فـي ضرورة مشروع عربي جامع
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
فـي ضرورة مشروع عربي جامع
الأسوأ أن تجد بلدانُ العرب نفسَها واقعةً بين جدران فضاءٍ مُحَاطٍ بمشاريع أخرى إقليميّة بعضُها في حالة اشتباكٍ معهم.
اليوم، ما عاد ثمّة من سبيلٍ حقيقيّ لارتياد المستقبل الجماعيّ إلاّ بمشروعٍ عربيّ جامع يعيد إلى العرب مكانتهم في العالم.
ظروف حاضر العرب أفضلُ من ظروف أَمْسِهم، على الأقلّ على صعيد تراجُع حدّة الاستقطاب السّياسيّ الإيديولوجيّ بين نخبهم.
المؤسف ألا يكون العرب قد اهتدوا، بعد نصف قرنٍ من نكبة مشروعهم الجماعيّ الأوّل، إلى إعادة بثّ الحياة في أوصاله من جديد.
لا شيء يمنع، اليوم، من أن تصنع المشروع العربي الجامع النّخب القائمة على أمور البلاد العربيّة إن هي أدركت منافع ذلك المشروع على بلدانها جميعِها.
سَنحتْ إمكانات مشروع عربيّ جامع في اللّحظةُ القوميّة العربيّة التي قادت مصرُ حركةَ التّحرُّر والنّهوض والتّوحيد فيها ربع قرنٍ قبل أن تطيحها سياسات التّيه عقب حرب أكتوبر 1973.
* * *
إذا كان ممّا يعْسُر قولُه أنّ هناك، اليوم، نظاماً إقليميّاً عربيّاً مستمرَّ الوجودِ والفِعل، حتّى بافتراض أنّه يشهد على حالٍ من التّأزّم السّياسيّ حادّةٍ فيه وبين أطرافه، فإنّ ممّا يستحيل ادّعاؤه أن يقال إنّ ثمّة مشروعاً عربيّاً جامعاً يجسّد مصلحةً عربيّة جمعيّة مشتركة.
وليس مَأْتى استحالةِ إمكانِ القول بوجود مشروعٍ مثل هذا من واقعِ غيابِ رؤيةٍ قوميّة في السّياسات العربيّة على مثال تلك التي سادت سنوات الخمسينات والسّتينات، إبَّان كان هناك مدٌّ للتيّار القوميّ العربيّ ووجودٌ لنُخبه في السّلطة، بل مأتاه من ضمور الشّعور السّياسيّ بالمشتَركات بين البلاد العربيّة ومصالحها، وهو الضمور الذي يترجم واقعاً موضوعيّاً قوامه ضعف وشائج الشّراكة الاقتصاديّة والسّياسيّة والأمنيّة بين البلاد العربيّة، هذه التي وحدها تخلق ديناميّات الجذب المتبادَل والتّقارُب الانصهاريّ اللّذيْن معهما يتولَّد المشروع الجامع الواحد.
لا نجد ما يمنعنا من الاعتقاد أنّ إمكانات مثل هذا المشروع العربيّ الجامع سَنحتْ في لحظةٍ سياسيّة خصبة من التّاريخ العربيّ الحديث، هي اللّحظةُ القوميّة العربيّة التي قادت مصرُ النّاصريّة حركةَ التّحرُّر والنّهوض والتّوحيد فيها؛ اللّحظةُ التي شغلت من الزّمن زهاء ربع قرنٍ قبل أن تطيحها سياسات التّيه التي أعقبت حرب أكتوبر 1973.
مع ذلك، علينا الاعتراف بأنّ أكثر ما انطوت عليه إمكاناتُ ذلك المشروع بقيَ قَيد الحيِّز النّظريّ وما أُتيحتْ له فرصُ التّحقُّق خارج المركز القوميّ آنئذ (مصر، سوريّا، العراق)؛ إذْ ما كانتِ البلدانُ العربيّة، حينها، مهيَّأة لتكون شريكاً في مشروعٍ يُجاوِز ممكناتها والأفقَ الذّهنيَّ والسّياسيّ لنخبها (السّياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة وأحياناً الثّقافيّة).
