الشباب هم قوة المجتمعات بما يتميزون به من إمكانات ومهارات وطاقات قادرة على البناء والتنمية؛ فهم قوة إذا ما توفَّرت لهم مجالات التمكين والإبداع في بيئة داعمة ومحفِّزة تلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم، وتشركهم في التنمية وصنع القرار إضافة إلى توفير فرص التعليم والتدريب والتأهيل، وغيرها من إمكانات التنمية البشرية التي تجعلهم قادرين ومؤهلين لبناء مستقبل مجتمعهم.
ولهذا فقد أولت الدولة عناية فائقة بفئة الشباب باعتبارهم الأساس الذي يمثِّل قدرتها على الصمود في وجه المتغيرات، وتخطي التحديات التي تطرأ في مراحل التنمية المختلفة سواء أكانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو بيئية؛ فالمجتمع ينهض بشبابه، ويتقدم بهم. إن هذه العناية نجدها جلية مثلا ضمن مؤشر تنمية الشباب العماني الذي أطلقه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في العام 2018؛ لما كان للشباب من دور بارز في الرؤية الوطنية عُمان 2040 من خلال المشاركة الفاعلة في الإعداد بما يتواءم مع تطلعاتهم ورؤاهم المستقبلية.
إن مؤشر تنمية الشباب العماني في حينه كان أول مؤشر على المستوى العربي والشرق الأوسط (حسب تقرير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات) بعد المؤشر الدولي لتنمية الشباب؛ حيث يعمل على تحليل الواقع الوطني الفعلي لتنمية الشباب العماني بُغية تقييم مستويات التنمية وتوفيرها لصُنَّاع القرار. إذ يستند المؤشر إلى مجموعة من المحاور تتمثل في التعليم والصحة وسوق العمل والمشاركة المجتمعية والسياسية، وما ترصده من واقع تمكين الشباب في كل قطاع وقدرتها على إحداث أثر تنموي في تطوير مشاركتهم المجتمعية والقطاعية.
ونتيجة للجهود المبذولة من كافة المؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية في دعم الشباب وزيادة مساهمتهم، وتطوير مهاراتهم ومواهبهم بما يحقِّق الأهداف الوطنية، ويعزِّز مشاركتهم في خدمة المجتمع إضافة إلى توفير البيئة المحفِّزة لتنمية إبداعاتهم وابتكاراتهم وفق أحدث المعطيات التقنية؛ فإن نتائج عمان في تقدم مستمر في مؤشر تنمية الشباب في آخر إصدار له في العام 2024؛ حيث قفز ترتيب عمان إلى المركز 33 عالميا بعد أن كانت في المرتبة 52 في العام 2020.
إن هذا التقدُّم يكشف الإسهام الذي يقدمه الشباب العماني في تعاونهم ومشاركتهم الفاعلة في تحقيق الأهداف الوطنية، وحرص الدولة على تمكينهم بالأدوات الأساسية التي يستطيعون من خلالها تقديم البرامج والمبادرات والإسهام في الأنشطة والفعاليات والمعسكرات وغيرها مما يُتاح لهم إضافة إلى إقبالهم على التعليم والتدريب، ودعم تطلعاتهم بالإمكانات المتوفِّرة في المراكز والحاضنات الإبداعية والابتكارية الأمر الذي نجده جليا في الكثير من المجالات والقطاعات التي استطاع الشباب العماني المشاركة في تحقيق أهدافها.
ولأن الشباب متطوِّر ومتجدِّد على الدوام؛ فإن تحديث البيئات الحاضنة وتطوير الإمكانات وتأسيس وحدات قادرة على دعم تطلعاتهم المستقبلية الأكثر انفتاحا أصبح حاجة ملحة. فتعزيز مشاركة الشباب الاقتصادية والاجتماعية والمدنية هو الأساس الحضاري الذي يضمن بناء مجتمع قائم على الشمولية والازدهار والاستدامة؛ ولهذا فإن حاجات الشباب تتطلَّب اليوم إيجاد رؤية واضحة وجليِّة تقوم على استراتيجية تنموية تستثمر الطاقات الشبابية وفق معطيات حديثة مستنيرة.
ولتحقيق ذلك؛ فقد كانت أهداف تنمية القدرات الوطنية، وتمكين الكفاءات في صدارة أولويات الرؤية الوطنية عمان 2040 الأمر الذي انعكس على الكثير من القطاعات المعنية بدعم تلك القدرات، وتأسيس الكفاءات وتمكينها كل حسب مجاله وقطاعه، إلاَّ أنه مع المتغيرات المتسارعة والتحولات في العالم من حولنا وبالتالي تغيُّر الكثير من الرؤى التي تحاول مواكبة تلك التحولات بما يتناسب مع الأهداف الوطنية؛ فإن الحاجات نفسها تتغيَّر خاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي الأمر الذي جعل الكثير من الدول في حاجة ماسة إلى مراجعة الرؤى والأهداف بما يتوافق مع تسارع التقلبات من ناحية، ويضمن الحفاظ على الهُويات الوطنية من ناحية أخرى.
لذا فإن الشباب اليوم ينظرون إلى تلك التحولات والمتغيرات باعتبارها فرصًا يمكن استثمارها بما يخدم تطلعاتهم؛ فالتحولات التقنية والاقتصادية على سبيل المثال أصبحت أهم المرتكزات التي تقوم عليها الشركات الصغيرة والمتوسطة التي يقودها الشباب إضافة إلى تلك الآمال المعقودة على تأسيس آفاق لصناعات حديثة تقوم على تنمية مواهب الشباب وتمكينها، كما هو الحال في الصناعات الثقافية والصناعات الرياضية أو صناعات المعرفة عموما التي تعتمد على رأس المال البشري.
