د. إبراهيم بن عبدالله الرحبي

[email protected]

رؤية "عُمان 2040" نموذجًا

ثالثًا: مرتكز البحث والتطوير والابتكار

تطرقنا في المقال السابق من هذه السلسلة إلى أهمية المرتكز الثاني المتعلق بالتعليم والتدريب لرؤية "عُمان 2040"؛ حيث حققت السلطنة حتى الآن معدلات مرضية في مؤشر التعليم للجميع حيث جاء ترتيبها 51 من بين 92 دولة، وكذلك الحال بالنسبة لمؤشري التنافسية العالمية في مجالي المهارات والمواهب؛ حيث حلت في المرتبتين 36 من بين 140 دولة و56 من أصل 119 دولة على التوالي.

أما التعليم العالي وهو الداعم الرئيس لمرتكز البحوث والتطوير فإن مؤشر سلطنة عُمان في نسبة الالتحاق بالتعليم العالي بحاجة إلى جهود مكثفة واستثمارات سخية على جميع الصعد للتقدم من المركز الحالي 48%  للوصول إلى مستوى الدول المتقدمة الذي يتعدى حاليا 80% في المتوسط وهي النسبة المناسبة والمؤهلة لتحقيق رؤية "عُمان 2040" عبر بوابة اقتصاد المعرفة.

ونسلط الضوء في هذا المقال على أهمية المرتكز الثالث لاقتصاد المعرفة. فالبحث والتطوير والابتكار يعني العمل الإبداعي المنجز على أساس منهجي بهدف زيادة المخزون المعرفي الذي يمكن تطبيقه لتحسين عمليات الإنتاج المختلفة والتطبيقات والتقنيات المستخدمة في ذلك. إنها العملية الإبداعية التي يتم من خلالها استخراج قيمة اقتصادية إضافية من المعرفة وتحويلها إلى منتجات وعمليات وخدمات جديدة، بصرف النظر عن التقدم التكنولوجي. ويوحي الجزء الأخير من هذا التعريف بأن التطوير والابتكار يمكن أن يتحقق حتى في البلدان النامية، والتي قد يكون بمقدورها تجاوز بعض الدول المتقدمة كما هو الحال في سنغافورة، وكوريا الجنوبية وتايوان ومؤخرا ماليزيا؛ حيث لعب التعليم والبحث والتطوير دورا رئيسيا في هذا الإنجاز مما ضاعف من ناتجها المحلي الإجمالي في أقل من عشرين عامًا.

ولنجاح سياسة البحث والتطوير والابتكار، فلا بُد من وجود نظام متكامل يضم شبكة من المؤسسات والقواعد والإجراءات التي تؤثر على الأساليب التي تكتسب الدولة من خلالها المعرفة وتنتجها وتستخدمها وتنشرها. وكنموذج فعَّال للدول الطامحة لدخول اقتصاد المعرفة يفترض أن يتألف نظام البحث والتطوير من تكامل بين مؤسسات القطاعين العام والخاص ذات العلاقة والجامعات ومعاهد البحوث والعاملين فيها. بحيث يوفر هذا النظام البيئة الملائمة لرعاية وتمكين وتحفيز الابتكار ليكون مصدرا للميزة التنافسية لمنتجات الدولة وصناعاتها وخدماتها في السوق العالمية.

وترى النظرية الحديثة للابتكار أن إنتاج المعرفة لا يمكن فصله عن عملية البحث والتطوير، وهو لا يعتمد على الاكتشاف فقط، وإنما  على البحث والتعلم المستمر أيضًا. ولا يقتضي التعلم بالضرورة اكتشاف الجديد من المبادئ الفنية والعلمية، وإنما يمكن أن يقوم على الأنشطة التي تعيد تجميع أو تطبيق وبالتالي تطوير وتحديث النتائج القائمة على المعرفة. وتؤكد الدراسات العلاقة الإيجابية بين البحث والتطوير والابتكار من جهة والأداء الاقتصادي للدول من جهة أخرى، حيث تكون أكثر كثافة في البلدان ذات الدخل المرتفع والإنتاجية العالية. كما أن الاقتصادات الأكثر ابتكارية تحقق مستويات أعلى في النمو الاقتصادي المستدام. وتعزى هذه المساهمة الاقتصادية الإيجابية إلى عدة اعتبارات؛ فغالًبا ما يؤدي البحث والتطوير، من خلال الابتكار، إلى إنتاج منتجات جديدة، وزيادة المنافسة بين المنتجين والمصنعين المحليين، وبالتالي تحقيق نمو في السوق، وإرضاء المستهلك. كما تحدث تحسينات في المنتجات والعمليات القائمة مما يؤثر إيجابًا في خفض التكلفة وزيادة القيمة المضافة.

