لجريدة عمان:
2025-07-07@03:33:57 GMT

ازدهار الاتجار بالبشر بسبب الإفلات من العقاب

تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

بعد مرور أكثر من مائتي عام على إلغاء تجارة العبيد الدولية رسميا، تظل الحقيقة الشنيعة هي أن بيع النفس البشرية لم يشهد رواجا كالذي يشهده اليوم. إذ تزدهر أعمال المجرمين المنخرطين في الاتجار بالبشر، وفي العمالة القسرية، وفي العبودية الحديثة، ليس فقط في عموم آسيا وأفريقيا والأمريكيتين، ولكن في قارة أوربا نفسها، بل إنها تعبر القنال الإنجليزي إلى بريطانيا أيضا.

في كل يوم، يدفع المهربون باليائسين من الرجال والنساء والأطفال إلى جحيم العبودية الحديثة لمعرفتهم بأن جريمتهم هذه توشك ألا تكبدهم أي عقاب. ولا يجب أن يكون للمجرمين الذين يتاجرون في البشر ملاذ، ولكن الزج بالمستغلين المجرمين وراء القضبان يبقى أمرا بعيد الاحتمال. في الوقت الذي يعيش فيه 50 مليونا من البشر في ربقة العبودية الحديثة لم يحاكم غير 15159 من تجار البشر في عام 2022، لم يجر التصديق بأحكام الإدانة إلا على 5577 بمعدل إدانة واحدة لقاء كل 8965 ضحية.

بوسع قمة زعماء مجموعة العشرين التي تقام في نيودلهي أن تنتهز هذه الفرصة لضمان ألا يتلاشى من المشهد هدف الأمم المتحدة بالقضاء على العبودية الحديثة بحلول عام 2030. ولقد كتبت إلى مضيف القمة ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند طالبا منه أن يضع على جدول أعمال مجموعة العشرين الفشل الذريع لأي حكومة في أي مكان بالعالم في إنهاء تجارة العبيد. ولكي نضع حجم هذه الصناعة في سياق، يكفي أن نعلم أن إجمالي أرباحها ـ التي لا تقل بأي حال عن كونها أموالا ملوثة بالدم ـ يربو على خمسة عشر مليار دولار أمريكي سنويا.

وتتدنى إدانات تجار البشر إلى حد أنه لم تسجل في الأمريكيتين كلها من كندا والولايات المتحدة إلى الأرجنتين والبرازيل إلا 265 إدانة في العام الماضي. ويقر مؤشر العبودية العالمي للمملكة المتحدة بأنها أشد صرامة تجاه العبودية الحديثة، ولكن في حين تم تحديد قرابة ثلاثة وعشرين ألف ضحية محتملة في بريطانيا ما بين عامي 2017 و2019، لم تصدر الأحكام إلا على أربعة وستين مذنبا بسبب جرائم العبودية الحديثة والاتجار بالبشر بموجب قانون العبودية الحديثة. فلا عجب أن يشعر التجار ـ الذين تعبر قواربهم القنال الإنجليزي ـ أنهم يعملون في ظل حصانة آمنين من العقاب.

ومما يكلل بمزيد من العار هذا المعدل سافر الانخفاض أن العبودية الحديثة ـ وهي الجريمة الأشد شناعة وهمجية بين الجرائم ـ تحط من كرامة ثمانية وعشرين مليونا من الرجال والنساء من خلال العمل القسري والظروف المعيشية المهينة، وتتسبب في خراب بطول العمر لاثنين وعشرين مليونا من الفتيات والنساء ممن يرغمن على الزواج بغير إرادة منهن.

إن حجم الاستعباد البشري الحديث يعني أننا جميعا خاسرون. فالاتجار بالبشر مثلما قال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة «تكتيك إرهابي» ومورد مهم لتمويل الإرهابيين.

غير أن محاكمات العبودية تشهد انخفاضا. في عام 2015، أجريت تسعة عشر ألف محاكمة في العالم، وبحلول عام 2022 قل الرقم بقرابة أربعة آلاف. ومثلما قالت رئيس الوزراء السابقة تيريزا ماي لمجلس العموم في يوليو، فإن قانون الهجرة غير الشرعية سوف يسهم عما قريب في ارتفاع منذر بالخطر للعبودية البشرية. فلم يعد القانون يوجب على السلطات تحديد هويات ضحايا العبودية الحديثة قبل إرجاعهم إلى بلادهم الأصلية كما أنه يعجز عن توفير ما يلزم من دعم وحماية لتمكين الضحايا من تقديم الأدلة التي تفضح مستغليهم، فتقل بذلك احتمالية التحقيق مع التجار. ونتيجة لذلك، فإن ضحية الاتجار بالبشر التي تصل إلى المملكة المتحدة وقد تعرضت للاغتصاب، أو تعرضت أسرتها لتهديد، قد تتعرض للرفض.