ربّما كان يمكن، دائماً، القولُ إنّ قانون التّفاوُت في التّطور بين مركز ذلك المشروع العربيّ الجنينيّ وأطرافه ما كان ليحُول دون سدّ فجْواته بمشروعٍ للتّعاون أدنى (من مشروعٍ قوميّ وحدويّ) هو ذاك الذي قدّم إطارُ جامعة الدّول العربيّة إمكانَه.
وهذا صحيحٌ إلى حدٍّ بعيد؛ وهو عين ما أدركتْه مِصْرُ النّاصريّة في السّتينات حين أَبْطأت، بقرارٍ منها، إيقاعَ التّقدّم في دعوة البلاد العربيّة جميعِها إلى مجاراتها غير آبهةٍ بأحكام ذلك التّفاوُت.
ولكنّ ذلك الإطار الإقليميّ التّعاونيّ نفسه كان يحتاج، لكي يشتغل على النّحو الأمثل، إلى روح جماعيّة عالية وإلى إرادة حازمة لمجاوزة نطاق المصالح القطريّة أو الوطنيّة الخاصّة.
وقد دَلَّنا التّاريخُ المعاصر على ما كان لمِصْرَ النّاصريّة من عظيم الدّور في تفعيل ذلك الإطار الإقليميّ وترشيد سياساته، وتعزيز منظومة اتّفاقاته ومعاهداته وحفظ الحدّ الأدنى المشترك بين سياسات دوله.
ولكنّه دلَّنا، أيضاً، على مقدار الهشاشة في هذا الإطار ما إن تتراخى الإرادة الجماعيّة فيه؛ حيث تتعطّل آلتُه وتبقى نصوصُه، اتّفاقات ومعاهدات وقرارات، حبْراً على ورق لا حياة فيها ولا تنزيل لها على الواقع؛ وتلك سيرةُ الأغلب الأعمّ من تاريخ دول الجامعة.
من البيّن، هنا، أنّنا لا نربط، ربطاً تلازميّاً، بين مشروع عربيّ جامعٍ ووجود فكرةٍ قوميّة سائدةٍ جامعة (بمعناها السّياسيّ- الإيديولوجيّ طبعاً)؛ إذ ليس المشروع العربي الوحيد القابل للوجود التّاريخيّ هو المشروع القوميّ أو، للدّقّة، الذي تحمله قوّةٌ قوميّة وتديرُه.
فلقد تكون وراءَه قوًى اجتماعيّة وثقافيّة أخرى ذات خلفيّات ليبراليّة أو حتّى وطنيّة: تدرِك أنّ مصالح الأوطان إنّما تتحقّق في مشروعٍ للاتّحاد والشّراكة والاندماج لا في التّنكُّب عنه والانكفاء إلى حدود الوطنيّات المغلقة.
لقد كانت القوى اللّيبراليّة في أوروبا، مثلاً، هي من صنع تجربة «الاتّحاد الأوروبيّ» وإطاره المؤسّسيّ القاريّ وليس القوى القوميّة (على ما بين الحالتين العربيّة والأوروبيّة من اختلاف في هذا الباب)، ولا شيء يمنع، اليوم، من أن تصنعه النّخب القائمة على أمور البلاد العربيّة إن هي أدركت منافع ذلك المشروع على بلدانها جميعِها.
من المؤسف، حقّاً، ألا يكون العرب قد اهتدوا، بعد نصف قرنٍ من نكبة مشروعهم الجماعيّ الأوّل، إلى إعادة بثّ الحياة في أوصاله من جديد، مع أنّ ظروف آنِهم أفضلُ من ظروف أَمْسِهم، على الأقلّ على صعيد تراجُع حدّة الاستقطاب السّياسيّ الإيديولوجيّ بين نخبهم.
والأسوأ أن تجد بلدانُهم نفسَها واقعةً بين جدران فضاءٍ مُحَاطٍ بمشاريع أخرى إقليميّة بعضُها في حالة اشتباكٍ معهم. واليوم، ما عاد ثمّة من سبيلٍ حقيقيّ لارتياد المستقبل الجماعيّ إلاّ بمشروعٍ عربيّ جامع يعيد إلى العرب مكانتهم في العالم.
