لجريدة عمان:
2025-12-03@18:18:37 GMT

المسرح ما بعد الدراما.. موت اللغة أم ولادتها؟

تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT

تغيّر وجه المسرح بعد برتولد بريخت، كما تغيّر من قبله الأرسطية، يتميز مسرح ما بعد الدراما بتحولات بنيوية عميقة أعادت ترتيب العلاقة بين النص والعرض، وبين الكلام والصورة، وبين اللغة كجملة لغوية واللغة كفعل، وبين الجمهور وعلامات التلقي. وحسب أندريز فيرت، فإن مسرح ما بعد الدراما هو مضاد للنص الدرامي المكتوب.

كان لكتاب مسرح ما بعد الدراما هانس- تيز ليمان عام 1999، خاصية أساسية تمثلت في إرجاء النص الدرامي «من حيث هو وسيط يوجه الحدث المسرحي؛ ولكن هذا لا يعني إقصاء مطلقا للنصوص الدرامية، بل تفكيكا للتقليد الأرسطي الذي وضع تراتبية في سيرورة صناعة الفرجة المسرحية، وعلى رأسها النص الدرامي...».

مؤخرًا، «بدأت تتحكم في إنتاج وتلقي العروض المسرحية في المهرجانات العربية؛ كالقاهرة التجريبي، وقرطاج، والهيئة العربية للمسرح، والخليجي «دراماتورجيا بصرية، وتركيبات في الصوت، ومسرح الرقص وفن التصوير الفوتوغرافي، ومؤثرات رقمية قلما أمكن إخضاعها للنص الدرامي».

إن مسرح ما بعد الدراما، مسرح صعد عن طريق الممارسات التجريبية، وتقدم الوسائط الرقمية، فشهدنا عروضا تعيد الاعتبار للجسد كخطاب مستقل، والآلة «ميكروفون، لابتوب، الهاتف الجوّال» ما أدى إلى تشكّل السؤال الجوهري: هل يمثّل المسرح ما بعد الدرامي موتًا للغة، أم ولادة جديدة لها؟

ما الذي ينتظره المتفرج من العرض ما بعد الدرامي في العروض الحديثة؟

إن فهم الإطار الفكري والفلسفي لما بعد الحداثة شرّط مركزي لاستيعاب أطروحات مسرح ما بعد الدراما. لقد أصبح واضحا أن أزمة تلقي العروض الحديثة في حقيقتها أزمة في المرجعيات من جهة، والمصطلح من جهة أخرى. وتمخّض هذا الأمر عن انقسام كبير بين المشتغلين بالمسرح، سواء أكانوا مخرجين أم نقادًا أم فنانين. إن الجانب الأقرب لحصر هذا الانقسام كان ينبغي أن يظل في ساحة العلم وإنتاج المعرفة والإبداع، لكنه أخذ ينتقل إلى دائرة رؤساء المهرجانات شيئا فشيئا، وإدارات الإنتاج المسؤولة عن الدعم والتمويل. مع صعود هذا الانقسام لم يُطرح سؤال عما يبحث الجمهور من جماليات يرى من خلالها المسرح مكانًا للمتعة والمعرفة والبحث.

ومسرح ما بعد الدراما، لا يولي مؤلف النص، ولا النص ولا القصة أي أهمية. إنه مسرح «يعرض وضعًا أو حالة كبديل للقصة ومبدأ الفعل» لقد انتهى النص، صحيح أنه لم يَمت، لكن تأثيره وعالمه الأدبي لم يعد له قيمة، وهذا ما دفع كريستل فايلر إلى الاعتقاد أنه «مع نصوص تشيكوف، ستبدأ بالفعل نهاية نوع من الدراما التقليدية». والسؤال الجوهري ما جدوى مسابقات التأليف المسرحي التي تُقام في مختلف الوطن العربي وهناك ما يتعارض مع مسرح ما بعد الدراما الذي أخذ يشكّل منعطفا كبيرا؟

يكتب خالد أمين نقلا عن ليمان إن مسرح ما بعد الدراما «فرجة مسرحية مخطط لها ومفكر فيها بشكل تشاركي/ تفاعلي... كما أنه مسرح غير أدبي، وهذا المنحى لا يلغي شعرية المنجز المسرحي بكل مكوناته على خشبة المسرح، فهو مسرح تجريبي وهذا جزء من أهدافه...».

تبدو إجابة أسئلتنا أعلاه أكثر تعقيدًا؛ مما توحي به ثنائية الموت/ الولادة. فالمسرح ما بعد الدرامي لم يُلغِ اللغة، لكنه حوّر وظائفها، وحرّرها من سلطة المعنى الأحادي، وبهذا المعنى أنه مسرح «لا تُهمه الرسالة، بل تهمه طريقة الأداء».

فإذا لم يكن نص المؤلف أو حوار الشخصيات هما الوسيط الرئيس لخلق الدلالة، فإن هذا التأسيس «أدى إلى الاهتمام بالممثل، والمتفرج، والكتابة الركحية، وشعراء الخشبة».

