تُبقي المصالح الانفراج بين السعودية وإيران على المسار الصحيح منذ ستة أشهر، لكن من دون تحقيق تقارب حقيقي، فقرار إعادة العلاقات بينهما اتخذه الجانبان بحسابات باردة، بحسب تقرير لجورجيو كافييرو في موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأمريكي (Responsible Statecraft) ترجمه "الخليج الجديد".

وعبر اتفاق بوساطة الصين في 10 مارس/ آذار الماضي، استأنفتت الرياض وطهران علاقتهما الدبلوماسية، ما أنهى قطيعة استمرت 7 سنوات بين دولتين يقول مراقبون إن تنافسهما على النفوذ أجج صراعات عديدة في الشرق الأوسط.

ومشيرا إلى تبادل السفراء بين البلدين في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري، اعتبر كافييرو أنه "بعد ستة أشهر، لا يزال الانفراج الإيراني السعودي يسير على المسار الصحيح".

واستدرك: "لم توقع طهران والرياض على الاتفاق الدبلوماسي في بكين، بعد ما يقرب من عامين من الوساطة العراقية والعمانية، بدافع الحب المتبادل، لكن الاتفاق نتج عن مصالح كل منهما في تحقيق الانفراج في وقت معين".

((1))

دوافع للانفراج

و"من الأمور المركزية في السياسة الخارجية للرئيس الإيراني إدارة إبراهيم رئيسي مبدأ "الجيران أولا"، كما تابع كافييرو.

وأوضح أنه "مع استمرار تدهور العلاقات بين إيران والغرب، لا ترغب طهران في إقامة علاقات أوثق مع الصين وروسيا فحسب، بل تريد أيضا إقامة علاقات أفضل مع الدول الإسلامية في جوارها".

وأضاف أن هذه الدول تمثل "أعضاء مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان) ودول آسيا الوسطى ودول أخرى وباكستان، إذ  تأمل إيران أن تجني فوائد اقتصادية لتصبح في وضع أفضل للتحايل على العقوبات والضغوط الأمريكية (على خلفية برنامجي طهران النووي والصاروخي)".

وبالنسبة للسعودية، قال كافييرو إن "الرياض أدركت أن جذب ما يكفي من الاستثمار الأجنبي لإنجاح رؤية (ولي العهد الأمير) محمد بن سلمان 2030 يتطلب قدرا أكبر من الاستقرار في الداخل وفي جميع أنحاء المنطقة".

وتابع أن "هذا جعل تخفيف التوترات مع إيران أمرا ضروريا، لا سيما على ضوء نفوذ طهران على المتمردين الحوثيين في اليمن (جار المملكة)، الذين تسببت هجماتهم بالطائرات بدون طيار والصواريخ ضد البنية التحتية السعودية في أضرار جسيمة حتى تنفيذ هدنة أبريل/نيسان 2022".

وتضخ السعودية استثمارات ضخمة في قطاعات، بينها التكنولوجيا والسياحة والطاقة المتجددة والرياضة والفنون، ضمن رؤية 2030 الهادفة بالأساس إلى تنويع وتوسيع اقتصاد المملكة بعيدا عن الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، في ظل تقلبات أسعاره وتوجه العالم نحو الطاقة المتجددة غير الملوثة للبيئة.

اقرأ أيضاً

السعودية الـ16 بين اقتصادات دول مجموعة العشرين

حسابات باردة

ووفقا لباربرا سلافين، زميلة في مركز ستيمسون ومقره واشنطن، "اتخذ الجانبان قرار استعادة العلاقات بحسابات باردة، إذ تريد إيران أن تثبت أنها ليست معزولة إقليميا، بينما ترغب السعودية في بوليصة تأمين ضد الهجمات الخارجية فيما  تحاول تحقيق أهدافها الاقتصادية الطموحة".

"مع ذلك، تواصل طهران والرياض الشكوك حول بعضهما البعض، فمن وجهة نظر إيران، تظل شراكة الرياض مع الولايات المتحدة تشكل تهديدا كبيرا لأمن الخليج، في حين لا تزال السعودية ترى أن سلوك إيران الإقليمي مزعزع للاستقرار"، كما تابع كافييرو.