*د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العرب القومية العربية الاتحاد الأوروبي البلاد العربی ة المشروع العربی ذلک المشروع مشروع عربی الس یاسی عربی ا عربی ة قومی ة ما کان
إقرأ أيضاً:
التربية تدشن الكتب التفاعلية لمادة اللغة الإنجليزية
العُمانية: دشّنت وزارة التربية والتعليم اليوم مشروع الكتب التفاعلية لمادة اللغة الإنجليزية للصفوف من الأول إلى السادس، في خطوة تطويرية جديدة تهدف إلى تعزيز فاعلية تعلم اللغة الإنجليزية بوسائل رقمية تفاعلية، وذلك برعاية سعادة الدكتور عبدالله بن خميس أمبوسعيدي وكيل الوزارة للتعليم.
وشهد حفل التدشين استعراضًا لأهداف المشروع وآلية تنفيذه، إلى جانب عرض مرئي تعريفي بمحتوى الكتب التفاعلية ومكوناتها المتنوعة، والتي تشمل أنشطة وألعابًا تفاعلية وتقييمات رقمية ومواد صوتية ومرئية تهدف إلى جعل عملية التعليم أكثر متعة وتفاعلية، كما تضمّن الحفل عرضًا مرئيا يحتوي على تجارب وآراء عدد من المعلمين والطلبة وأولياء الأمور حول فعالية الكتب التفاعلية في دعم تعلم الطلبة للغة الإنجليزية.
وقال سعادة وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم: يأتي تدشين مشروع الكتب التفاعلية لمادة اللغة الإنجليزية في إطار سعي الوزارة المتواصل لتطوير أساليب تدريس اللغة الإنجليزية، حيث بدأنا بالسلاسل التعليمية للصفوف من الأول وحتى السادس، بالتعاون مع الشركة المنفذة، مع تضمينها لمواد تفاعلية تتيح للطلبة ممارسة اللغة من خلال الحوارات والتسجيلات الصوتية والأنشطة الرقمية، ومن شأن هذه الإضافات أن تسهم في رفع مستوى التحصيل الدراسي، وتعزيز فهم المفاهيم واكتساب المهارات اللغوية".
وأضاف سعادته أن الوزارة تعمل على استكمال السلاسل التفاعلية لتشمل الصفين السابع والثامن، على أن تتوسع لاحقًا لتشمل الصف الثاني عشر.
من جانبه، أوضح سالم بن محمد الخروصي مدير دائرة تطوير مناهج العلوم الإنسانية، أن المشروع يأتي في إطار التغيرات السريعة التي يشهدها العالم الرقمي، وتماشيًا مع مشروع مواءمة مناهج اللغة الإنجليزية للحلقتين الأولى والثانية.
وقال: "منذ انطلاق المشروع، وبتوجيهات القيادة التربوية، عملنا بالشراكة مع شركة (بيرسون) على تحويل رؤيتنا إلى واقع رقمي ملموس، يجمع بين الأصالة التربوية والتقنيات الحديثة. وقد مر المشروع بمراحل عدة، بدءًا من التخطيط المعمّق المبني على تحليل لاحتياجات تطوير المنهج، مرورًا بمرحلة التصميم والتطوير، وصولًا إلى تنفيذ كتب رقمية تفاعلية سهلة الاستخدام وغنية بالمحتوى التعليمي".
وأشار الخروصي إلى أن المشروع شمل أيضًا تطوير اختبارات ذاتية وأنشطة تفاعلية تهدف إلى تعزيز فهم الطلبة وتشجيعهم على التعلم الذاتي بطريقة ممتعة وفعالة، موضحًا أن المرحلة التجريبية شملت عينة من الطلبة والمعلمين، وتم عرض النسخة الأولية على مدربي ومشرفي اللغة الإنجليزية خلال البرنامج التدريبي الذي عُقد في أغسطس 2024، حيث أسهمت الملاحظات التي تم جمعها في تحسين وتحديث المحتوى التفاعلي باستمرار.
وأكد أن المشروع لا يزال في طور التطوير، حيث سيتم استكمال العمل على الكتب التفاعلية للصفين السابع والثامن بالتوازي مع مشروع مواءمة مناهج الحلقة الثانية، مع الأخذ بملاحظات الميدان التربوي لضمان الجودة والفاعلية التعليمية للكتب الرقمية التفاعلية.