شيخ الأزهر: حرب تحرير سيناء عام 73 عرَفْنا معها معنى العزَّة والكرامة والصُّمُود
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
افتتح فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب ، شيخ الأزهر، «اللقاء الدولي من أجل السلام» الذي تنظمه جمعية: «سانت إيجيديو» المنعقد في برلين بألمانيا خلال الفترة من: 10-12 سبتمبر 2023م، بعزاء شعب المملكة المغربية في مصابه الجلل الذي فطر قلوب الجميع؛ سائلا المولى -عز وجل!- أن يتغمد الضحايا بواسع مغفرته ورحمته، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر، وأن يربط على قلوبهم، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل.
وتقدم شيخ الأزهر بالشكر لجماعة «سانت إيجيديو» على دعوته لهذا اللقاء الذي يعكس إصرار «سانت إيجيديو» على تبني الدعوة للأخوة الإنسانية، والسلام العالمي، ما أهل هذه الجمعية النشطة لنيل جائزة «زايد العالمية للأخوة الإنسانية» هذا العام.
وتطرق فضيلة الإمام الأكبر إلى الحديث عن أهمية دور الأديان في العالم قائلا:" ما أظنكم تختلفون معي، في أن عالمنا اليوم، لم يكن في عصر من العصور السابقة بأحوج إلى الاستماع لصوت الأديان السماوية: صوت العقل والحكمة والتعارف، مما عليه الحال في عصرنا هذا، فهو بحق عصر الأهوال والكوارث، والعبث بالأرواح وحرمة الدماء، والسخرية من قيم الأديان وضوابط الأخلاق والفطرة الإنسانية، التي فطر الله الناس عليها، والاستهانة بحقوق المظلومين والمستضعفين والمعذبين في الأرض.
وتابع فضيلته أننا كنا نعتقد، بل ننتظر من العقود الأولى من الألفية الثالثة أن تحمل من تحضر الإنسانية وتراحمها وتعارفها بمقدار ما حملته من تقدم مذهل وقفزات مدهشة في مجالات التقدم العلمي والصناعي والحضاري المادي، إلا أن الواقع الأليم أثبت أن هذا التقدم لم يواكبه -مع الأسف- تقدم مواز في مجال المسؤولية الأخلاقية، والإصغاء لنداء الضمير والالتزام بالفطرة الإلهية التي فطر الله الناس عليها، وتبين لذوي العقول أن العلاقة بين التقدم التقني والحضاري وبين الحروب أصبحت -ومع الأسف- علاقة تلازم واطراد، رغم ما بشرنا به فلاسفة النهضة، وأكدوا عليه من أن تقدم الإنسان في العلوم وفي الحضارة سوف يقضي على الحروب وأسبابها قضاء مبرما، وأن السلام سوف يلازم التحضر، ويسير في موكبه أنى سار: رأسا برأس، وقدما بقدم، حتى إن الفيلسوف الفرنسي الشهير: كوندورسيه قال فيما قال عام 1787م: «بقدر ما تتسع رقعة الحضارة على الأرض، سنشهد زوال الحرب، وكذلك زوال العبودية والبؤس».
وأضاف شيخ الأزهر أن هذه الأماني سرعان ما تبين أنها حلم من أحلام اليقظة، وأن صليل الأسلحة وطبول الحروب، ودماء القتلى، وأنين الضحايا، وخسارة الأموال التي تحسب بالمليارات والتريليونات -كان الحقيقة المرة والواقع الأليم الذي صحت عليه الإنسانية في الشرق وفي الغرب أيضا، وأن الفيلسوف البلغاري المعاصر «تودورف تزفيتان»، والذي وافته المنية منذ خمس سنوات مضت، أصاب كبد الحقيقة وهو يقول: «إن الثقافات بكل مكوناتها التقنية والفنية تنتشر بسرعة متزايدة في أرجاء الأرض، وتعرفها شرائح كبيرة من سكان العالم، ومع ذلك؛ فإن الحروب لم تتوقف، والبؤس لم يتراجع، وحتى العبودية لم تلغ إلا من القوانين فقط، أما على مستوى الممارسة فإنها لازالت باقية».
وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى تجربته الشخصية مع حروب العالم التي عاصرها، لافتا إلى أنه ولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 46 من القرن الماضي، وما إن بلغ العاشرة حتى دهمت مدينته-"مدينة الأقصر" التي تضم ثلث آثار العالم- حرب العدوان الثلاثي في عام 1956م، ودكت مطارها المدني، وعرف -مع أقرانه في طفولتهم الباكرة- معنى: الرعب والخوف، وقضاء الليالي في الظلام الدامس، وفي مغارات تحت الجبال يأوي إليها مع آخر ضوء من النهار، ويخرج منها بعد الفجر، هربا من قنابل ترسل أضواءها الكاشفة، ثم تعقبها تفجيرات تنخلع لها القلوب.
وتابع فضيلته تجربته مع الحروب التي عاصرها أنه لم يمر على هذه الحرب أحد عشر عاما حتى داهمتنا في مصر حرب 67، وعشنا معها أياما أمر وأقسى من أيام حرب 56، تلتها سنوات شداد عجاف من اقتصاد الحروب، وخسائر الأرواح، وإن أنس فلا أنسى قنبلة ألقيت على مدرسة ابتدائية مكتظة بالأطفال والمدرسين والعاملين، وأحالتهم -في لحظات- إلى أكوام من الأشلاء المختلطة بتراب الأنقاض، ثم دخلنا حرب تحرير سيناء عام 73، تلكم التي عرفنا معها معنى العزة والكرامة والصمود.
وأضاف الإمام الأكبر أننا كنا نظن -آنذاك- أن عهد الحروب في منطقتنا قد ولى إلى غير رجعة، وأن حياة حافلة بالأمن والسلام والرخاء، بدأت تشرق علينا من جديد، وأن مؤسسات دولية عظمى تتعهد بحمايتنا من فوضى الحروب، ومن القرارات الطائشة، ومن تجارة السلاح، ووفرة الإنتاج الحربي، وأولوية كل ذلك وتقديمه على حياة الإنسان، وحقوقه ومصالحه غير أن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن، كما يقول الشاعر العربي، فقد سارت الأمور -بترتيب غامض مشبوه- في مسار الإرهاب الذي حصد أرواح الناس باسم الإسلام، وعاث في منطقتنا من أقصاها إلى أقصاها، ولم تكد تكسر شوكته حتى أسلمنا إلى سلسلة جديدة من الحروب لا تزال آثارها المدمرة تتوالد وتتكاثر مع كل مطلع شمس.
وأردف شيخ الأزهر أن سلسة الحروب الجديدة بدأت بحرب الخليج ثم تطورت إلى غزو العراق، وتدمير كثير من مؤسساته الحضارية والعسكرية والاقتصادية، ثم امتدت إلى سوريا ولبنان شمالا، ثم اتجهت جنوبا إلى اليمن، ثم ولت وجهها القبيح غربا نحو ليبيا، وبعد أن طال مقامها بعالمنا العربي امتدت إلى السهل الإفريقي، ثم عبرت المتوسط، وقسمت عالم الشمال، بل العالم كله، إلى ما يشبه معسكرين يقتتلان، وآفة هذه الحرب الأخيرة أن تأثيرها الخانق عم العالم كله، وأننا وإن كنا نعرف بدايتها، إلا أننا -باليقين- لا نعلم متى تكون نهايتها، ولا على أي وضع ستكون.
واستعرض الإمام الأكبر أهمية الأديان في حل مشاكل العالم المعاصر فقال": لست من المتشائمين ولا من المتطيرين، ولكن أصارحكم القول -ومن وجهة نظري، وفيما أرى- أنه لا أمل في الخروج من أزمة عالمنا المعاصر إلا بالاستنارة بهدي الدين الإلهي كما أنزله الله، هدى ورحمة للناس، لا كما يتاجر به بعض أبنائه في سوق السياسات وبورصة الانتخابات، ومن أجل ذلك شددت الرحال إلى الصديق العزيز البابا فرنسيس –بابا الفاتيكان-، وتواصلت معه فترة طويلة، توجت بإعلان وثيقة الأخوة الإنسانية، التي وقعناها في أبو ظبي عام 2019م، وهي وثيقة تنطلق -أصولا وفروعا- من القيم الإنسانية، ومن مقاصد الأديان.
