رئاسة قمة العشرين.. ترسيخ لقوة الهند الصاعدة وتحد لسياسة الاستقلال الاستراتيجي
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
سلط زميل الأبحاث الأول ببرنامج جنوب آسيا والمحيط الهادئ في معهد "تشاتام هاوس"، شيتيج باجباي، الضوء على إظهار رئاسة مجموعة العشرين لقوة الهند المتنامية وتتويجها لعام حافل بالإنجازات.
وذكر باجباي، في مقال نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن الهند أصبحت رابع دولة تهبط على سطح القمر، وتجاوزت الصين كأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، كما تجاوزت المملكة المتحدة كخامس أكبر اقتصاد في العالم.
وأضاف أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، استُقبل على السجادة الحمراء بواشنطن، في يونيو/حزيران الماضي، مشيرا إلى أن رئاسة الهند لمجموعة العشرين باعتبارها "لحظة تاريخية تعلن عن تأكيد مكانتها كقوة عالمية كبرى".
غير أن باجباي نوه إلى أن قمة العشرين المقبلة ستظهر التحديات العديدة التي تواجهها الهند في تحقيق التزامها بـ "الاستقلال الاستراتيجي" في سياستها الخارجية.
الجنوب العالمي
ويرى باجباي أن قمة مجموعة العشرين هذا العام يمكن النظر إليها باعتبارها "قمة خضراء"، إذ تعمل الهند على الترويج للعديد من مبادرات سياسة المناخ، بما في ذلك إنشاء "التحالف الدولي للوقود الحيوي"، والالتزام بمعايير الهيدروجين الأخضر، والدعوة إلى إصلاحات بنوك التنمية متعددة الأطراف لتسهيل التمويل الأخضر.
وعلى نحو مماثل، تسعى نيودلهي إلى الاستفادة من التقدم المحرز في تطوير دولة الرفاهية الرقمية في الهند لإنشاء هيئة تمويل متعددة الأطراف في مجموعة العشرين لتسهيل تمويل البنية التحتية الرقمية، وذلك في سياق الجهود الأوسع لإنشاء بنية تحتية ذكية ومستدامة ومرنة.
وتهدف هذه المبادرات إلى تأطير الهند باعتبارها الصوت البارز للجنوب العالمي، بحسب باجباي، مشيرا إلى أن استضافة نيودلهي 125 دولة، في وقت سابق من هذا العام، كجزء من قمة صوت الجنوب العالمي، جاءت في إطار تحقيق هذا الهدف.
كما وجهت الهند الدعوة لـ 9 دول تمثل اقتصادات ناشئة لحضور القمة، مثل مصر ونيجيريا، ودول مجاورة لها، مثل بنجلاديش وموريشيوس.
تحديات أكبر
ومع ذلك، يمكن أيضًا النظر إلى رئاسة الهند لمجموعة العشرين باعتبارها نموذجًا مصغرًا للتحديات الأوسع التي تواجه السياسة الخارجية للبلاد.
فالتزام نيودلهي طويل الأمد بـ"الاستقلال الاستراتيجي" أو "الانحياز الشامل" يخضع للاختبار وسط انهيار العلاقات بين القوى الكبرى، بما في ذلك روسيا والغرب، والانقسامات المتزايدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
وهنا يشير باجباي إلى أن قرار الرئيس الصيني، شي جين بينج، بعدم حضور القمة جاء في إطار محاولة "إفساد" أعمالها، وفي حين كان من الصعب معالجة الصراع الأوكراني في بيان القمة الختامي، أصبحت بكين وموسكو أكثر مقاومة للحلول الغربية مما كانتا عليه في العام الماضي.
كما لم توجه الهند الدعوة إلى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لحضور القمة، "ما يوضح إصرار نيودلهي على عودة مجموعة العشرين إلى جذورها فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية"، حسبما يرى باجباي.
عقبات جيوسياسية تواجه مساعي نيودلهي من أجل توسيع دور الجنوب العالمي أيضًا، إذ تسعى إلى تحقيق التوازن بين الدعوة إلى توزيع أكثر عدالة للسلطة في النظام الدولي، وتجنب الظهور بمظهر من يروج لأجندة مناهضة للغرب.
اقرأ أيضاً
أكسيوس: برعاية أمريكية.. خط سكك حديدي بين دول الخليج والهند قد تشارك فيه إسرائيل
وتواجه هذه الأجندة الشاملة وغير التصادمية، المتضمنة في شعار مجموعة العشرين الذي طرحته الهند تحت عنوان "أرض واحدة، أسرة واحدة، مستقبل واحد"، تحديات في سياق نظام دولي متزايد الاستقطاب ويتجه إلى الانقسام إلى قسمين.
فالهند معرضة لخطر التباعد عن المنتديات ذات التركيبة المناهضة للغرب بشكل علني، بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون، التي تتولى الهند رئاستها هذا العام، وحتى مجموعة بريكس، التي قررت توسيع عضويتها في قمة هذا العام.