وكنقطة للانطلاق يجب أن توفر السياسات الحكومية الدعمَ للأنشطة الابتكارية من حيث اكتساب المعارف الجديدة، ونقل التكنولوجيا ونشرها وتوظيفها اقتصاديًا من خلال تحفيز الابتكار المُثمر عبر الأداء الحكومي الفعّال، والحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية، والنظم المالية الدعمة. ويبدو أن مثل هذه البيئة الخلاقة للبحث والتطوير والابتكار تعد شرطا مسبقا لتعزيز الابتكار المحلي، وجذب التعاون مع مؤسسات البحث والتطوير العالمية.

ومما يبعث على التفاؤل في سلطنة عُمان أنها أسست لنظام البحث والتطوير والابتكار بمفهومه الحديث من خلال مجلس البحث العلمي الذي أنشئ في عام 2005 والذي دمج مؤخرا ضمن اختصاصات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. ونستطيع القول إن هناك منظومة وطنية متكاملة للبحث العلمي، وسعة بحثية على كافة المستويات (باحثون، وباحثون مساعدون، وفنيون)، إضافة إلى توفيرها بنية أساسية بحثية تشمل مراكز وبرامج بحثية متنوعة وتوفر الأدوات والتقنيات والأجهزة البحثية لتعزيز وتمكين البحث العلمي في القطاع الأكاديمي، ووجود ثقافة للبحث العلمي في الأوساط التعليمية والأكاديمية، والإنتاج المعرفي.

واعتماد خارطة طريق البحث والتطوير والابتكار ضمن خطة التنمية الخمسية العاشرة الحالية (2021- 2025) وفق متطلبات "الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتطوير 2040"، سوف تُعزز دور البحث العلمي والتطوير في التحول لمُجتمع المعرفة وتحقيق التميز البحثي بشكل يؤدي إلى التأثير الاقتصادي والاجتماعي المنشود. واستنادًا إلى أهم مُؤشر لدعم البحث والتطوير والابتكار كنسبة مئوية من الناتج المحلي، فإنَّ رفع النسبة الحالية تدريجيًا من 0.37 في المائة إلى 2% بحلول عام 2040، وفق ما تقترحه الإستراتيجية الحالية، يُعد مطلبًا مُلحًا لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، مُقارنة بنحو 1.58 في المائة و2.63 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الحالي لمتوسط دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمتوسط العالمي على التوالي.

لا شك أن مُمكنات البحث والتطوير في سلطنة عُمان واعدة فهناك الإرادة السياسية للنهوض بالبحث العلمي والابتكار كونه أحد أولويات رؤية "عُمان 2040"، لإضافة لوجود استراتيجية وطنية للابتكار. لكن يبقى أن نشير إلى أنَّ الوصول لمستهدفات هذه الرؤية في  الابتكار ضمن أفضل 20 دولة بحلول عام 2040؛ صعودًا من المرتبة الحالية 69 من بين 127 دولة، يتطلب جهودًا تشاركية وتكاملية مُضنية واستثمارات سخية خاصة من قبل الحكومة، إذا ما علمنا أنَّه لا يفصلنا سوى 17 عامًا فقط لبلوغ هذا الهدف، مع وجود تسابق دولي محموم في هذا الجانب؛ الأمر الذي يحتم تسخير الإمكانيات كافة لخدمة هذا الهدف، وعلى الحكومة- بشكل خاص- أخذ زمام المبادرة في زيادة الإنفاق على البحث والتطوير والابتكار بسبب كلفتها العالية ومردودها المالي الذي يستغرق وقتًا طويلًا لا يستطيع القطاع الخاص تحمله خلال هذه المرحلة، مع التركيز على المشاريع والمبادرات البحثية التطبيقية ذات الأولوية الوطنية، وتطوير شركات وتقنيات قادرة على المساهمة في الاقتصاد الوطني ضمن ممكنات الثورة الصناعية الرابعة.

