فاز النجم الأميركي روبرت دي نيرو بجائزتي أوسكار من إجمالي 8 ترشيحات، وقدم أكثر من 125 عملا فنيا، تنوعت بين الدراما والأكشن والسير الذاتية وأفلام المافيا، خلال مسيرة قاربت 60 عاما اجتهد خلالها لتقديم دراما طالما راهن عليها الجمهور والنقاد، لكن المتابع الجيد لاختياراته الأخيرة، التي قدمها خلال القرن الحالي، سيجد أن الكثير منها تراوح بين المتوسط أو دون المستوى، مما يضعنا أمام تساؤل حتمي: هل قام دي نيرو بتعريض إرثه الفني للخطر؟.

من الطبيعي أن يقدم الكثير من الممثلين أدوارا سيئة بين حين وآخر، وخاصة في بداية حياتهم الفنية وفي إطار محاولاتهم للتواجد والانتشار، لكن من غير المتوقع أن يرتكب نجم بحجم دي نيرو تلك الأخطاء العديدة وشبه المتتالية بعد سنوات طويلة من الأعمال الناجحة التي ضمنت له الشهرة والثروة.

نعم لكل شيء

هل الدافع لذلك هو المال أم الرغبة بالاستمرار في التواجد على الشاشة دون الحاجة لانتظار الأدوار المهمة التي قد تأتي على فترات متباعدة نسبيا أو لا تأتي على الإطلاق؟ قد يكون السبب وراء اختيارت دي نيرو المتواضعة هذا أو ذاك أو ربما كلاهما، لكن الأكيد أن هناك سببا ثالثا، ذلك أنه هو نفسه من اختار الأفلام الاستثنائية التي قدمها خلال السبعينيات والثمانينيات مثل "الأب الروحي" (The Godfather)، و"الثور الهائج" (Raging Bull)، و"سائق التاكسي" (Taxi Driver)، و"صائد الغزلان" (The Deer Hunter).

يرفع دي نيرو شعار "نعم لكل شيء" مع رغبة دائمة في العمل مع المخرجين المعاصرين بلا قيود أو خوف من تجربة كل ما هو جديد. الفارق الوحيد بين الماضي والحاضرهو أن هذا القرار دفعه قديما إلى بطولة أعمال من إخراج مارتن سكورسيزي، وفرانسيس فورد كوبولا، وسيرجيو ليون، ومايكل مان وغيرهم من كبار الموهوبين.

وفي الحاضر، دفعه نفس القرار إلى القيام  ببطولة أفلام كوميدية واجتماعية سيئة هبطت برصيده درجات إلى الأسفل حتى بات الجمهور يتساءل: هل حان الوقت للتوقف عن حب دي نيرو غير المشروط والاكتفاء بماضيه الثري وأعماله التي يقدمها مع سكورسيزي كل بضع سنوات؟.

قدم دي نيرو في السنوات العشر الأخيرة أدوارا جيدة في 3 أفلام هي "الأيرلندي" (The Irishman) في 2019، و"المتدرب" (The Intern) في 2015، و"المعالجة بالسعادة" (Silver Linings Playbook) في 2012، بالرغم من أنه قدم ما يقارب من 25 فيلما خلال تلك الفترة، ومن بين الأفلام الضعيفة فنيا التي قدمها وخيبت أمل الجمهور فيلم "الجد القذر" (Dirty Grandpa) إنتاج 2016، وهو كوميديا رومانسية بطولة زاك إيفرون، ومثلما جاء بالعنوان، يلعب دي نيرو دور جَد عجوز يذهب في رحلة برية برفقة حفيده، غير أن العمل جاء مُتخما بالنكات الجنسية البذيئة والدراما المبتذلة مما عرّضه إلى انتقادات لاذعة.

ورغم حصاده أكثر من 105 مليون دولار إلا أن الفيلم رُشح لجائزة التوتة الذهبية (Golden Raspberry Award)‏ المُناقضة للأوسكار والمعروفة أيضا باسم "رازي" (Razzies) وتمنح لأسوأ الأعمال، وترشح الفيلم لجوائز أسوأ ممثل، وأسوأ ممثلة مساعدة، وأسوأ فيلم، وأسوأ نص.

أما فيلم "الزفاف الكبير" (The Big Wedding)، وهو الذي شاركه بطولته كل من روبين ويليامز، ديان كيتون، سوزان سراندون، كاثرين هيغل، وأماندا سيفريد، فيصعب تصور أن كل هؤلاء لم يستطيعوا إنقاذ العمل من الوقوع في براثن الانتقادات السلبية. وفي حين اختاره بعض النقاد ضمن الأفلام الأسوأ التي صدرت في 2013، اكتفي آخرون بالتصريح بأن حبكته مفتعلة وحسه الكوميدي ضعيف، وهو ما توافق مع ما حققه العمل من إيرادات لم تتخط 46.5 مليون دولار.

