كيف يُحوِّل القائد النقد اللاذع إلى منصة للنمو المؤسسي؟!
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
د. سلام محمد سفاف **
يواجه كل قائد، مهما علا شأنه، لحظات حاسمة تتطلب فيها مواجهة الانتقاد، وغالبًا ما يكون الرد التلقائي هو الدفاع أو الهجوم، مما يحوّل الانتقاد من فرصة للتصحيح إلى مصدر للتوتر ونشوء الأزمات. فكم من شركات كبيرة ضيعت مسارها للتحول لأن قادتها ارتبكوا وغرقوا في "مستنقع الخوف" من النقد؟
وتقدم لنا إليزابيث هولمز الرئيسة التنفيذية والمؤسسة لشركة ثيرانوس مثالًا حيًا عن كيفية التعامل الخاطئ مع الانتقادات، فعندما أسست الشركة، وعدت حينها بثورة في مجال فحوصات الدم باستخدام بضع قطرات من الدم فقط، لتصل قيمة الشركة إلى 9 مليارات دولار في ذروتها.
في عام 2015، بدأ الصحفي الاستقصائي جون كاريورو من صحيفة "وول ستريت جورنال" نشر سلسلة تحقيقات تكشف أن تكنولوجيا الشركة لا تعمل بشكل صحيح، وأن معظم الفحوصات كانت تُجرى على أجهزة تقليدية وليس على جهاز ثيرانوس مع وجود أخطاء خطيرة في النتائج المعملية.
وكان الرد الحاد وغير المتوقع من هولمز بالإنكار الكامل والهجوم الشخصي بدلًا من معالجة الاتهامات؛ حيث هاجمت هولمز الصحفي شخصيًا ووصفته بـ"غير الكفء" و"المضلل"، واستمرت في الظهور الإعلامي مؤكدة أن التكنولوجيا "تعمل بشكل مثالي"، متحدية كل الأدلة. كما حاولت تهديد وتشويه سمعة الموظفين السابقين الذين كشفوا الحقائق.
وجاءت النتيجة كارثية، فقد انهارت الشركة تمامًا وأغلقت عام 2018، وحُكم على هولمز بالسجن 11 عامًا بتهمة الاحتيال الضخم.
هذه القصة أصبحت حالة دراسية كلاسيكية في كيفية تعامل القيادة مع النقد، وكيف أن الهجوم الشخصي على الناقد يزيد من الأزمة، وتبين لنا أن الشفافية هي السور الواقي للسمعة لأن محاولة إخفاء الحقائق تؤدي دائمًا إلى انفجار أكبر، وتحذر من التلاعب بالبيانات فهو الخطيئة القاتلة في عصر المعلومات.
في الحقيقة، إن الانتقاد ليس نهاية الطريق، بل هو جزء متوقع من رحلة القيادة والتحول، ويتوجب على القائد أن يتعامل مع النقد انطلاقًا من القاعدة الذهنية التالية: "عدم الخوف من النقد وعدم الغرق في مستنقع الارتباك والدفاع عن النفس". هذه القراءة الهادئة للموقف تمنع ردود الفعل العاطفية وتفسح المجال للاستجابة الموضوعية.
هُنا يكمن الفرق الجوهري بين القائد المدافع والقائد المحوّل، فالأخير يعرف كيف يستغل النقد كنقطة انطلاق لتعزيز الإنجاز من خلال:
الاعتراف بالنقد: يحول القائد النقد حول تأخر مشروع ما أو وجود خلل في خدمة إلى مشاريع عمل ملموسة وهدف واضح يتمحور حول تطوير خدمات جديدة وتقديم التسهيلات عوضًا عن إنكار الانتقاد، خصوصًا إذا وجه للعمل. إظهار النتائج والإنجازات: تستخدم القيادة الذكية النقد كنقطة مرجعية لإظهار التقدم. عندما تظهر النتائج، فإنك تحوّل الانتقاد علنًا من منصة للاتهام إلى منصة للنمو والإنجاز. القائد ذو الخبرة يستمتع بالنقد الموضوعي؛ بل وينتظره أحيانا ليكشف عن إنجازاته قائلًا على سبيل المثال: "صحيح تأخرنا، لكن الوقت الإضافي ساعدنا في رفع الجودة بنسبة 20%".وأخيرًا.. إنَّ التعرض للانتقاد خاصةً عند الشروع في مشاريع التحول أو تغيير السياسات هو أمر متوقع ودليل على أنك تخطو خطوات فعّالة، وهو فرصة فعالة للتحسين وإعلان الإنجازات، فالقيادة الفعالة لا تعني تجنب النقد؛ بل تعني إجادة قراءته والتعامل معه بذهنية النمو.
وعندما يكون النقد سلبيًا وغير موضوعي، فعلى القائد احتواء النقد بفضيلة الصبر كقيمة أخلاقية وقيادية متذكرًا دومًا أن الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحجارة.
** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم
** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
توقيع مذكرة تفاهم بين “الاتصالات” و“الاعتماد والرقابة "بشأن التعاون فى تنفيذ التطوير المؤسسي الرقمى
شهد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية بشأن التعاون فى تنفيذ التطوير المؤسسي الرقمى بالهيئة والفروع التابعة لها على مستوى المحافظات من خلال توفير بيئة عمل رقمية قادرة على مواكبة الرقمنة وتفعيل التقنيات التكنولوجية الناشئة التي تساعد على تعزيز دور الهيئة في ضبط وتنظيم الخدمات الصحية المقدمة داخل منظومة التأمين الصحي الشامل، فضلًا عن رفع القدرات والمهارات الرقمية داخل مؤسساتها.