وإزاء ذلك، ستضم المنظمتان 3 دول تتبنى وجهات نظر معادية للغرب بشكل علني، وهي: روسيا والصين وإيران، في حين تسعى نيودلهي إلى التقرب من الغرب من خلال منتديات مثل شراكة أمن المعادن، ومجلس التجارة والتكنولوجيا بين الاتحاد الأوروبي والهند.
وستشكل الكيفية التي تسعى بها الهند إلى حل هذه الإشكالية إحدى السمات الرئيسية التي تحدد سياستها الخارجية في القرن الحادي والعشرين.
حكومة مودي
وعلى الصعيد الداخلي، يلفت باجباي إلى أن قمة العشرين ستعمل على تحسين موقف حكومة مودي بين الناخبين، إذ تعمدت الهند تأجيل رئاستها لتصبح أقرب إلى الانتخابات العامة في عام 2024.
ومن خلال استضافة أكثر من 200 حدث لمجموعة العشرين في كل ولاية هندية وإقليم اتحادي (بما في ذلك منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها)، سعت نيودلهي إلى إعادة تأكيد سيادتها وسلامتها الإقليمية.
ومع ذلك، فمن غير المؤكد ما إذا كانت رئاسة الهند لمجموعة العشرين ستُنظر إليها على أنها نجاح على المسرح العالمي، حسبما يرى باجباي،
وستساعد سلسلة رئاسات مجموعة العشرين، التي تتولاها دول الاقتصادات الناشئة، من إندونيسيا في عام 2022، مرورا بالهند في عام 2023، ولاحقا بالبرازيل في عام 2024، وجنوب أفريقيا في عام 2025، في ضمان درجة من الاستمرارية في أجندة نيودلهي لمجموعة العشرين.
وهنا يشير باجباي إلى أن العديد من حكومات الجنوب العالمي تتذكر استجابة الغرب الضعيفة لوباء كورونا وتشعر بالاستياء من انشغاله بالحرب في أوكرانيا، ما يفتح المجال للهند كمدافع عنها على المسرح العالمي، ولذا فأمام الهند فترة من الفرص الاستراتيجية، وسط توقعات بأن تصبح البلاد أسرع الاقتصادات الكبرى نموا هذا العام، في حين يتباطأ النمو في الصين.
ومن المتوقع أن تستفيد الهند أيضًا من التنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث تسعى الدول إلى فصل سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين، وخاصة في المجالات ذات التقنيات الحرجة والناشئة.
ولكن هل تستطيع نيودلهي الاستفادة من هذه التطورات لتقديم نموذج بديل للحوكمة العالمية؟ يجيب باجباي بأن رئاسة الهند لمجموعة العشرين ومبادراتها العالمية قدمت بعض المؤشرات على ذلك، لكن هذه المبادرات لا تزال في مهدها وتفتقر إلى الثقل المالي والدبلوماسي الكافي لإحداث تأثير فوري.
ومن ناحية أخرى، تظل خطوط الصدع الجيوسياسية العالمية المتوسعة، وتقلبات السياسة الداخلية الهندية، التي تتسم بالفوضى والانقسام في كثير من الأحيان، تشكل حواجز محتملة أمام تطلعات البلاد العالمية.
وستكون القدرة (أو عدم القدرة) على إصدار بيان مشترك بقمة العشرين بمثابة نقطة مراقبة رئيسية لتثبيت نجاح رئاسة الهند للقمة، وكذلك الاجتماعات التي تعقد على هامشها، والتي يمكن أن تسفر عن تقدم في القضايا الثنائية، مثل تعثر مفاوضات التجارة الحرة مع العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة، بحسب باجباي.
وإزاء ذلك، فرئاسة الهند لمجموعة العشرين تعد حدثاً بارزاً بالنسبة لقوة عالمية ناشئة كبرى، لكنها تعد أيضاً اختبارا لمواجهة الصعوبات التي ستواجهها البلاد في الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي في عالم مستقطب.
اقرأ أيضاً
رسميا.. الرئيس الروسي يغيب عن قمة العشرين في الهند
المصدر | شيتيج باجباي/تشاتام هاوس - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الهند مجموعة العشرين ناريندرا مودي واشنطن الوقود الحيوي الجنوب العالمی مجموعة العشرین قمة العشرین بما فی ذلک هذا العام فی عام إلى أن
إقرأ أيضاً:
الهند تجدد حرب المياه على باكستان
سكتت مدافع الحرب بين الهند وباكستان، ولكن المواجهة لا تزال تحدث ضجيجا في حرب أخرى تدور رحاها بين البلدين حول نهر السند الذي ينبع من التبت وجبال الهيمالايا الهندية، ويتدفق لمسافة تقارب 3 آلاف كيلومتر عبر باكستان نحو بحر العرب.