من هنا فإن تطوير السياسات الوطنية للشباب يمثل ضرورة في هذه المرحلة الحضارية المهمة؛ فعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسات في قطاعات التعليم والتدريب والتأهيل، وكذلك دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إضافة إلى الفعاليات والأنشطة والمبادرات الكثيرة المنتشرة في كافة المحافظات؛ إلاَّ أننا نحتاج إلى تقعيد هذه الجهود وفق أهداف وطنية وسياسة واضحة تقوم على الاستفادة من التحولات المتسارعة من ناحية، وترسيخ مبادئ وقيم المواطنة الإيجابية من ناحية أخرى.
وعلى ذلك فإن تسريع العمل في الاستراتيجية الوطنية للشباب له أهمية ليس فقط على مستوى تنمية قطاع الشباب، بل أيضا في ضرورة تحليل الواقع، ورصد الفرص الواعدة للشباب في كافة القطاعات، وتحديد التحديات والصعوبات التي تواجههم في تحقيق أهدافهم، واقتراح حلول عملية تنعكس على تلك الاستراتيجية إضافة إلى أهمية تحليل السياسات الحالية والتشريعات المحفزِّة والداعمة للشباب خاصة في مجالات العمل والابتكار؛ بُغية الوقوف على تلك الفرص والتحديات، وإيجاد مخارج أو اقتراح تعديلات تخدم الأهداف الوطنية لتنمية الشباب وتمكينهم.
إن سياسات تنمية الشباب أساس للتخطيط التنموي وإحدى وسائل التطوير التي تعتمدها الدول من أجل زيادة الوعي وتطوير وسائل تنمية القدرات وتمكينها بما يتناسب مع المرحلة الحضارية التي تُعد من أصعب المراحل التي تمر بها الدول في العالم كله؛ ولذلك فإن التجربة الوطنية التي قامت بها عُمان عند إعداد الرؤية الوطنية 2040 من إشراك الشباب حتى الناشئة في إعداد الرؤية كانت رائدة في عمليات صناعة السياسات العامة للدولة، وذات أثر كبير في دعم مشاركتهم الإيجابية في تنفيذ أهداف تلك الرؤية وتبني تطلعاتها؛ لأنها نابعة من تطلعاتهم ومستمدة من آمالهم المستقبلية.
ولهذا فإن مشاركتهم في صناعة سياسات خاصة بهم تقوم على استثمار طاقاتهم، وتحديد فرص الإبداع والابتكار التي يتطلعون إليها والمهارات التي يحتاجونها، والدعم الذي يطلبونه من أجل تحقيق أهدافهم وغير ذلك؛ ستسهم في تحقيق الأهداف الوطنية، وسترسِّخ مبادئ المشاركة والتعاون والمساهمة في البناء الفاعل الأمر الذي يحقِّق مفاهيم المواطنة الإيجابية النابعة من ترسيخ الثقة والعدالة والمساواة بين أفراد المجتمع. فآمال الشباب في كافة القطاعات كبيرة وواعدة لكنها تحتاج إلى رؤية وطنية متكاملة.
إننا إذ نحتفل اليوم بيوم الشباب العماني فإننا نتطلَّع إلى تكامل الجهود الوطنية في دعم تطلعاتهم وتنمية قدراتهم بناء على سياسات ورؤى تقوم على التمكين في كافة القطاعات بما يُسهم في تحقيق أهدافهم الشخصية والوطنية، ويوفِّر لهم البيئة المحفِّزة للعمل والعطاء المجتمعي، ويقدِّم لهم فرص العيش الكريم والرفاه الاجتماعي.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأهداف الوطنیة الشباب العمانی تنمیة الشباب الأمر الذی الکثیر من إضافة إلى من ناحیة تقوم على فی تحقیق فی کافة
إقرأ أيضاً:
رابطة الجالية المصرية بميلانو تؤكد على أهمية تنمية الشراكة المصرية الأوروبية
شاركت رابطة الجالية المصرية بميلانو وضواحيها في الاحتفال الجماهيري الكبير الذي نظمته الروابط والجاليات المصرية من مختلف دول أوروبا في العاصمة البلجيكية بروكسل، لاستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته للمشاركة في القمة المصرية الأوروبية.
وأكد أعضاء الرابطة أن هذا اللقاء كان تعبيراً عن الفخر والانتماء للوطن الأم مصر، وتجسيداً لوحدة المصريين في الخارج خلف قيادتهم السياسية، مشيرين إلى أن حضورهم جاء رغم بُعد المسافات والأجواء الممطرة، ليعكسوا صورة مشرفة لأبناء مصر في الخارج.
وأشاد أبناء الجالية بمواقف مصر المشرفة تجاه القضية الفلسطينية، وسعيها المستمر لوقف الحرب والعدوان وتحقيق السلام، مؤكدين أن العالم يقدّر الدور المصري المتوازن والفاعل في المنطقة.
كما نوهوا إلى أهمية تنمية الشراكة المصرية الأوروبية، التي تشهد نمواً متزايداً في مجالات الاستثمار والتبادل التجاري، مشيرين إلى أن مصر أصبحت من أكبر الشركاء الاقتصاديين لأوروبا، بما يفتح آفاقاً جديدة للتنمية خلال المرحلة المقبلة.
واختتمت الرابطة بيانها بالتأكيد على أن المصريين في الداخل والخارج يجتمعون دائماً على كلمة واحدة:"تحيا مصر… قيادةً وجيشاً وشعباً".