** متخصص في اقتصاد المعرفة

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مدبولي الحكومة المصرية تضع دعم البحث العلمي والابتكار على رأس أولوياتها

ألقى  الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، كلمة، خلال مشاركته، نيابة عن  الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في انعقاد الجمعيـة العامة للشـــراكة بيــن الأكاديميــات IAP)) والمعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث(IRC EXPO2025)، بالعاصمة الجديدة.

وفي مستهل كلمته، قال رئيس الوزراء: "نجتمع اليوم تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لكي نؤكد أَن مِصر ليست فقط أرض التاريخ، بل هي أرض المستقبلِ والعلم والابتكار".

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن مِصر أصبحت اليوم وجهةً عالمية رائدة للتعاون العلمي والاقتصادي، مُستندة إلى رؤية استراتيجية تجعل من البحث العلمي والابتكار الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، مشيراً إلى أن ذلك يتجلى بوضوح في استضافة مصر لحدثين دوليين بارزين هما: الجمعية العامة للشراكة بين الأكاديميات (IAP)، والمعرض الدولي لتسويق مُخرجات البحوث(IRC EXPO2025)، اللذين يعكسان ثِقة المجتمع الدولي في قدرة مصر على قيادة الحوار العلمي العالمي وتحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية حقيقية.

واعتبر رئيس الوزراء أن استضافة الجمعية العامة للشراكة بين الأكاديميات IAP)) لأول مرة في العالم العربي هنا في مصر؛ تُعد حدثاً تاريخياً بكل المقاييس، إذ يجمع هذا المنتدى العلمي العالمي نُخبةً من الأكاديميين والخبراء وصناع القرار من أكثر من مائة وأربعين أكاديميةً علميةً حول العالم، حيث تتناول الجمعية العامة لهذا العام مناقشة القضايا المعاصرة التي تُواجه العلم والمجتمع، مثل: تطوير السياسات القائمة على الأدلة العلمية، بالإضافة إلى تعزيز التواصل بين المؤسسات العلمية وصُناع السياسات.

  واستطرد: "أما عن المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث (IRC EXPO2025)، فهو يُعد منصة رائدة تجمع بين العقول المُبتكرة من الجامعات والمراكز البحثية المصرية والدولية، وبين رجال الصناعة والاستثمار من مختلف القطاعات الاقتصادية".

ولفت الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن المعرض يركز على عرض أحدث الابتكارات والنتائج البحثية التطبيقية التي يُمكن تحويلها إلى مُنتجات وخدمات ذات قيمة اقتصادية، ويتيح للمُخترعين والباحثين فُرصةَ للتواصل المباشر مع المستثمرين والشركاء الصناعيين، مما يُسرع تحويل الأفكار الواعدة إلى مشروعاتٍ قابلة للنمو والاستدامة.

وأضاف أن أهمية هذا الحدث تكمن في كونه يُرسخ مفهوم "تسويق العقول"، حيث يتحول البحث العلمي من مجرد أفكار نظرية إلى ثروات حقيقية تُعزز الاقتصاد الوطني وتفتح آفاقاً جديدة للتنمية المستدامة.

وأكد رئيس الوزراء أن مصر، من خلال هذين الحدثين البارزين، تُؤكد التزامها بتعزيز التكامل بين العلم والمجتمع، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، وترسيخ مكانتها كوجهة عالمية للتعاون العلمي والاقتصادي.

وفي هذا السياق، سلط الدكتور مصطفى مدبولي الضوء بتفصيل أعمق على مبادرة "تحالف وتنمية"، التي أطلقها فخامة السيد رئيس الجمهورية كرافدٍ أساسي ضمن الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2030، حيث تأتي هذه المبادرة استجابةً لطموحات مصر في بناء منظومة متكاملة تجمع بين المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية والقطاعات الصناعية ورواد الأعمال، بهدف تعزيز التكامل والتعاون في مجالات البحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال، ولاسيما في القطاعات ذات الإمكانات الواعدة لتحقيق التنمية المستدامة.

