مسجلةً 1.1 مليار دولار، وهو ما يؤكد أن الدولتين لديهما قاعدة صلبة للانطلاق منها لمواصلة ترسيخ علاقاتهما التجارية، علما بأن تجارتهما غير النفطية كانت سجلت 1.2 مليار دولار في عام 2024 بنمو 12.6% مقارنةً بالعام السابق.
ومن جهته، قال معالي بيتر بيرك: «نُقدّر كثيراً علاقتنا الوثيقة مع دولة الإمارات، ويشكّل الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية المشتركة فرصة مهمة لتعزيز وتطوير الروابط بين البلدين. إن إيرلندا ملتزمة تماماً بتوسيع آفاق التجارة والاستثمار والسياحة مع دولة الإمارات، وتوفير فرص جديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة، والعمل على دفع مجالات التعاون ذات الأولوية في ظل التحولات التي يشهدها المشهد التجاري العالمي».
وحضر اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة عدد من المسؤولين الإماراتيين، من بينهم محمد الشامسي سفير دولة الإمارات لدى إيرلندا، وفهد القرقاوي وكيل وزارة التجارة الخارجية، وعمران شرف مساعد وزير الخارجية للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة، وسعادة حميد بن سالم الأمين العام لغرف الإمارات، وسعادة رجاء المزروعي، الرئيس التنفيذي لشركة الاتحاد لائتمان الصادرات.
ومن الجانب الأيرلندي، حضر الاجتماع معالي روبرت تروي، وزير الدولة في وزارة المالية، ومعالي دارا أوبراين، وزير المناخ والطاقة والبيئة، إلى جانب حوالي 30 مسؤولاً وممثلاً من مختلف الكيانات التجارية والاقتصادية في أيرلندا، وممثلين عن القطاعين الحكومي والخاص في دولة الإمارات.
وتبع اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة اجتماع طاولة مستديرة للأعمال بين ممثلي القطاع الخاص من دولة الإمارات وأيرلندا. وفي كلمته الافتتاحية، رحّب معالي الهاجري بالمشاركين، مؤكداً على أهمية التعاون لتعزيز تدفقات الاستثمار، وشجع المستثمرين الأيرلنديين على الاستفادة من الفرص الوفيرة المتاحة في إطار سعي دولة الإمارات المستمر لتنويع اقتصادها القائم على المعرفة وتنميته. كما سلّط الضوء على الموقع الاستراتيجي لدولة الإمارات كممر تجاري بين الشرق والغرب، وتشريعاتها الداعمة للأعمال التي تسمح بالملكية الأجنبية الكاملة في مختلف القطاعات، بما في ذلك الخدمات والسياحة والخدمات المصرفية، بالإضافة إلى زيادة الفرص في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
ومن خلال اللجنة الاقتصادية المشتركة، تلتزم الإمارات وأيرلندا ببناء شراكة اقتصادية مستدامة تحقق منافع متبادلة وتدعم طموحات البلدين. وقد مهدت مناقشات الاجتماع الافتتاحي ومائدة الأعمال المستديرة الطريق للتعاون المستقبلي، مع التركيز على تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية القائمة، ومعالجة التحديات المشتركة، وتعظيم مشاركة القطاع الخاص.
أخبار ذات صلة