إن تطور الجماليات الأدائية هو صُلب مسرح ما بعد الدراما. إنها كما يصفها ليمان «تخلق علاقة خاصة بين النص وموقف الأداء المادي وخشبة المسرح التي تختفي منها الحبكة أو بالأحرى تتوارى خلف الحالات والعلامات لكي يخلق تأثيرا لدى المشاهدين من خلال عملية التفاعل مع ما فوق الخشبة من عوالم أكثر من التزامه بالنص». يعتقد محمد سيف بوصفه أحد المساهمين في كتاب مسرح ما بعد الدراما أن كتاب ليمان هو «فصل في علم الجمال»، وجهد توليفي لفهم الظروف والآثار الجمالية والنظرية للعروض المسرحية عوضا عن النصوص».

في عروض مسرح ما بعد الدراما، تتولد لغة جديدة تنخرط فيها شبكة من العلامات البصرية والصوتية والفراغية والحركية، أشير مثلا إلى عرض «نحن من وجهة نظر قط» للمخرج أنس عبدالصمد، الذي انخرط في روح مسرح ما بعد الدراما.

تستدعي هذه اللغة جمهورًا واعيًا، مثقفًا يمتلك قدرة من التحمّل والصبر، ومخزونًا لا ينضب من العلامات والإشارات؛ لأن العرض نفسه أصبح هو النص، والجسد صار مركز الدلالة، والصورة هي التي تنتج معنًى مستقلا.

لكن، ماذا سيحدث إذا لم يستطع الجمهور تقبّل جماليات الأداء الحديثة؟ كيف سيتفق مع فلسفة إعادة توزيع سلطة الجماليات الجديدة؟ هل سيُلغى شكسبير وإبسن مثلا؟ إن مهرجانات المسرح في الوطن العربي تحتفي بالكثير من العروض الحديثة مفككة النصوص، كتابة شذرية متشظية، وجُملا مبتورة، وممثلين لا ينطقون بكلام واضح، بل يصرخون أو يُهمهمون، ليس بينهم علاقات أو روابط تاريخية أو اجتماعية، حيث يكون العرض نصًّا وطاقة جسدية خطرة.

هل تراجع الكلام لصالح الصورة؟

أعود إلى الغرفة المضيئة: تأملات في الفوتوغرافيا لرولان بارت ترجمة هالة نمَّر مراجعة أنور مغيث، حيث يضع بارت تمييزا حادا بين طبيعتين مختلفتين للّغة عن الصورة: يكتب التالي: «بما أن الصورة هي محض صدفة خالصة، ولا يمكن أن تكون غير ذلك (دائما ما تعرضُ شيئا ما) -على عكس النص الذي يستطيع، عن طريق التأثير المباغت للكلمة الواحدة، أن يمرر جملة من الوصف إلى التأمل- تُقدم الصورة على الفور تفاصيلها التي تؤلف المادة الخام نفسها للمعرفة الإثنولوجية».

إن بارت لا ينحاز للصورة على حساب الكلمة؛ بل يضعهما في موقعين مختلفين، لا في صراع. يشرح أن الصورة = انفتاح مباشر على العالم، والكلمة = قدرة على انتقال المعنى وتكثيفه وتأويله. وبهذا المعنى، يقدم بارت مفتاحًا نقديًّا لفهم جوهر مسرح ما بعد الدراما؛ فاللغة التي يتحدث عنها بوصفها حدثًا ينتقل من الوصف إلى التأمل، هي ذاتها اللغة التي تتحول في العرض المعاصر إلى فعل بصري/جسدي يُنتِج المعنى من خارج حدود الجملة، ومن داخل منطق حضور الممثل.

إن سيطرة الجسد والرقص وعروض الحركة في مسرح ما بعد الدراما، ليست بالضرورة انحيازًا تقنيًّا أو جماليًّا بقدر ما هي انقلاب معرفي. التكنولوجيا تفرض تقدمها في العالم ووسائل التواصل الافتراضي تتطور، والذكاء الاصطناعي يُغير أسلوب تلقي المعرفة. إن أي حديث عن عودة النص بمرجعياته لن يشكل تمردا كاملا على الصورة داخل المسرح ما بعد الدرامي، بل حاجة أساسية لا فرار منها.

إن المفهوم الجوهري في المسرح ما بعد الدرامي هو التحوّل من اللغة بوصفها تمثيلًا للواقع إلى اللغة بوصفها حدثًا يقع الآن، في اللحظة. إن مهرجانات المسرح العربي تمثّل مساحة خصبة لمناقشة هذا التحول، لأنه في معظم تاريخه ظل تابعًا للنص.