وفي فيلم "رجل الحقيبة" (The Bag Man)، الذي صدر عام 2014، يعود الممثل المخضرم إلى عالم الجريمة لكن ليس مع سكورسيزي كما جرت العادة، إذ يؤدي في الفيلم دور رجل عصابات يُوظّف قاتلا محترفا من أجل مهمة خاصة وبدلا من أن تتم بسرية وسهولة، يتحول الأمر إلى فوضى عارمة ومذبحة.

وصف النقاد العمل وقت طرحه بالطويل والممل وشديد القسوة والدموية، كذلك أعابوا إهدار القدرات التمثيلية لأبطاله سواء دي نيرو أو جون كوزاك.

هل ينجح سكورسيزي بإنقاذ دي نيرو مرة أخيرة؟

طرح العمل الأخير الذي صدر لدي نيرو بعنوان "عن أبي" (About My Father) في مايو/أيار الماضي ولم يحصد سوى 18 مليون دولار من إجمالي ميزانية 29 مليونا. ونال شهادات سلبية من الجمهور والنقاد على حد سواء، ورغم محاولات دي نيرو إنقاذ العمل، جاء المستوى متدنيا والكوميديا شديدة الهشاشة والركاكة، وحتى الحبكة نفسها لم تُقدم أي جديد يُذكر.

لعب دي نيرو في الفيلم شخصية تُشبه ما قدمه عدة مرات، فهو الأب الإيطالي الصارم وغريب الأطوار أو المختلف عن من حوله، مما يضع ابنه في مواقف كوميدية حين يُقرر الارتباط بفتاة أميركية من عائلة أرستقراطية لا تُشبهه في شيء.

في المقابل، ينتظر الجمهور فيلم دي نيرو المُقبل والمتوقع طرحه أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والذي يحمل اسم "قتلة زهرة القمر" (Killers of the Flower Moon) ويشارك في بطولته  ليوناردو دي كابريو وبريندان فريزر، وهو من إخراج مارتن سكورسيزي.

حظى العمل على تصفيق النقاد والحضور لمدة 9 دقائق متصلة بعد عرضه ضمن فعاليات الدورة الـ76، لمهرجان كان السينمائي الدولي مايو/أيار الماضي، كذلك أثنى النقاد على أداء الأبطال والإخراج واصفين العمل بالقوي والمُرشّح القادم للأوسكار، وإن كان بعضهم ينتقد طول فترة عرضه التي بلغت 3 ساعات و26 دقيقة، بينما يرى آخرون أن تلك المدة تليق بالملحمة غير التقليدية التي قدمها سكورسيزي على الشاشة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: التی قدمها دی نیرو

إقرأ أيضاً:

خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول قيمة الوقت في الإسلام.

نعم الله لا تعد ولا تحصى

قال الدكتور عبد الفتاح العواري، إن نعم الله تبارك وتعالى على الإنسان لا تعد ولا تحصى يقول تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وأول هذه النعم التي أنهم الله تعالى على الإنسان أن أوجده من العدم وسواه وأحسن خلقه، وركبه في أحسن صورة، فجعل له السمع والبصر والفؤاد، وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فأصبح إنساناً مكرماً أتت من أجله الشرائع، وأرسل الله بها الرسل حتى لا يترك الإنسان في الحياة هملاً، ولا يدعه سدىً، فالإنسان مكرم وهو غالي على خالقه ومولاه، ومن هنا اعتنى به خلقاً وتنشئةً وتربيةً.

وأوضح أن الله تبارك وتعالى سخر للإنسان الكون كله، وأسبغ عليه نِعمهُ ظاهرة وباطنه، فالإنسان مركز دائرة الكون؛ الكل في خدمته يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. هكذا قال المولى عزَّ وجلَّ، ونطق به كتابه، لكن وعينا وإدراكنا قد أصيب بالشلل فتعطلت وظائفه، فلم يدرك هذا الإنسان المكرم فضل الله عليه، ونعمه التي حباه بها، فكان لابد من تنبيهه وإيقاظه من غفلته، فتتلى عليه آياته التنزيلية لتلفت نظره إلى آيات الله الكونية، لعله يفوق من غفلته ويتوب ويعود إلى رشده.

نعمة الوقت والزمن

وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن، وأوجد له الزمن ليرقب ما هو مطلوب منه في أمور معاشه، وتحقيق مصالحه وما تحتاجه حياته في دنياه، كما أوجد له الزمن فربط به جميع تكاليفه التي هو مطالب بها يؤديها ويقوم بها، فجميع التكاليف من صلاة وزكاة وصوم وحج، كل هذه العبادات إنما هي مرتبطة بزمن، وتقع من الإنسان في زمن فلا يمكنه أن يخرج شيء منها دون ارتباط بزمن ووقت.

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صباهل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب

وواصل: يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾، أي يخلف بعضهم بعضاً. يأتي النهار فيخلفه الليل، ويأتي الليل فيخلفه النهار. ذلك لمن أراد أن يتذكر ويتأمل ويتدبر في دلائل قدرة من أوجده من العدم، وفي عظمة قدرة من يقول للشيء كن فيكون. يتنبه الإنسان فيعرف نعم ربه عليه بالزمن فيشكره ويثني عليه بما هو أهله، فهو صاحب النعم وصاحب الفضل على الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. محى الله آية الليل بالظلام وعدم الوضوح، ليسكن الإنسان ويستريح. وجعل آية النهار مبصرة ليسعى فيها الإنسان ويحقق معاشه، ويؤدي واجباته التي كُلِفَ بها. فإذا لم يؤديها، فليس له حق.

وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن الله أوجد للإنسان نعمة النهار مبصرة منتشرة الضياء تطلع شمسها فيسعى الناس في جنبات الأرض محصلين أمر معاشهم قائمين بمصالحهم ليس سوى لحكمة وهي أن يبتغي الإنسان الفضل من ربه في كل ما يحقق له مصالح الدنيا، فهو ليس قاصر على شيء دون شيء. ومن هنا أتى التعبير نكرة ليعم الجميع، وكذلك ليعلم الإنسان عدد السنين والحساب.

دعاء يوم الجمعة للرزق.. اغتنمه وردده الآن يصب الله عليك الخير صباهل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب

وأكد خطيب الجامع الأزهر أهمية أن يحاسب  الإنسان نفسه ويسألها ماذا قدمت؟ وما الذي حققته؟ حينما تعود إلى رب كريم يُوقفها للحساب، أقسم المولى عز وجل بالزمن ليلاً ونهاراً، ضحاً وعصراً، حتى يعلم الإنسان قيمته، المتأمل في كتاب الله يرى القسم، والله لا يقسم إلا بعظيم. فهل وعى الإنسان ذلك وهو يقرأ كتاب الله الذي أنزله من أجله، وجعل نبياً من أنبيائه يبلغه آياته؟ ماذا فعل في هذا الزمن؟ ماذا لو ترك الله الإنسان بلا تعاقب في الزمن فيعيش هكذا؟ لو جعل الله الزمن متساوق غير متفاوت، ماذا كان يصنع الإنسان؟ يقول تعالى مخاطباً عباده: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾. من غير الله يأتينا بضياء! هلا سمعنا ووعينا، ومن غيره يأتينا بليل نسكن فيه.

ودعا الدكتور العواري أولي الأبصار إلى التدبر والتأمل في نعمة الوقت ونعمة الزمن. فهو عمر الإنسان وسيُسأل عنه يوم القيامة. يقول النبي ﷺ: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟)، ويقول أيضاً: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، الغبن معناه الغفلة وعدم الوعي. الإنسان في تيه غير مستيقظ، والنعمة محيطة به.

وشدد على أننا في حاجة ماسة إلى أن نستيقظ من غفلتنا، فقد فات الكثير من العمر وما بقي إلا القليل. علينا أن نحدث مع الله توبة، وإليه أوبة ورجوع، حتى يتقبل منا ما تبقى من زماننا ووقتنا، ونعود إليه وهو راض عنا. فنعمة الزمن ونعمة الوقت حينما يراجع الإنسان نفسه يوقن يقيناً تاماً أنه قد فرط في هذه النعمة وأهدرها وضيعها، ومضى من عمره الكثير في اللهو واللعب، دون إدراك منه أن الزمن هو عمره، وأن الوقت هو حياته. يقول تقي الدين الحسن البصري رضي الله عنه: "اعلم أن الوقت عمرك، فإن ضاع يوم ضاع بعضك". فابن العشر سنين غداً لا يمكن أن يكون ابن عشر، وابن الثلاثين لا يمكن أن يكون غداً ابن الثلاثين. موصياً الجميع بضرورة أن يعاهدوا ربهم، وأن ينتبهوا إلى ما تبقى من عمرهم، وألا يضيعوا زمنهم سدى، فالله سوف يسألنا جميعاً ويحاسبنا على نعمة الزمن.

طباعة شارك خطيب الجامع الأزهر الجامع الأزهر الأزهر عبدالفتاح العوارى قيمة الوقت في الإسلام الإسلام

مقالات مشابهة

  • خطيب الأوقاف: من أعظم نعم الله على الإنسان أن خلق له الوقت والزمن
  • 9 شهداء إثر انهيارات متتالية وغرق واسع جراء المنخفض الجوي في غزة
  • أحمد السعدني يتصدر تريند المسلسلات قبل عرض "لا ترد ولا تستبدل"
  • 30 ثانية هزّت أمن متحف اللوفر! تحقيق رسمي يكشف: كيف نجح اللصوص بفضل إخفاقات كارثية
  • نتنياهو يواصل الدفاع عن لجنة إخفاقات السابع من أكتوبر رغم تشكيك المعارضة في نزاهتها
  • ماركوس عريان في البحر الأجمر بكولونيا والقصص
  • النفط يستقر بعد خسائر متتالية بسبب فائض المعروض
  • افتتاحية.. تكنولوجيا العمل التي لا تنتظر أحدا
  • نتنياهو يواصل الدفاع عن لجنة "إخفاقات السابع من أكتوبر" رغم تشكيك المعارضة في نزاهتها
  • تدشين «آرت أوف ليفينج» في دبي