هكذا افتتحت صحيفة لوتان تقريرا بقلم كوم باستين من نيودلهي، ذكرت فيه أن الهند علقت العمل بمعاهدة مياه نهر السند الذي يمر عبر أراضيها إلى باكستان، بعد اتهامها إسلام آباد بتدبير هجوم في كشمير في أبريل/نيسان، قتل فيه 26 سائحا، وهو قرار ذو أثر بالغ على البشر والنظام البيئي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس تنشر تقريرا صادما عن معاملة الأسرى الفلسطينيين بسجن إسرائيليlist 2 of 2جان بيير فيليو: ألعاب الجوع في غزة جرائم يوميةend of listوقد ثار وزير الداخلية الهندي أميت شاه قائلا "لن تعاد معاهدة مياه نهر السند مع باكستان أبدا. لن يسمح بعد الآن للمياه التي تعود لمزارعينا بالتدفق إلى باكستان. سنبني قناة لتحويل مسارها".
وقعت هذه المعاهدة عام 1960 برعاية البنك الدولي بين الجارتين المتنافستين، وقد صمدت رغم اشتباكات البلدين المتكررة، ولم يستخدم نهر السند وسيلة ضغط حتى خلال الحروب الهندية الباكستانية، كما يقول أشوك سوين الأستاذ في جامعة أوبسالا بالسويد موضحا "كان هذا أحد الأمثلة النادرة على التعاون المتسق وإن كان ناقصا".
خطر الموت جوعا وعطشاورغم نفي إسلام آباد أي علاقة لها بالهجوم في كشمير، فقد بدأ التصعيد، وكانت معاهدة نهر السند أول ضحاياه، إذ جمدتها الهند من دون سابق إنذار، ومن جانب واحد في ٢٣ أبريل/نيسان، بعد ساعات فقط من الهجوم وقبل أسبوع من عملية سيندور العسكرية ضد باكستان.
ورغم وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 10 مايو/أيار، لا يزال تجميد تدفق المياه قائما، وتعلن الهند الآن أنها تشيد السدود والقنوات اللازمة للسيطرة على النهر، ولكن باكستان تهدد بحمل السلاح مجددا، وحذر وزير دفاعها من أن "العدوان لا يمارس بالمدافع أو الرصاص فحسب، إذ إن حجب أو تحويل المياه قد يسبب الموت جوعا وعطشا. إذا حاولت الهند بناء منشأة على نهر السند، فسنضرب".
وبدلا من خوض مواجهة مسلحة جديدة، تسعى باكستان إلى مواجهة جارتها من خلال المجتمع الدولي، ويرى أشوك سوين أن القانون يؤيد موقفها، إذ "لا يمكن تعليق معاهدة نهر السند من جانب واحد لأنها لا تتضمن بندا للخروج".
إعلانوقد عززت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي هذا الرأي عندما قضت بأن نيودلهي لا يحق لها وحدها البت في تقسيم المياه، ورحبت إسلام آباد بالقرار "المتفق مع القانون الدولي"، في حين تواصل الهند الدعوة إلى حل ثنائي، لأن هذا التعليق مشروع في نظرها بسبب سلبية إسلام آباد تجاه الجماعات المتطرفة على أراضيها، كما تقول الصحيفة.
أمر غير ممكنيقول الصحفي الهندي المتخصص في قضايا المياه هيمانشو ثاكار "لا أعتقد أن استخدام المياه كسلاح أمر مرغوب فيه، لكن الهند بذلت قصارى جهدها لإنهاء دعم باكستان للإرهاب"، ثم يذكر أن الهند لم تتجاوز الحدود الهيدرولوجية المحددة لأنهارها، مشيرا إلى أن التهديدات الهندية رمزية في المقام الأول، ويضيف "قطع المياه عن باكستان أمر غير ممكن".
نيودلهي تقوض دبلوماسيتها المائية. لن تتمكن الهند بعد الآن من المطالبة بحصة عادلة من نهر براهمابوترا إذا استخدمت المياه ضد جيرانها
بواسطة أشوك سوين
ويوافق أشوك سوين قائلا "إن بناء قناة لتحويل المياه أمر غير واقعي، لأنها تتطلب حفر نفق يزيد طوله على 100 كيلومتر عبر جبال الهيمالايا"، ويضيف "إنه وعد مقدم للرأي العام المحلي، من دون أساس تقني جاد".
من جهة أخرى، أعلنت الهند عن نيتها مراجعة اتفاقية تقاسم مياه نهر الغانج مع بنغلاديش التي أصبحت على خلاف معها منذ تغيير النظام في داكا، وقد تأتي هذه الإستراتيجية بنتائج عكسية، ويقول أشوك سوين إن "نيودلهي تقوض دبلوماسيتها المائية. لن تتمكن الهند بعد الآن من المطالبة بحصة عادلة من نهر براهمابوترا إذا استخدمت المياه ضد جيرانها".
وهناك ضحية أخرى لهذه الحرب المائية هي النظام البيئي في جبال الهيمالايا، حيث تتزايد التقارير المقلقة حول آثار الاحتباس الحراري على دورة المياه الإقليمية، ولذلك فإن ذوبان الجليد وتطور الرياح الموسمية هما من سيحدد مستقبل نهر السند.