ولفت فضيلته إلى قراءاته وقراءة كل العقلاء والحكماء لواقع عالمنا المعاصر فذكر أنه بقراءة الواقع قراءة أمينة تأكدنا أن منطق «القوة» و«الظلم» أصبح هو الأساس الحاكم للعلاقات بين الدول، بديلا عن منطق التراحم والتعاون والعدالة، ويكفي أن نعلم أن ما نسبته 1% من سكان العالم يمثل الفئة الأغنى التي تتمتع بثروات الآخرين، وهنا أتذكر الحكمة الإسلامية التي تقول: «إن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني»، وكذلك أكدت لنا قراءة الواقع حقيقة بالغة المرارة هي: التدخل الأجنبي في شؤون بعض الدول -وبخاصة الدول العربية- لتحويلها إلى سوق رائجة لتجارة الأسلحة، وما يلزم هذه التجارة من إثارة الفتن، وبعث النعرات العرقية والنزاعات؛ الدينية والطائفية، وإيقاظها من مراقدها، كما أكدت جشع الأغنياء والقادرين والمترفين ممن يفسدون في الأرض ويدمرون البيئة، ويحملون الدول الفقيرة تبعات جرائمهم.
وكشف فضيلة الإمام الأكبر زيف ادعاءات بعض دول الغرب في اتخاذها من الحرية ستارا تخفي وراءه كرهها وبغضها للأديان، مؤكدا أن الحوادث الأخيرة قد أكدت للجميع -ومع بالغ الأسف- حالة غير مسبوقة من كراهية الأديان، والاعتداء على رموزها ومقدساتها، وغني عن البيان حوادث حرق المصحف الشريف في بعض دول الغرب، والتي كنا -في الشرق- نعدها عملا فرديا طائشا يعبر عن مزاج شخصي منحرف أو مرض عصبي، لولا ما تطالعنا به الأنباء، من دعم بعض الحكومات لهذا الاجتراء المستفز لملياري إنسان يقدسون هذا الكتاب الكريم، وذلك تحت ستار: «حرية التعبير»، وهو استخفاف ساذج بالعقول وبدائه الأذهان، وما تعارفت عليه الإنسانية من التفرقة الحاسمة بين حرية التعبير وحرية الفوضى في الاعتداء على الآخرين وعلى مقدساتهم.
وأكد شيخ الأزهر أن المسلمين- وفي مقدمتهم الأزهر الشريف- رفضوا جريمة حرق الكنائس وهدمها في باكستان، وأعلن الأزهر في بيانه أن جريمة حرق الكنائس تعادل جريمة حرق المصاحف في الإثم والعدوان، وهذا هو موقف المسلمين، الثابت، والمنطلق من القرآن الكريم الذي يسوي في الاحترام بين نبي الإسلام ومن سبقه من الأنبياء، وبين القرآن والكتب السماوية السابقة عليه، والتي وصفها القرآن بأنها هدى ونور للناس، ويحمي الكنائس والمعابد كما يحمي المساجد.
وأشار فضيلة الإمام الأكبر خلال كلمته إلى ثلاثة أمور:
الأول: أن الظلم الذي لحق المرأة المسلمة في دولة إسلامية عريقة هي دولة أفغانستان، وصادر عليها حقها في التعلم والتعليم، وحقها في خدمة مجتمعها وممارسة الوظائف المناسبة لطبيعتها، وكل هذه حقوق أقرها الإسلام للمرأة ودعاها إليها منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام من الزمان.
والأمر الثاني: هو الظلم الذي يلحق نظام الأسرة الذي استقرت عليه البشرية منذ أبيها آدم -عليه السلام- ويشوه فطرتها، ويعبث بمصائر أطفالها وحقوقهم وكلها توجهات ترفضها الأديان، وتحذر من خطرها، وأنها إن تركت تدرج في هذا المسار الخاطئ؛ فإنها ستبيد -لا محالة- هذا الجنس البشري.
والثالث: وهو خاتمة المآسي والآلام: هو هذا الظلم البالغ الذي طال عليه الأمد، وأعني به: حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه وعيشه على أرضه، وصمت العالم المتحضر عن هذه المأساة الإنسانية التي طال عليها الأمد.
واختتم شيخ الأزهر كلمته في اللقاء الدولي من أجل السلام بأنه إذا كنتم تتفقون –أيها السيدات والسادة- في الحقيقة التي تقول: إن العالم كله أصبح اليوم وكأنه قرية واحدة، فهل نتفق على القول بأن سلام العالم مرتبط أشد الارتباط بسلام الشعوب، وأن المنطق الذي يقرر أنه لا يسلم الكل إلا إذا سلم الجزء، يقرر بنفس الدرجة أنه لا سلام في أوروبا بدون سلام الشرق الأوسط، وبخاصة: سلام فلسطين، ولا سلام في آسيا بدون سلام أفريقيا، ولا سلام في أمريكا الشمالية بدون سلام أمريكا الجنوبية.