وإبلاغ السلطات حاليا بجرائم العبودية منخفض إلى حد أن العام الماضي لم يشهد تحديد هويات إلا لمائة وخمسة عشر ألف ضحية في العالم كله، وأغلب هؤلاء الضحايا هربوا بأنفسهم من التجار وأبلغوا السلطات بأنفسهم، بدلا من أن تنقذهم قوات تنفيذ القانون. ولكن غير بعيد من حيث يعيش أي واحد منا، ثمة من ضحايا الاتجار بالبشر ولد أو فتاة، رجل أو امرأة، يعملون خدما في المنازل، أو في غسيل السيارات أو عمال تجميع. وأكثرنا يشتري سلعا، منها علامات تجارية كبرى، مما ينطوي تصنيعها على اتجار بالبشر أو عمل قسري.

لقد أكدت منظمات دينية بقيادة منتدى مجموعة العشرين العابر للأديان «الحاجة الملحة» لأن تقوم دول مجموعة العشرين - التي تمثل أكثر من 75٪ من التجارة العالمية - بالتصدي لجرائم كثيرا ما تكون خفية وعلى مرأى من الجميع. وسوف يلزم عمل منسق من مجموعة العشرين لإصلاح سلاسل التوريد العالمية والقضاء على حالة الرضا عن الذات لدى صناعات الملابس والإلكترونيات وغيرها من العلامات التجارية المعروفة التي تتعمد أن تتجاهل تجارة العبيد. ويجب أن يتضمن هذا العمل دعوة لتطبيق قوانين العمل اللازمة على مستوى العالم لتوجب على الشركات مراقبة مخاطر العبودية في سلاسل التوريد الخاصة بها والإبلاغ عنها. حتى الآن، تبنت بلاد مثل النرويج وفرنسا وألمانيا هذه القوانين، ويحسب لتيريزا ماي أنها تقوم بتشكيل لجنة عالمية معنية بالعبودية الحديثة والاتجار بالبشر ويرجح أن تدافع عن توسيع نطاق هذه التشريعات في جميع أنحاء العالم.

لقد حدث في عام 2016 حينما صاغت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 أن حثَّ البابا فرانسيس بلاد العالم كله على مساعدة المستعبدين ومحاكمة المتاجرين بالبشر. وأعقبت ذلك 7 سنوات عجاف، لم يتحقق خلالها تقدم يذكر. والآن، ولم يبق إلا سبع سنوات فقط لتحقيق هدف عام 2030، يتعين على مجموعة العشرين أن تبدأ في الارتقاء إلى مستوى زعمها بأنها المنتدى الاقتصادي الأول في العالم ــ فتكثف عملها من أجل القضاء على تجارة العبيد الحديثة.

جوردن براون مبعوث الأمم المتحدة للتعليم العالمي وكان رئيس وزراء المملكة المتحدة من عام 2007 إلى عام 2010

عن صحيفة الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتجار بالبشر

إقرأ أيضاً:

التوسّع في استكشاف جمال عُمان طريق واعد نحو ازدهار السياحة الداخلية

تمثّل السياحة الداخلية رافدًا اقتصاديًا مهمًا في دعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل في سلطنة عُمان، بما تمتلكه من مقومات طبيعية وثقافية فريدة، ورغم هذا الزخم السياحي، إلا أن جهود الترويج عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لا تزال دون المستوى المأمول، بحسب ما أظهره استطلاع أجرته صحيفة "عُمان" مع عدد من المؤثرين وصنّاع المحتوى.

الاستطلاع سعى إلى رصد أسباب ضعف الترويج للسياحة الداخلية، واستكشاف أبرز التحديات، إلى جانب طرح رؤى وحلول من داخل الوسط الرقمي والإعلامي للنهوض بهذا القطاع الحيوي.

حيث أوضح المؤثر مازن الوهيبي، المهتم بمجال التسويق المحلي والتواصل الاجتماعي، أن غالبية المؤثرين يركزون في محتواهم السياحي على مناطقهم الجغرافية فقط، دون التوسّع في استكشاف وتغطية بقية الولايات والمواقع السياحية في سلطنة عُمان.

وأرجع الوهيبي هذا التوجه إلى ضعف التعاون والدعم من قبل وزارة التراث والسياحة، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الوزارة تبذل جهودًا متنوّعة في الترويج السياحي، إلا أن تفعيل دور المؤثرين العُمانيين ما زال بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والاستثمار.

واقترح الوهيبي وضع آلية تعاون واضحة بين الوزارة والمؤثرين، تتضمن خططًا دورية موجهة تركز على الترويج لكل محافظة أو ولاية في فترات محددة، مما يمنح المؤثرين فرصة لتغطية المواقع بشكل أعمق وأكثر تنوعًا.

وشدد على أن "المؤثرين مستعدون للعمل والمساهمة في إبراز المقومات السياحية، لكنهم بحاجة إلى تشجيع فعلي، وتوفير الأدوات اللازمة والدعم الفني واللوجستي من الجهات المختصة، لتحقيق نتائج ترويجية مؤثرة وواسعة النطاق".