وقال علي فايز من مجموعة الأزمات الدولية إن "الأمر لم يتطور إلى تقارب حقيقي، وهذا بعيد المنال طالما أن إيران على خلاف مع الحليف الاستراتيجي الرئيسي للرياض، وهي الولايات المتحدة".

ورجح أن "الظل الطويل للمواجهة النووية بين إيران والولايات المتحدة سيمنع إعادة العلاقات الاقتصادية بين طهران والرياض ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى إشعال التوترات الإقليمية التي يمكن أن تمتد مرة أخرى إلى العلاقات الثنائية".

اقرأ أيضاً

واشنطن أم الرياض أم تل أبيب.. أين العقبة الأكبر أمام التطبيع؟

التطيع مع إسرائيل

واعتمادا على درجة التقارب بين السعودية وإسرائيل، بحسب كافييرو، "قد تكون هناك عواقب سلبية على العلاقات الإيرانية السعودية".

ولا توجد علاقات رسمية معلنة بين السعودية وإسرائيل، لكن تتواتر منذ أشهر تصريحات رسمية أمريكية وإسرائيلية في مقابل صمت رسمي سعودي عن أن واشنطن تناقش صفقة ضخمة لاحتمال تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

وقال كافييرو إن "طهران لا ترى أن العلاقات الدبلوماسية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل تشكل تهديدا في حد ذاتها، فهي مهتمة أكثر بكثير بالكيفية التي يمكن أن تؤدي بها اتفاقيات إبراهيم (للتطبيع) إلى تواجد عسكري إسرائيلي متزايد بالقرب من الأراضي الإيرانية".

وتعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها، وتمتلك تل أبيب ترسانة نووية لم تعلن عنها رسميا وغير خاضعة لرقابة دولية.

وقالت باربرا إن "إيران ستعشر أنها ملزمة بإدانة الرياض إذا قامت بالتطبيع مع إسرائيل، وستكون في حالة تأهب لأي عنصر عسكري أو استخباراتي لمثل هذه الصفقة".

ومتفقا مع باربرا، قال جواد هيران نيا، مدير مجموعة دراسات الخليج في مركز البحث العلمي والشرق الأوسط، إن "إيران تخشى حدوث تقارب عسكري وأمني أكبر بين عرب الخليج وإسرائيل في أشكال مثل نظام دفاع جوي مشترك".

وبحسب فايز، "من غير المرجح أن يصمد الوضع الراهن بين السعودية وإيران أمام اختبار الزمن ما لم يتم إضفاء الطابع المؤسسي عليه في شكل مشاركة سياسية متكررة رفيعة المستوى".

والمؤشر الرئيسي لكيفية تطور العلاقات الإيرانية السعودية لن يكون غياب الصراع أو الخلاف، بل "رد فعل كل منهما على قضايا حساسة (مثل النزاع حول حقل غاز الدرّة/آراش وحرب اليمن)"، وفقا لعزيز الغشيان، زميل معهد دول الخليج العربية في واشنطن.

اقرأ أيضاً

واشنطن أم الرياض أم تل أبيب.. أين العقبة الأكبر أمام التطبيع؟

المصدر | جورجيو كافييرو/ ريسبونسبل ستيتكرافت- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية إيران انفراج تقارب علاقات إسرائيل الصين بین السعودیة

إقرأ أيضاً:

ما أهمية محادثات إيران وقطر وعُمان لمفاوضات طهران وواشنطن؟

قال مدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز إن الاجتماع الوزاري الثلاثي بين إيران وقطر وسلطنة عُمان يعكس تصاعدا في وتيرة التنسيق الإقليمي حيال المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، مشيرا إلى أن قطر بدأت تلعب دورا أكثر وضوحًا في هذا الملف الحساس.

وأكد فايز أن التقدير السائد في طهران هو أن المحادثات وصلت إلى مرحلة شديدة الأهمية، خاصة بشأن تخصيب اليورانيوم، وهو الملف الذي بات يمثل نقطة كسر عظم بين إيران والولايات المتحدة، مما يفسر التحرك القطري المساند للدور العُماني في هذا المسار.