وقع المذكرة المهندسة غادة لبيب نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتطوير المؤسسى، والدكتور أحمد طه رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية.
وتهدف مذكرة التفاهم إلى أتمتة العمليات الأساسية داخل الهيئة وفروعها، وتطوير تطبيقات ذكية تُسهم في تبسيط الإجراءات ورفع كفاءة تبادل البيانات مع شركاء المنظومة، مثل هيئة التأمين الصحي الشامل وهيئة الرعاية الصحية ووزارة الصحة والسكان، بما يتيح توفير مؤشرات دقيقة تدعم متخذي القرار.
كما تتضمن المذكرة تنفيذ برامج تدريبية متخصصة لرفع القدرات الرقمية للعاملين وتنمية الثقافة التكنولوجية لدى القيادات، إلى جانب تطوير بنية معلوماتية موحدة وربط إلكتروني شامل بين الفروع والمقر الرئيسي للهيئة. وتشمل المذكرة أيضًا تطوير منصة لتلقي الشكاوى وتعزيز مشروعات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لدعم الرقابة وتحسين جودة الخدمات الصحية المعتمدة.
وأكد الدكتور عمرو طلعت أن هذا التعاون يأتي في إطار الخطة الاستراتيجية الشاملة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لدعم مسيرة التحول الرقمي في مختلف قطاعات الدولة، وتنفيذ توجيهات القيادة السياسية بضرورة توظيف تكنولوجيا المعلومات في تطوير منظومة الخدمات الحكومية، وتيسير حصول المواطنين على خدمات عالية الجودة، خاصة في القطاعات الحيوية وعلى رأسها قطاع الرعاية الصحية.
وأوضح الدكتور عمرو طلعت أن التعاون مع الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز البنية الرقمية للقطاع الصحي، مشيرًا إلى أن الوزارة تعمل على إتاحة أحدث حلول التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، وتطبيقات البيانات الضخمة بما يضمن دعم الهيئة في أداء دورها الرقابي والتطويري بكفاءة أكبر، وبما يتيح متابعة دقيقة لمؤشرات جودة الخدمات المقدمة داخل المنشآت الصحية على مستوى الجمهورية.
وأضاف الدكتور عمرو طلعت أن الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية تمثل أحد الأعمدة الرئيسية في منظومة الرعاية الصحية في مصر، نظرًا لدورها المحوري في ضمان جودة الخدمات الصحية ومتابعة أداء المنشآت الطبية وفقًا للمعايير المعتمدة، مؤكدًا أن دعم قدراتها الرقمية سيسهم في رفع كفاءة الأداء وتحسين تجربة المواطنين داخل منظومة التأمين الصحي الشامل.
كما أعرب الدكتور عمرو طلعت عن تطلعه إلى أن يحقق هذا التعاون نقلة نوعية في آليات العمل داخل الهيئة من خلال التحول إلى نظم تشغيل رقمية متكاملة، وتطوير بيئة تكنولوجية داعمة لاتخاذ القرار، وبناء كوادر بشرية مؤهلة وقادرة على إدارة الأنظمة الرقمية باحتراف، بما ينعكس إيجابًا على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين ومستوى رضاهم عنها.
من جانبها أكدت المهندسة/ غادة لبيب نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للتطوير المؤسسى أن المذكرة تأتى فى إطار التعاون المستمر والمثمر بين الوزارة والهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، واستكمالًا لجهود الوزارة فى تنفيذ عدد من المشروعات والمبادرات التى تهدف إلى تفعيل التحول الرقمى والتطوير المؤسسى الرقمى بالهيئة والفروع التابعة لها بالمحافظات التى تطبق بها منظومة التأمين الصحي الشامل، موضحتا أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كانت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قد نفذت حزمة من برامج تنمية وبناء القدرات الرقمية لعدد (٣٣٩) من العاملين بالهيئة والفروع التابعة لها بمحافظات منظومة التأمين الصحي الشامل، طبقًا لأحدث المعايير الدولية وبالشراكة مع المؤسسات والشركات العالمية العاملة فى المجال.
وأكد الدكتور أحمد طه رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية أن مذكرة التفاهم التى تم توقيعها اليوم تمثل خطوة محورية نحو تحديث منظومة العمل داخل الهيئة، من خلال بناء بنية رقمية قادرة على دعم عمليات الاعتماد والرقابة بكفاءة أعلى، وضمان تقديم خدمات صحية متكاملة ضمن مشروع التأمين الصحي الشامل.، مشيرا إلى أن التحول الرقمي يمثل ركيزة أساسية لتحقيق منظومة صحية مرنة تستجيب للتطورات العالمية في مجالات الجودة وسلامة المرضى.
مضيفا أن التعاون مع وزارة الاتصالات يدعم رؤية الدولة في بناء مجتمع رقمي متكامل، ويعزز قدرة القطاع الصحي على استخدام التكنولوجيا الحديثة—وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة—لتطوير الأداء المؤسسي وتحسين تجربة المواطن داخل منظومة التأمين الصحي الشامل.
مشيرا إلى التزام الهيئة بتطوير قدراتها المؤسسية وتمكين العاملين من قيادة التحول الرقمي بما يعزز دورها كجهة وطنية مسؤولة عن ضمان جودة الرعاية الصحية في منشآت التأمين الصحي الشامل.