كما رأت حليمة اليعقوبية، موظفة بوزارة الصحة وأمينة سر مجلس إدارة الجمعية العُمانية للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية - فرع عبري، أن وزارة السياحة تقدم دعمًا محدودًا للمؤثرين والناشطين العمانيين في مجال الترويج السياحي، حيث تعاني الجهات المعنية من غياب مخطط استراتيجي واضح وتوجيه فعّال يستغل تأثير هؤلاء على منصات التواصل الاجتماعي.

وأوضحت اليعقوبية أن الوزارة لا توفر للمؤثرين أفكارًا تسهل عليهم تغطية المناطق السياحية في سلطنة عمان، ولا تضع خططًا ترويجية يمكن تتبع نتائجها.

واقترحت أن يتم تنظيم زيارات ميدانية مرتبة من قبل وزارة السياحة للمؤثرين، تشمل توفير السكن والتنقل والمعيشة المناسبة، بهدف تمكينهم من إبراز المعالم السياحية والعادات والتقاليد بشكل واقعي وجذاب للمتابعين.

كما أكدت على أهمية إنشاء أماكن عرض مخصصة للمنتجات المحلية الحرفية والصناعات التقليدية لكل منطقة، مثل الأسواق الخيرية أو المجمعات التي تحمل أسماء المحافظات العُمانية، حيث يشارك أبناء المناطق في تقديم حرفهم ومميزاتهم الثقافية.

وشددت اليعقوبية على ضرورة استثمار المواسم وفترات الإجازات والمعالم السياحية غير المعروفة، مشيرة إلى وجود مواقع سياحية وأفلاج ومزارات لا يعرف عنها الكثير، ويرجع ذلك إلى ضعف اطلاع المؤثرين على طرق الوصول إليها ومخاوفهم من التنقل دون دعم كافٍ.

وقال عبدالله بن عامر المعشني، أحد أبرز صناع المحتوى العمانيين في مجال السفر والمغامرات: إن تركيزه على السفر الخارجي لا يعني إهماله للسياحة الداخلية، بل على العكس، فقد بدأت رحلاته الإعلامية بإبراز جمال عُمان وتراثها الثقافي الغني. وأضاف أن شغفه باكتشاف تجارب وثقافات جديدة هو جزء من هويته بصفته مغامرًا.

وأشار المعشني إلى أن ظهوره بصفته مؤثرًا عُمانيًا خارج سلطنة عمان ساهم بشكل غير مباشر في تعريف العالم بعُمان، حيث يتلقى كثيرًا من الأسئلة حول بلاده ويشارك بفخر تفاصيل عن ثقافتها وجمالها. وأعرب عن أمله في أن تقدم الجهات المختصة دعمًا أكبر للمحتوى المحلي؛ لتمكين المؤثرين من إبراز جمال السلطنة بصورة أكثر احترافية واتساعًا، مؤكدًا أن عُمان تستحق حضورًا إعلاميًا أقوى يعكس تنوعها وجمالها.

وقالت عنود بنت محمد البلوشية من دائرة التسويق السياحي بوزارة التراث والسياحة: "هناك دعم مستمر للمؤثرين مثل محمد المخيني ومحمد العريمي وعمر النبهاني، ولدينا خطط واضحة لتعزيز الترويج لكل مناطق البلد واستغلال جميع المواسم السياحية مثل خريف صلالة وغيرها." وأضافت أن الوزارة نفذت مبادرة "مجمع النجوم" لدعم الاستراتيجية الوطنية للسياحة 2040 وتطوير الكفاءات الوطنية في القطاع.

بدورها، أوضحت سمية بنت سليمان الشملية أن الوزارة ليست عاجزة عن دعم المؤثرين، بل إن الترويج السياحي يلعب دورًا محوريًا في تطوير الاقتصاد الوطني وزيادة فرص العمل للعمانيين.

مقالات مشابهة

  • الصدام يتجدد.. رئيس رابطة الليجا يهاجم الفيفا بسبب كأس العالم للأندية
  • المؤرخ محمود السيد… سوريا مهد العقاب وموطن شعار العزة في العالم
  • “الإيسيسكو” تبحث إنشاء منصات رقمية لتوثيق تراث المملكة
  • التضاريس الوعرة والذخائر غير المنفجرة أبرز التحديات التي تواجهها فرق الدفاع المدني أثناء عملها لإخماد الحرائق في ريف اللاذقية
  • الصورة التي أربكت العلماء.. «الشبح الأحمر» يظهر بوضوح في الفضاء!
  • الإيسيسكو وهيئة التراث في المملكة تبحثان آفاق التعاون في مجالات حفظ وتثمين التراث
  • أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!
  • اتهام وكيل أعمال مرموش وماينو بالاغتصاب و"الاتجار بالبشر"
  • استدعاء مالك الشركة المصنعة للسيارة التي توفي فيها جوتا
  • التوسّع في استكشاف جمال عُمان طريق واعد نحو ازدهار السياحة الداخلية