لجريدة عمان:
2025-12-03@21:13:43 GMT

(بيت أبو عبد الله).. مسرح ما بعد الدراما

تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT

منذ سنوات بعيدة سمعت عن مسرحي شاب، تنتمي أعماله إلى مسرح مغاير، يعتمد على الصورة، والتعبير الحركي أكثر من اعتماده على الحوار، والسرد الدرامي، وصنع صدمة للمتلقي، في الفكر، والمشاهد البصرية، اسم هذا المسرحي هو (أنس عبدالصمد)،

ولم تتح الفرصة لمشاهدة عمل له على خشبة المسرح، فمثل هذه العروض لا نشاهدها إلّا في المهرجانات، وجاء مهرجان الدن المسرحي الدولي ليوفّر لنا فرصة مشاهدة عرض (بيت أبو عبد الله)، الذي هو من إنتاج دائرة السينما والمسرح -الفرقة الوطنية للتمثيل في العراق.

وكانت الرغبة تدعوني لمشاهدة عرض للمخرج (أنس عبد الصمد)، كونها تعتمد على لغة الجسد، غير المنطوقة، التي تحمل فكرة، تمييزا لها عن أداء الحركة في الألعاب الرياضية، كما يؤكّد في أحاديثه، ومن هنا، فجسد الممثل بكلّ تعبيراته هو ركيزة أساسية، باعتبار حركة الجسد لغة عالمية تمكّن فريق العرض من التواصل مع العالم، خصوصا أنّ أفكار عروضه تخاطب الوجدان الإنساني، وتناقش قضاياه،

كما شاهدنا في عرض (بيت أبو عبد الله)، عندما حذّر من المصير الذي سيؤول إليه المجتمع الإنساني، فيما لو استمرّ الحال على ما هو عليه، ولم يكتف بالجسد كأداة تعبيرية، فقد أولى الجانب البصري مساحة واسعة من خلال الاشتغال على سينوغرافيا تماهت مع فكرة العرض، بالاستفادة من التطور التكنولوجي، فقدّم المخرج (أنس عبدالصمد) في(بيت أبو عبدالله) عرضا ينتمي للميتا مسرح نحو (مسرح ما بعد المسرح)، ووفق هذا المسعى، يمضي إلى ما هو أبعد بحثا عن أشكال تعبيرية جديدة، من خلال عدة تقنيات من بينها : الاشتغال على مسرح داخل مسرح وتوظيف الشاشة، وتداخل الفنون، ففي العرض بُعد سينمائي وتكوينات بصرية تتناغم مع حركة الجسد، شغلت المساحة الأمامية للمسرح وهي: مائدة طعام عليها جبنة تفتح الشهية للفئران، ومقعد "تواليت" ودلالته، وكيس الملاكمة الذي يرمز للعنف مع الآخر ومع النفس، والكراسي، والصحيفة، التي يقرأها سكان البيت وهم يجلسون على مقعد "التواليت"،

والكتاب الذي يرمى بعنف، وتمزق صفحاته، واللاب توب الموضوع على منضدة الطعام، والوسائد والمايكروفون، وكلها مفردات تشكّل مدخلا لفكرة تصل للمتلقي من خلال الاشتغال على شعرية الميتا مسرح، وهي كما يقول الباحث حسن يوسفي في بحثه (المسرح في المرايا) :" شكل درامي يترجم رؤية للعالم تقوم على تنسيب القيم التي يخلقها الإنسان وفق ما تمليه الشروط المحيطة به، لذا فإن القيم المطلقة التي تقوم عليها التراجيديا تصبح غير صالحة في عالم متغير يخلق أشكالا جديدة للتعبير عن نفسه".

وتدور فكرة العرض التي شكّلها (أنس عبدالصمد) كونه كاتبه أيضا، حول الضغوطات النفسيّة التي تواجه الإنسان، وتبدأ بمحاصرة الجدران لأفراد العائلة، التي تحاصرها العزلة، والضوضاء التي تصمّ السمع، وما تسبّبه لها من إرهاق، وزاد من ذلك انعدام الحوار بين أفراد العائلة،

فتتسلّل الفئران دون أن يشعروا بذلك، يتقدمهم الفأر الكبير الذي تسلّق جدران العائلة الهش، والتهم الجبنة الموضوعة على مائدة الطعام، على مرأى من العين الكبيرة التي تظهر على الشاشة في خلفيّة المسرح، وغضّت النظر عن ذلك، فزحفت الجدران لتضيق على أفراد العائلة، التي نجحت في الخروج منها، ويأتي الطبيب، ليعالج الأوضاع، فيعود النشاط لأفراد العائلة، لكنهم يظلوا يسكنون إطار عزلتهم، حتى ينطلق صوت رصاص ليضع نهاية لأفراد العائلة، وللمرة الثانية ينهضون ليواصلوا رحلة (سيزيف) حتى يتداعى البيت بعد أن شنت الفئران هجومها ليمتلئ المسرح بها وهي تزحف، ضوئيا، على الوجوه، والجدران، والأجساد،

فالمخاطر التي تحيط بالكوكب استشعرتها الفئران، فهربت بحثا عن الخلاص، لينطلق الصوت الأخير ضمن موّال حزين، كل هذه الأفكار ناقشها العرض الذي فاز بأكثر من جائزة، من بينها جائزة أفضل عرض متكامل في أيام قرطاج المسرحية، وجائزة أفضل إخراج وأفضل سينوغرافيا، كما رُشحت لأفضل عمل متكامل في مهرجان بغداد الدولي للمسرح، كما رُشحت الفنانة ثريا بوغانمي لجائزة أفضل ممثلة في المهرجان نفسه.