يذكر أن "اللقاء الدولي من أجل السلام"، هو تجمع دولي تنظمه جمعية سانت إيجيديو – وهي منظمة إنسانية مقرها العاصمة الإيطالية "روما" وتنتشر في 73 دولة في أوروبا وإفريقيا وأمريكا وآسيا – في العاصمة الألمانية برلين، في الفترة من ١٠ إلى ١٢ سبتمبر الحالي، بحضور السيد فرانك فالتر شتاينماير، رئيس الجمهورية الألمانية، وعدد من قادة الأديان والمجتمعات، والشخصيات السياسية؛ لبحث سبل تعزيز قيم السلام والأخوة الإنسانية، ومكافحة تزايد وتيرة الإسلاموفوبيا في أوروبا، ومناقشة سبل التصدي للإساءة للمقدسات الدينية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: فضیلة الإمام الأکبر شیخ الأزهر من أجل
إقرأ أيضاً:
سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
في السادس عشر من مايو 1916م، تم التصديق على أكثر الاتفاقات التي قلبت العالم العربي، ولا تزال الشعوب العربية تجني ثمارها المرّة حتى يومنا هذا. إنها «اتفاقية سايكس بيكو» التي قسمت العالم العربي وكأنّه مجرد قطعة أرض تُوزّع بين القوى الاستعمارية، دون أدنى احترام لشعوبها أو تاريخها. وقّعت بريطانيا وفرنسا وروسيا اتفاقًا في الخفاء لتقاسم الميراث العثماني، دون أن يكون للعرب أي صوت في تحديد مصيرهم، ليبدأ بذلك فصل جديد من التبعية والتفكك.
فلسطين، الأردن، العراق، سوريا، لبنان، وحتى المضائق التركية، قُسّمت وكأنها غنائم تُوزّع بين الجلادين، ليبدأ الانقسام الذي لم يتوقف. لم يُستشر العرب في هذه الاتفاقات، بل وُجدوا أسرى لخرائط وصفتهم المستعمرات بها، والتي رسمها أعداء الأمة في خيانات معترف بها. لكن ما هو أشد مرارة من خيانة المستعمر هو صمت المتواطئين وتخاذل أولئك الذين كان من المفترض أن يكونوا حماة الأمة.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: بعد أكثر من قرن من الزمن، هل تغيّر شيء؟ وهل استفاقت الأمة من غيبوبة سايكس بيكو؟
للأسف، ما بدأه سايكس وبيكو من تقسيم على الورق، استمر الحكام العرب في ترسيخه في الواقع. بدلاً من إزالة الأسلاك الشائكة بين الأقطار العربية، تحولت الحدود إلى خطوط حمراء تُرفع عليها البنادق في وجه الأخوة. بدلًا من بناء مشروع عربي موحّد، أُقيمت مشاريع قطرية تابعة، تفتقر إلى أي رؤية سيادية، وتكتفي بالعجز، والتطبيع، والاستنجاد بالغرب في كل أزمة.
قادة العرب – إلا من رحم ربي – لم يستخلصوا العبرة. بل أصبح البعض منهم حراسًا أمينين على إرث سايكس بيكو، يتفاخرون بسيادة وهمية داخل حدود رسمها الاستعمار، ويقمعون كل محاولة لتجاوز هذه القوالب المصطنعة. بعضهم فرط في القدس، وبعضهم باع ثروات بلاده، وبعضهم ما زال ينتظر الإذن للوقوف مع شعبه، أو حتى ليغضب.
مايو ليس مجرد ذكرى خيانة، بل مرآة نرى فيها تخاذلنا المستمر. إنها لحظة يجب أن يُحاسب فيها القادة قبل الشعوب: إلى متى سنظل أسرى خريطة صنعها أعداؤنا؟ إلى متى يظل الانقسام قدرًا والتبعية خيارًا؟
سايكس بيكو لا تزال حية، لأن أدواتها باقية: أنظمة تابعة، نخب خانعة، وصمت عربي يشرعن الجريمة. أما التحرر الحقيقي، فلن يبدأ إلا عندما نكسر جدران الصمت، ونكفّ عن استجداء من قسمونا، ونستعيد قرارنا بأيدينا.