ولفت إلى أن المبادرة تسعى إلى تأسيس تحالفات تخصصية إقليمية، حيث يتم توحيد جهود الجامعات والمراكز البحثية مع المؤسسات الصناعية والشركات الناشئة، من أجل تحويل الأفكار البحثية إلى تطبيقات عملية وحلول مبتكرة تُلبي احتياجات السوق المحلية والإقليمية.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن توقيع عددٍ من اتفاقيات "تحالف وتنمية" اليوم يُعد دليلاً ملموساً على نجاح هذه الرؤية الطموحة، إذ تُمثل خُطوة عملية نحو تفعيل التعاون بين الأطراف المختلفة، وتسريع وتيرة نقل التكنولوجيات من المختبرات إلى المصانع والأسواق، وتطوير نماذج أعمال مبتكرة تعزز القدرة الإنتاجية وتفتح آفاقاً جديدة للاستثمار والشراكة.

وقال الدكتور مصطفى مدبولي: "إِننا نؤمن بأن مستقبل الأمم يُبنى بالعلم والصناعة معاً، وأن التكامل بينهما هو الطريق الوحيد لتحقيق الازدهار الاقتصادي والاستقلال التكنولوجي".

ومن هذا المنطلق، أشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة المصرية تضع دعم البحث العلمي والابتكار على رأس أولوياتها، من خلال تمويل المشروعات البحثية التطبيقية، وتشجيع الشراكات الدولية، وتهيئة البيئة التشريعية والمؤسسية الداعمة.

ودعا الدكتور مصطفى مدبولي جميع الحاضرين إلى استغلال هذه الفرصة الفريدة للتعارف والتشبيك وبناء الشراكات، كما دعا الأكاديميين والباحثين إلى عرض ابتكاراتهم، ودعا أيضاً المستثمرين والصناعيين إلى اكتشاف الفرص الواعدة، ودعا كذلك الدول والأكاديميات الدولية إلى تعزيز التعاون مع مصر، مضيفًا: "لأننا نرى في العلم لغة عالمية تُوحد الشعوب وتصنع المستقبل".

واختتم رئيس الوزراء كلمته قائلاً: "ومما لا شك فيه، فإن الجمهورية الجديدة في مصر تسير بثبات نحو تحقيق اقتصاد المعرفة، وتضع كل إمكاناتها لخدمة هذا الهدف"... فمرحباً بكم في مصر، أرض السلام والتعاون والفرص. وكل عام وأنتم بخير، ومصر والعالم أجمع بخير".
 

مقالات مشابهة

  • النواب يؤكدون: دعم البحث العلمي والابتكار مفتاح التنمية المستدامة وتحويل الأفكار إلى مشاريع اقتصادية
  • برلماني: دعم البحث العلمي والابتكار ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في مصر
  • ميرفت ألكسان : دعم البحث العلمي والابتكار ركيزة لتحقيق تنمية مستدامة
  • برلمانية: تعزيز البحث العلمي والابتكار مفتاح مصر لتحقيق التنمية الشاملة وجذب الاستثمارات العالمية
  • وزير التعليم العالي يطلق خريطة وطنية للتحول نحو اقتصاد المعرفة حتى 2030
  • برلمانية: دعم البحث العلمي والابتكار أساس لتحقيق التنمية المستدامة وبناء اقتصاد المعرفة في مصر
  • رئيس الوزراء: الحكومة تضع دعم البحث العلمي والابتكار على رأس أولوياتها
  • مدبولي الحكومة المصرية تضع دعم البحث العلمي والابتكار على رأس أولوياتها
  • مدبولي : الحكومة تضع دعم البحث العلمي والابتكار على رأس الأولويات
  • عاجل- مدبولي: مصر أصبحت مركزًا عالميًا للتعاون العلمي والاقتصادي بفضل رؤية استراتيجية شاملة