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد اجتمع في طهران، الأحد، مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، في لقاء ثلاثي عُقد على هامش "منتدى الحوار"، وبحث آخر مستجدات الوساطة الإقليمية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وأشار فايز إلى أن الإيرانيين ينظرون لتشددهم في ملف التخصيب باعتباره مسألة سيادية لا تحتمل التنازل، خاصة أن دورة الوقود النووي باتت مكتملة داخل إيران، معتبرا أن طهران تعتبر التخلي عن التخصيب على أراضيها تفريطا في إحدى ركائز قوتها التفاوضية الأساسية.

إعلان صفر تخصيب

ولفت إلى أن الولايات المتحدة تضع شرط "صفر تخصيب" كمدخل رئيسي لأي اتفاق، إذ ترى أن إنهاء هذه الأنشطة بالكامل يمثل ضمانة جوهرية لمنع توجه إيران نحو تصنيع السلاح النووي، لكن في المقابل، لا تلمس طهران ما تعتبره "ضمانات وازنة" من الجانب الأميركي حتى الآن.

وأوضح فايز أن السؤال الجوهري من وجهة النظر الإيرانية بات يتمحور حول ما يمكن أن تقدمه واشنطن مقابل خفض مستوى التخصيب أو وقفه، معتبرا أن قطر ودولا أخرى في الإقليم دخلت على هذا الخط في محاولة لتقريب وجهات النظر وإحداث اختراق محتمل.

وكانت الخارجية القطرية قد أكدت في بيان أن الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أعرب خلال اللقاء عن أمل بلاده في التوصل إلى "اتفاق منصف ودائم وملزم" بين إيران والولايات المتحدة، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار ويفتح آفاقا جديدة للحوار الإقليمي.

وشدد فايز على أن الدخول القطري على هذا المسار يعكس إدراكا بأن المفاوضات وصلت إلى نقطة بالغة الحساسية، حيث لم تعد محكومة فقط بمنطق عض الأصابع، بل انتقلت إلى مرحلة كسر إرادات، في انتظار من يبادر بالتنازل أولا.

قضية مقدسة

وأضاف فايز أن إيران لا تعتبر التخصيب قضية مقدسة، لكنها في الوقت ذاته تربط أي تراجع فيه بوجود ضمانات حقيقية من الجانب الأميركي، مشددا على أن طهران ما زالت ترى أن هذه الضمانات غير متوفرة، وهو ما يعقد فرص التوصل إلى اتفاق شامل.

وكان وزير الخارجية الإيراني قد أكد، الأحد، أن بلاده ماضية في عمليات تخصيب اليورانيوم، في رد مباشر على تصريحات المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، معتبرا أن مطالب واشنطن "غير واقعية" وأن التقدم يتطلب اعترافا بالوقائع على الأرض.

وأبدى المسؤولون الإيرانيون، ومن بينهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، تفاؤلا حذرا حيال فرص تحقيق تقدم، شرط أن تتخلى واشنطن عن "نهج الإكراه والتسلط"، حسب تعبيره خلال لقائه رئيس الوزراء القطري، حيث أكد أن بلاده لن ترضخ لأي إملاءات خارجية.

إعلان

وتدعو الولايات المتحدة إيران إلى التخلي عما لديها من يورانيوم عالي التخصيب وإرساله خارج البلاد، أما طهران فتطالب برفع العقوبات عنها والحصول على ضمانات بعدم تكرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق كما حدث عام 2018 خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب.

مقالات مشابهة

  • القاهرة الإخبارية: تقارب أوروبي بريطاني وسط توتر في العلاقات مع واشنطن
  • إيران تراجع مقترحا لعقد جولة خامسة من المحادثات النووية
  • عودة تاريخية بعد 7 سنوات.. استئناف رحلات الحج بين السعودية وإيران
  • إيران تصطدم بواشنطن.. المحادثات النووية تواجه اختبارا "صعبا"
  • إيران تستدعي دبلوماسيا بريطانيا بعد "أزمة الاعتقالات"
  • أزمة دبلوماسية جديدة بين إيران وبريطانيا
  • ما أهمية محادثات إيران وقطر وعُمان لمفاوضات طهران وواشنطن؟
  • ماذا تريد إيران دوليا وإقليميا من منتدى طهران للحوار؟
  • رئاسة كوردستان: لقاءات نيجيرفان بارزاني في طهران مستمرة وتركز على تعزيز العلاقات الثنائية
  • أميركا ترسم "خطا أحمر" بشأن الاتفاق النووي.. وإيران تردّ