ولأن هذا النوع من المسرح يحتاج إلى اللياقة وتعبيرات الوجه وسيمياء الجسد، فقد أبدع فريق العمل في الأداء وخصوصا: ماجد درندش، ثريا بوغانمي، أنس عبدالصمد، د. محمد عمر، وتعاضد هذا مع الإضاءة التي صمّمها د. علي السوداني- الذي قَدِم من تونس حاملا معه جائزة أفضل سينوغرافيا مسرحية (الجدار) للدكتور سنان العزّاوي- فأبدع في ذلك، وجعل إحساسنا مضاعفا بزحف الفئران، رغم أنّ بيئة العرض لم تخدمه، كونه جرى تقديمه في خيمة، فواجه صعوبة في تطويع فضاء العرض، لصالح مفرداته البصريّة، خصوصا في تحريك الجدران، التي كان لها دور حيوي ودلالي في العرض، لكنّ (د. علي السوداني) عمل بالممكن، فنجح في إيصال فكرة عرض بصري يشير إلى تفاقم المخاطر التي يواجهها الإنسان في كل مكان، ليتجاوز محلّيّته، ويعبر إلى الفضاء الإنساني، ليبعث المخرج من خلال بيت يرمز لكوكب يواجه ساكنوه مخاطر جمّة، رسالة تحذيرية للعالم

بأسره.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بیت أبو عبد أنس عبد من خلال ة التی

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: من الأسباب التي تقوي محبة الله عز وجل عند العبد التخلية والتحلية

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن من الأسباب التي تُقوِّي محبَّةَ اللهِ عزَّ وجلَّ عند العبد التخليةُ والتحلية؛ أَخْرِجْ حبَّ غيرِ الله من القلب، {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}، وأَدْخِلْ حبَّ الله في قلبك؛ فقوَّةُ المحبَّة هذه سوف تؤدِّي بك إلى الشعور باللذَّة، ولذلك يقول بعض أهل الله: «إنَّنا في لذَّةٍ وسعادةٍ لو عرفها الملوكُ لجالدونا عليها بالسيوف».

واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن محبَّةُ اللهِ للعبد، هل لها علامات؟ ذُكِرَت في القرآن: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}، إذًا هو سبحانه يكره الإدبارَ يوم الزحف. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، إذًا هو سبحانه يكره العصيانَ والاستمرارَ فيه، وأن يستمرَّ الإنسانُ في غيِّه، ويكره غيرَ المتطهِّرين، فهو سبحانه يحبُّ المتطهِّرين. {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}. {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

«إنَّ اللهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ، ولا يُعْطِي الإيمانَ إلَّا مَنْ يُحِبُّ». (أخرجه الحاكم).

دعاء قبل الفجر .. يقضي الحوائج ويفتح أبواب الرزق ويحقق الأمنيات

وقال النبيُّ ﷺ فيما يرويه عن ربِّه عزَّ وجلَّ:  قال الله تعالى: «لا يزالُ العبدُ يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به…» إلى آخر الحديث. وكذلك: «إذا أحبَّ اللهُ تعالى عبدًا ابتلاه، فإن صبر اجتباه، فإن رضي اصطفاه». أخرجه الديلمي في «الفردوس»، وفيه ضعف، لكنَّ الجمال فيه هو التدرُّج في العلاقة مع الله.

فهذا كلُّه يبيِّن لنا أن حبَّ الله سبحانه وتعالى يتفرَّع منه حبُّ الإسلام، وحبُّ الشريعة، وحبُّ الجنَّة، وحبُّ النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وحبُّ التكليف الذي كلَّفنا إيَّاه، ونحن نقوم به بشوق.

كلُّ ذلك يدلُّ على أن حبَّ الله أمرٌ عظيمٌ جدًّا، وأن هذا الحبَّ يؤثِّر في النفس. وفي الحديث: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا جَعَلَ لَهُ وَاعِظًا مِنْ نَفْسِهِ، وَزَاجِرًا مِنْ قَلْبِهِ يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ».

فما أثر الحبِّ؟ «واعظًا من نفسه وزاجرًا من قلبه»؛ أي يضع له في قلبه شيئًا يوجِّهه، مثل رقابةٍ داخليَّةٍ ذاتيَّة، «يأمره وينهاه»؛ أي يقبل نصيحة الناصحين؛ من يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر؛ إذًا الحبُّ يجعل فيك واعظًا من نفسك.

طباعة شارك محبة الله ما هي التخليةُ والتحلية علي جمعة

مقالات مشابهة

  • أمسيةٌ فنيّةٌ تحتفي بالأصالة والإبداع على مسرح وزارة الإعلام
  • للمرة الأولى .. "مرسل إلى" التابع لقصور الثقافة يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي في دورته 16
  • فرقة المسرح الحديث تستأنف نشاطها بعرضين مميزين في مسرح السلام.. غدًا
  • عرض مرسل إلى التابع لقصور الثقافة يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي في دورته 16
  • علي جمعة: من الأسباب التي تقوي محبة الله عز وجل عند العبد التخلية والتحلية
  • المسرح ما بعد الدراما.. موت اللغة أم ولادتها؟
  • معنى سمة "ذبح العلماء" الذي عرف على مر العصور.. علي جمعة يوضح
  • تتويج المبدعين في ختام مهرجان الدن الدولي
  • فرقة المسرح الحديث تستأنف نشاطها بعرضين مميزين في مسرح السلام