منذ التسعينيات وبداية الألفية، بدأ المسرح العربي، في التحرر من هيمنة النص، وسعى المخرجون إلى تقديم تجارب انحازت في المطلق إلى لغة الجسد والموسيقى، وظل الصراع بين النص الأدبي والاشتغال الركحي حاضرًا بين اتجاهين، الأول اتجاه يذهب إلى تقديس النص، والثاني اتجاه ينحاز إلى الأداء؛ يرى الخشبة مختبرًا بصريًّا وحركيًّا، يعتمد على الجسد، والارتجال والتوليف بين الوسائط، لخلق معنى بصري لا لغوي.

لم تمت اللغة في مسرح ما بعد الدراما، بل تحوّلت من مركز للمعنى إلى إحدى طاقاته، بعدما انتقلت الدلالة إلى الجسد والصورة والفعل الحي. إن مستقبل المسرح العربي لن يُصنع بصراع بين النص والعرض، بل بوعي جمالي جديد يدرك أن اللغة -منطوقة كانت أم صامتة- تولد من داخل اللحظة المسرحية نفسها. وهكذا لا تموت اللغة، بل تعود بشكل آخر، أكثر حرية واتساعًا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین النص

إقرأ أيضاً:

سعد الصغير يستعد للعودة إلى الدراما

صراحة نيوز-يستعد الفنان المصري سعد الصغير للعودة إلى الدراما الرمضانية من خلال مسلسل جديد يخوض به سباق الموسم الرمضاني المُقبل، بعد غياب طويل عن الأعمال الدرامية.

ونشر سعد عبر حسابه الرسمي على “إنستغرام” صورة ظهر خلالها أثناء توقيع العقد، معلقاً “بسم الله توكلنا على الله، مسلسل فرصة عمل، من إنتاج رشا عصفور، وتأليف أحمد صبحي، وإخراج وائل فهمي عبد الحميد.

وتعد هذه التجربة محطة فنية جديدة في مسيرته، بعد سنوات ركّز خلالها على الحفلات الغنائية والبرامج التلفزيونية، مبتعدا عن التمثيل.

آخر مشاركاته الفنية
شهدت مشاركاته السابقة في الدراما حضوراً لافتاً، حيث حقق مسلسل “دلع بنات” نجاحاً كبيراً عام 2014، وشارك في بطولته كل من مي عز الدين ومحمد إمام إلى جانب نضال الشافعي وكندة علوش وسمير غانم ومحمد عبد المنعم.

تدور أحداث المسلسل في إطار كوميدي حول صديقتين تنتمي إحداهما للطبقة الشعبية، بينما تنتمي الأخرى للطبقة البرجوازية، ما يولّد العديد من المواقف الكوميدية والفارقة بين الشخصيتين.

كما ظهر سعد الصغير في أعمال أخرى مثل “أحلام سعيدة” بدور ترفيهي غنائي ضمن حلقات محدودة، و”مولد وصاحبه غايب” عام 2022 كضيف شرف ضمن إطار كوميدي درامي يركز على الصراعات الاجتماعية والمواقف الكوميدية اليومية.

أما في عالم السينما فحقق سعد الصغير نجاحاً كبيراً في فيلم “لخمة راس”، بالإضافة إلى فيلم “عليا الطرب بالتلاتة”، و”ولاد البلد”، كما شارك في “شارع الهرم”، و”حصل خير”، و “عش البلبل”، و”أمان يا صاحبي”.

آخر التطورات القانونية
واجه سعد الصغير خلال الفترة الماضية أزمات قضائية، حيث قضت محكمة مصرية مؤخراً ببراءته من الدعوى المقدمة ضده من سيد السبكي المتعلقة بأغنية “الأسد”. واعتبرت المحكمة المدعي متنازلاً عن الدعوى المدنية، بينما أكّد فريق الدفاع أن لديه الحق في اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه نشر معلومات مضللة ألحقت أضراراً بالفنان.

وكان المنتج شوقي السبكي قد أشار في بلاغه إلى أنه يملك الحق المالي الكامل في استغلال أغنية “الأسد”، مؤكداً أن هذا الحق يشمل الحفلات والعروض التلفزيونية والبث عبر الإنترنت، طبقاً لقانون حماية الملكية الفكرية.

مقالات مشابهة

  • (بيت أبو عبد الله).. مسرح ما بعد الدراما
  • بمشاركة جلالة السلطان.. النص الكامل لـ"بيان الصخير" مع انعقاد "القمة الخليجية" بالبحرين
  • بمشاركة جلالة السلطان.. النص الكامل لليبان الختامي لـ"القمة الخليجية"
  • فرقة المسرح الحديث تستأنف نشاطها بعرضين مميزين في مسرح السلام.. غدًا
  • ندوة أدبية ثرية لمناقشة كتاب «الذي لم يخرج» بنادي الأدب بطنطا
  • نادي أدب طنطا يناقش «الذي لم يخرج» للكاتب المسرحي طارق عمار
  • الإبادة الجماعية في غزة.. انهيار العدالة الدولية بين النص والواقع.. كتاب جديد
  • فرقة المسرح الحديث تستأنف نشاطها بعرضين مميزين في مسرح السلام
  • سعد الصغير يستعد للعودة إلى الدراما