في مايو، لا نحتاج خطبًا ولا بيانات، بل نحتاج صحوة تخلع شرعية التبعية وتعلن بوضوح: هذه الأمة تستحق أن تحكم نفسها، لا أن تبقى رهينة اتفاقية خائنة وقيادات عاجزة.
ما سايكس بيكو إلا البداية في سلسلة طويلة من المؤامرات والمؤتمرات التي ما تزال تُحاك ضد الأمة حتى اليوم. كما عبّر عن ذلك بوضوح السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في إحدى كلماته بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد عام 1443هـ، حين قال: « هي أيضًا استراتيجية وسياسة يبنون عليها مخططاتهم، ولهم في ذلك مؤتمرات، في مراحل ماضية، ومراحل متعددة من التاريخ، هناك مؤتمرات غربية يحرِّكها اللوبي اليهودي الصهيوني من زمان، مؤتمرات تنعقد وتخرج باتفاقيات ومقررات معينة، هي عدائية بكل وضوح ضد هذه الأمة، هناك مثلاً اتفاقيات، مثل اتفاقية سايكس بيكو… واتفاقيات أخرى، ونقاط ومخرجات لمؤتمرات عقدت في المراحل الماضية، في مراحل متعددة، وإلى اليوم، الأمر مستمر إلى اليوم، مخرجات تلك المؤتمرات، تلك المناسبات، تلك الفعاليات، مخرجاتها من اتفاقيات ومقررات عدائية بكل وضوح لأمتنا الإسلامية، تضمَّنت: تقسيم العالم الإسلامي، العمل على منع توحده، إثارة النزاعات بين أبنائه تحت مختلف العناوين: العناوين الطائفية، العناوين السياسية، العناوين المناطقية، العناوين العرقية… تحت مختلف العناوين،…. « كلمات السيد القائد لم تكن مجرد توصيف عابر، بل تشريح دقيق لطبيعة المشروع الاستعماري الذي لم يتوقف عند سايكس وبيكو، بل امتد وتطور وتجدّد، تحت عناوين جديدة ومظاهر خادعة، لكنه لا يزال يستهدف الأمة في هويتها ووحدتها ونهضتها.
فهل يدرك قادة العرب اليوم أن بقاءهم أسرى سايكس بيكو هو قبول طوعي بالذل، وشهادة زور على استمرار المؤامرة؟ أم أن الخنوع أصبح سياسة رسمية تُدار بها العواصم تحت الرعاية الغربية؟
إن لم تكن ذكرى «سايكس بيكو» جرس إنذار، فهي شهادة جديدة على أننا نعيش في زمن الاستسلام المغلّف بالكذب الرسمي. العدو لم يعد يخطط في الخفاء، بل ينفذ جهارًا، والحكام – إلا من ثبتت مقاومتهم – لم يعودوا عاجزين فقط، بل مشاركين في اغتيال الكرامة.
لكن في قلب هذا الركام، ينهض أحرار الأمة ومعهم أحرار العالم، أولئك الذين لم تلوثهم اتفاقيات الذل، ولم تنكسر إرادتهم تحت وقع الهزائم. أحرار يصرخون في وجه الاستعمار الحديث: لن تمرّوا، ولن ننسى، ولن نبقى أسرى خرائط صنعتها بنادق الغزاة وحبر الخونة.
لا خلاص للأمة إلا برفع راية الوعي والمقاومة، وبإسقاط أنظمة التبعية التي تحرس حدود الاستعمار، وتقدّم مفاتيح الأوطان لأعدائها. فإما أن يُكسر قلم سايكس ويُدفن حبر بيكو تحت أقدام الأحرار… أو نبقى شعوبًا تُدار كالخرائط، وتُساق كالغنائم.
الخيار واضح: إما مقاومة تُعيد للأمة سيادتها… أو خنوع يُبقيها بلا ملامح ولا مصير. ومع أحرار العالم، سنحطم خرائط العار، ونكتب بقبضات المقاومة خريطة جديدة… خريطة لا يخطّها الغزاة، بل تنحتها إرادة الشعوب، وتُعلن ولادة زمنٍ لا مكان فيه للهيمنة، ولا سيادة فيه إلا للكرامة والحرية.